- En
- Fr
- عربي
تطور تأثير الجزر في ترسيم الحدود البحرية
المقدمة
بمرور الزمن، تغيّرت وضعية الجزر في القانون الدولي تغيُّرًا جذريًا منذ اندفاعة الدول الفوضوية للمطالبة بخطوطٍ أساس baseline مبالغ فيها، غالب الأحيان بالاستناد إلى بعض الجزر، والتي تلت حكم القانون الدولي المتعلق بترسيم الحدود البحرية في قضية "مصائد الأسماك" الأنجلو - نرويجية[1]. وقد جاءت المادتان 7 و121 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار
United Nations Convention on the Law of the Sea، لتمنح الجزر حقوقًا مساوية للبر الرئيسي mainland ما عزّز دورها كعاملٍ أساسي في ترسيم الحدود البحرية[2]. فوجود جزيرة صغيرة، على الرغم من عدم أهميتها كمساحةٍ جغرافية، يمكن أن يدعم المطالبة بحدودٍ بحرية كبيرة وغير متناسبة disproportionate، من هنا مسارعة البلدان إلى ادّعاء السيادة على الجزر الصغيرة، والزعم بأنها قادرة على تأمين شرطَيّ "سكن بشر أو حياة اقتصادية مكتفية ذاتيًا"[3]. مع ما يمكن أن تجرّه هذه الممارسات من نزاعات سياسية تؤدي بعض الأحيان إلى صراع عسكري.
على الرغم من كل ذلك، فإن الأهمية القانونية لـلجزر تقلصت تدريجيًا وصولًا إلى سيادة المبدأ القائل بأن الأرض تهيمن على البحر والمعالم البحرية المرتبطة به. فالمحاكم الدولية لم تعد تعامل الجزر والبر الرئيسي على قدم المساواة، وتعتبر أن الحدود البحرية بين دولتَين يجب أن تعكس الشكل الساحلي إلى حد كبير بغض النظر عن تأثيرات الجزر. فقد عكست القرارات القضائية والتحكيمية في عدد من القضايا التي تلت قضية "مصائد الأسماك" كقضية رومانيا/أوكرانيا أي قضية "البحر الأسود"، وبنغلاديش/ميانمار أو قضية "خليج البنغال" بالإضافة إلى قضية نيكاراغوا/كولومبيا، الاتجاه إلى الخروج عن القواعد القانونية السابقة وإلى استنباط قواعد جديدة لا تعطي الجزر حقوقًا أساسية في ترسيم الحدود البحرية. في الواقع العملي، أصبحت الجزر، الواقعة بالقرب من البر الرئيسي، عاجزة عن التأثير بشكلٍ كبير على الحدود البحرية باستثناء تمتّعها بمياهٍ إقليمية بعرض اثني عشر ميلًا بحريًا. بالتالي، فإن الموارد المتنازع عليها تصبح أقل أهمية واستطرادًا تصير الدول أقل قابلية للدخول في صراع عليها ومن خلالها.
على الرغم من تقلص تأثير الجزر في عمليات الترسيم البحري، فإن من الخطورة بمكان عدم إيلاء الاهتمام الكافي للمقاربات القانونية الخاصة بحقوق الجزر نظرًا للنزاعات الإقليمية الكامنة في عدد من المناطق كبحر إيجه وبحر الصين الجنوبي وبحر اليابان وغيرها. فجزر بحر إيجه تشهد مئات الخروقات الجوية والبحرية بين تركيا واليونان فيما تتصاعد وتيرة الاحتكاكات بين اليابان والصين. وكانت الأخيرة قد بادرت في العام 2009 إلى إعلام الأمم المتحدة بخط النقاط التسعة nine-dash line الذي يعيّن حدود سيادتها وحقوقها التاريخية في الجزر والكيانات الواقعة خارج المياه الإقليمية للصين وباقي الدول المطلّة على بحر الصين الجنوبي وبخاصةٍ جزر براتاس Pratas، باراسيل Paracel، سبارتلي Spratly
وشريط ماكليسفيلد macclesfield bank ضاربةً عرض الحائط مطالبات الفليبين، فييتنام، ماليزيا،أندونيسيا وبروناي. لجأت الفليبين بالمقابل إلى المطالبة، تحت الفصل السابع من قانون البحار، بتحديد الوضعية القانونية لعددٍ من هذه الكيانات وبتصنيفها كجزرٍ أو صخور أو ارتفاعات جَزْر أو شرائط رملية sand banks وبتعيين الحقوق التي تنتج عن هذه التصنيفات[4]. رفضت الصين الاعتراف بصلاحية المحكمة للنظر في القضية لاعتبارها المسألة المطروحة متعلّقة بالسيادة الوطنية وليس بتفسير بعض مندرجات قانون البحار، وهي في الوقت نفسه تواجه مطالبة مشتركة من ماليزيا وفييتنام في ما يتعلق بتقاسم المنطقة الاقتصادية الخالصة
Exclusive Economic Zone والجرف القاري continental shelf. إن المناطق المشار إليها، وبخاصةٍ بحر الصين الجنوبي، هي بؤر توتّر قد تؤدّي إلى اندلاع حروب إقليمية يمكن أن تجرّ إليها قوى من خارج المنطقة كالولايات المتحدة وروسيا وفرنسا.
من هنا يصبح من الواجب السعي إلى تطوير هذا الاتجاه في التعامل مع الجزر، والذي بدأ بالتجلّي من خلال الإجراءات القضائية أو التحكيمية وممارسات الدول، مع العمل على تأطير قانوني لمقاربة تأثير موقع الجزر الجغرافي بالنسبة إلى خط الأساس المستقيم straight baseline أو خط الوسط median line من جهة وأثر تبعيّتها لدولٍ متلاصقة أو متقابلة
adjacent or opposite states على قضايا ترسيم الحدود البحرية بين الدول وبخاصةٍ في المناطق التي تشهد نزاعات مزمنة من جهة أخرى.
1- تعريف وحقوق الجزر
يفتقر القانون الدولي إلى تعريف واضح يميّز بين الجزر والصخور، فقانون البحار يعرّف الجزيرة كمنطقةٍ من الأرض محاطة بالمياه، مكوّنة طبيعيًا وتعلو فوق الماء في حالة المدّ[5]. يُغفل هذا التوصيف الفضفاض تحديد مساحة الأرض الدنيا المطلوبة للتفريق بين الجزر والصخور وبخاصةٍ أن الأخيرة لا تتمتّع بمنطقةٍ اقتصادية خالصة
أو جرف قاري. على العكس من ذلك، تمنح المادة 121 (2) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الجزر نفس حقوق البر الرئيسي باستثناء ما نصت عليه الفقرة(3)، البحر الإقليمي territorial sea والمنطقة المتاخمة contiguous zone والمنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري. وإذا ما التزمت الدول والمحاكم حرفيّة القانون يصبح باستطاعة الجزر إنشاء منطقة بحرية مماثلة لتلك الناتجة عن البر الرئيسي، لكن الممارسة الفعلية تنحرف إلى حدّ كبير بعيدًا من هذه القاعدة القانونية. فقيمة الجزر، التي اعتُبرت مصدر ثروة في يوم من الأيام، أخذت بالتضاؤل بشكلٍ متزايد في القانون الدولي، وبخاصةٍ الجزر التي تقع ضمن خط الوسط وبعيدًا من الساحل.
