من التاريخ

بسمارك موحدًا ألمانيا: المشاكل المهمة لا تحلّ بالخطب... بل بالدم والحديد
إعداد: د. شادية علاء الدين

اوتو فون بسمارك الرجل القوي والمتوقد الذهن الذي حقق الوحدة الألمانية وقهر اعداءه وأحكم رسم خططه، واحد من عظماء التاريخ. كان يعرف ما يريد وكيف يصل إلى ما يريد.

 

نشأة بسمارك ومسيرته
ولد بسمارك العام 1815 في براند بورغ البروسية، وهو من عائلة بروسية ارستقراطية موالية للعرش ومحافظة على التقاليد العسكرية. تلقى دروسه في برلين وأكمل الخدمة العسكرية ثم عمل في العدلية فترة وجيزة انتقل بعدها للعمل في اراضي عائلته الواسعة فترة من الزمن. العام 1847 دخل ميدان السياسة حين انتخبه سكان المقاطعة ممثلًا عنهم في البرلمان البروسي حيث ادى واجبه على اكمل وجه لما امتلكه من موهبة خطابية وحجة قوية بليغة. بعد ذلك عيّن ممثلًا لوطنه في مجلس الاتحاد في فرانكفورت.
كان بسمارك صاحب شخصية قوية جدًا، قاسي الطبع، يؤمن بالمبادئ الملكية الاستبدادية، يحتقر الدساتير واساليب الحكم الديموقراطي، مما اثار اعجاب الملك الذي عينه سفيرًا لبلاده في روسيا (1859) ثم في باريس (1862)، التي استدعي منها في السنة نفسها ليترأس الوزارة البروسية. في خطابه الأول في البرلمان عقب توليه الوزارة اعرب عن سخريته من مبادئ الاحرار ونظرياتهم. يومها قال: «إن انظار ألمانيا لا تتطلع إلى الحركة التحررية البروسية بل إلى قوة بروسيا... وإن مشاكل العصر المهمة لا تحل بالخطب ومقررات الاكثرية بل بالدم والحديد».
 

أهدافه وسياسته
رغب بسمارك في توحيد ألمانيا ورأى أنه يجب على حكومة بروسيا القيام باعباء الوحدة الألمانية وإلا فهي لن تتحقق. وللوصول إلى هذا الهدف وضع برنامجًا واسعًا سعى إلى تحقيقه بطريقة علمية مدروسة. وقد تضمن البرنامج اربع نقاط هي:
1- تعزيز قوة الجيش.
2- إخراج النمسا من ألمانيا.
3- ضم الولايات الشمالية والوسطى الواقعة بين بروسيا وممتلكاتها الغربية في منطقة الراين.
4- التفاهم مع الولايات الجنوبية المناهضة لبروسيا وإقناعها بالانضمام إلى اتحاد ألماني عام تتزعمه بروسيا.
عمل بسمارك على تنفيذ برنامجه متبعًا سياسة الشدة والبطش ومتجاهلًا البرلمان ومعارضة الأحرار، فمضى في تقوية الجيش وفرض الضرائب على الشعب على الرغم من عدم اقرارها في البرلمان، ووضع قيودًا شديدة على الحرية العامة والإجتماعات والصحافة، ونكّل بالأحرار.
وقد توصل إلى ما اراد بفضل السياسة الشديدة التي اتبعها، إذ أنه خلال بضع سنوات حقق الوحدة الألمانية من دون الاستعانة بدول أخرى أو افتعال الثورات الداخلية.
 

الحروب التي خاضها
وجّه بسمارك جهوده لقهر النمسا وفرنسا واعتبر كلتيهما خصمًا للوحدة الألمانية. استعد أولًا لمحاربة النمسا وأجاد رسم خططه لقهرها، كما عقد اتفاقات مع الدول الكبرى ليكفل عدم عرقلتها خططه. وفي اواسط حزيران من العام 1866 خاضت بروسيا الحرب ضد النمسا وانتصرت عليها انتصارًا كبيرًا تحقق خلال سبعة اسابيع فقط.
أما الحرب البروسية – الفرنسية فقد بدأت في 19 تموز 1870، وقد حققت بروسيا خلالها انتصارين كبيرين في الألزاس واللورين، وحاصرت باريس واجبرتها على الاستسلام في كانون الثاني على الرغم من مقاومة الأهالي الشديدة.
 

الأمبراطورية الألمانية
لفت بسمارك انتباه ملوك الولايات وامرائها إلى اهمية الاتحاد وفائدتـه في تعزيز مركز الأمة الألمانية، واتفق معهم على اقامة دولة ألمانية برئاسة القيصر الألماني، فاحتفظت كل ولاية بسيادتها الكاملة في الأمور الداخلية وتوحدت جميعها في الشؤون الخارجية والعسكرية.
في كانون الثاني اجتمع الملوك والأمراء الالمان في قاعة المرايا في قصر فرساي بفرنسا واعلنوا قيام الامبراطورية الألمانية، وتوّجوا ملك بروسيا وليم الاول امبراطورًا عليها ليحمل لقب القيصر الألماني، وفي تلك الساعة حقق بسمارك هدفه الكبير. وهكذا شهد القرن التاسع عشر قيام دولة وطنية ألمانية.


المراجع والمصادر:
- عبد العزيز سليمان نوار، عبد المجيد نعنعي: التاريخ المعاصر.
- منير البعلبكي، بهيج عثمان، شفيق جحا: المصور في التاريخ.
- ارنولد توينبي: تاريخ البشرية، الجزء الثاني.