اقتصاد وبيئة

لبنان ينضم الى الدول الصديقة للأوزون بمساعدة من برنامج الأمم المتحدة
إعداد: تريز منصور

معظم المصانع اللبنانية استبدلت المواد المضرة بالأوزون بأخرى غير مؤذية وكلفتها أقل

تآكل طبقة الأوزون، خطر يهدد الحياة على الأرض، ولمجابهة هذا الخطر، صدّقت 168 دولة في العالم ومن بينها لبنان، على بروتوكول مونتريال الذي يهدف الى تقليص النشاطات المضرة بطبقة الأوزون، وعدم استعمال المواد التي تسبب تآكلها لا سيما المواد الغازية المستعملة في بعض الصناعات

(كالرذاذات، والإسفنج واجهزة التبريد والمبيدات الزراعية...).
ولدعم الدول النامية في هذا المجال، أنشئ الصندوق المتعدد الأطراف الذي موّل مشاريع تحويلية في العديد من الدول النامية ومنها لبنان.
في هذا الإطار أنشئ مكتب الأوزون في وزارة البيئة اللبنانية في العام 1998، وهدفه الرئيسي نشر الوعي البيئي وتحويل الصناعات بحيث يتم الإستغناء عن المواد الضارة بطبقة الأوزون المستعملة في هذه الصناعات، واستبدالها بمواد أخرى غير مؤذية.
ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)

تم تحويل معظم مصانع الرذاذات وأجهزة التبريد والإسفنج ومستحضرات إخماد الحرائق... بمساعدات من الصندوق المتعدد الأطراف.
استعمال المصانع للمواد غير المؤذية للبيئة حقق إضافة الى الفوائد البيئية فوائد إقتصادية. فقد انخفضت كلفة الإنتاج بمعدل يتراوح بين 30 و60 في المئة، نظراً لكون المواد البديلة التي باتت تستعمل، أقل كلفة من تلك التي كانت تستعمل سابقاً. الى ذلك بات بإمكان هذه المصانع تصدير منتجاتها الى الدول التي وقعت بروتوكول مونتريال، بعد أن باتت مستوفية للمواصفات العالمية.
للإطلاع على تفاصيل ما يجري في هذا الإطار التقت"الجيش" مدير مكتب الأوزون في وزارة البيئة المهندس مازن حسين، فكان هذا الحديث.

 

دور لبنان

* هناك مساع دولية لتفادي مخاطر تآكل طبقة الأوزون، أين يندرج دور لبنان في هذه المساعي؟
­ مع تزايـد الإهتمام العالمي بالمشـاكل البيئية المعاصـرة، احتلـت مشكلة استنزاف أو تآكل طبقة الأوزون مكان الصدارة بين عدد من المشاكل البيئية العالمية التي كثر الحديث عنها منذ أواخر الستينات وأوائل السبعينات. وكان الاعتقاد السائد من قبل أن طبقة الأوزون، التي تقوم بحماية الغلاف الجوي من التأثيرات الضارة للأشعة فوق البنفسجية ذات الموجات القصيرة والقادمة من الفضاء الخارجي، هي طبقة ثابتة لا يعتريها أي تغيير. إلا أن الدراسات الحديثة أثبتت عكس ذلك، حيث أكدت القياسات أن طبقة الأوزون هذه تتعرض للتدمير المستمر بفعل تصاعد عدد من المركبات الكيميائية (التي صنعها الإنسان واستخدمها في كثير من أنشطته في مختلف القطاعات، مستفيداً من خصائصها الفريدة)، الى طبقات الجو العليا ما يؤدي الى تآكل مركّب الأوزون.
ونظراً لعالمية المشكلة كان لا بد من حفز التعاون الدولي وتكثيف جهود كل الدول العالم للحد من النشاطات التي ينتج عنها غازات مدمرة للأوزون والتقليل من استخدام المواد التي تستنزفه أو منعها.


وقد أدت الجهود الدولية المكثفة والتي ظل برنامج الأمم المتحدة للبيئة ينسقها ويحفزها منذ عام 1977 بالتعاون مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والوكالات الوطنية المتخصصة، الى وضع إتفاقية فيينا لحماية طبقـة الأوزون في آذار 1985، وتم التوقيـع بعد ذلك على بروتوكـول مونتـريال من قبـل 87 دولة بشأن المواد المستنفـذة لطبقـة الأوزون في أيلـول عام 1987. هذا البروتوكول وضع حدوداً لانتاج المـواد الضارة المؤثـرة سلباً على طبقـة الأوزون بهدف التخلص تدريجيـاً منها مع حـلول القرن الواحـد والعشرين. وتجـدر الإشـارة الى أن عدد الدول المصدّقـة على البروتوكـول بلغ في أوائل التسعـينات 168 ومن بينها لبـنان الذي صدّق عليه في آذار 1993.
أهم المقررات

