- En
- Fr
- عربي
مواسم وخيرات
ما هي الأسباب والحلول؟
لبنان أرض خصبة لتربية النحل، وعسله يصنّف بين أفضل أنواع العسل من حيث القيمة الغذائية والطبيّة.
أمّا إنتاجه السنوي فهو في حدود الألف طن، لكن السنوات الأخيرة سجلت هبوطًا كبيرًا في هذا الإنتاج وسبب ذلك نفوق النحل وإختفائه في منطقة تلو الأخرى، من دون معرفة الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة الآخذة في الإنتشار عالميًا.
من أيام الفراعنة
إن تربية النحل هي أحد فروع الزراعة، تهدف إلى إستغلال منتجات الخلايا من العسل، حيث يقوم النحّال بتوفير الرعاية والمأوى للنحل ليجني لاحقًا العسل والشمع وصمغ النحل وغذاء الملكات. تختلف طرق تربية النحل وفق تنوّع فصائله والمناخ السائد والمستوى الإقتصادي في المنطقة التي تتمّ تربيته فيها.
تشير الوثائق التاريخية إلى أن تربية النحل كانت معروفة أيّام المصريين الفراعنة وقد تأكد ذلك من خلال رسوم تظهر عملية إستخراج العسل. وعند اليونانيين القدماء، شكّلت تربية النحل نشاطًا زراعيًّا هامًّا، وكذلك عند العرب.
لإنتاج العالمي للعسل
دلّت الإحصاءات الرسميّة حول إنتاج العسل في العالم (إحصاءات 2005) على أن أوكرانيا احتلت المرتبة الأولى في أوروبا وروسيا بإنتاج قدره 71 ألف طن من العسل، تليها روسيا (52 ألف طن)، ثم إسبانيا (37 ألف طن) ثم ألمانيا (21 ألف طن).
في أميركا الشماليّة، تتصدّر الولايات المتحّدة بإنتاج قدره 79 ألف طن، تليها كندا بإنتاج 36 ألف طن.
وفي أميركا اللاتينيّة، تصدّرت الأرجنتين المرتبة الأولى بإنتاج 93 ألف طن، تليها المكسيك(50 ألف طن).
أوستراليا بلغ إنتاجها 18 ألف طن، وفي القارّة الآسيويّة، تبوّأت الصين المرتبة الأولى في العالم بإنتاج قدره 299 ألف طن، تليها تركيّا (82 ألفًا)، بينما تصدّرت أثيوبيا دول أفريقيا بإنتاج بلغ 41 ألف طن، تليها تنزانيا ( 28 ألف طن ).
الأهميّة الإقتصاديّة والبيئيّة لتربية النحل في لبنان
ينتج قطاع النحل سنويًّا في لبنان حوالى ألف طن من العسل، حصّة البقاع الغربي وراشيّا من هذا الإنتاج تراوح بين 100 و120 طنًا وفق ما أكّده رئيس جمعيّة تعاونيّات مربّي النحل في لبنان سهيل القضماني، الذي اعتبر أن هذا القطاع يكتسب أهميّة بالغة، بحيث تنتشر في لبنان 70 ألف خليّة موزّعة على 5 آلاف نحّال بينهم 200 من كبار النحّالين الذين تراوح ملكيّتهم بين 400 و500 خليّة. حول ظروف تربية النحل وإنتاجه، يقول القضماني: إنّ قطاع تربية النحل يكتسب أهميّة بالغة لعلاقته المباشرة بالطبيعة بشكل عام وبالقطاعين البيئي والزراعي بشكل خاص، لا سيّما بساتين الفاكهة والحمضيات والأعشاب، حيث يقوم النحل بتخصيب 80% من أنواع النباتات والأشجار، ما يرفع مستوى إنتاجيّتها الغذائيّة بنسبة تراوح بين 35 و45 بالمئة سنويًّا. وأضاف: إذا كان معدّل إستفادة النحّال من خليّة النحل سنويًّا لا يتعدّى المئة دولار أميركي، فإنّ قيمة التخصيب البيولوجي لعشرات الأنواع من الفاكهة والأعشاب تتجاوز الألفي دولار أميركي سنويًا.
