جيشنا

LEB-CORS الشبكة الوطنية للمحطات المرجعية في خدمة التنمية والتطوير
إعداد: ليال صقر الفحل

«لا توجد كلمة مستحيل إلا في قاموسِ الضعفاء»، قولٌ لنابوليون بونابرت يحمل الكثير من المعاني التي تَنطبق على عناصر جيشنا، إِذْ يُواجِه اليوم أقسى التحديات. فالإرادة، والعزيمة، والقوة، والثبات، والمبادرة، والإصرار.. كلُّها تُناقض مفهوم الاستحالة والضعف. هي معانٍ تميز عناصرنا وتجعلهم محط أنظار الجميع، وموضع تقدير واحترام». 

استحضر قائد الجيش العماد جوزاف عون كلام نابوليون ليؤكد أنّ «ما نمر به من تحديات لم يقوَ علينا ولم ينَل من عزيمتنا، إنما زادنا إصرارًا». أما مناسبة الكلام فكانت إطلاق مديرية الشؤون الجغرافية مشروعًا وطنيًا حيويًا يقدّم للجهات المستفيدة منه فرصة تطوير عملها بدقةٍ وسرعة وبكلفةٍ أقل، ويدعم قرارات واستراتيجيات ترتبط بالتنمية والتطوير على المستوى الوطني العام. 

 

نعم، وبينما يعيش لبنان أسوأ أيامه، ويتبدد كل يوم المزيد من قدرات مؤسساته، استطاع الجيش تنفيذ هذا المشروع الحيوي، وأعلن افتتاحه في احتفال أقيم في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان أُطلقت خلاله الشبكة الوطنية للمحطات المرجعية ذات الرصد المستمر لتحديد المواقع على الصعيد الوطني، والتي أطلق عليها اسم LEB-CORS، وذلك في حضور عدد من الوزراء والفاعليات والأطراف المعنية. 

 

مرجعية موحدة عالية الدقة

تتميز هذه الشبكة بكونها مرجعية جيودازية موحدة بدقةٍ عالية ترتكز على نظام عالمي متطور هو ITRF ٢٠١٤ وتخدم أعمال الطوبوغرافيا في القطاعَين العام والخاص، من خلال تأمين معايير موحدة وبيانات تُغني البحوث العلمية في لبنان والخارج، خصوصًا تلك المتعلقة بالصفائح التكتونية ودراسات طبقات الغلاف الجوي.

كذلك، تتيح الشبكة فرصة تحسين دقة تتبُّع حركات المركبات والقطع البحرية واقترابها من المرافئ، والتحكم بالآليات والأعمال الهندسية وجمع المعلومات الجيوميكانية والتصوير الأرضي ومسح البنى التحتية. وهي تخدم كل من يتعاطى شؤون المساحة، كالمهندسين والطوبوغرافيين الذين ستتيح لهم إمكان الحصول على تصحيحات آنية لتحديد الإحداثيات بدقةٍ لا تتجاوز ٢سم، وهو واقع سوف يسهّل تحديد حدود العقارات في المناطق الممسوحة ويبعد النزاعات والخلافات التي تنشأ عنها، الأمر الذي سيحقق تجانس أعمال المساحة في إسقاط مبانٍ وتحديد طرقات وخطوط نقل الطاقة فتكون الأعمال دقيقة ولن تختلف بين مسح وآخر ونقطة وأخرى.

 

مشروع ضمن رؤية 

العماد عون الذي تناول في كلمته أمام الحضور أهمية هذه الشبكة أشار إلى أنّ تواضع الإِمكانات والأزمة المالية لم يقفا عائقًا أمام تحقيق مديرية الشؤون الجغرافية هذا المشروع الحيوي الوطني. كما لفت إلى أنّه «يندرج ضمن رؤية قيادة الجيش المتعلقة بتضافر الجهود الوطنية بشقّيها العسكري والمدني، وتبادل الإمكانات والخبرات والدعم بين الجيش وبقية المؤسسات العامة والخاصة، بما يخدم مصلحة وطننا. وقال: «نعمل باستمرارٍ على تطبيق مشاريع مماثلة في المستقبل، ليس في مديرية الشؤون الجغرافية فقط، بل في وحدات متخصصة أخرى أيضًا».