 

* ما هي أهم مقررات بروتوكول مونتريال؟
­ حمّل بروتوكول مونتريال في إحدى مقرراته الرئيسية، كامل المسؤولية للدول الصناعية، في ما يتعلق بالوضع السيء الذي وصلت إليه طبقة الأوزون. وبناء على ذلك أنشئ الصندوق المتعدد الأطراف بهدف مساعدة البلدان النامية في تغطية تكاليف امتثالها لبروتوكول مونتريال وتعديلاته، وتوفير نقل التكنولوجيا الملائمة الى هذه البلدان حسب حاجتها، وفي إطار مشروعات تقترحها ضمن برامجها القطرية ويقوم الصندوق بتمويلها. وهذه المساعدة هي بمثابة هبات للدول التي لا تستطيع تحويل صناعاتها بطاقاتها الفردية، لا سيما وأنها تعاني أصلاً من كلفة إنتاج مرتفعة نسبياً.

 

* هل بدأ تطبيق البروتوكول في لبنان ومتى؟
­ تم في العام 1996 في وزارة البيئة، وضع دراسة حول حماية طبقة الأوزون في لبنان، استناداً الى مضمون بروتوكول مونتريال. وقد وافق عليها الصندوق المتعدد الأطراف، وصرف التمويل اللازم لإنشاء مكتب حماية الأوزون في وزارة البيئة. وفي العام 1998 بدأ العمل في هذا المكتب بإدارة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)

، الذي تتمحور أهدافه الرئيسية حول نشر الوعي البيئي في لبنان، لا سيما في ما يتعلق بتآكل طبقة الأوزون، وتحويل كافة الصناعات اللبنانية التي تستخدم المواد الضارة لهذه الطبقة، الى صناعات بديلة صديقة للبيئة وللأوزون، موافق عليها تكنولوجياً في الخارج، من قبل الدول الموقّعة على البروتوكول.
وبناء على ذلك، أجري في العام 1998 مسح ميداني شمل جميع القطاعات المستهلكلة للمواد المستنفذة لطبقة الأوزون، وتضمن معلومات وإحصاءات عن هذه المواد وطرق استعمالها.
وبعد هذا المسح، وضعت استراتيجية لقطاع صناعة الرذاذات (Spray)

، وصناعة الإسفنج والعوازل، وأجهزة التبريد وإطفاء الحريق والمبيدات الزراعية.

 

التدابير المتخذة وكلفتها

* ما هي المواد التي استعملت في الصناعات لتحويلها، وكم بلغت كلفة المشروع في لبنان وهل شملت القطاعات كافة؟
­ ثمة الكثير من البدائل للقطاعات التي تعتمد المواد المستنفذة لطبقة الأوزون؛ وحتى القطاعات التي ما زالت تستخدم تلك المواد اعتمدت تدابير لتقليص تسرب هذه المواد الى الجو، نذكر منها:
 

* صناعة الرذاذات (Aerosols)

كانت تستخدم في هذا القطاع مادة الفريون 11 و12 للدفع وقد تم استبدالها بالهيدروكربونات.
وضمن مشروع الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)

الذي ذكرناه سابقاً تم حويل مصنعين للرذاذات في العام 1998، وخمسة مصانع في العام 2002، وبقي مصنع واحد سوف يتم تحويله في العام 2004. وقد بلغت قيمة المساعدات في هذا القطاع مليون و500 ألف دولار أميركي قدمها الصندوق المتعدد الأطراف.
ويمكننا التأكيد أن كلفة إنتاج قارورة واحدة قد انخفضت في هذا القطاع بما يتراوح بين 30 و40 في المئة، باعتبار أن كلفة الغازات الصديقة للأوزون وللبيئة، هي أقل بكثير من الغازات المدمرة لها، والتخفيض في كلفة الإنتاج، سوف يتيح الفرصة أمام هذا القطاع لتصدير منتوجاته الى دول الإتحاد الأوروبي والى الدول الموقّعة لبروتوكول مونتريال. علماً أن معظم الدول المتقدمة تمنع إستيراد سلع تحتوي على مواد مدمرة لطبقة الأوزون.

. قطاع صناعة فرشات الإسفنج (FOAMS)

والعوازل: استخدمت الفريونات (CFCs)

كمواد نافخة، أما اليوم فقد توقف لبنان عن استخدام هذه المواد بعد استبدالها بالهيدروكربونات وكلوريد الميثيلين وثاني أوكسيد الكربون والماء. ولقد تم تحويل 8 مصانع من أصل 10 مصانع منذ العام 1998، وبلغت قيمة المساعدات مليون ومئة ألف دولار أميركي. وقد ساهمت المواد المستبدلة في هذا القطاع في تخفيض كلفة الإنتاج بنحو 20 في المئة.

