- En
- Fr
- عربي
حق التظاهر حرية الرأي والتجمع السلمي ثقافة السلمية بين الواقع والقانون
المقدمة
يشهد لبنان ومعظم دول العالم على عصر الثورات والنضال الحقوقي والحركات الاحتجاجية التي تتسم بالطابع المطلبي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية والبيئية، وقد رافق هذه التحركات جدل واسع حول مدى مشروعية وسائل الاحتجاج المتبعة، وأساليب التظاهر التي انتهجها المحتجون في الشارع للمطالبة بهذه الحقوق في العديد من المناطق اللبنانية.
تُكرس القوانين اللبنانية حماية أشكال التحرك المدني السلمي المرافقة لحق الاعتصام والتظاهر، حرية تكوين الجمعيات، الحق في حرية التعبير عن الرأي والحق في حرية التجمع السلمي، وهي حقوق ذات صلة وثيقة بعضها ببعض، تبنّتها معظم الدساتير والقوانين الدولية، وتعد من مرتكزات أي نظام ديموقراطي مطبّق بصورةٍ حقيقية، ومعترف بها وممنوحة للشعب كحقٍ جوهري وأساسي للمطالبة والضغط على السلطة بهدف تغيير السياسات الحكومية، كما أنها تعكس صورة إيجابية لهذه الأنظمة واحترامها لتنوّع الآراء الفكرية والثقافية والمعتقدات الدينية.
بيد أن الحقوق في تطور مستمر، لذلك لم تعد طبيعة الحقوق المطالب بها هي تلك التقليدية المنصوص عنها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)[1] فحسب، لا سيما مع تطور أنماط الحياة وطبيعة الاحتياجات ونوعية الخدمات التي يتوجب على الدولة تأمينها للأفراد. فالمطالبة بالحق في التنمية مثلًا ليس بمطلبٍ كلاسيكي، وحتى أنه لم يُذكر في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. أما اليوم، فهو يعد من الحقوق الأولية والأساس المتين للتمتع الكامل بحقوق الإنسان وحمايتها، على اعتبار أن الحق في التنمية هو منظومة حقوق اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وسياسية شاملة ومتكاملة، تهدف إلى الارتقاء بتنمية حاجات الأفراد ورفاهيتهم على أساس مشاركتهم النشطة والحرة والهادفة إلى التنمية والتوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها[2]، كما يعد هذا الحق من أساس تنمية الموارد البشرية وتطبيق أهداف التنمية المستدامة - أجندة 2030. وعليه، فإن تجريد مفاهيم التنمية من البرامج الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والبيئية.... تؤدي لا محال إلى انهيار نظام الدولة بالكامل.
تتطور الحقوق وتتطور بموازاتها أساليب المطالبة بها من أشكال التظاهر، الاحتجاجات والاعتصامات. ولعل ما شهدناه ونشهده اليوم من الاحتجاجات في شوارع لبنان منذ 17 تشرين الأول 2019 خير دليل على ذلك. فقد أصبح لحق التظاهر في الشوارع معايير مختلفة عما سبق، سواء من إغلاق للطرقات العامة، منع المواطنين من المرور بسياراتهم على الطرقات، ملاحقة السياسيين في الأماكن العامة وعرقلة تحركاتهم، وعدم التواني عن ممارسة أي وسيلة مهما كانت وبغضّ النظر عن قانونيتها أم عدمها، بهدف الضغط على السلطة وثبات المحتجين على تصميمهم وإيمانهم بالقضايا التي يطالبون بها، وتأكيدهم أن لا محظور أو حدود تقف عائقًا في سبيل تحقيق أهدافهم، إلا أنه وعلى الرغم من تطور مفهوم الحريات العامة والتي أصبحت من المسلّمات التي يمارسها الشعب من دون اعتراض أو تقييد، هناك بعض القيود الاستثنائية كحدود عدم المساس بحرية الآخرين ومسلّمات التقيّد بالانتظام العام ومقتضيات المصلحة العامة والأخلاق في المجتمع[3].
الهدف من هذه الدراسة، وضع الحريات والحقوق المطالب بها من قبل المحتجين في الكفة الأولى من الميزان، بينما توضع في الكفة المقابلة لها حقوق الغير الذين يطالبون أيضًا بدورهم بحماية حقوقهم وحرياتهم، التي يتم الاعتداء عليها من قبل المحتجين في معرض ممارستهم لحق التظاهر، وذلك عن طريق تسليط الضوء على النصوص الدستورية والقانونية اللبنانية في هذا المضمار، كما والتطرق إلى المعاهدات والمواثيق الدولية التي ترعى حقوق الإنسان، ومحاولة استنتاج طرق التوفيق - وليس المفاضلة - بين حقوق المواطنين جميعًا من دون استثناء على أساس مبدأ المساواة وعدم التمييز بين الأفراد.
أولًا: الحقوق المطالب بها من قبل المحتجين تتسم بطبيعتها المعيشية والمحقة بامتيازٍ
الثابت والذي لا جدال فيه أن الحقوق التي يطالب بها الشعب اللبناني أقل ما يقال عنها إنها حقوق محقة بامتيازٍ، لأنها تندرج ضمن المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، بل إنها من الحقوق التي يجب أن تؤمَّن بديهيًا لكل إنسان في القرن الحادي والعشرين، وهي الكرامة الإنسانية، الحق بعيش حياة كريمة من دون الخوف من الجوع والمرض والحق بالأمان على حياته، فضلًا عن أنها حقوق أساسية تتناول الطبيعة الإنسانية، وهي لصيقة بشخص الفرد لا يمكن التنازل عنها أو المساومة بشأنها. ولكن للأسف الشديد، إن أبسط هذه الحقوق غير مؤمنة بحدها الأدنى، ناهيك عن المطالبة بحقوقٍ مستحدثة تفرضها تطور الحياة، لتشكل الحقوق المطالب بها سلة مملوءة عنوانها العريض «الحق في التمتع بمستوى معيشي كريم، الحق في اختيار عمل لائق، الحق في الأمن الغذائي الصحي والسليم، الحق في بيئة نظيفة، حق التعلم والحق في الوصول إلى المعلومات، لا سيما ما يتعلق منها بالسياسات المالية والضرائبية لمكافحة الفساد والمساواة أمام القانون، واسترداد ما أُطلق عليه مسمى الأموال المنهوبة»...
حق الانتفاضة والثورة على السلطة للمطالبة بالحكم العادل وحرية التظاهر والاجتماع، هي من الحريات العامة الطبيعية التنويرية، التي يمكن ممارستها بكل الوسائل المتاحة تحقيقًا للأهداف والغايات المطلوبة، كما يشكّل حق المواطن في التعبير عن آرائه مرآة النظام الديموقراطي والمدني في المجتمع. فالمقولة المنسوبة إلى فولتير «أكره ما تقول، لكني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقوله» تلخص مبدأ أن حق التعبير هو حق أساسي من حقوق الإنسان، وهو أساس الديموقراطية وحمايته رمز للمجتمع المتحضر والمتسامح[4]. وبالطبع، هي حقوق يضمنها الإطار القانوني والتنظيمي اللبناني، كما وتعترف بها المواثيق والإعلانات والاتفاقيات العالمية.
فالدستور اللبناني في مادته 13 يضمن «حرية التعبير، حرية إبداء الرأي قولًا وكتابة، حرية الطباعة وحرية تأليف الجمعيات»، وعليه، فإن حق التظاهر هو حق مكفول دستوريًا، على أن يلتزم المتظاهرون باتخاذ إجراءات العلم بالتظاهر وفق القرار 1024/2006، إذ يقدّم العلم بالتظاهر أو التجمع أو الاعتصام قبل موعد التظاهرة بثلاثة أيام على الأقل سببها وشعاراتها واسم الجهة الداعية والمنظمة وعددها والمكان والزمان وخط سير التظاهرة والأماكن التي ستتوقف فيها لإلقاء الكلمات.... وبالتأكيد التعهد بتحمّل المسؤولية الكاملة عن أي ضرر قد تسببه التظاهرة للأشخاص والممتلكات الخاصة والعامة.
أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يشكل أساس القانون الدولي الإنساني، فقد منح في المادة 19 منه «لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار، تلقّيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها». على أن يستتبع ذلك «واجبات ومسؤوليات خاصة لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة».(وسوف نركز في الفقرة اللاحقة على هذه القيود القانونية لممارسة هذا الحق). كذلك ضمّت المادة 20 من الإعلان «لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية»، كما ترتكز المعايير الدولية على ما ورد في المادة 21 من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) لحق التجمع السلمي وحق التظاهر[5]، والمواثيق الإقليمية وفي مقدمتها الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المادة 10 [6]، وميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي لا سيما المادة 12، التي أكدت على أن الحق في تنظيم التجمعات والمظاهرات السلمية هو حق أساسي وعنصر جوهري من عناصر المجتمع الديموقراطي، يتطلب من الدول تنظيمه بموجب قوانينها بكل شفافية ووضوح، لأن فرض القيود غير المحددة بالقانون على هذا الحق، يسبب في الواقع ضررًا كبيرًا على الحقوق المترابطة والمتآزرة، لا سيما حريات التجمع والتعبير والتفكير والضمير والدين. كذلك أشار الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في المادة التاسعة/ 2 منه «لكل شخص الحق في التعبير عن آرائه ونشرها في إطار القوانين والنظم النافذة»[7]. أما المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فقد أدلت بما يأتي: «تمثّل حرية التعبير أساسًا من الأسس الجوهرية في المجتمع الديموقراطي، ومن الشروط الأساسية اللازمة لتقدّم هذا المجتمع ولتنمية كل إنسان»[8]، فالقوانين والسياسات لا تكون شرعية إلا إذا أُقرّت من خلال عملية ديموقراطية، ولا تكون العملية ديموقراطية إذا منعت الحكومة أي شخص من التعبير عن معتقداته بهذا الشأن[9].
من الناحية العملية، إن حق التظاهر والاحتجاج الذي يحميه القانون هو ذلك الذي يحترم القوانين والأنظمة، ولا يمس بمصالح الناس وتحركاتهم، ولا يعطل أعمالهم اليومية، ولا يلحق بهم الضرر بالممتلكات أو أي نوع أذى مادي، معنوي أو جسدي. ومن مؤشرات هذا التظاهر السلمي اختيار الزمان المناسب للتحرك، بمعنى تنظيم تظاهرة في مدة وجيزة (مهلة ساعة مثلًا) أو في اختيار أوقات العطل الرسمية أو نهاية الأسبوع. كذلك، فإن اختيار المكان المناسب للتحرك هو أيضًا من المؤشرات التي تدل على سلمية التظاهرة، مثل اختيار المكان الملائم الأقل ازدحامًا، أو التجمع في الساحات العامة حيث لا قطع للطرقات العامة أو تحويلها.... فهذه مؤشرات على سبيل المثال تعكس احترام القيّمين على تظاهرة معيّنة لحقوق الآخرين وحرياتهم، بحيث لا تعرقل التظاهرة أعمالهم وحركة سيرهم، على اعتبار أنهم في عطلة ويلتزمون منازلهم، وليسوا على عجلة من أمرهم أو اضطرار للتنقل والتعرض للمضايقة والانزعاج من جراء التجمع والمظاهرات.
ثانيًا: الوسائل التي اتبعها المحتجون للمطالبة بحقوقهم
سبق وذكرنا أن أشكال التظاهر والاعتصامات التي نشهدها في الشوارع مختلفة ومتميزة، فمن وجهة نظر المحتجين إننا في حالة ثورة شعبية تبيح للمواطن التعبير عن رأيه بأي أسلوب من دون أي قيد أو شرط. حتى لو كانت نتيجة التحرك سوف تؤدي إلى شل حركة البلاد، ومنع الناس من التنقل والتحرك وإغلاق المؤسسات العامة والخاصة والمدارس والجامعات... وصولًا إلى حالة العصيان المدني. إلا أننا سوف نشير إلى ثلاثة أساليب استُخدمت في الاحتجاج، وكانت موضوع جدل على الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي كافة بين شرعيتها أو عدمها، نلخصها بالنقاط الآتية:
- التظاهر العفوي في الساحات والطرقات من وسائل التعبير الأساسية للمطالبة بالحقوق الإنسانية، غير أن القرار 1024/2006 المذكور أعلاه يتطلب إجراءات قانونية ينبغي مراعاتها واحترامها. عمليًا، لم يتم الالتزام بهذه الشروط القانونية لممارسة حق التظاهر من قبل المحتجين، بحجة أن النزول إلى الشارع ليس بتظاهرةٍ تقليدية منظمة، تستوجب على المتظاهر إعلام الجهات الرسمية بها، بل هو ثورة شعبية وحركة تعبير عفوية غير منسق أو مخطط لها، كما أنه ليس هناك من مسؤول عن تجمّع للأفراد أو جمعية قائمة ليتقدّموا بالعلم أو الإذن بالتظاهر من وزارة الداخلية، بل تجمّع شعبي ثائر غير مكترث للأصول القانونية المتبعة لحق التظاهر، ولا للسلطة القائمة التي يتظاهر بالأصل ضدها. فهل يبقى حق التظاهر مصانًا ومحميًا بموجب القوانين إذا لم يحترم المتظاهرون الأصول القانونية الواجب اتباعها؟
- قطع الطرقات العامة الأساسية والفرعية كأحد أشكال التحركات المطلبية التي انتهجها المحتجون، للتعبير عن غضبهم بوجه الطبقة الحاكمة والضغط عليها لتحقيق المطالب، وقد اعتبروا هذا الأسلوب وسيلة احتجاجية مشروعة لهم، أسوة بما يحدث من أمور مماثلة في الثورات التي اندلعت بمختلف الدول عالميًا، وأيضًا -كما في حق التظاهر- فإنها ثورة شعبية غير مكترثة لما نص عليه القانون اللبناني من تجريم لقطع الطرقات العامة. لذلك عمد المحتجون إلى إغلاق الطرقات بالدواليب ومستوعبات النفايات سواء في النهار أو الليل، باعتبارها الوسيلة الأنجح للضغط على الدولة، ومن أجل شرعنة هذه الوسيلة تجنّب معظمهم استخدام أسلوب حرق الدواليب والنفايات، وابتكروا أسلوب افتراش الطرقات بأجسادهم رافعين أيديهم عاليًا، كإشارةٍ تعبّر عن أنهم سلميون ولا يرغبون المواجهة مع القوى الأمنية وغيرهم.
- أما وسيلة ملاحقة السياسيين في الأماكن العامة فهو أسلوب جديد، يهدف إلى مطاردة السياسيين وعرقلة حركتهم وطردهم من المطاعم والأماكن العامة، بحجة أنهم أهدروا المال العام على مدى سنوات، وليس من حقهم السهر وصرف الأموال والتمتع بملذات الحياة، في الوقت الذي يقبع به أكثر من نصف الشعب اللبناني تحت خط الفقر. وعلى الطبقة السياسية برمّتها تحمّل المسؤولية ولو معنويًا عن انهيار النظام المالي والاقتصادي اللبناني نتيجة سوء إدارتهم للبلاد. لذلك أصبحت حركة المسؤولين وتنقلاتهم مرصودة ومراقبة في الأوقات كافة، ما دفعهم إلى تفضيل المكوث في المنزل لعدم المواجهة وافتعال المشاكل مع المحتجين.
