- En
- Fr
- عربي
من التاريخ
سليمان خان الأول بن سليم خان الأول, كان عاشر السلاطين العثمانيين. وقد بلغت الدولة العثمانية في عهده أقصى اتساع لها حتى أصبحت أقوى دولة في العالم في ذلك الوقت. حكم من 6 تشرين الثاني 1520م حتى وفاته في 5 أيلول سنة 1566م، خلفًا لأبيه السلطان سليم خان الأول وخلفه ابنه السلطان سليم الثاني. عُرف عند الغرب باسم سليمان العظيم وفي الشرق باسم سليمان القانوني (في التركية Kanuni) لما قام به من إصلاح في النظام القضائي العثماني.
على قمة الدولة العثمانية
في القرن السادس عشر برز سليمان وعرف في أوروبا كحاكم، يتزعم قمة سلطة الدولة العثمانية العسكرية والسياسية والاقتصادية. قاد الجيوش العثمانية لغزو المعاقل والحصون في بلغراد ورودوس ومعظم أراضي مملكة المجر قبل أن يتوقف في حصار فيينا (1529م). ضم معظم مناطق الشرق الأوسط ومناطق شاسعة من شمال أفريقيا. وخلال حكمه، سيطرت الأساطيل العثمانية على بحار المنطقة من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر وصولاً الى الخليج.
في خضم توسيع الإمبراطورية، أدخل سليمان إصلاحات قضائية تهم المجتمع والتعليم والجباية والقانون الجنائي. حدد قانونه شكل الإمبراطورية لعدة قرون بعد وفاته. ولم يكن سليمان شاعرًا وصائغًا فقط، بل أصبح أيضًا راعيًا كبيرًا للثقافة ومشرفًا على تطور الفنون والأدب والعمارة في العصر الذهبي للإمبراطورية العثمانية.
ولد سليمان القانوني في مدينة طرابزون ووالده الذي كان آنذاك واليًا عليها، إهتم به إهتمامًا عظيمًا، فنشأ محبًا للعلم والأدب والعلماء والأدباء والفقهاء، واشتهر منذ شبابه بالجدية والوقار. إستلم عرش السلطنة في السادسة والعشرين من عمره وكان متأنيًا في جميع شؤونه ولا يتعجل في الأعمال التي يريد تنفيذها، بل كان يفكر بعمق ثم يقرر واذا اتخذ قرارًا لايرجع عنه.
حركات التمرد في بداية حكمه
واجه سليمان القانوني في السنوات الأولى من عهده أربع حركات تمرد شغلته عن الفتوحات، حيث ظن بعض الولاة الطموحين أن فرصة الاستقلال بأقاليمهم حان وقتها. فقد تمرد جان بردى الغزالي والي الشام على الدولة وأعلن العصيان وحاول أن يستولي على حلب، إلا أنه فشل في ذلك وأمر السلطان سليمان بقمع الفتنة فقمعت، فقطع رأس المتمرد جان بردى وأرسل إلى اسطنبول دلالة على انتهاء التمرد.
أما التمرد الثاني فقد قام به أحمد شاه في مصر، في العام 1524م، وكان هذا الباشا طامعًا في منصب الصدر الأعظم لكنه لم يفلح في تحقيق هدفه، وطلب من السلطان أن يعينه واليًا على مصر فعينه. وما أن وصل إلى مصر حتى حاول استمالة الناس وأعلن نفسه سلطانًا مستقلاً، إلا أن أهل الشرع وجنود الدولة العثمانية من الإنكشارية قاموا ضد الوالي المتمرد وقتلوه.
التمرد الثالث قام في العام 1526م في منطقة يوزغاد (الأناضول)، حيث اجتمع بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف ثائر، انتهى أمرهم بهزيمة قائدهم وقطع رأسه.
والتمرد الرابع ضد الدولة العثمانية في عهد سليمان القانوني كان على رأسه قلندر جلبي في منطقتي قونية ومرعش، وكان عدد أتباعه 30 ألف مقاتل اعتدوا على السكان في هاتين المنطقتين وقتلوا عددًا كبيرًا منهم.
توجه بهرام باشا لقمع هذا العصيان فقتله العصاة، ثم نجحت الحيلة معهم إذ أن الصدر الأعظم إبراهيم باشا استمال بعض رجال قلندر جلبي، فهزم الاخير وقتل.
بعد هذا هدأت الأمور في الدولة العثمانية وبدأ السلطان في التخطيط لسياسة الفتوحات في أوروبا.
فتح رودس
كانت رودس جزيرة مشاكسة إذ كانت حصنًا حصينًا للفرسان الذين كانوا يقطعون طريق الحجاج الأتراك إلى الحجاز، فضلاً عن أعمالهم العدوانية التي استهدفت خطوط المواصلات البحرية العثمانية، فاهتم السلطان سليمان بفتحها وأعدّ حملة عظيمة مستفيدًا من عدة أمور:
• انشغال أوروبا بالحرب الكبرى بين شارل الخامس إمبراطور الدولة الرومانية وفرنسوا ملك فرنسا.
• عقد الصلح بين الدولة العثمانية والبندقية.
• نمو البحرية العثمانية في عهد سليم الأول.