 

سر قوتنا وعزيمتنا

لم يكن للمشروع أن يُبصر النور لولا الثقة التي يمنحها اللبنانيون سواء أكانوا مقيمين أو مغتربين للمؤسسة العسكرية، وفق ما أكد قائد الجيش الذي اعتبر أنّ هذه الثقة، تُترجم يوميًا بالمساعدات والهبات التي يُقدّمونها لها. وهو وضع في خانة الثقة أيضًا حصول مديرية الشؤون الجغرافية على شهادة المنشأ من وزارة الصناعة، ما سيتيح للمديرية التوسع في تنفيذ المشاريع خارج حدود الوطن.

وإذ توجه بالشكر إلى الحضور ومديرية الشؤون الجغرافية، ختم معاهدًا بالمحافظة على ثقة الشعب بالمؤسسة قائلًا: «نحن جزء من نسيج شعبنا ومن مكوناته. إنّ مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء لن تحيد عن شعارها. ستبقى على قسَمها الأزلي الأبدي وهو الدفاع عن لبنان وشعبه. هذا القسم الذي سطّرناه بدماء الشهداء والجرحى، هو سر قوتنا وعزيمتنا وصمودنا». 

 

سعي دائم للخدمة

بدوره تحدث مدير الشؤون الجغرافية العميد المهندس محمد الجباوي مؤكدًا سعي المديرية الدائم لتنفيذ المهمات المطلوبة منها بدقةٍ لخدمة الجيش والوطن والمواطن، ومعلنًا أنّ الشبكة ستكون في خدمة العاملين في قطاع المساحة ولا سيما الجيوفيزيائية والباحثين العلميين في لبنان والخارج. وأشار العميد الجباوي إلى المهمات التي تتولى مديرية الشؤون الجغرافية تنفيذها، ومن بينها: تحقيق مختلف الأعمال الجودزية والخرائط الطوبوغرافية على كامل الأراضي اللبنانية، وصناعة الخرائط والتصوير الجوي ووضع شبكات نقاط المساحة والارتفاعات وتنفيذ مشاريع لمصلحة الإدارات العامة، وطباعة مختلف إصدارات الجيش وعدد كبير من مطبوعات الإدارات الرسمية. وأوضح أنّه من مهمات المديرية وضع شبكات التثليث والارتفاعات، وتنظيم ومراقبة إنتاج وتصدير الخرائط، وهي خلال ٦١ عامًا نفّذت مشاريع ساهمت في التنمية الوطنية، وأنّ الشبكة الوطنية لتحديد المواقع ستُحدث نقلة نوعية على صعيد المساحة في لبنان.

 

وفر ودقة وجودة

كما أشار إلى أنّ المديرية نفّذت مشاريع إضافية كبرى  لمصلحة الإدارات العامة كانت نتيجتها وفرًا بالكلفة على الخزينة ودقة ونوعية عالية يُذكر منها على سبيل المثال: مسح التعديات على الأملاك البحرية في التسعينيات، مسح خطوط التوتر العالي لمصلحة كهرباء لبنان، مسح المقالع والكسارات ومحافل الرمل (وعددها ١٠٠٠ موقع)، ووضع خرائط الملاحة الخاصة بمطار رفيق الحريري الدولي ومسح العوائق المحيطة به وغيرها.

ومنذ بدء الأزمة في العام ٢٠١٩، بدأت المديرية بطبع الطوابع المالية وإخراجات القيد وكراسات الامتحانات وغيرها. وهي تقوم بأعمال المساحة على الحدود الدولية وتضع علامات الخط الأزرق وتنفّذ أعمال المساحة العسكرية في أصعب الظروف وأكثرها دقة.