وهنا نتساءل، ما هي قانونية وسائل التعبير وشرعيتها التي اعتمدها المتظاهرون والمذكورة أعلاها، ومهما كانت الذرائع والحجج المبررة من جانبهم، فهل هذا ينفي أن حقهم في التجمع والاحتجاج قد أدى إلى إغلاقهم الطرق العامة ومنعهم المواطنين من حق المرور، وهل يشكل مثل هذا التحرك جريمة يعاقب عليها في القانون اللبناني؟
وهل التشهير بالسمعة واتهام السياسيين جملة بالفساد والسرقة هي من وسائل الاحتجاج والتعبير؟ وهل يعد منع الإنسان من الخروج من منزله وارتياد الأماكن العامة اعتداء على الحق في الحرية الشخصية؟
أليس الدخول إلى المطاعم لافتعال المشاكل هو اعتداء على حق الملكية الخاصة لأصحاب هذه المطاعم، وهو اعتداء على حق الموظفين بالعمل وحرمانهم من مصدر رزقهم؟
سوف نجيب عن هذه الإشكاليات المطروحة في الفقرة اللاحقة من خلال تسليط الضوء على حقوق الغير التي - وبحسب وجهة نظرهم - انتُهكت من قبل المحتجين، ونعني بالغير المواطنين العاديين وحتى المسؤولين السياسيين الذين قُطعت أمامهم الطرقات ومُنعوا من المرور والتنقل، لنستنتج معها وعلى ضوء القواعد القانونية المرعية الإجراء، ما إذا كانت الوسائل المتبعة في الاحتجاجات مشروعة أم غير مشروعة.
ثالثًا: الحقوق المطالب بها من قبل الغير تتعلق بالحريات العامة وهي محقة بامتيازٍ
استخدم المتظاهرون الأساليب كافة للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية وتأمين حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهم بذلك يطالبون بها لكل مواطن لبناني من دون تمييز، وتتسم بطبيعتها المعيشية والمحقة بامتيازٍ. لذلك، من واجب القوى الأمنية احترام تحركاتهم، وضمان حقهم بعدم التعرض للعنف أو التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة...
في الكف المقابل من الميزان، نرى أفرادًا بغضّ النظر عن تأييدهم الكامل لهذه المطالب - طالما أنهم يرزحون تحت النظام الاجتماعي والاقتصادي ذاته المفرغ من الحقوق الإنسانية والمعيشية - إلا أنهم يرغبون في متابعة حياتهم اليومية بشكلٍ اعتيادي، ومزاولة أعمالهم ونشاطاتهم وتجارتهم وتسوّقهم والالتحاق بمدارسهم وجامعاتهم... وبالتالي، فإن قطع الطرقات من شأنه المساس بحريتهم في التنقل والانتقال وحقهم في المرور، إلى جانب العديد من الحقوق المترابطة والتي كفلها لهم الدستور والقانون اللبناني كما المواثيق الدولية، وتأتي في مقدمتها الحق في الخصوصية، الحق في الحرية والأمن الشخصي، الحق في التعلم والحق في العمل، وفي حال تكررت التظاهرات -وإن كانت سلمية- في نفس المكان، فإن ذلك يشكّل إزعاجًا وتقييدًا لحق الأفراد في التمتع السلمي بمسكنهم وممتلكاتهم الخاصة، ويشكّل مساسًا بحقوقٍ وحريات أخرى، كحقهم في السكينة وحقهم في الأمان... فضلًا عن الأضرار المادية والمعنوية التي يتحملها المارة نتيجة حجز حرياتهم وإضاعة وقتهم على الطرقات.
إذا كانت حرية التعبير وحرية تداول المعلومات تُمثّل حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، وحجر الزاوية لكل الحريات التي تُكرس الأمم المتحدة جهودها للدفاع عنها بموجب القرارات الصادرة عن الجمعية العامة، إلا أنه يجوز إخضاع ممارسة هذه الحريات التي تشتمل على واجبات ومسؤوليات لبعض الإجراءات أو الشروط أو القيود أو العقوبات التي ينص عليها القانون، والتي تُمثّل تدابير ضرورية، في مجتمع ديموقراطي، لضمان الأمن القومي أو سلامة الأراضي أو منع حدوث الجرائم، ولحماية الصحة أو الأخلاق أو السمعة أو حقوق الآخرين، بغية منع إفشاء المعلومات السرية أو لضمان هيبة السلطة القضائية ونزاهتها[10].
وإن كان هناك من سمات جوهرية لحق التعبير التي تقابلها وتعادلها مسؤولية احترام ممارسة هذا الحق، انطلاقًا من تعريف مونتسيكو للحرية وهي «أن تفعل كل ما لا يضير غيرك»، وهي معادلة أخلاقية، ثقافية وحقوقية تقوم على التوازن بين حرية التعبير ومسؤولية التعبير؛ فإذا اختل هذا الميزان اختلت معه مفاهيم الحقوق والحريات، وهنا تعجز الثقافة الحقوقية عن استيعاب التحركات الاجتماعية وحرية التعبير[11].
من هنا، إذا تمادى الإنسان في حقه في حرية التعبير وطرق أبواب حرمة الحياة الخاصة، وأساء احترام الحياة الشخصية للأفراد، عندها يكون قد تعدّى الضوابط القانونية - الخط الأحمر الذي رسمه له القانون - فيتعين على الدولة ممثلة بالقضاء أن تُقيم المصلحة العامة الناجمة عن حماية الحياة الخاصة مقابل المصلحة العامة المرتبطة بالحق في التعبير[12]. أما التدابير التي قد تتخذها الدولة لضمان حماية حق الأفراد في احترام سمعته متصديًا لتعديات الغير أو ما يعرف بالتشهير، وجرائم الذم والقدح[13]... فقد أوردها قانون العقوبات اللبناني في المواد 385 و386 والعقوبات المقررة في الذم والقدح من 582 إلى 586، ويمكن الاستعانة بتطبيق قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي رقم 81 تاريخ 10/10/2018 إذا ما كانت المعلومات المنشورة مثلًا تتعلق بحالة الفرد المالية وبيانات حساباته واعتماداته، وكانت الوسيلة المعتمدة للنشر والتشهير هي الوسائل الإلكترونية، وهي تقع في الباب السادس من القانون المذكور تحت عنوان: الجرائم المتعلقة بالأنظمة والبيانات المعلوماتية والبطاقات المصرفية، وتعديلات على قانون العقوبات وقواعد إجرائية متعلقة بضبط الأدلة المعلوماتية وحفظها.
وهنا ليس للقائل الادعاء بأن قوله مجرد رأي إذا ما كان القول قد أصاب شخصًا بضررٍ من نوع ما، فنكون أمام اتهام وليس وجهة نظر أو رأي، وتطبّق عندها الخيارات الثقافية والحقوقية لمن يتهم الغير بالفساد أو السرقة ألا وهي الإثبات أو الاعتذار أو القضاء[14].
- أما بالنسبة لحق التنقل والانتقال وحق المرور، نستعرض في ما يأتي النصوص القانونية اللبنانية والدولية التي كرستها واعتبرتها من الحقوق الأساسية للإنسان، على اعتبار أن هذا الحق هو الذي أخذ الحيز الأكبر من الجدل القانوني والسياسي للتحركات الشعبية، بعد أن اتخذ المحتجون من قطع الطرقات وسيلة للضغط على الدولة لتلبية مطالبهم وحقوقهم.
فبموجب المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان «لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة، ولكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده». معطوفة على المادة 12 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية «لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته».