على الرغم من عدم تعديل النصوص القانونية إلا أن المحاكم جرّدت الجزر تدريجيًا من عدد من الامتيازات. فعند مقارنتها بالأرض البرية
land territory المحاذية لا يتم منح الجزر الصغيرة سوى أهمية ثانوية. أما الجزر الواقعة بعيدًا من الساحل، فتأثيرها ضئيل في ترسيم الحدود البحرية ما يدفع إلى الاستنتاج بأن حجم الجزيرة يمكن أن يكون عاملًا ذا صلة كما موقع هذه الجزيرة. هكذا خلال عقود قليلة لم تعد الجزر، وبخاصةٍ الصغيرة منها، تُعطى سوى تأثيرات منخفضة مقارنة بالأرض اليابسة على الرغم من استمرار الجزر-الدول Island-states والبلدان المتمتعة بجزرٍ ذات أهمية استراتيجية بالاحتجاج حيث نحت قرارات محكمة العدل الدولية وغيرها من الهيئات القضائية باتجاه مؤيّد للبر الرئيسي ولا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن هذا سيتغيّر في المستقبل. وفي هذا السياق من المهم الارتكاز على الأوراق البحثية لعددٍ من الباحثين في مجال الجزر وحقوقها، مثل المقاربة المنهجية القيّمة لهيونغ جانغ Heeyong Jang في موضوع حقوق جزر "تاكاشيما/دوكدو Takeshima/Dokdo" و"سينكاكو/دياويو
Senkako/Diaoyu" المتنازع عليها[6] بين اليابان وكل من الصين وكوريا الجنوبية، من أجل الاستفادة منها والبناء عليها لتعزيز موقف لبنان التفاوضي.
2- الجزر وخط الأساس المستقيم
تتعارض قواعد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي تحكم خط الأساس مع خط الأساس الفعلي الذي تطالب به الدول الساحلية، لا سيّما حين تتضمّن الخطوط الساحلية جزرًا. يعود هذا التفاوت جزئيًا إلى التطوّر الجوهري للأعراف Norms المعمول بها بما يتعلق بالجزر القريبة من الساحل. غالبًا ما تكون الخطوط الساحلية بعيدة كل البعد عن كونها مستقيمة وغير متعرّجة undented ويؤدي وجود الجزر Islets والصخور إلى تفاقم معضلات التحديد الدقيق لخطوط الأساس. تعمد البلدان ذات الخط الساحلي غير النظامي irregular shoreline في كثير من الأحيان، إلى المطالبة بخطوطٍ أساس مستقيمة بما يتجاوز الهامش المسموح به في المعايير الدولية. من أجل المطالبة بمزيدٍ من الحقوق، تتمسّك هذه الدول الساحلية بصلاحية الجزر الصغيرة أو الصخور، التي لا تقع في الجوار المباشر للبر الرئيسي، لاعتمادها كنقاطٍ أساس base points ما يؤدي إلى تداخل مناطقها البحرية مع المناطق التي تطالب بها، بشكلٍ قانوني، دول مجاورة.
في قضية "مصائد الأسماك", وبصرف النظر عن التمسّك بالملكية التاريخية للمياه الإقليمية أو الداخلية، اعتبرت محكمة العدل الدولية الجزر الطرفية fringing islands جزءًا لا يتجزّأ من الساحل وعمدت إلى قياس خط الأساس انطلاقًا من الخط الخارجي لـ"Skjaergaard". هكذا اعتُمدت الجزر، الواقعة على طول المحيط الخارجي outer perimeter للنرويج والتي تبعد أكثر من اثني عشر ميلًا بحريًا من الأرض الثابتة كنقاطٍ أساس ما سمح لها بالمطالبة بمساحةٍ بحرية شاسعة مقابل الجزر لناحية البر landward كمياهٍ داخلية internal waters مع توسيع المناطق البحرية maritime zones ناحية البحر seaward. حدّدت القضية المذكورة أعلاه، والتي تم تضمينها لاحقًا في المادة 4 من اتفاقية جنيف المتعلقة بالبحر الإقليمي، ثلاثة معايير رئيسية لتحديد خط الأساس المستقيم المناسب بحيث يجب أن[7]:
1- لا يبتعد الخط بشكلٍ ملموس عن الاتجاه العام للساحل.
2- تكون المنطقة البحرية الواقعة ضمن الخطوط مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمجال الأرضي land domain كشرطٍ لخضوعها لنظام المياه الداخلية.
3- تؤخذ المصالح الاقتصادية الخاصة بالمنطقة المعنية في الاعتبار، وهي المصالح التي يتّضح واقعها وأهمّيتها من خلال الاستخدام المطوّل.
انطلاقًا من هيولية المعايير القضائية المتعلقة بخط الأساس المستقيم، ومن رفض المحكمة اعتبار قاعدة العشرة أميال كقانونٍ دولي عرفي
international customary law، سُمِح للدول الساحلية بتحديدٍ غير متجرّد وغير موضوعي لخط الأساس الخاص بها من خلال تقييم الظروف المحلية التي تملي هذا الاختيار. ففي غياب معادلة حسابية دقيقة تسمح بتعيين خط الأساس بشكلٍ صحيح ما يزال تحديد خط الأساس، في الواقع، عملًا غير متجرّد. لحظت المحكمة كذلك أن هذه المقاربة تم تعزيزها من خلال ممارسة ثابتة وطويلة بما فيه الكفاية، في مقابل ما اعتبرته الحكومات من واقع أنها لم تجدها متعارضة مع القانون الدولي[8]. فبإعلانها أن الممارسة النرويجية مقبولة بموجب القانون الدولي العرفي، شجّعت المحكمة الدول الأخرى على إعلان خطوط الأساس على النحو الذي تراه مناسبًا وفي بعض الأحيان من خلال الاستيلاء على الجزر البعيدة التي تسمح بتبرير خطوط أساس متطرفة excessive baselines. إن رَفْض ما يسمى بقاعدة الساحل coastline rule، أي أن خط الأساس يجب أن يتبع الخط الساحلي الفعلي إلا في حالة المياه الداخلية، أوصل إلى مطالبات غير منطقية من جانب عدد من البلدان. استُعملت الجزر، في هذه المرحلة، كنقاط ٍأساس للأرض الثابتة من أجل تبرير صحة اعتماد خطوط أساس طويلة بشكلٍ غير متناسب.