النحل مؤشّر بيئي وعامل أساسي في التنوّع الحيوي
إن وجود النحل وكثرة إنتشاره بين زهور النبات ليرتشف الرحيق هو دليل حتمي على وجود توازن بيئي واضح، حيث يتمّ تلقيح الأزهار والحصول على بذور جيّدة وثمار عالية الإنتاج والجودة. لهذه الأسباب يتوجّب التعاون بين النحّالين والمزارعين للحفاظ على النحل من تأثير المبيدات التي يرشّها المزارع بشكل عشوائي، ما يؤدّي إلى خلل بالتوازن البيئي. من ناحية أخرى، يساعد النحل في تحقيق التنوّع الحيوي الزراعي من خلال مساهمته في عمليّات تلقيح النبات محقّقًا زيادة في العقد بنسبة 20 إلى 50% حسب نوع النبات. والنحلة تتكاثر وتنمو في الظروف المناخيّة الجيّدة والخالية من التلوّث البيئي وتتراجع عندما تكون هذه الظروف عكس ذلك. إذًا ثمة علاقة تبادليّة بين النحل والنبات والبيئة.
منتجات النحل
إن النحل هو الوسيلة الوحيدة لإنتاج العسل الذي لا يضاهيه مأكل أو شراب في لذّته وفوائده التي لا تحصى إضافة إلى المنتجات العديدة للنحل وهي: الغذاء الملكي، حبوب اللقاح، سم النحل، شمع النحل، ملكات النحل، طرود النحل، البروبوليس وسواها من المنتجات التي تباع بأسعار باهظة.
الإستخدامات الطبيّة لمنتجات النحل
يستخدام العسل كمقوّ عام ورافع لمناعة الجسم ضد العديد من الأمراض، كما يستخدم كعلاج رئيس وتغذية أساسية في حالات إلتهابات الكبد. ويستخدم بعض أنواع العسل لمرضى السكّري كغذاء وتحلية وعلاج خافض لضغط الدم، وكعلاج موضعي لجروح العمليّات والجروح المتقيّحة بشكل خاص. ويدخل العسل وغبار الطلع والغذاء الملكي والبروبوليس في علاج أمراض عديدة مثل الربو والقرحات الهضميّة والإضطرابات الكولونيّة، كما تستخدم منتجات النحل في معالجة الأمراض البوليّة والضعف الجنسي عند الذكور والعقم عند الإناث وإلتهاب البروستات المزمن، والقصور الكلوي الحاد والمزمن وثمة علاج بسم النحل.
أسباب تراجع إنتاجيّة النحل في لبنان
يؤكد رئيس جمعيّة تعاونيّات مربّي النحل في لبنان أن إنتاج الخليّة الواحدة وصل في أواخر الثمانينيات إلى 43 كلغ من العسل، وهذا المعدل اعتبر عاليًا قياسًا بدول البحر المتوسّط، لكنه تراجع بزاوية حادّة فإنخفض إلى 20 كلغ بين العامين 1990 و2000، وانحدر بسرعة حتّى وصل إلى 12 كلغ بين 2000 و2010. وعزا هذا الإنخفاض في الإنتاجيّة إلى أسباب عديدة منها التغيّر المناخي، التلوّث، قلّة المتساقطات، إستعمال المبيدات بشكل عشوائي، قلّة الرقابة على استيراد المبيدات القاتلة للنحل وعدم مواكبة أمراض النحل وتشخيصها.
حشرة الفاروا هي الخطر الأكبر على النحل اللبناني
على الرغم من وجود عدة عوامل تسهم في تراجع إنتاج النحل اللبناني، تبقى حشرة الفاروا الخطر الأكبر الذي يواجه هذا القطاع. فهذه الحشرة كادت أن تفتك بالثروة النحليّة وتدمّرها في العام الماضي بعدما قضت على 70 بالمئة من خلايا النحل في البقاع. تضع الفاردا الفتّاكة بيوضها بالتوازي مع بيض الملكة، وتتحوّل إلى حشرة خلال أربعة أيّام وتتغذّى على يرقات النحل التي تتطلّب 21 يومًا حتّى تتحوّل إلى حشرة. هناك العديد من الأدوية الفعّالة لمكافحة هذه الحشرة شرط أن تكون المعالجة جماعيّة.