كذلك نستشف حرص الدستور اللبناني في مقدمته على حماية حرية الإقامة والتنقل بشكلٍ آمن لكل لبناني على أرض لبنان، «فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون». وبالتالي، فقد جاءت النصوص القانونية التطبيقية راعية لروحية الدستور من ناحية الحماية القانونية لحق التنقل والمرور لكل مواطن في أي زمان ومكان، ولا يحق لأي شخص اعتراض طريقه وحرمانه من ممارسة هذا الحق بسلامٍ وحرية وأمان. وعليه، نرى أن قطع الطرقات في قانون العقوبات اللبناني جرم معاقب عليه، حيث ورد في الفصل الرابع تحت عنوان «في جرائم الاغتصاب والتعدي على حرية العمل» وتحديدًا المادة 342 المعدلة وفق المرسوم الاشتراعي 112تاريخ 1/9/1983 على المعاقبة بالحبس والغرامة على كل اغتصاب يقوم به أكثر من عشرين شخصًا بالتنفيذ، بقصد توقيف وسائل النقل بين أنحاء لبنان أو بينه وبين البلدان الأخرى... وإذا اقتُرف الجرم بأعمال العنف على الأشخاص أو الأشياء أو التهديد، أو بغير ذلك من وسائل التخويف في النفس أو بالتجمهر في الساحات ...
من ناحية أخرى، فإن قانون السير الجديد رقم 243 تاريخ 22/10/2012 المادة 40 منه، تحظّر إيقاف أو ترك مركبة أو حيوان على الطريق إذا كان ذلك يشكّل إعاقة أو إساءة استعمال الطريق. معطوفة على المادة 40 منه: «يجب إيقاف المركبة، أو الحيوان، على الطريق بصورةٍ لا تنتج عنها أي مضايقة لحركة السير، أو إعاقة للدخول إلى الأملاك المجاورة». كذلك أوردت المادة 53 منه: «يُحظّر على أي كان أن يرمي أو يترك على الطريق العام، ما من شأنه أن يعرقل حركة السير، أو يسبب أخطارًا تهدد السلامة العامة كالنفايات والتراب والحجارة ومواد البناء وغيرها».
بالتالي، إن استخدام المشرّع لعبارات إساءة استعمال الطريق وعرقلة حركة السير وتهديد السلامة العامة... فإنه قصد بشكلٍ واضح منع قطع الطرقات بأي شكل من الأشكال، بل إن قانون العقوبات قد جرّم قطع الطرقات بالقوة على الناس، وحرمانهم من حقهم بالتنقل بأمانٍ، وتهديد أمنهم وسلامتهم في أثناء ممارستهم لحق المرور. كما لم يذكر القانون أي استثناءات لأوضاعٍ وظروف تسمح بقطع الطرقات. وهذا إن دل على شيء، فهو دليل على حرص المشرع على ضمان هذا الحق وحمايته من تعدي الغير بشكلٍ مطلق، بالطبع مع مراعاة حق السلطة بتقييده وفق أحكام القانون والظروف الاستثنائية التي تتعلق بالأمن والنظام العام والمصلحة العامة.
بناء على ما تقدّم،
ما هي المواد القانونية التي من الممكن الاستناد إليها في الادعاء على المحتجين، وتجريم الوسائل التي انتهجها المحتجون في تجمعاتهم، لا سيما الاتخاذ من قطع الطرقات وسيلة للتظاهر بهدف شل حركة البلاد وفرض حالة العصيان المدني كأمرٍ واقع؟ وهل صنّفها المشرع في خانة الجرائم التي تطالها عقوبات جزائية نص عليها القانون اللبناني؟.
استنادًا إلى الإخبار المسجل لدى قلم النيابة العامة التمييزية في بيروت رقم 7561/م 2019 تاريخ 6/11/2019 ضد مجهول، موضوعه حالة قطع الطرقات التي رافقت التظاهرات التي استمرت منذ تاريخ 17/10/ 2019وما شابها من تعديات على حرية التنقل المصانة قانونًا، والتي ألحقت بالمواطنين أضرارًا مادية ومعنوية نتيجة ما تعرضوا له من حجز لحرياتهم، إما بمنعهم من الانتقال إلى مراكز عملهم ومدارسهم وجامعاتهم، وإما بإبقائهم لساعاتٍ في الطرقات للوصول إلى المكان المقصود، أما نوع الجرائم التي تم الدفع بها والمنصوص عنها في قانون العقوبات اللبناني – المرسوم الاشتراعي رقم 340 تاريخ 1/3/1943، فهي الآتية:
١- الجنايات الواقعة على الدستور، سندًا للمادة 304 من قانون العقوبات اللبناني:«الاعتداء الذي يُقصد منه منع السلطات القائمة من ممارسة وظائفها المستمدة من الدستور أو يعاقب عليه بالاعتقال المؤقت أو الإبعاد».
٢- الجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكّر الصفاء بين عناصر الأمة، سندًا للمادة 317 عقوبات والمعدلة وفق القانون تاريخ 1/12/1954والقانون رقم 239 تاريخ 27/5/1993: «كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يقصد منها أو ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مئة إلى ثمانمائة ألف ليرة، وكذلك بالمنع من ممارسة الحقوق المذكورة في الفقرتَين الثانية والرابعة من المادة 65 ويمكن للمحكمة أن تقضي بنشر الحكم».
٣- التعدي على الحقوق والواجبات المدنية، وفق المادة 329 عقوبات: «كل فعل من شأنه أن يعوق اللبناني عن ممارسة حقوقه أو واجباته المدنية يعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنة، إذا اقترف بالتهديد والشدة أو بأي وسيلة أخرى من وسائل الإكراه الجسدي أو المعنوي، إذا اقترف الجرم جماعة مسلحة مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر كانت العقوبة بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وإذا وقع الجرم بلا سلاح فعقوبة الحبس من شهرَين إلى سنتَين».
٤- تجمعات الشغب، وفق المادة 346 عقوبات: «كل حشد أو موكب على الطرق العامة أو في مكان مباح للجمهور يعد تجمعًا للشغب ويعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنة:
- إذا تألف من ثلاثة أشخاص أو أكثر بقصد اقتراف جناية أو جنحة وكان أحدهم على الأقل مسلحًا.
- إذا تألف من سبعة أشخاص على الأقل بقصد الاحتجاج على قرار أو تدبير اتخذتهما السلطات العامة بقصد الضغط عليها.
- إذا أربى عدد الأشخاص على العشرين وظهروا بمظهرٍ من شأنه أن يعكر الطمأنينة العامة».
٥- تخريب الساحات والطرق العامة أو تعييبها، تطبيقًا لأحكام المادة 750 عقوبات والمعدلة وفق المرسوم الاشتراعي رقم 112 تاريخ 16/9/1983 والقانون رقم 239 تاريخ 27/5/1993: «يعاقب بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة من مئة ألف إلى مليون ليرة، أو بإحدى هاتَين العقوبتَين من أقدم على:
- تخريب الساحات والطرق العامة أو تعييبها.
- نزع اللوحات والأرقام الموضوعة في منعطفات الشوارع أو على الأبنية والعلامات الكيلومترية والصور أو تخريبها أو تعييبها».
٦- منع حرية المرور وسلامته، تطبيقًا لأحكام المادة 751 عقوبات والمعدلة وفق المرسوم الاشتراعي رقم 112 تاريخ 16/9/1983 والقانون رقم 239 تاريخ 27/5/1993: «يعاقب بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة من مئة ألف إلى مليون ليرة أو بإحدى هاتَين العقوبتَين:
- من أقدم على تطويف الطرق العامة أو ملك الغير برفعه مصب مياهه عن المستوى المحدد بموجب الأنظمة أو بارتكابه أي خطأ آخر.
- من سد الطريق العامة من دون داع ولا إذن من السلطة بوضعه أو تركه عليها أي شيء يمنع حرية المرور وسلامته أو يضيقهما.