خضعت السوابق القضائية التي تحكم خطوط الأساس المستقيمة، انطلاقًا من الجزر الأكثر بعدًا عن الساحل عندما يتبع الخط الاتجاه العام لهذا الساحل، لتحوّلٍ كبير لاحقًا حيث تم استبدال التقدير الذاتي في تقييم الظروف المحلية من قبل الدولة الساحلية بمعايير أكثر موضوعية. ففي قضية قطر/البحرين[9]، زعمت البحرين بأن كتلة جزر "حوار" تشكل نقاط أساس ذات صلة relevant base points بالنسبة إلى خط الأساس المستقيم وفقًا لتحديد ذاتي لمصالحها الاقتصادية الخاصة[10]. شجبت المحكمة صراحةً تطبيق ذاتية المعايير بدلًا من عدد من الشروط التي يجب أن تطبّق بشكلٍ محدود. بعبارةٍ أخرى، يحقّ لأي بلد الحصول على خطوط أساس مستقيمة إذا كان الخط الساحلي متعرّجًا ومتقطّعًا بقوةٍ، أو في حال وجود هامش من الجزر على طول الساحل وفي قربه الملاصق[11] وليس عند وجود مناطق بحرية معيّنة، واقعة ضمن خطوط الأساس هذه، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمجال الأرضي[12]. وبناءً عليه، قضت المحكمة بأن البحرين لا تستطيع تطبيق طريقة خط الأساس المستقيم على جزيرة "قطعة جرادة".
في قضية "البحر الأسود"، أعادت محكمة العدل الدولية التأكيد بأن جزيرة واقعة على بعدٍ قبالة الساحل لا تكفي لتشكيل نقطة أساس[13]. وبذلك، خفّضت قضية "البحر الأسود" من قيمة الجزر البعيدة من الساحل كون اعتبار جزيرة "الثعابين" Serpents’ island جزءًا ذا صلة من الساحل بمثابة إدخال عامل خارجي على ساحل أوكرانيا بحيث تكون النتيجة إعادة تشكيل قضائي للجغرافيا judicial refashioning of geography، وهو ما لا يسمح به القانون ولا الممارسة في ترسيم الحدود البحرية. تمثّل هذه القضية المدى الذي قطعته محكمة العدل الدولية منذ قضية "مصائد الأسماك" فبدلًا من تبنّي معايير غير محدّدة تمنح الجزر أهمية كبيرة في رسم خط الأساس المستقيم، تجاهلت المحكمة الجزر التي لا تحاذي الساحل مباشرة. باختصارٍ، فإن قاعدة القرب الجغرافي تمنع الاختيار التعسّفي للجزر والصخور وغيرها من ارتفاعات الجَزْر الصغيرة
de minimis tide elevations الأخرى البعيدة من الشاطئ كنقاطٍ أساس.
ومع ذلك، يبقى عدم تحبيذ الاتجاه للتحديد الذاتي لخطوط الأساس المستقيمة نظريًا أكثر من كونه واقعًا ملموسًا. تصرّ المحاكم الدولية على تطبيق أكثر صرامة لقاعدة خط الأساس المستقيم، حين يكون الخط الساحلي متعرّجًا ومتقطّعًا بقوةٍ، أو في حال وجود جزر متناثرة على طول الساحل في جواره المباشر. لكن لسوء الحظ، يُحجم هذا المعيار عن توضيح الجوانب النظرية والعملية للمعضلة: من غير الواضح ما هو العمق المطلوب لـ "عميقٍ"، كم هو عدد الجزر في "هامش" من الجزر، ما المقصود بـجزيرةٍ، ومدى القرب في قرب الشاطئ. بأي حال من الأحوال، لم تتوصل الدول والمحاكم الدولية والخبراء إلى توافق في الآراء بشأن هذه القضايا. فلغرض قياس تأثير الجزر في ترسيم الحدود، يمكن استخلاص مُسَلَّمتَين:
لا يبدو أن الصخور أو الجزر الصغيرة، تصلح كنقاط أساس في تحديد خط الأساس المستقيم، حتى لو تم استيفاء الشرط الجغرافي الأولي والشروط المسبقة الأخرى. فالمادة 7 (1) تشير على وجه التحديد إلى الجزر، أي المختلفة عن الصخور المحددة في المادة 121 (3).
يجب أن يُفسّر مصطلح الجوار المباشر على أنه لا يعني أكثر من مسافة البحر الإقليمي انطلاقًا من حدّ المياه المنخفضة low-water mark، أي ما لا يزيد عن اثني عشر ميلًا باتجاه البحر من الشاطئ وذلك انطلاقًا من الأرض الثابتة والحافة الداخلية للجزر موضوع البحث، بما يتوافق مع المادة 13 (1) من اتفاقية قانون البحار التي تسمح باستخدام ارتفاعات الجَزْر low-tide elevations الواقعة
كليًا أو جزئيًا على مسافة لا تتجاوز عرض البحر الإقليمي من البر الرئيسي أو من الجزر[14] كخط الأساس.
3- الجزر والبر الرئيسي
غالبًا ما تُنافِس الجزر البر الرئيسي على الموارد البحرية الساحلية. ترتكز هذه الجزر، وبعض منها جزر-دول، من أجل دعم حقوقها في المناطق البحرية، على المادة 121 (2) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي تنصّ بوضوحٍ على حقّ الجزر بنفس البحر الإقليمي، المنطقة المتاخمة، المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري الممنوح لباقي الأراضي البرية. يشير هذا التعريف، عند التطبيق الحرفي، إلى أن موقع الجزيرة أو طول خطها الساحلي أو أي اعتبارات خاصة أخرى ليس لها تأثير في ترسيم الحدود البحرية. أما إذا تداخلت مناطقها مع المناطق البحرية الخاصة بالبر الرئيسي أو بغيرها من الجزر، فيجري بكل بساطة اقتسامها بالتساوي.
ومع ذلك، فإن ممارسات الدول والاجتهاد القضائي بشأن تعيين الحدود البحرية تنص على أنه يمكن وصف أثر الجزر، بالعودة إلى خصائصها المختلفة، بالمحدود أو المعدوم في عملية ترسيم الحدود. فقد أضرّت قضية ليبيا/مالطا بشكلٍ كبير بالحقوق الممنوحة للجزر-الدول عندما تتعارض مناطقها البحرية مع الأرض الثابتة، حيث دعمت الافتراض القائل بوجوب تعديل خط الوسط بين الدولة-الجزيرة والبر الرئيسي لصالح الأخير. قضت المحكمة بأن طول الساحل هو ظرف وثيق الصلة pertinent circumstance في تقييم نسب التناسب ratio of proportionality في معرض تعديل خط الوسط الأولي لغرض تعيين حدود الجرف القاري[15]. المبدأ الأساسي هو أن المساواة في السيادة ليست مطلقة في ما يتعلق بتعيين الحدود البحرية: من الواضح أن وجود استحقاقات متساوية، بحكم القانون ومن حيث المبدأ، للدول الساحلية، لا يعني المساواة في مدى الجرف مهما كانت ظروف المنطقة. وبذلك لا يمكن استبعاد الاستناد بصورةٍ مسبقة إلى طول السواحل كظرفٍ ذي صلة[16]. بدلًا من ذلك، يبدو أن الفرضيّة الأساس المعتمدة هي أنه كلما زاد طول الساحل، زادت المنطقة البحرية وهذا المعيار هو دليل ظاهر على التحيّز ضد الجزر في ضوء واقع أن الجزر، وهي قطع أرض شبه قارية
sub-continental pieces of land، عادة ما تكون أصغر حجمًا إلى حدّ كبير وبالتالي تتمتّع بطول ساحل أقصر مقارنة بالأرض الثابتة. فالمحكمة لم تتجاهل جزيرة "فلفيلة" المالطية غير المأهولة فقط، في مثال آخر على كيفيّة تجاهل كيان بحري ثانوي minor maritime features في سبيل تكوين خط وسط عادل، بل عمدت إلى مقارنة طول السواحل ذات الصلة
relevant coast لتحريك خط الوسط نحو مالطا. بعد رسم خط الوسط الأولي، وجدت المحكمة ضرورة تعديله على ضوء الظروف ذات الصلة relevant circumstances للمنطقة، أي التباين الكبير بين أطوال سواحل الأطراف قيد النظر والمسافة بين هذه السواحل بالإضافة إلى تموضع نقاط الأساس التي تحكم أي خط متساوي البعد equidistance line والسياق الجغرافي العام[17] تركت قضية ليبيا/مالطا سؤالًا معلّقًا حول ما إذا كانت وضعية مالطا كجزيرة-دولة مستقلة أمرًا ذا صلة وفي هذه الحالة إلى أي مدى.