شن سليمان القانوني حربًا كبيرة ضد رودس إبتداء من منتصف العام 1522م، وفتحها وسمح للفرسان بالانتقال منها، فذهبوا إلى مالطة التي أعطاهم شارل الخامس حق حكمها.
قتال المجر وحصار فيينّا
عزم ملك المجر (فيلاد يسلاف الثاني جاجليو) على نقض التعهدات التي أعطاها أسلافه لسلاطين الدولة العثمانية، وذهب إلى حد قتل مبعوث السلطان سليمان إليه والذي كان يطالب بالجزية السنوية المفروضة على المجر. ردّ سليمان في العام 1521م بغزوة كبيرة ضد المجر، واستمرت المعارك إلى أن أحرز الأتراك انتصارهم الكبير، في موقعة موهاكس (1526م). دخل سليمان القانوني بودابست في 11 أيلول 1526م، لكن المقاومة الهنغارية استمرت، وتابع السلطان ضغطه حتى بلغت جيوشه أسوار فيينا عاصمة الامبراطورية الرومانية (1529م)، إلا أن طول خطوط المواصلات والمصالحة بين شارل الخامس وفرنسوا جعلا من المستحيل على سليمان القانوني فتح هذه العاصمة، فتراجع عنها واستمر صراعه مع القوى الأوروبية المؤيدة لملك المجر حتى وفاته.
سياسة التقارب العثماني - الفرنسي
إن أبرز حدث تاريخي في السياسة الخارجية العثمانية على عهد سليمان القانوني هو علاقته مع فرنسوا الأول ملك فرنسا، والتي تحولت إلى تحالف.
مثّل عهد السطان سليمان القانوني رأس الهرم بالنسبة الى قوة الدولة العثمانية ومكانتها بين دول العالم آنذاك. ويعتبر عصره العصر الذهبي للدولة العثمانية، حيث شهدت سنوات حكمه توسعًا عظيمًا لم يسبق له مثيل، وأصبحت أقاليم الدولة العثمانية منتشرة في ثلاث قارات.
وقد كان لذلك أثره على دول العالم المعاصرة وخصوصًا على دول أوروبا التي كانت تعيش انقسامات سياسية ودينية خطيرة، ولهذا تنوعت مواقف الدول الأوروبية من الدولة العثمانية وفق ظروف كل منها.
وبسبب التنافس بينه وبين شارل الخامس على عرش الإمبراطورية الرومانية، رأى فرنسوا الأول أن يستغل مكانة الدولة العثمانية وقوتها ويكسب صداقتها. وقد تطورت العلاقة بين الطرفين إلى تحالف عبّرت عنه «معاهدة الامتيازات العثمانية الفرنسية» (1535م). وابرز ما نصت عليه هذه المعاهدة، الآتي:
• حرية التنقل والملاحة للسفن سواء كانت مسلحة أو غير مسلحة.
• حق التجارة في كل أجزاء الدولة العثمانية بالنسبة لرعايا ملك فرنسا.
• دفع الرسوم الجمركية وغيرها من الضرائب للدولة العثمانية مرة واحدة.
• جعل الضرائب التي يدفعها الفرنسيون في الدولة العثمانية مماثلة لتلك التي يدفها الرعايا الأتراك.
• حق التمثيل القنصلي، مع حصانة قنصلية للقنصل ولأقاربه وللعاملين معه.
• منح القنصل الفرنسي حق النظر في القضايا المدنية والجنائية التي يكون أطرافها من رعايا ملك فرنسا، وإصدار الحكم فيها والاستعانة بالسلطات المحلية لتنفيذ أحكامه. وفي القضايا المختلفة التي يكون أحد أطرافها رعية من رعايا السلطان العثماني، لا يستدعى ولا يستجوب رعية الملك الفرنسي ولا يحاكم، إلا بحضور ترجمان القنصلية الفرنسية.
• إفادات رعايا الملك في القضايا تكون مقبولة ويؤخذ بها عند اصدار الحكم.
• منع استعباد رعايا الملك الفرنسي.
وكان من نتائج هذه المعاهدة زيادة التعاون بين الأسطولين الفرنسي والعثماني وشن الأسطول العثماني هجمات قوية على شواطئ مملكة نابولي التي كانت تابعة لـشارل الخامس. وفي العام 1543م تجمعت وحدات الأسطولين العثماني والفرنسي وهاجمت الموانئ التابعة لدوق سافوي حليف شارل الخامس.
استفادت فرنسا من تقاربها مع الدولة العثمانية عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، واتخذت من المعاهدة السابق ذكرها وسيلة لفتح أبواب التجارة مع المشرق من دون الخضوع للاحتكار التجاري الذي فرضته البرتغال بعد اكتشافها طريق رأس الرجاء الصالح. كما حصلت بموجب هذه المعاهدة على الحق الكامل في الحماية تحت علمها كراعية للدول الغربية الأخرى، مما جعل لها مكانة مرموقة بين دول الغرب الأوروبي.
في المقابل لم يستفد رعايا الدولة العثمانية من هذه المعاهدة وكأنها عقدت فقط لتلبية مطالب الفرنسيين، وتحقيق مصالحهم من دون مقابل يذكر. وقد كانت هذه المعاهدة الأساس الذي بني عليه وسار على نهجه الكثير من المعاهدات التي عقدت في ما بعد بين الدولة العثمانية والدول الأوروبية بصفة عامة.