 

الربط بالنظام الطوبوغرافي العالمي

من جهته، أشاد نقيب الطوبوغرافيين المجازين في لبنان وعضو الاتحاد الدولي للطوبوغرافيين ورئيس الاتحاد العربي للمساحة النقيب الدكتور سركيس فدعوس بالإنجاز الذي حققته مديرية الشؤون الجغرافية، مؤكدًا أنّ المؤسسة العسكرية أثبتت أنّ وجودها ضمانة للوطن. وهي لم تصمد في وجه العواصف فقط بل تابعت أداءها المتميز أيضًا، وقدّمت وتستمر بتقديم أفضل الخدمات للدولة ومؤسساتها رغم صعوبة الإمكانات والظروف. وأضاف أنّ هذا المشروع سوف يقلل تكاليف العمليات الطوبوغرافية ويوحّد المرجعية الجودزية والمعايير مع غياب هامش الأخطاء. كما لفت إلى طموحه بربط لبنان بالعالم على مستوى العمل الطوبوغرافي ووضع الخرائط، من خلال إنشاء بنك المعلومات واستثماره في مجالات التنمية والنهوض. وشدد على ضرورة أن تواكب هذا التطور التقني ورشة عمل تشريعية تنظّم أطر العمل من خلال المساحة العقارية وتجعلها في خدمة التطور التقني المتسارع.

 

مشروع ريادي

على هامش الافتتاح كان لنا حديث مع عدد من المستفيدين من إطلاق هذه الشبكة، ومن بينهم مدير عام الشؤون العقارية في وزارة المال جورج معراوي الذي أكد أنّ الشبكة تشكّل في الوقت الراهن مشروعًا رياديًا، خصوصًا وأنّه سوف يُستتبع بأعمالٍ لاحقة في المدى القريب لدمج الشبكات الموجودة حاليًا، فيصبح لدينا شبكة واحدة يستعان بها في تحديد العقارات.

وتحدّث أمين سر وحدة إدارة الكوارث والأزمات في محافظة بعلبك - الهرمل جهاد حيدر عن أهمية المشروع لجهة إعداد الدراسات الدقيقة حول تحركات القشرة الأرضية، وتشكيل مرجعية دقيقة يُعتمد عليها لحساب هذه التحركات، وبالتالي تسهيل أعمال هيئة إدارة الكوارث في الاستجابة والاستعداد، وتنمية الوعي حول المخاطر، وهذا موضوع الساعة بسبب حدوث الزلازل والهزات الأرضية المتكررة في المنطقة.

بدوره، رأى مدير شركة GIS Transport علي قميحة أنّ المشروع مهم ودقيق يوفّر إحداثيات تشكّل مرجعية موحدة في عالم المساحة، ولن يكون هناك اختلاف بالأرقام بعد اليوم. وأوضح أنّه بفضل هذا المشروع سوف يتم خفض عدد الأجهزة المستعملة خلال عملية الرصد. 

مع انطلاق هذه الشبكة الوطنية، يُثبت لبنان أنّه قادر على السير إلى الأمام، المهم هو الإرادة والالتزام، فأمامهما تهون الصعاب.

 

١٣ محطة ترصد على مدار الساعة

تتألف الشبكة من محطات رصد موزعة على كامل الأراضي اللبنانية وعددها ١٣ محطة، (رُكزت في مواقع عسكرية آمنة وحيث يوجد مصدر دائم للطاقة) ترصد ترددات الأقمار الاصطناعية ضمن أنظمة الملاحة العالمية GNSS على مدار الساعة. وهي مرتبطة بغرفة تحكّم موجودة في مديرية الشؤون الجغرافية تعنى بإدارة هذه الشبكة لجهة حساب التصحيحات وحفظ البيانات.

تلتقط المحطة أو الشبكة موجات الأقمار الصناعية GNSS وتحفظ المعلومات الخاصة بتحديد المواقع في مستقبل أرصاد GNSS Reciever ثم تنقل هذه المعلومات عبر شبكة الإنترنت إلى المركز الرئيس للبيانات، حيث يتم حفظها وتحليلها، لتصبح متاحة للاستخدام لأي مستفيد عسكري أو مهندس أو مسّاح مدني. وللوصول إلى هذه الخدمات يمكن الولوج إلى موقع الشبكة على الإنترنت: lebcors.army.gov.lb واتباع الإرشادات.