أما في التحكيم الكندي/الفرنسي بشأن جزر "سانت بيير" و"ميكلون" الفرنسية الواقعة على الساحل الكندي طُلب من هيئة التحكيم تحديد وضع اثنتَين من الجزر الفرنسية الصغيرة تقعان على بعد اثني عشر ميلًا بحريًا من الساحل الكندي. زعمت كندا بأن لها تأثيرًا جزئيًا فقط، بينما ضغطت فرنسا من أجل استخدام خط متساوي البعد يمنحها تأثيرًا كاملًا. طبقت اللجنة مبدأ التناسب لمنح الجزر قيمة مخفّضة، وتحديدًا منطقة اقتصادية خالصة محدودة وجيبًا جزئيًا باتجاه الغرب[18]. بشكلٍ مماثل إلى حد كبير لقضية ليبيا/مالطا، تم اختزال حقوق الجزر الفرنسية بشكلٍ كبير عندما تعارضت مع البر الرئيسي.
في قضية نيكاراغوا/كولومبيا، واجهت المحكمة مسألة مماثلة تتعلق بوجود العديد من الجزر الكولومبية داخل المناطق البحرية التابعة لنيكاراغوا. اعتُمدت "سان أندريس" و"بروفيدنسيا" و"سانتا كاتالينا"، وهي ثلاث جزر كبيرة نسبيًا، كنقاطٍ أساس تم من خلالها رسم خط الترسيم المؤقت. اتّبعت المحكمة مجرى قضية ليبيا/مالطا بمقارنة التباين الضخم في الطول بين الساحل الكولومبي ذي الصلة وساحل نيكاراغوا. أصبح عدم التناسب، البالغ حوالى 8.2:1، دافعًا رئيسيًا للمحكمة نحو تعديل الخط المؤقت باتّجاه البحر بعيدًا عن شاطئ نيكاراغوا. علاوة على ذلك، رأت المحكمة أن الأثر على نيكاراغوا الناتج عن عدد قليل من الجزر الكولومبية الصغيرة والتي ليست ساحل بر رئيسي متواصل هو اعتبار ذو صلة relevant consideration يتطلب تعديل خط الوسط المؤقت أو تحويله من أجل الحصول على نتيجة عادلة[19].
بالتالي يبدو أن مبدأ التناسب قابل للتطبيق حتى في غياب صيغة دقيقة حيث تعمد المحاكم غالبًا إلى رسم خط متساوي البعد مؤقت ومن ثم ضبط الخط لغير صالح الجزيرة، وبنسبةٍ أكبر إذا لم تكن الجزيرة دولة مستقلة، اعتمادًا على طول ساحلها.
4- الجزر وخط الوسط
قرّرت هيئة التحكيم في قضية "جزر القنال" أن الحدود الأولية للجرف القاري هو خط الوسط [20] على الرغم من وجود "جزر القنال" المنفصلة جغرافيًا عن المملكة المتحدة والتي تقع داخل خليج على ساحل النورماندي الفرنسية. فعند تحديد الحدود البحرية، تهيمن الأرض على البحر حتى عندما تكون الجزيرة أقرب إلى الدولة المجاورة. واستطرادًا فإن وجود الجزر داخل الحدود البحرية لدولةٍ مجاورة، لا يغيّر الموقع العام لخط الوسط حيث أن القاعدة التقليدية هي كون الجزر، على الرغم من المادة 121 (2) من اتفاقية قانون البحار، عاجزة عن المطالبة بأكثر من جيب بحري إقليمي. علاوة على ذلك، يحقّ للدولة المواجهة أو الملاصقة تعديل خط الوسط للتعويض عن المنطقة المفقودة. تتردّد المحاكم في إعطاء الجزر التأثير الكامل، تطبيقًا لمبدأ الحلّ المنصف equitable solution، لأن القيام بذلك من شأنه أن يؤثّر في المنطقة البحرية بشكلٍ يضرّ بشدةٍ دول البر الرئيسي ذات السواحل الطويلة[21]. ففي هذه القضية مُنحت الجزر حزامًا بعرض اثني عشر ميلًا بحريًا، بينما تم تعديل خط الوسط بما يتناسب مع تعويض المساحة التي خسرتها فرنسا.
توضح هذه الحالة كيفية التعامل مستقبلًا مع هذه الجزر، فعلى عكس البر الرئيسي، الذي يحقّ له بمناطق خارج البحر الإقليمي، لا تملك هذه الجزر إلا حقًا منقوصًا بشكلٍ ملحوظ تبعًا لقاعدة اقتصار البحر الإقليمي على 12 ميلًا بحريًا فقط. فمن المرجّح، في الحالات المشابهة، أن تدعم المحكمة مسارًا من ثلاث خطوات:
أ- رسم الحدود الأولية على الخط المتساوي البعد بين السواحل.
ب- منح الجزر جيوبًا بعرضٍ لا يتجاوز 12 ميلًا بحريًا.
ج- تعويض الدولة المجاورة، انطلاقًا من خط الوسط، مساحة تتناسب مع تلك التي خسرتها لصالح الجزر.
لنفس الأسباب، فإن القيمة القانونية للجزر التي تقع فيها الجزيرة داخل منطقتها البحرية بعد رسم خط متساوي البعد مؤقت، تتضاءل بشكلٍ كبير حيث يمكن ملاحظة تحوّل كبير ضد منح الجزر قيمة قانونية متساوية مع البر الرئيسي في هذه الحالة أيضًا.
في قضية تونس/ليبيا، أكّدت محكمة العدل الدولية مجدّدًا الاتجاه إلى إعطاء تأثير جزئي للجزر التي تقع بالقرب من الساحل[22]. فوجود الجزر ضمن الخط المتساوي البعد المؤقت لدولتها، هو اعتبار خاص، وليس عاملًا حاسمًا يمكن أن يغير بشكلٍ كبير موضع خط الوسط. يشير الحكم إلى أن لتلك الجزر تأثيرًا ضئيلًا في الخط المتساوي البعد. في الواقع، يأتي رفض المحكمة أن يكون لجزيرة "فلفيلة" الصغيرة تأثير غير متناسب في الخط المتساوي البعد ليؤكّد الاتجاه المستمرّ لتأكيد عدم التأثير الكبير لوجود الجزر في تشكيل خط الوسط.