- من أهمل التنبيه نهارًا والتنوير ليلًا أمام الحفريات وغيرها من الأشغال المأذون له بإجرائها أو أمام سائر المواد وغيرها من الأشياء المأذون له بوضعها في الساحات وعلى الطرق العامة.
- من أطفأ القناديل أو الفوانيس المستعملة لتنوير الطريق العامة أو نزعها أو أتلفها.
- من رمى أو وضع أقذارًا أو كناسة أو أي شيء آخر على الطريق العامة.
- من رمى أو أسقط على أحد الناس أقذارًا أو غيرها من الأشياء الضارة من غير انتباه.
- من وضع إعلانات على الأنصاب التاريخية والأبنية العامة والمقابر والأبنية المعدة للعبادة.
تنزع على نفقة الفاعل أو بواسطته الإعلانات أو المواد التي تسد الطريق».
استنادًا إلى المواد المسند إليها الادعاء، ومن منظور موضوعي، فإن العديد من الفقرات الواردة أعلاها تنطبق على الأفعال التي ارتكبت في الساحات والطرقات لا سيما التجمعات بقصد الاحتجاج على قرار أو تدبير اتخذتهما السلطات العامة بقصد الضغط عليها، أو تخريب الساحات والطرق العامة أو تعييبها، ونزع اللوحات والصور وتعييبها (خاصة ما حصل في وسط بيروت/الأسواق التجارية)، وسد الطريق العامة من دون إذن من السلطة بوضعه أو تركه عليها أي شيء يمنع حرية المرور وسلامته أو يضيّقهما وقطع الطرقات العامة بحاويات النفايات والأتربة وكل ما يمكن أن يعرّض المارة للخطر وبخاصةٍ في الليل مع غياب الإضاءة... وخير دليل على ذلك وقوع العشرات من حوادث السير على الطرقات بسبب الحاويات والأتربة التي افترشها المتظاهرون.
رابعًا: مقاربة موضوعية بين حق التظاهر بقطع الطرقات وحق التنقل
أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مقدمته أنه يترتب على الفرد واجبات إزاء الأفراد الآخرين والجماعة التي ينتمي إليها. كما أكدت المادة 29 منه على «كل فرد واجبات نحو المجتمع، إذ يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، ولضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديموقراطي».
أما الدستور اللبناني فقد أكد في الفصل الثاني تحت عنوان «في اللبنانيين وحقوقهم وواجباتهم» على مساواة اللبنانيين في تحمّل الفرائض والواجبات العامة مقابل الحقوق التي يتمتعون بها. إذ نصت المادة 7 على ما يأتي: «كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء في الحقوق المدنية والسياسية، ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم».
إذًا، ممارسة الحريات ليست مطلقة بل هي مقيدة بالقواعد القانونية والتنظيمية لكل دولة، بما تفرضه من قيود وشروط ترسم إطار العلاقات بين الفرد والمجتمع. من خلال الوقوف على نقطة التوازن بين حق الفرد وواجباته وبين حق الفرد وحقوق الآخرين وبين الحقوق الفردية والجماعية ومصلحة المجتمع.
في المبدأ، إن الفكر ليس عنصرًا ماديًا يمكن حجزه أو تقييده، إنما حر بالطبيعة ينبغي حمايته كحرية الفكر وحرية التجمع[15]، إلا أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي معرض تعداده للحقوق لا سيما الحق بالتجمع السلمي وحرية الرأي والتعبير (المواد 19 و21)، استدرك أن هذه الحقوق عمليًا ليست بطبيعتها من الحقوق المطلقة التي لا يجوز تقييدها أو الحد منها بموجب القوانين والأنظمة الداخلية، بل أنه يجوز وضع القيود على ممارسة هذا الحق في الحدود التي يفرضها القانون وتشكّل تدابير ضرورية، في مجتمع ديموقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية واحترام حقوق الآخرين وحرياتهم وسمعتهم.
كذلك الحال بالنسبة للحق في التنقل، فقد أجازت المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تقييد الحق في التنقل بموجب القانون على أن تكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متماشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد.
نستنتج من مواد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان أن هذه الحقوق المذكورة أعلاها هي من فصيلة الحقوق النسبية التي يجوز للدولة فقط من دون سواها –وليس لأي إنسان أو مواطن- تقييدها أو الحد من ممارستها، في ظل ظروف معينة أو طارئة أو استثنائية. وحتى في هذه الحالات، يقتضي أن لا تُقيّد ضمن الحدود التي ذكرها القانون مع التأكيد على وجود ظروف معينة تستدعي تقييدها من قبل رجال الأمن، على أن تضبط بالقدر والحدود الضرورية لتنظيمها وضمان الحقوق الأخرى. أما المساس بهذه الحقوق وتقييدها وعرقلتها وحرمان أي إنسان منها من قبل مواطن عادي أو أي شخص غير مكلف قانونًا بذلك، فإنه يعد اعتداء على حقوق الآخرين ويدخل في خانة الأعمال المخالفة لقواعد النظام العام والقوانين المرعية الإجراء.
في المقابل، يدحض المتظاهرون الذين يقطعون الطرقات هذه الادعاءات بأنهم لا يخالفون القانون الوضعي أو حتى الإنساني، طالما أنهم يبقون على فتح الطرقات لمرور سيارات الإسعاف التي تنقل المرضى، والشاحنات المحملة بالمواد الطبية للمستشفيات والمختبرات، والمواد الغذائية الأساسية (مثل الطحين).... فضلًا عن ترك مسارب أو طرق موازية مفتوحة مقابل كل طريق يُقطع. وهذا ما يجعل تحرّكهم يتسم بالطابع السلمي، ولا ينطبق عليه الوصف المذكور في قانون العقوبات من ناحية القيام بأعمال عنف على الأشخاص أو الأشياء أو التهديد أو غير ذلك من وسائل التخويف في النفس...وبخاصةٍ أن الهدف من تحرّكهم هو فقط للتعبير عن رأيهم الحر وإيصال صوتهم المحق للمسؤولين عن المأساة الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها اللبنانيون جميعًا على حد سواء (المحتجون والغير)، من دون أن يكون هناك أي نية جرمية لإيذاء الغير أو التسبب له بأي ضرر.
من الناحية العملية، تتوسع دائرة الحق بالتنقل وحرية الانتقال لتطال الحق بالتحرك في كل مكان وفي أي زمان أريده من دون اعتراض الغير، والحق باختيار الطريق الذي أريده وليس المسرب الذي يتركه المحتجون، والحق في الحرية الشخصية والحق في المرور بأمانٍ وسلام من دون خوف من اعتداء محتمل وليس الادعاء بأنه لا نية جرمية للإيذاء. وانطلاقًا من القاعدة الذهبية «تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين»، إذ إن الاستفادة من الحقوق يتطلب في المقابل معرفة الفرد لواجباته ومسؤولياته، واحترام وصون حقوق الآخرين والنظام العام، على الفرد الذي يمارس حقه بالتظاهر والتعبير عن رأيه والذي يطلب من الدولة والمجتمع احترام آرائه وحقه بالاعتراض السياسي والاجتماعي والاقتصادي، عليه بالمقابل احترام حقوق الآخرين وعدم التعدي عليها تحت أي حجة أو ذريعة كانت. فالمطلوب تربية تثقيفية تنويرية حول كيفية ممارسة أساليب الاحتجاج السلمي أو ما يسمى بالاحتجاج «الإيجابي» واتباعها، أي ذلك الذي يُحدث صدمة وصورة إيجابية في المجتمع، فيجذب العدد الأكبر من المواطنين للانضمام إليه، وتجنّب اللجوء إلى الاحتجاج السلبي الذي ينتهج الأساليب المؤذية أو المضرة بمصالح الغير وينتج عنه صدمة سلبية يتخوف منها الأفراد وتنحرف عن مسارها وهدفها المنشود.