. قطاع التبريد والتكييف: استبدلت المواد المستنفذة لطبقة الأوزون بالمواد الهيدروكربونية أو الأمونيا التي لا تؤذي الأوزون. كما تستخدم مركبات الكربون الهيدروكلورية والفلورية (HCFCs)

في بعض القطاعات، وهي تعتبر من المواد الإنتقالية، فخطرها على طبقة الأوزون أقل بكثير من الفريون، ولكن لن يدوم طويلاً استعمال هذه المواد اذ سنتخلص منها قريباً.
وأشار المهندس حسين الى ضرورة صيانة الثلاجات وأجهزة التبريد، للتخفيف من تسرب الفريون منها، أما الأجهزة الأخرى فيمكن تغيير بعض أجزائها وتشغيلها باستخدام المواد الكيميائية البديلة.
ولا بد من الإشارة الى أن السلع المستبدلة تمتاز بالجودة نفسها في هذا القطاع، ولكن كلفة الإنتاج لم تنخفض سوى 3.7 باعتبار أن كلفة الغاز زهيدة بالنسبة للسلعة (البراد)، ولكنها تساهم في خفض فاتورة الكهرباء بنحو 30 في المئة.
وتابع حسين حديثه قائلاً:


يقسم قطاع التبريد الى ثلاثة أقسام:
­ البرادات المنزلية: تم تحويل المصنع الوحيد في لبنان سنة 2000، بكلفة بلغت مليون و382 ألف دولار. وبالتالي بات بإمكان هذا المصنع التصدير الى الخارج، لأنه يطبق المواصفات والمعايير الدولية الموضوعة.
­ البرادات التجارية: تم تحويل 41 مصنعاً من أصل 60 منذ العام 1999، وبلغت قيمة المساعدات الإجمالية لهذا القطاع نحو مليون و800 ألف دولار.
­ التكييف: إن هذا القطاع لا يتضمن مصانع بل محلات تجارية وشركات وكاراجات خاصة بتكييف السيارات... لذلك أقام مكتب الأوزون ورش تدريب وتأهيل وتوجيه لعاملين فيه وقد بلغت قيمة المساعدات فيها 800 ألف دولار أميركي.
 قطاع إطفاء الحريق: استخدمت في أجهزة مكافحة الحرائق الهالونات (HALONS)

 أما في الوقت الحاضر فقد استبدلت بثاني أكسيد الكربون والرغويات والماء الذي يستخدم في حرائق الزيت والبنزيت بعد تطوير تقنية رش الماء بواسطة الضغط العالي.

قطاع المبيدات الزراعية: أظهرت التجارب أن كثيراً من أنـواع النباتات حساسـة ضد الأشعـة ما فوق البنفسجيـة، فقد يؤدي تعرض بعض المحاصيل الزراعية مثل الأرز وفول الصويا لهذه الأشعة الى ضمـور حجم النباتات وقلة إنتاجها، كما يحدث تغييـرات كيميائية في النباتات وتضعف قيمتها الغذائية. وتفادياً لذلك فإن المزارعين يستخدمون مادة الميثيل بروتيين، وهي مادة خطرة وسامة.
ولمنع استعمال هذه المادة، يتولى المكتب مشروعاً لمساعدة المزارعين على استخدام مواد بديلة، كالطاقة الشمسية لتعقيم التربة، وكذلك استخدام البخار وبعض المواد الكيميائية الصديقة للبيئة وللأوزون.

بدأ تنفيذ هذا المشروع في العام 2001 في وزارة البيئة ولمدة أقصاها خمس سنوات، أما الكلفة فتبلغ نحو 5 ملايين دولار أميركي. يساهم هذا المشروع في تخفيض كلفة تعقيم التربة وبالتالي كلفة الإنتاج الزراعي بنسبة تبلغ نحو 60 في المئة، كما يصبح الإنتاج الزراعي صديقاً للبيئة وللأوزون وللإنسان معاً.
 

* هل يمكننا القول اليوم، بأن الصناعة والزراعة اللبنانيتين، أصبحتا صديقتين للبيئة والأوزون؟
­ وضع مكتـب الأوزون خطة شاملة ونهائية للقطاعات الاقتصادية اللبنانية كافة، من أجل الوصول الى مرحلة التخلص النهائي من المواد المستنفـذة لطبقـة الأوزون، والتي تستخدم كما ذكرنا في بعض الصناعات. وقد ساهم المكتب أيضاً في وضـع بعض التشريعات الضرورية التي تمنع استيراد وتصدير تلك المواد الخطرة على طبقـة الأوزون، وكذلك ساهم في نشر الوعي البيئي بين المواطنـين على الأصعدة كافة.
ويهـدف تنفيذ هذه المشاريع الى تحقيق منع استيراد واستخدام المواد الضارة بالأوزون في سنة 2010، اي في الموعد الذي حدده بروتوكول مونتريال.