على الرغم من تأييد المحكمة مبدأ تعديل خط الوسط على ضوء الظروف الخاصة، بما فيها الجزر، في قضية قطر/البحرين إلا أنه لم يسمح للجزر إلا بتأثير جزئي فقط. فعمومًا كلّما كانت الجزيرة أبعد باتّجاه البحر، يصبح التأثير أكثر جزئية بسبب زيادة احتمال تشوّه خطوط الترسيم
distortion of the delimitation lines.
التناقض بين المادة 121 (2) من اتفاقية قانون البحار والاجتهاد القضائي الحديث حول أهميّة الجزر واضح، بالإضافة إلى كون انخفاض تأثير الجزر مرتبطًا طردًا مع حجمها وعكسًا مع بُعدها عن الساحل. ففي قضية "البحر الأسود"، أعلنت المحكمة بأنها قد تقرّر في بعض الأحيان عدم أخذ الجزر الصغيرة جدًا بعين الاعتبار أو قد تقرّر عدم منحها حقّها الكامل في المناطق البحرية، إذا كان لهذا الأمر تأثير غير متناسب في خط الترسيم قيد النظر[23]. فجزيرة "الثعابين" لم تحرم من إنشاء منطقة بحرية فقط، ما عدا بحر إقليمي بعرض اثني عشر ميلًا بحريًا، ولكن تم التأكيد أيضًا بأنها غير ذات صلة في رسم الحدود البحرية بين الدولتَين حيث أشارت المحكمة إلى البعد عن الساحل كعاملٍ حاسم في عدم اعتبارها نقطة أساس. ونظرًا لوقوع الجيب البحري الإقليمي داخل المنطقة البحرية للدولة الساحلية، لم يتم تعديل الخط الوسطي لاحتساب المنطقة المكوّنة. نتيجة لذلك، فإن الحقوق التي يمكن للدولة الساحلية المطالبة بها عن طريق جزيرة، واقعة من جهتها نسبة إلى خط الوسط، محدودة إلى حدّ كبير. بالإضافة إلى ذلك، تجنّب الحكم في قضية البحر الأسود مسألة كون جزيرة "الثعابين" تندرج تحت المادة 121 (1) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بل قضت بأن البحر الإقليمي بعرض اثني عشر ميلًا بحريًا، الذي تم منحه لها، لم يكن بسبب وضعها كجزيرةٍ وإنما بسبب الاتفاقيات الثنائية المعقودة بين الدولتَين.
وبذلك تتماثل القاعدة المعمول بها عندما تقع الجزيرة في اتّجاه اليابسة من خط الوسط وبعيدة جدًا ليتم اعتبارها جزءًا من الساحل مع المعمول به في الحالة السابقة.
5- الجزر والدول المتلاصقة
تقسم عملية ترسيم حدود المناطق البحرية بين دولتَين متلاصقتَين إلى جزأَين، يتعلق الأول بالبحر الإقليمي المنضوي تحت المادة 15 والثاني متعلّق بتقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة بموجب المادة 74 من قانون البحار[24]. على الرغم من الاختلافات الواضحة في النص، فإن روحية هاتين المادتَين هي نفسها: يسعى كلاهما إلى اشتراط خط وسط أو خط منصف equitable line في سبيل الوصول إلى حل عادل[25]. لكن الخط العادل لتقسيم البحر الإقليمي لا يمتدّ بالضرورة ليشمل المنطقة الاقتصادية الخالصة. أما وجود جزيرة منفصلة عن خط الأساس بالقرب من الساحل فهو تعقيد إضافي لكن القاعدة البديهية هي أن حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وهي الأكبر، لن تتأثر حتى لو أُعطيت الجزيرة تأثيرًا مهمًا على ترسيم حدود البحر الإقليمي.
في قضية "خليج البنغال"، واجهت المحكمة مسألة جزيرة "سانت مارتن" البالغة مساحتها حوالى 8 كيلومترات مربعة والتي تقع على بعد حوالى 6.5 ميلًا بحريًا جنوب غرب نهاية الحدود البريّة لبنغلاديش. على الرغم من أن الجزيرة تتبع بنغلاديش، فهي أقرب إلى ساحل ميانمار فيما تقع داخل البحر الإقليمي لكلا الدولتَين. خلصت المحكمة إلى أن جزيرة "سانت مارتن" هي كيان بحري مهمّ يستحقّ التأثير الكامل في رسم خط ترسيم حدود البحر الإقليمي بالنظر إلى مساحتها وعدد سكّانها واقتصادها [26]. مع ذلك، ينقلب الوضع تمامًا في ما وراء أقصى نقطة خارجية
beyond the outermost point من البحر الإقليمي للجزيرة. قامت المحكمة بالموازنة بين حق جزيرة متوسطة الحجم وغير ممكن تجاهلها في إنشاء المناطق البحرية من جهة وتطبيق مبادئ الإنصاف بالنظر إلى طول ساحل كل من الدولتَين من جهة أخرى. فالأول يسود على الثاني في ما يتعلق بالبحر الإقليمي أي اعتبار أن التأثير غير المتناسب على خط الوسط للعلاقة الساحلية المهيمنة
dominant coastal relationship مقبول لإعطاء التأثير الكامل لكيان بحري مهمّ في البحر الإقليمي ولكن العكس هو الصحيح بالنسبة للمنطقة الاقتصادية الخالصة وتحديد الجرف القاري.
فيما أيدت مقاربة الظروف ذات الصلة، رفضت المحكمة اعتبار جزيرة "سانت مارتن" ظرفًا ذا صلة بمجرد الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية الإقليمية. فوفق إدعاء ميانمار، إذا تم إعطاء جزيرة "سانت مارتن" تأثيرًا كاملًا في ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، سيؤدي ذلك إلى إنشاء منطقة بحرية لبنغلاديش لا تقلّ عن 13,000 كيلومتر مربع في إطار ترسيم الحدود بين الكتل القارية وهو أمر غير متناسب بشكلٍ كبير. إذ بينما يمكن لجزيرةٍ ما أن تكون ظرفًا ذا صلة بترسيم البحر الإقليمي بين دولتَين متجاورتَين، فإن قضية خليج البنغال تشير إلى أنه من غير المحتمل أن تشكّل الجزر، حتى متوسّطة الحجم منها، ظرفًا ذا صلة لتغيير خط الوسط بشكلٍ جوهري في ما وراء حدود البحر الإقليمي.
6- تأثير الجزر التافهة
ظل غموض المادة 121 من اتفاقية البحار مصدرًا دائمًا للخلافات السياسية والأكاديمية. ففي الواقع، يثير هذا النص العديد من التساؤلات: هل يمكن أن تُعتبر منارة ما بمثابة سكن بشري؟ وما العلاقة بين حجم الصخرة والشرطَين في الفقرة 3 من المادة 121؟ ومع ذلك، وبالرجوع إلى قانون البحار، يمكن بالتأكيد استنتاج:
أ- إن مساحة الجزء البارز من اليابسة عن المحيط هو معيار صالح لقياس قابليّة السكن وتوافر الموارد. فكلّما صَغُر حجم الجزيرة، انخفضت إمكانية سكن الإنسان ودعم النشاط الاقتصادي كما يُستخلص من أثر مساحة جزيرة "سانت مارتن"، في قضية "خليج البنغال"، في إعطائها التأثير الكامل في تعيين حدود البحر الإقليمي.