خامسًا: القوى الأمنية بين الضوابط القانونية لحفظ النظام واحترام حقوق وحريات الأفراد وحمايتهم
إن الحماية القانونية التي كرّستها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان قد راعت الحالات والظروف الاستثنائية التي تسمح لكل دولة بتقييدها وتنظيمها للحقوق، ضمن حدود معيّنة وواضحة في قوانينها وأنظمتها. لذلك جاءت هذه الضوابط القانونية بمثابة دليل استرشادي لكل مواطن ليعرف أن تمتّعه بأي حق من الحقوق يقابله واجب معرفة كيفية ممارسة هذا الحق واحترام المعايير والخطوط المرسومة في القانون، ليشكّل خرقها أو عدم احترامها مخالفة قانونية يسمح للدولة باتخاذ التدابير اللازمة بحق مرتكبها.
إن تحقيق التوازن بين كفَّي الميزان السابق ذكره والذي يحتضن الحقوق على اختلافها، لا بد من أن يتحقق استنادًا إلى القواعد القانونية المرعية الإجراء والتي تطبّقها القوى الأمنية المولجة تأمين حماية الأفراد والمصلحة العامة والنظام العام والسهر على حُسن تطبيق القوانين في الدولة. ومن هنا، يمكننا أن نتفهم الإجراءات والتدابير التي اتخذتها القوى الأمنية والعسكرية خلال فترة الاحتجاجات لحماية حقوق المتظاهرين، وتعبيرهم عن رأيهم على الرغم من اتخاذهم أسلوب قطع الطرقات من جهة؛ وبين حماية حقوق الغير في التنقل والمرور في الطرقات للوصول إلى مراكز عملهم من دون عرقلة حركة سيرهم وتهديد سلامتهم العامة من جهة أخرى. فمسألة تحقيق التوازن في حماية الحقوق بين الأطراف وتطبيق أحكام القانون في الدولة الديموقراطية، وحماية الأملاك العامة والخاصة ومسؤولية ضمان الأمن الوطني والحرص على النظام العام، هي مسألة في غاية الدقة وتتطلب وعي وثقافة القوى الأمنية وتدريبهم ودرايتهم بالقواعد القانونية المرعية الإجراء، كما وانتهاج أسلوب التفاوض الأمني لفتح الطرقات، ومنع احتكاك المارة مع المتظاهرين، والحذر الشديد من استخدام العنف والإخلال بقواعد القانون الجنائي الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وفي هذا السياق، ذكر المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي في تقريره إلى مجلس حقوق الإنسان لعام2015 أنه يتطلب من الدولة الالتزام بحماية حقوق الإنسان والحد من الانتهاكات واتخاذ الإجراءات الإيجابية لتيسير التمتع بهذه الحقوق. فكما لنا جميعًا الحق في التمتع بالحقوق ينبغي على كل فرد منا أن يحترم حقوق الآخر[16].كما أشارت محكمة العدل الدولية في إحدى تعليقاتها إلى القيود القانونية التي تفرضها قوات الأمن على ممارسة بعض حقوق الإنسان لا سيما الحق بالتجمع والتظاهر وحرية التنقل:
1- أن تكون ضرورية وينص عليها القانون (كالمادة 12-3 بشأن حق التنقل/الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).
2- أن تكون متوافقة مع الحق نفسه ومع تعزيز الرفاه العام في مجتمع ديموقراطي.
3- احترام القيود المفروضة لمبدأ التناسب ودرجة التدخل[17].
ويمكن إضافة معيار لصلاحية القيود المفروضة على حرية التعبير ألا وهو سعيه إلى تحقيق هدف شرعي[18].
والتزامًا منها بالمعايير القانونية الوطنية والدولية، أكدت المراجع الأمنية مرارًا وتكرارًا سواء نظريًا في بياناتها أو عمليًا في أثناء تحركاتها الميدانية، أن حق الاعتراض وحرية التعبير عنه مصانة بموجب الدستور، إلا أن حماية الحريات العامة ضمن إطار القانون لا تعني اتخاذ المحتجين من قطع الطرقات وسيلة للتعبير عن اعتراضهم، فذلك يعد مخالفًا للقانون انطلاقًا من قاعدة إنهاء حرية الفرد عند التعدي على حرية الآخرين. كذلك، أورد الموقع الرسمي للجيش اللبناني على حسابه على تويتر بتاريخ 11 شباط 2020 [19]، أن أعمال الشغب والتعدي على الأملاك العامة والخاصة يشوّه المطالب ولا يحققها ولا يندرج في خانة التعبير عن الرأي».
يفهم من ذلك أنه على القوى الأمنية من حيث المبدأ تأمين الحماية الأمنية للتظاهرات السلمية، إذا كانت لا تمس بالنظام والسلامة العامة. أما إذا كان من شأنها التعدي على الأملاك العامة والخاصة وإحداث أعمال شغب أو أعمال إجرامية من تكسير وتحطيم للمحال التجارية وللطرقات والمؤسسات العامة.... فللقوى الأمنية المولجة حماية البلاد وفرض الأمن إنذار المحتجين بضرورة التراجع وتفريق التجمع من دون استخدام القوة المفرطة في مواجهة التظاهرات. وبالفعل هذا ما حصل مرارًا وتكرارًا، عندما كانت قوى مكافحة الشغب تطلب من المتظاهرين السلميين مغادرة مكان التجمع، لحمايتهم وتحييدهم عن الإجراءات والتدابير التي قد تضطر لاتخاذها في معرض تطبيقها للأنظمة والقوانين وحماية الأفراد والأملاك العامة والخاصة.
من خلال التزامها بالضوابط القانونية، يقع على عاتق القوى الأمنية تأمين حقوق الأفراد المعنيين - الحقوق المتنافسة/ أو المضادة لبعضها البعض، من خلال الحرص على إحلال الرضى المتبادل بينهم، واتباع أسلوب التسوية السلمية وتفهّم سلوك المحتجين وسلوك نهج الإقناع والتفاوض والوساطة والنقاش والحوار.... من أجل تحقيق التوازن السليم بين الحقوق والحريات المتداخلة والمتشابكة كافة والتي يتطلب تأمينها في نفس المكان والزمان، وهذا ما يعكس صورة إيجابية عن المجتمع الديموقراطي الحقيقي وليس المقنّع، الذي يحترم حرية التجمع والتعبير، ويضمن الحماية للحريات الشخصية.
ماذا لو استنفدت الوسائل السلمية كلها في التعاطي مع المحتجين؟ وتحوّل مسار التحركات إلى التعدي على الأملاك العامة والخاصة وعلى الأفراد؟
في المبدأ، ينبغي على الدولة أن تلتزم بتعزيز مفهوم عدم التمييز بين الأفراد والمحتجين والالتزام به، من دون الحد من حرية التعبير أو من دون وضع أي قيد عليها. وهو حق يجب عدم الاستخفاف بتقييده، إلا إذا توفر القصد الواضح والجلي من أن غاية التحرك هو للتحريض على الكراهية بين المواطنين وعلى التمييز العنصري والديني[20]، وكل ما من شأنه زعزعة السلم الأهلي والاعتداء والإيذاء؛ عندها وانطلاقًا من المادة 184 من قانون العقوبات اللبناني، يجوز للقوى الأمنية استعمال القوة إذا لزم الأمر للدفاع المشروع عن الأفراد والأملاك، إذ «يعد ممارسة حق كل فعل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرّض غير محق ولا مُثار على النفس أو الملك أو نفس الغير أو ملكه، ويستوي في الحماية الشخص الطبيعي والشخص المعنوي».