تأثير المبيدات السامّة
يردّ العديد من خبراء النحل في لبنان سبب نفوق النحل بأعداد كبيرة إلى رش المبيدات بطريقة إعتباطيّة وغير علميّة ومن دون أي مراقبة، بحيث يؤدّي ذلك إلى موت بعض خلايا النحل وضعف الأخرى. والمقصود بشكل خاص المبيدات التي ترش على الأعشاب لتيبيسها. في هذا السياق، يؤكّد داني العبيد الأستاذ في كليّة الزراعة- الجامعة اللبنانيّة، أن ظاهرة إختفاء النحل التي لا تزال أسبابها تثير الجدل بين العلماء، هي إمّا نتيجة عامل واحد لم نعرفه بعد، أو نتيجة عدّة عوامل منها: التغيّر المناخي وحشرة الفاروا واستعمال المبيدات، من دون أن نغفل إمكان وجود مرض أو فيروس جديد مسؤول عن هذه الظاهرة التي تسبب موت ما بين 40 و 50 في المئة وأحيانًا 70 في المئة من خلايا النحل سنويًا.
من جهته، أكّد المهندس الزراعي فادي ضو أن المبيدات السامّة ترشّ بشكل عشوائي من دون التقيّد بالإرشادات المدوّنة، وهي مواد ممنوع إستعمالها لأنها سامّة جدًّا للنحل، وأشار بشكل خاص إلى الأدوية الحارقة للأعشاب الضارّة.
الثلج والجليد قضيا على النحل في راشيّا والبقاع الغربي
أدّت العاصفتان الثلجيتان اللتان ضربتا لبنان العام المنصرم إلى القضاء على قطاع تربية النحل في البقاع الغربي وراشيّا. العاصفة الأولى أخذت في طريقها 80% من خلايا النحل بعدما أثقل الجليد القفران، وجرفت الثانية العشرين الباقية. وكانت النتيجة خسائر فادحة بينما وقف المربّون عاجزين أمام عدم قدرتهم على مواجهة الكوارث الطبيعيّة في ظل غياب دعم الدولة.
الثلج وأسباب أخرى في حاصبيا والعرقوب
أشار العديد من نحّالي حاصبيا والعرقوب إلى نفق أعداد كبيرة من النحل داخل قفرانها، ما ألحق بهذا القطاع خسائر كبيرة، راوحت ما بين 55 و75 بالمئة، كما يقول ممثّل نقابة نحّالي الجنوب لدى الحكومة الشيخ طارق أبو فاعور، الذي إعتبر ما حصل خلال فترة الصقيع الذي سيطر العام الماضي كارثيًّا، وردّ هذه المشكلة إلى عوامل عديدة منها الأمراض التي تضرب النحل بخاصة حشرة الفاروا ومرض التعفّن الأميركي الذي هو من أخطر الأمراض التي يواجهها قطاع النحل.
العلاقة بين التغيّر المناخي ونفوق النحل
من العوامل التي تسبّب تراجع عدد النحل التغيّر المناخي وعوامل بيئية منها، تراجع المساحات الخضراء، الحرائق، البناء العشوائي وهجوم الصنوبر البرّي الذي يقتل أنواعًا من الشجر والأعشاب كالسنديان والصعتر والقصعين وهي نباتات رحيقيّة تعطي العسل. ومن العوامل الطبيعيّة الأخرى المؤثّرة أيضًا الإحتباس الحراري الذي يؤثّر في نسبة هطول الأمطار. ففي بعض الأحيان تمطر بغزارة ثم تمر فترة طويلة بلا أمطار فتجف التربة ويجوع النحل ويموت.
ظاهرة عالمية
قبل عدّة أعوام قام مربّو النحل البريطانييّن بمحاصرة البرلمان ومقر رئيس الوزراء حيث طالب المحتجّون بزيادة المساعدات الحكوميّة لمكافحة التناقص الحاد في أعداد خلايا النحل التي انخفضت في العالم بنسبة 30%. على الرغم من مرور عدّة أعوام على بدء انتشار الظاهرة لم يتحسّن الوضع عمّا كان عليه بل سار إلى الأسوأ، فنحل العسل في أوروبا كلّها يموت، وفي تقديرات العلم يمكن أن تصبح بريطانيا خالية من النحل في غضون السنوات العشر القادمة.
هذا ويعيش مربّو النحل في الولايات المتّحدة الأميركية بدورهم حالة قلق شديد، حيث يهلك سنويًا 30% من النحل في بعض الولايات، وتصل هذه النسبة إلى 90% في ولايات أخرى، وحتى الآن ما من أحد يعرف سبب الهلاك الجماعي للنحل.