ب- إن الاكتفاء الذاتي، الذي يشير إلى وجود سكان وإنتاج، هو دليل قطعي يدعم التصنيف كجزيرةٍ بدلًا من صخرة.
تبقى الحقوق الممنوحة للجزر التافهة de minimis islands هامشية عند اعتبارها مصدرًا للمناطق البحرية بحدّ ذاتها وعند التعارض مع مساحة أرضية أكبر حيث أن الكيانات البحرية التافهة غير واعدة كمصادرَ مستقلة للحقوق. تلتزم اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الصمت بشأن مسألة الحق ببحرٍ إقليمي، أما المنطقة الواقعة خارج البحر الإقليمي فهي قضية مختلفة لأن هناك نصًا صريحًا في المادة 121 (3) على أن الصخور لا يجوز لها إنشاء منطقة اقتصادية خالصة.
هذه الكيانات التافهة، رغم محاولة بعض الدول الاستيلاء على مساحات شاسعة من المحيط عن طريقها، ليست عاجزة عن إنشاء مناطق اقتصادية حصرية فقط إنما هناك إجماع متزايد بين المحاكم الدولية على استبعاد الكيانات البحرية الصغيرة في حالات ترسيم الحدود. أما في حال أعطت هذه الجزر، غير الصالحة للسكن وغير المأهولة، تأثيرًا غير متناسب في خط الحدود، عندئذٍ يتم تجاهلها تمامًا كما جرى في قضية البحرين/قطر بما يتعلق بـ "قطعة جرادة"، وهي جزيرة صغيرة جدًا غير مأهولة ومن دون أي نباتات يبلغ طولها 12 مترًا وعرضها أربعة أمتار في حالة المدّ ولا يمكن اعتبارها متمتّعة بالوضع القانوني لجزيرةٍ على النحو المنصوص عليه في اتفاقية العام 1982. فالسماح باستخدام خط المياه المنخفضة الخاص بها لتحديد نقطة أساس في عملية رسم الخط المتساوي البعد، وإذا ما تم اعتماد هذا الخط كخط ترسيم، سوف يؤدي إلى إعطاء تأثير غير متناسب لكيانٍ بحري تافه[27]. من الواضح بالتالي أن الكيانات البحرية التافهة الشبيهة بالصخور، سواء اعتُبرت جزرًا أم لا، ليست ذات صلة عند رسم خط الوسط بين ساحلَين مهيمنَين.
تتعارض معالجة النتوءات غير الصالحة للسكن في المحيط أيضًا بشكلٍ كبير مع مبدأ التناسب. على الرغم من أنها قد تُنشئ بحرًا إقليميًا خاصًا بها، إلا أن الحقوق المنبثقة من سواحلها الضئيلة نسبيًا تتقزّم مقارنة بالبر الرئيسي أو الجزر ذات السواحل الكبيرة. فالمادة 121 (3) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وأيضًا قاعدة التناسب التي تم تبنّيها في حالة ليبيا/مالطا، تجعل هذه الجزر غير ذات صلة في ترسيم الحدود البحرية.
7- مقاربة النزاعات والحالة اللبنانية
خَطَت القوانين والأحكام الدولية خطوات كبيرة منذ الصراع التاريخي المفتوح بين أنصار البحر المغلق mare closum، وبخاصةٍ بين مملكتَي إسبانيا والبرتغال، والبحر المفتوح mare liberum الذي نظّر له هوغو غروتيوس
Hugo Grotius (1583–1654)5 والجدال المعاصر بين أنصار الخط المتساوي البعد وأنصار مبدأ العدالة equitable principle الذي شهدته المؤتمرات الدولية ما أدّى بالنهاية إلى تسوية سمحت بصدور قانون الأمم المتحدة للبحار في العام 1982. فترسيم الحدود وفق الخط المتساوي البعد يؤمّن حلًا علميًا لا مجال للاختلاف على حسن تطبيقه، لكن في المقابل نادرًا ما أتت نتائجه عادلة بسبب تأثيرات غير متناسبة على الخط المتساوي البعد لمميّزاتٍ جغرافية معيّنة، كالرؤوس promontories والجزر، ما يؤدي إلى حلول غير عادلة. أما مبدأ العدالة الذي دخل ميدان الترسيم البحري مع إعلان الرئيس الأميركي هاري ترومان في العام 1945، فيستند بشكلٍ أساسي على تطبيق قاعدة التناسب proportionality rule في تقسيم المناطق البحرية وصولًا إلى حل عادل. لكن هذا المنحى يبقى قاصرًا عن إنتاج بنية نظامية واضحة يتحقق من خلالها الإنصاف، بسبب فردانية unicum كل قضية، نتيجة التنوع الكبير للسمات الجغرافية لكل حالة ترسيم بحيث يصعب معها تعميم مبادئ ثابتة في إنشاء الحدود البحرية بين الدول.
يترك التناقض المشار إليه أعلاه حرية التقدير بيد المحاكم المختصة لاستحالة التوصل إلى قاعدة عامة. تسعى الأخيرة إلى تقسيم قضائي للمناطق البحرية يرتكز على:
- تحديد السواحل والمناطق ذات الصلة.
- تحديد الخط المتساوي البعد كنقطة انطلاق وفق المعطيات الجغرافية.
- تعديل الخط المؤقت تحت تأثير الظروف ذات الصلة.
- تطبيق قاعدة التناسب بحيث يكون الساحلُ ذو الصلة العاملَ الأساس في تحديد النتائج لا بعض النتوءات protrusions الثانوية البعيدة عن الشاطئ.
أ- تحديد السواحل ذات الصلة
تراجعت المقاربة المؤيدة لحقوق الجزر بالتزامن مع تغيّر ضمني، وإن جذري في قواعد ترسيم الحدود البحرية، فمع مرور الوقت، أصبح تحديد الساحل ذي الصلة الخطوة الأكثر أهميّة. يحدّد تكوين الساحل ذي الصلة خط الأساس، والإسقاط الأولي للمنطقة البحرية وكذلك التقسيم النهائي بعد تطبيق قاعدة التناسب. يتوقّف مدى وشكل المنطقة البحرية على جغرافية الساحل في بداية أي عملية ترسيم ونهايتها. فتُستخدم السواحل ذات الصلة لتحديد المطالبات المتداخلة بهذه المناطق في السياق المحدد للحالة والتحقّق، في المرحلة الثالثة والأخيرة في عملية ترسيم الحدود، من وجود عدم تناسب في نسب أطوال السواحل لكل دولة والمناطق البحرية الواقعة على كلا الجانبَين من خط الترسيم. كما يخضع الخط المتساوي البعد المؤقت، المرسوم على أساس التكوين الساحلي، للتغيير في المرحلة النهائية لضمان أن تتناسب المناطق البحرية إلى حدّ ما مع أطوال السواحل ذات الصلة كما جرى في قضية "البحر الأسود" حيث اعتمدت المحكمة منهجية من ثلاث خطوات لترسيم الحدود البحرية بين الدولتَين:
(1)- استخدمت المحكمة معايير هندسية موضوعية لتحديد نقاط الأساس، على طول السواحل ذات الصلة، في معرض رسم خطوط الوسط والخطوط المتساوية البعد للمناطق المتلاصقة والمتقابلة، على التوالي. فاعتبرت جزيرة "تسيغانكا Tsyganka" ذات صلة بشكلٍ خاص كون تأثير جزيرة ما يزداد عند ترسيم الحدود، في حال اعتبارها نقطة أساس لقربها من الأرض الثابتة فأصبحت بالتالي عاملًا حاكمًا في تحديد الخط المتساوي البعد. على نقيض ذلك، فإن جزيرة "الثعابين" الواقعة على بعد حوالى 20 ميلًا بحريًا إلى الشرق من دلتا الدانوب بأوكرانيا، اعتبرت غير مناسبة كنقطة أساس وغير ذات صلة خلال عملية ترسيم الحدود.