وخلاصة القول، إن الدول والجماعات التي تنتهج الأسلوب الديموقراطي في إدارة شؤونها تعطي الحق في التعبير وتوسّع مساحة هذا الحق الممارس في إطار الجمعيات والأحزاب على قاعدة الالتزام بعدم الإساءة إلى الغير أو تهديد السلم الأهلي أو التعدي على مؤسسات الدولة[21].
الخاتمة
إن طريق التوفيق بين حقوق الأفراد كافة على أساس مبدأ المساواة وعدم التمييز هي مسؤولية الدولة نفسها، وهي مسؤولية تستلزم اتباع نهج تربوي وتثقيفي وتوعوي طويل المسار وصولًا إلى تكريس مبدأ النضال اللاعنفي كأسلوبٍ حضاري للمطالبة بالحقوق الإنسانية. فلا بد من التخلص من ثقافة العنف واللامسؤولية والسلبية واللامبالاة بالآخر، وهذا ليس من شأنه الانتقاص من دور الإنسان في الكفاح من أجل قضيته الاجتماعية أو الاقتصادية أو الإنسانية.... وإنما هو منهج إنساني حضاري يسمح باستخدام الوسائل والقدرات السلمية لبسط العدالة الاجتماعية، وتحقيق التنمية على الأصعدة كافة تحت مظلة السلام والعدل المستدام، لأنه من دون السلام والاستقرار وعدالة القانون لا يمكننا أن نأمل بتطبيق حقوق الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة.
إن اتباع نهج اللاعنف ليس وليد لحظته، بل هو ثمرة عمل تربوي توعوي لجيلٍ بعد جيل، يعزز ثقافة حقوق الإنسان حول مفهوم الحرية والديموقراطية والتسامح، وكيفية ممارسته للسلوك الراقي والسليم مع المحيط الاجتماعي الضيق والكبير، وإلا دخلنا في نفق العنف والإيذاء والتعدي على الآخر بحجة المطالبة بالحقوق. وهذه التربية الحقوقية هي سمات الدولة الديموقراطية الحقيقية - وليست الديموقراطية المقنّعة - التي هي البيئة الحاضنة لحقوق الإنسان الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، المدنية والثقافية. فعملية نشر الوعي هي مسؤولية العائلة والمؤسسات التربوية والمجتمع المدني، وهي مهمة شاقة في المجتمعات العربية، وبخاصةٍ يرى الفرد في الأملاك العامة، المؤسسات، الوزارات، الطرقات، اللوحات والواجهات.... بأنها ملكية خاصة لطاقم السلطة والسياسيين، إذ ينكب عمدًا على تكسيرها وتحطيمها وإتلافها ظنًا منه أنه ينتقم من الدولة التي حرمته من حقوقه!!!!
نحتاج إلى توعية الأفراد بأن الأملاك والأموال العامة هي ملك الشعب الثائر نفسه وليست ملك المسؤولين، وإن المتظاهر نفسه هو من سيتحمل نفقات إصلاح ما خرّب من منشآت عامة طالما أن خزينة الدولة هي التي ستغطي الأضرار لتعود وتسترد الأموال من جيب المواطن نفسه. فدرجة الانضباط والتنظيم عند ممارسة حق التظاهر والاحتجاج بصورةٍ سلمية هي دليل على ثقافة المجتمع ورُقيّه، ومؤشر على رصانة المعتصمين ووعيهم لحقوقهم وواجباتهم. أما خارج هذه البيئة الديموقراطية والتربوية لأي مجتمع، لن يتمكن أي فرد من اتباع الأساليب السلمية التي لا يفقهها، وسيجد نفسه يندفع عفويًا إلى التعدي على الأملاك العامة والخاصة، ويمس بحقوق الغير وحرياته العامة.
أما في حال قمع حق المتظاهر الذي لا يجد آذانًا مصغية من قبل السلطة لمطالبه، فلن نجد إلا العنف بمواجهة القمع والشغب والتمرد والتعدي على حقوق الأفراد بمواجهة التهميش، وبخاصةٍ عندما تفشل الدول التي تدّعي الديموقراطية في إرساء قضايا حقوق الإنسان في المجتمع بشكلٍ حقيقي، ولن ينعم المجتمع بالسلام والأمان إلى حين تحقيق العدالة التي هي الشرط الأساسي لتنمية حقوق الإنسان، ونعني بالقول العدالة بألوانها الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، المدنية والثقافية كافة.
وأختم بما قاله الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو مانويل دي أوليفيرا غوتيريش في كلمته في الأمم المتحدة مطلع هذا العام، في معرض التخوّف من العنف والتوترات والحروب التي تشهدها معظم بلدان العالم والتي كانت شرارتها المطالبة بالحقوق الإنسانية بالدرجة الأولى:
«The New Year has begun with our world in turmoil, We are living in dangerous times. Geopolitical tensions are at their highest level this century. And this turbulence is escalating. my message is simple and clear: Stop escalation. Exercise maximum restraint. Re-start dialogue. Renew international cooperation. Let us not forget the terrible human suffering caused by war. As always, ordinary people pay the highest price. It is our common duty to avoid it».[22]
لائحة المراجع
- إعلان الأمم المتحدة بشأن الحق في التنمية الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 4 كانون الأول/ديسمبر 1986.
https://www.un.org/ar/events/righttodevelopment/
- ناصر زيدان، حقوق الإنسان في القوانين اللبنانية والدولية، الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى، 2015.
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، موقع منظمة الأمم المتحدة:
https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/index.html
- رنده الفخري عون، دليل الطالب إلى حقوق الإنسان، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2013.
- تقرير الحق في حرية التجمع السلمي المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان لسنة 2015،
https://www.ohchr.org/Documents/Publications.
- محكمة العدل الدولية، الإشارة إلى التعليق العام رقم 27-1999 للجنة المعنية بحقوق الإنسان بشأن حرية التنقل - الحماية القانونية الدولية لحقوق الإنسان بالنزاع المسلح- الأمم المتحدة جنيف -2012.
- الموقع الرسمي للجيش اللبناني على حساب تويتر:
https://twitter.com/lebarmyofficial.
- أيرين خان، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، تقرير العام 2007، حالة حقوق الإنسان في العالم، الطبعة الأولى، مطبوعات منظمة العفو الدولية.
- United Nations Secretary-General Antonio Guterres delivers
a statement atthe UN headquarters in New York, Jan.6,2020, https://news.un.org/en/story/2020/01/1054811
- حرية التعبير، مقدمة قصيرة جدًا، نايچل ووربيرتن، ترجمة زينب عاطف، هنداوي سي آي سي، 2018.
- عبداللـه الغذامي، ثقافة تويتر، حرية التعبير أو مسؤولية التعبير، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2016، بيروت/ لبنان.
- حفظ النظام واحترام حرية التعبير، دليل تعليمي، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، 2014، منشور عبر الرابط:
www.unesco.org/open-access/terms-use-ccbysa-fr.
[1]- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هي وثيقة الحقوق الدولية التي تمثّل الإعلان الذي تبنّته الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، موقع منظمة الأمم المتحدة: https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/index.html
[2]- إعلان الأمم المتحدة بشأن الحق في التنمية الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 4 كانون الأول/ديسمبر 1986.
https://www.un.org/ar/events/righttodevelopment/
[3]- ناصر زيدان، حقوق الإنسان في القوانين اللبنانية والدولية، الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى، 2015، ص 18.
[4]- حرية التعبير، مقدمة قصيرة جدًا، نايچل ووربيرتن، ترجمة زينب عاطف، هنداوي سي آي سي، 2018، ص9.
Nigel Warburton, Free Speech, originally published in English in 2009, Arabic Language Translation Copyright © 2018 Hindawi Foundation C.I.C.
[5]- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16 كانون الأول 1966 (النفاذ: 23 آذار 1976)
https://www.unicef.org/arabic/why/files/ccpr_arabic.pdf.