أمراض النحل وأعداؤه
يصاب النحل كغيره من الكائنات الحيّة بكثير من الأمراض التي تؤدي دورًا كبيرًا في خفض انتاج العسل والقضاء على عدد كبير من طوائف النحل. كذلك تختلف الأطوار التي تتعرّض النحلة للإصابة خلالها باختلاف أنواع الأمراض، فمنها ما يصيب اليرقة ومنها ما يصيب الطور الكامل للحشرة، ويمكن تقسيم أمراض النحل وأعدائه إلى: أمراض فيروسيّة، وأمراض بكتيريّة، وأمراض فطريّة، وأمراض البروتوزوا، والأكاروز بالإضافة إلى الحشرات التي تصيب النحل، والإعداء الذين يفتكــون به مثل طائر الورور والنمل والفئران...
النحل يمرض كالبشر وفقدان الذاكرة سبب إختفائه
أثارت ظاهرة التناقص الشديد في أعداد النحل في الفترة الأخيرة إهتمام العلماء، حيث تراجعت أعداده إلى النصف في إيطاليا، بينما أصيب المزارعون في أميركا بخسائر فادحة للسبب نفسه، كذلك أصيب النحل في سوريا بفيروس خطير أطلق عليه إسم «شلل النحل».
واعتبر إيمون مالون خبير تطور الأحياء في جامعة ليستر أن نحل العسل ذا أجهزة المناعة النشطة يعاني مشكلات في الذاكرة، مضيفًا أن هذه الإكتشافات قد تعزّز الجهود لإنقاذ مستعمرات النحل الآخذة في التناقص. كما وصف النحل بأنه يعيش على ذاكرته، فإذا أضرّت مجرّد عدوى بسيطة بها تكون الخسائر كبيرة، وقال: «إنه مثل بني البشر يمكن أن يمرض ويتماثل للشفاء خلال أيام من مرضه بعد أن ينشط جهاز المناعة لمقاومة الفيروسات والطفيليّات».
قمّة عالميّة لتفسير أسباب نفوق النحل
شارك حوالى 500 باحث في مؤتمر عقد في مونبلييه في جنوب فرنسا العام 2009 في قمّة عالمية حول النحل الذي أثار نفوقه قلقًا في معظم دول العالم، لا سيّما وأن معدّل النفوق الذي يفترض ألا يتجاوز الخمسة بالمئة، إرتفع إلى أربعين بالمئة في بعض مناطق العالم وحتى أكثر من تسعين بالمئة في مناطق أخرى. وفي فرنسا تختفي حوالى 300 ألف مستوطنة كل سنة منذ العام 1995. أمّا عن الأسباب فقد أحصت الوكالة الفرنسية للأمن الصحّي للأغذية أربعين سببًا على الأقل لتفسير الضرر الذي لحق بخلايا النحل وأهمها: الزراعة المكثّفة واستخدام مبيدات الأعشاب الضارة ومبيدات الحشرات إلى جانب الأمراض والطفيليّات كالفاروا المدمّرة والحيوانات والتغيّر المناخي.
أهم الإجراءات للحفاظ على النحل
أضحت مشكلة نفوق النحل عالمية ما يتيح مجال تنسيق أفضل بين مؤسسات البحث العلمي العالمية لمكافحتها. لكن هناك حزمة من الإجراءات التي يتوجّب على السلطات المحليّة لكل بلد أن تتخذها للإسهام في تحقيق الغاية المنشودة وإنقاذ النحل من الهلاك، وفي ما خص لبنان نذكر أهمّها:
- تحمّل الدولة مسؤولياتها في مواجهة الكوارث الطبيعية من خلال التعويض على مربّي النحل وتوزيع المعدّات الضروريّة والأدوية لمكافحة أهم الأمراض التي تصيب النحل في لبنان والحشرات التي تفتك به.
- الإرشاد الزراعي على تربية النحل وتدريب النحّالين على معالجة الأمراض بطريقة علميّة ونقل مناحلهم وفق ما يقتضيه توافر المراعي وتدريبهم على إنتاج عسل طبيعي وصحّي.
- إنشاء وزارة الزراعة محطّة لتربية ملكات مؤصّلة لأن ملكات بلدنا هنّ الأفضل ولأن الأجنبيّات قد لا تتأقلمن في بيئة مغايرة لبيئتهن، ما يعرضهن للأمراض ويسبّب إنخفاضًا في الإنتاجية.
- التوجّه نحو استخدام المكافحة البيولوجية والحد من إستخدام المبيدات الكيميائيّة وضرورة إبلاغ مربّي النحل بمكان رش المبيدات وزمانه.
- توزيع مصائد الدبّور الأحمر الخشبيّة على مربّي النحل.