(2)- درست المحكمة الظروف ذات الصلة المحتملة[28]، والتي قد تتطلب تعديل الخط المتساوي البعد المؤقت، أي التباين بين السواحل ذات الصلة، الطبيعة المغلقة للبحر الأسود، وجود "جزيرة الثعابين" والأنشطة الاقتصادية في المنطقة ولم تعترف بأي منها، ما يشير إلى أن الجزر الصغيرة لا تتمتّع بتأثيرٍ يُذكر في ترسيم الحدود مقارنة بساحل البر الرئيسي.
(3)- نظرت المحكمة في ما إذا كان خط الترسيم المقترح سيؤدي إلى تفاوت كبير بالعودة إلى الأطوال الساحلية ذات الصلة وتقسيم المناطق الذي يلي ذلك[29] إنّما لم تكن نسبة أطوال السواحل والمناطق ذات الصلة، وهي 1:28 و1:21 على التوالي، غير متناسبة بشكلٍ يستدعي تعديل خط الترسيم. رسّخ الحكم المبدأ القائل بأن نسبة السواحل ذات الصلة يجب أن تقارب نسبة المناطق المحددة.
استخدمت قضيّة "خليج البنغال" عملية ترسيم الحدود ذات المراحل الثلاث أيضًا. اختارت المحكمة نقاط الأساس على السواحل ذات الصلة، ونظرت في الظروف ذات الصلة، وما إذا كان الخط المحدد يؤدي إلى تفاوت كبير بين نسبة الأطوال الساحلية المعنية ونسبة المناطق البحرية ذات الصلة المخصّصة لكلّ طرف[30]. بعد تعديل الخط المتساوي البعد المؤقت لتعويض أثر القطع الناجم عن تقعّر سواحل بنغلاديش، شرعت المحكمة في التحقّق مما إذا كانت نسبة المساحات المخصّصة تعكس نسبة أطوال السواحل ذات الصلة.
وفق نفس الأسلوب، طُبّقت عملية ترسيم الحدود بمراحلها الثلاث في قضية نيكاراغوا/كولومبيا[31]. ونتيجة لذلك، سلّطت قضايا ترسيم الحدود الأخيرة، من قبل هيئات دولية رئيسية، الضوء على طول السواحل ذات الصلة كعاملٍ محدّد للنتائج، أما الجزر التي ليست جزءًا من الساحل ذي الصلة فسيكون تأثيرها ضئيلًا في مساحة المنطقة البحرية الناتجة عن الأرض الثابتة.
في الحالة اللبنانية، فإن جغرافية الشاطئ البسيطة نسبيًا، الخالية من النتوءات والتضاريس المتطرّفة عدا بعض الجزر قبالة طرابلس، تحتّم استعمال خط أساس عادي مع بعض خطوط مستقيمة قرب الجزر الشمالية. لا بدّ من الإشارة في هذا الإطار إلى أن العامل الأول في تحديد المناطق البحرية للدولة هو رسم خط أساس يأخذ بعين الاعتبار الخصائص الجغرافية لساحل هذه الدولة. ومن البديهي في هذه الحالة أن يتم تحديد نقطتَي البداية والنهاية لهذا الخط أَلَا وهي النقطة النهائية للحدود اللبنانية-السورية على البحر الأبيض المتوسط
land terminus point بداية، أي خط وسط النهر الكبير الجنوبي، وانتهاء بالنقطة النهائية للحدود اللبنانية-الفلسطينية على البحر عند رأس الناقورة. وإذا كان لا بدّ من تحديد النقطة الأولى بالاتفاق بين الدولتَين اللبنانية والسورية، فإن لتحديد النقطة الأخيرة عقبات نتيجة الاختلافات بين التحديديَن اللبناني والإسرائيلي في غياب إمكان التوصل إلى حل مقبول من الطرفَين في المفاوضات التي تجري برعايةٍ أميركية وأممية.
ب- المنطقة ذات الصلة
من المهم في البداية تحديد المنطقة ذات الصلة في القانون الدولي. فمن جهة يجب أن تقتصر المنطقة على حقوق الأطراف المتداخلة ذات الصلة بترسيم الحدود. ومن جهة أخرى يجب، وبشكلٍ صارم، أن تكون هذه المنطقة منطقة متنازع عليها حيث يمكن للطرفَين المطالبة بحقوق ملكية شرعية في حالة غياب أي طرف آخر.
بالعودة إلى الحالة اللبنانية، نظرًا لقلة تعقيدات الجغرافيا البحرية لمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، فإن تعيين المناطق ذات الصلة أمر بسيط وبخاصةٍ إذا ما تم تحديد الخط المتساوي البعد المؤقت بين الشاطئ اللبناني والشاطئ القبرصي من جهة وخط ترسيم مؤقت بين لبنان وفلسطين باعتماد طريقة علمية متعارف عليها من جهة أخرى. إن تحديد هذه الخطوط بصورةٍ نهائية يتطلّب أخذ الظروف ذات الصلة بعين الاعتبار والتوصل إلى اتّفاق مع الأطراف الأخرى.
ج- الظروف ذات الصلة
حدّدت المحاكم والهيئات القضائية الدولية الظروف ذات الصلة، غير الساحل والمنطقة ذات الصلة والجزر، التي يمكن أن يكون لها تأثير مطلق أو نسبي في خط الترسيم بحيث ظهر، على مرّ السنوات، توجّه عام لإعطاء الاعتبارات المتعلقة بالمعطيات الجغرافية الأسبقية على الاعتبارات الثانوية الأخرى. فالميزات الجغرافية تقع في جوهر عملية الترسيم، وتكوين الأرض يمثّل أساسًا للتحديد أكثر موضوعية من الاعتبارات السياسية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية في حين أن السمات الجيومورفولوجية للأرض ليس لها تأثير في عناصر الجغرافيا الطبيعية ذات الصلة بترسيم الحدود البحرية. فمن الناحية العملية، الجغرافيا هي أساس المداولات القضائية في الغالب بحيث تحدّد بشكلٍ أساسي مدى ملاءمة المسافة المتساوية أو أي طريقة أخرى لتحديد الحالة المعيّنة. على سبيل المثال، يُعدّ تكوين الساحل عاملًا حاكمًا في تحديد الخط المتساوي أو خط الوسط كما يتم تقييم الاتجاه العام للساحل وشكله وطوله على وجه الإجمال للتأكد من التناسب الذي ليس إلّا التحقق النهائي من عدالة الترسيم المؤقت. وبناءً على ذلك، فإن هيمنة الجغرافيا تعتبر بمثابة العمود الفقري لترسيم الحدود البحرية والتي لا يُسمح بالانحراف عنها إلّا في ظروف نادرة. لا يمنع ذلك إمكانية تعديل خط الوسط تبعًا لعوامل غير جغرافية كخطوط ترسيم الحدود القائمة على الرضى والتكافؤ الاقتصادي على سبيل المثال لا الحصر.