[6]- الاتفاقية الأوروبية لصون حقوق الإنسان والحريات الأساسية، تم اعتمادها في3 تشرين الثاني1950، ودخلت حيز النفاذ في 3 أيلول 1953.
[7]- الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، تم اعتماده في 12 تموز 1981، ودخل حيز النفاذ في 21 تشرين الأول 1986،
https://www.achpr.org/ar_legalinstruments/detail?id=49
[8]- Handyside c.Royaume-Uni, 7 December 1976, Application n°5493/72, para. 49.(www.unesco.org/open
[9]- حرية التعبير، مقدمة قصيرة جدًا، نايچلووربيرتن، مرجع سابق، ص 95.
[10]- : المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لصون حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
[11]- : عبدالله الغذامي، ثقافة تويتر، حرية التعبير أو مسؤولية التعبير، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2016، بيروت/ لبنان، ص 78.
[12]- : عبدالله الغذامي، ثقافة تويتر، حرية التعبير أو مسؤولية التعبير، مرجع سابق، ص 13.
[13]- قانون العقوبات اللبناني الصادر بموجب المرسوم الاشتراعي الرقم 340 تاريخ 1/3/1943 وتعديلاته، عرّفت المادة 385 من قانون العقوبات جريمة الذم بأنها نسبة أمر إلى شخص (ولو في معرض الشك أو الاستفهام) ينال من شرفه أو كرامته.
المادة 582 منه: يعاقب على الذم بأحد الناس المقترف بإحدى الوسائل المذكورة في المادة 209 بالحبس حتى ثلاثة أشهر وبالغرامة حتى المئتي ألف ليرة أو بإحدى هاتَين العقوبتَين.
المادة 209: تعد وسائل نشر:«1. الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل 2. الكلام أو الصراخ سواء جهر بهما أو نُقلا بالوسائل الآلية بحيث يسمعها في كلا الحالَين من لا دخل له بالفعل 3. الكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها إذا عُرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرّض للأنظار أو بيعت أو عُرضت للبيع أو وُزّعت على شخص أو أكثر».
[14]- : عبدالله الغذامي، ثقافة تويتر، حرية التعبير أو مسؤولية التعبير، مرجع سابق، ص 81.
[15]- رنده الفخري عون، دليل الطالب إلى حقوق الإنسان، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2013، ص 15.
[16]- تقرير الحق في حرية التجمع السلمي المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان لعام 2015،https://www.ohchr.org/Documents/Publications
[17]- محكمة العدل الدولية، الإشارة إلى التعليق العام رقم 27–1999 للجنة المعنية بحقوق الإنسان بشأن حرية التنقل - الحماية القانونية الدولية لحقوق الإنسان بالنزاع المسلح - الأمم المتحدة جنيف -2012.
[18]- حفظ النظام واحترام حرية التعبير، دليل تعليمي، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، 2014، ص 39، منشور عبر الرابط:
www.unesco.org/open-access/terms-use-ccbysa-fr.
[19]- تغريدة الجيش اللبناني على حسابه على تويتر، وذلك في معرض التظاهرات في وسط بيروت ضد نيل الحكومة الثقة بتاريخ 11/2/2020، وما رافقها من اعتداءات على الأملاك العامة والخاصة ومواكب النواب وقطع الطرقات لمنع وصولهم إلى المجلس النيابي.
https://twitter.com/lebarmyofficial.
[20]- أيرين خان، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، تقرير العام 2007، حالة حقوق الإنسان في العالم، الطبعة الأولى، مطبوعات منظمة العفو الدولية، ص5.
[21]- رنده الفخري عون، دليل الطالب إلى حقوق الإنسان، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2013، ص 68.
[22]- United Nations Secretary-General Antonio Guterres delivers a statement at the UN headquarters in New York
Jan. 6, 2020, https://news.un.org/en/story/2020/01/1054811
The Right to Demonstrate, Freedom of Opinion and Peaceful Assembly Culture of Peace Between Reality and Law
Lebanese laws protect all forms of association and the right to demonstrate. Also, freedom of opinion, the right of freedom of expression, and the right of freedom assembly are protected in the Lebanese laws. In addition, it is considered one of the anchors that any truly applied democratic system uses to drive governments to change their policies.
As rights evolve, the methods of demanding them develop in parallel with the forms of demonstrations. Therefore, we chose to search in the means of protests that Lebanon has been witnessing since October 17, 2019, to get to a conclusion about the ways to reconcile the freedoms and rights claimed by the protesters on one hand (the right of the uprising against power to claim with just governance, freedom to demonstrate and assembly, the right to enjoy a decent standard of living ...) and the rights of others who demand their protection from attacks on their freedom (restricting their right to movement and exercising their personal freedoms) on the other hand, by searching the following legal points:
If the rights claimed by the protesters are characterized by rights related to the life of the individuals and their proper living, and if the rights claimed by others are related to public freedoms which are also privileged and recognized in international agreements and Lebanese legislation, here, we ask about the legitimacy of the methods used by the protesters to claim their rights (such as demonstrating spontaneously in public squares and roads, blocking roads of others and pursuing politicians in public places). Does such a method constitute a punishable crime in Lebanese law?
We conclude from the foregoing, that freedom of expression in all its forms is matched by the responsibility to respect the inviolability of private life and the personal freedom of individuals. The state represented by the security forces and the judiciary must evaluate this balance to guarantee that rights and freedoms in addition to public interest are subject to law.
Le droit de manifestation, droit à la liberté d’opinion et de rassemblement pacifique Culture pacifique: entre la réalité et la loi
Les lois libanaises garantissent toutes formes de mouvement civil pacifique, le droit de protestation, de manifestation, la liberté d’associations, le droit à la liberté d’opinion ainsi qu’à la liberté de rassemblement pacifique. À noter que les dites formes sont considérées comme piliers essentiels pour n’importe quel régime démocratique mis en œuvre en vue d’exercer des pressions sur les autorités en faveur de changement des politiques gouvernementales.
Parallèlement aux droits, les méthodes de leur revendication, telles les formes de manifestation et protestation, progressent à leur tour. Pour cette raison, il nous semble important d’entamer une recherche sur les méthodes de protestations que le Liban connaisse depuis le 17 octobre 2019 pour enfin y décider des voies de conciliation entre les libertés et les droits revendiqués par les protestateurs d’une part (droit au soulèvement contre l’autorité pour revendiquer le pouvoir juste et équitable, le droit à la liberté de manifestation et de réunion, le droit de jouir à un niveau de vie décent, etc..) ainsi que les droits d’autrui, qui exigent que cette liberté ne porte atteinte à leur propre liberté (tels la limitation de leur droit à la liberté de déplacement et l’exercice des libertés individuelles) d’autre part; et ce, par le seul moyen de discuter la problématique suivante:
Si les droits revendiqués par les protestateurs revêtent un caractère lié à la subsistance à bon droit tout comme les droits revendiqués par les tiers qui sont légitimement liés aux libertés publiques, reconnus par les conventions internationales et lois libanaises, cela nous pousse à s’interroger sur la légitimité des moyens utilisés par les protestateurs pour réclamer leurs droits (organiser des manifestations spontanées dans les places et rues; couper le chemin sur les autres ainsi que pourchasser les hommes politiques dans les lieux publics) voire même se demander si ces mouvements constituent un crime puni par la loi libanaise? Ceci dit, nous pouvons conclure que la liberté d’expression, en toutes ses formes, implique un comportement respectueux de la vie privée des autres ainsi que la liberté personnelle des individus. À cet égard, l’État, représenté par les forces de sécurité et la justice, est tenue à bien ménager cet équilibre en vue d’assurer les droits et libertés de la société sous l’égide de la loi ainsi que d’assurer le bien public.