تأثيرات زيادة الأشعة فوق البنفسجية

أبرز تأثيرات زيادة الأشعة فوق البنفسجية هي في الضرر الذي تسببه لجلد الإنسان، إضافة الى تأثيرات على العين وأخرى في جهاز المناعة لدى الإنسان والحيوان على السواء. كما أن هذه الأشعة تؤذي النباتات فتضر بمحاصيلها وتخفض من قيمتها الغذائية.

 

هل هناك علاقة بين استنزاف الأوزون وتغيّر المناخ؟

لقد أضحى من الثابت أن ظاهرتي استنزاف طبقة الأوزون الستراتوسفيري وتغيّر المناخ كلاهما ناتجان عن تأثير الأنشطة البشرية على الغلاف الجوي. وبالرغم من أن كل واحدة من هاتين المشكلتين البيئيتين تختلف في طبيعتها عن الأخرى، إلا أنهما تلتقيان في العديد من الطرق وأهمها:
1­ المواد المستنزفة لطبقة الأوزون تشارك في ظاهرة الإحترار العالمي (Global Warming) .
2­ ظاهرة الاحترار العالمي يمكن أن تفاقم استنزاف الأوزون.

 

ما هو ثقب الأوزون؟
بالرغم من أن استنزاف الأوزون يزداد بصورة عامة من المناطق الاستوائية باتجاه مناطق خطوط العرض الوسطى، ويصل الى أعلى مستوى له عند الأقطاب، فإن استنزاف الأوزون المقاس فوق منطقة القطب الجنوبي (Antarctica)

أثناء شهري أيلول وتشرين الأول يكون أكبر بكثير مما هو عليه في مناطق أخرى، بحيث تتراجع سماكة طبقة الأوزون في هذه المنطقة الى الحدود الدنيا.
وقد أطلق العلماء على هذه الظاهرة تعبير "ثقب الأوزون". وهي تستمر لمدة شهرين تقريباً من كل ربيع جنوبي حيث ينخفض مجموع الأوزون ليصل الى 60 في المئة، ويتركز معظم هذا الإنخفاض فوق منطقة القطب الجنوبي.
عرف "ثقب الأوزون" على المستوى الشعبي في العام 1985، وقد لعبت هذه التسمية دوراً مهماً في عملية تعجيل الإتفاق الدولي لحماية طبقة الأوزون والذي أطلق عليه تعبير "إتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون" والذي يعتبر الحجر الأساس في وضع إتفاقية دولية للحد من استخدام المواد المستنزفة لطبقة الأوزون والتي أطلق عليها تعبير "بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفذة لطبقة الأوزون".
إن "ثقب الأوزون" يتكون نتيجة لتضافر بعض العوامل الخاصة والظواهر المناخية التي تنفرد بها منطقة القطب الجنوبي، ففي كل شتاء تقوم "الدوامة القطبية" بعزل كتلة كبيرة من هواء الستراتوسفير فوق منطقة القطب الجنوبي، ونتيجة لغياب أشعة الشمس في فصل الشتاء في تلك المنطقة، فإن الطقس يكون شديد البرودة، مما يشجع على نمو سحابات ثلجية في تلك الكتلة المعزولة وتحدث فيها تفاعلات كيميائية خاصة. وعندما تشرق الشمس مرة أخرى في الربيع، فإن المواد الكيميائية المحتوية على الكـلور والموجـودة في حالة خاملة تتحول الى أشكال نشطة قادرة على مهاجمة الأوزون. وتزداد سرعة هذه العمليات مسببة تحطيماً سريعاً للأوزون حتى تنقشع "الدوامة القطبية" مشتتة الهواء في اتجاه خط الإستواء.
ولقد أكدت التجارب والأبحاث التي أجريت في منطقة القطب الشمالي على وجود بعض الآليات الضرورية لإحداث تدهور سريع في الأوزون في تلك المنطقة أيضاً. ولكن لحسن الحظ فإن "الدوامة القطبية" في القطب الشمالي تتشتت بصورة طبيعية عند بداية فصل الربيع، أي قبل إعطاء فرصة كافية لأشعة الشمس لتحطيم كميات كبيرة من الأوزون، وبذلك لا تتكون ظاهرة ثقب الأوزون في تلك المنطقة بالشكل الذي تحدث به في منطقة القطب الجنوبي..

 

تصوير: المجند فادي سمعان