أما بالنسبة إلى الظروف ذات الصلة التي تؤثّر في المناطق البحرية اللبنانية، فعليًا يخلو الشاطئ الشرقي للمتوسط من التعقيدات الجغرافية التي يتحتّم أخذها بعين الاعتبار، كما جرى في قضية الكاميرون/غينيا[32] حيث تمت دراسة تأثير تقعر الساحل Convex nature of the shoreline الأفريقي في المناطق البحرية للدولتَين. وإن كل ما يمكن أخذه بعين الاعتبار، كظروفٍ خاصة، هي بعض الكيانات البحرية الواقعة قرب السواحل السورية واللبنانية والفلسطينية: جزيرة "أرواد" السورية، جزر "النخيل" اللبنانية وصخرة "تخيليت" الفلسطينية.
وحيث أن موضوع ترسيم خط الحدود البحرية اللبنانية-السورية غير مطروح حاليًا، فإن الظرف الوحيد ذا الصلة الذي يجب تقدير تأثيره في هذه الحالة هو "تخيليت" مع الانتباه إلى تأثير المعايير المعتمدة في هذا السياق في ترسيم الحدود الشمالية، على الرغم من لجوء العديد من الدول والمحاكم الدولية إلى اعتماد معايير مختلفة في تقدير الظروف ذات الصلة للدولة نفسها كما جرى في قضايا ترسيم الحدود بين الولايات المتحدة وكندا[33] وبينها وبين المكسيك[34]. كما أن ازدواجية المعايير يمكن أن توجد في قضية واحدة مثل قضية "خليج ماين"[35] بين الولايات المتحدة وكندا. بالإضافة إلى عدم وجود تعقيدات جغرافية فإن المنطقة تخلو من أي اعتبارات يمكن أن تشكل ظروفًا ذات صلة لغياب أي اعتبارات اقتصادية، اجتماعية أو حقوق ملكية entitlement rights.
د - تطبيق قاعدة التناسب والحل العادل
لطالما كانت ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺐ ﻋﻨﺼﺮًا ﻣﺮﻛﺰيًا ﻓﻲ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ. «...ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، اعتقد ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻭﻋﻠﻤﺎء ﺍﻷﺧﻼﻕ، ﻭاستطرادًا ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴـوﻦ، بأن ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﺍﻟﺤﺴﺎﺑﻴﺔ إنما ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺴﺐ ﻭﺍﻟـتناسب
Ratios and proportions، ويبرز ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ في معرض ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﺘﺒﺎﺩﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻌﻴﺔ...»[36]. بذلك يكون مبدأ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺐ في صلب ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻹﻧﺼﺎﻑ في أثناء ﺗﺮﺳﻴﻢ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﺃﻳﻀًﺎ[37]. ﺑﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻹﻧﺼﺎﻑ ﻓﻲ ﺗﺮﺳﻴﻢ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺟﻐﺮﺍﻓﻲ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺮﺳﻴﻢ ﻳﻬﺪﻑ ﺇﻟﻰ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺔ، ﻓﻳﺘﺮﺗّﺐ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻜﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻨﺪ حكمًا ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﺟﻐﺮﺍﻓﻴﺔ. يُستشفّ من نص الأحكام الدولية وروحيتها بأن ﺳﺎﺣﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻳﺸﻜﻞ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﻟﻘﻴﺎﺱ ﺣﻖ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ الولاية ﺍﻟﻘﻀﺎئية ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﺔ maritime jurisprudence أولًا ﻭﺍﻟﺠواﻧﺐ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺃﻫﻤﻴﺔ في السواحل هي ﻃﻮﻟﻬﺎ ﻭﺗﻜﻮﻳﻨﺎﺗﻬﺎ ﺃﻭ ﻣﻮﺍﻗﻌﻬﺎ النسبية تجاه ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ثانيًا.
إن الهدف من فكرة التناسب هي استعمالها كأداة تصحيح للنتائج غير المحقّة في سبيل تجنب الوصول إلى الترسيمات غير العادلة بشكلٍ مبالغ فيه[38] والتي تنتج عن بعض الخصائص الجغرافية المعيّنة للسواحل
geographical particularities of the coasts . إذا عدنا إلى المنهج المعتمد من قبل المحاكم الدولية نراه ينحو لاعتماد أسلوب المراحل الثلاث أي تحديد خط الترسيم المؤقت باتّباع إحدى الطرق العلمية المعتمدة وتحديد الظروف ذات الصلة وصولًا إلى المرحلة الثالثة والنهائية التي تفحص أثر هذه الظروف على الترسيم وتطبيق قاعدة التناسب في تحديد المناطق البحرية في المناطق ذات الصلة.
في موضوع ترسيم الحدود البحرية اللبنانية - الفلسطينية تكمن المشكلة في "تخيليت" وهي كيان بحري تافه، لا يتعدّى طوله الأربعين مترًا بعرضٍ لا يتجاوز العشرين مترًا، جنوب رأس الناقورة على بعد حوالى 1800 متر من الشاطئ داخل المياه الإقليمية الفلسطينية. يطالب العدو الإسرائيلي باعتبار "تخيليت" جزيرة مكتملة الصفات فيما يعتبرها لبنان مجرد صخرة لا تحقّق أي من شرطَيّ سكن الإنسان أو حياة اقتصادية مكتفية ذاتيًا الواردة في المادة 7 من قانون البحار.
ورغم الجدل العميق الذي يحيط بالموضوع، فإن استعراض مقتضيات قانون البحار وأحكام المحاكم الدولية يدفع إلى التيقّن بأن تأثير اعتبار "تخيليت" جزيرة في عرض البحر الإقليمي أو مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة أقلّ أهمية من الاعتراف بصلاحيتها، بسبب قربها من الساحل وبقائها فوق مستوى المد كامل أيام السنة، كنقطةٍ أساس في عملية ترسيم خط الأساس العادي للساحل الفلسطيني. هكذا تعامل الحكم في قضية "البحر الأسود"[39] مع جزيرة "تسيغانكا" وهذا هو الاتجاه المرجّح في المحاكم الدولية بعد قضية غينيا/غينيا بيساو[40] في ما يتعلق بالجزر القريبة من خط الساحل. في هذه القضية ميّزت المحكمة بين ثلاث فئات من الجزر: «الجزر الساحلية، التي تفصلها قنوات بحرية أو مجارٍ مائية ضيّقة عن القارة، وغالبًا ما تكون مرتبطة بها عند انخفاض المدّ... الجزر الجنوبية المنتشرة في المناطق الضحلة. في ما يتعلق بالفئة الأولى من الجزر، رأت المحكمة أنه ينبغي أن تعتبر جزءًا لا يتجّزأ من القارة...»[41]. بذلك يكون السعي لاعتبار "تخيليت" ظرفًا ذا صلة، بدلًا من كونها نقطة أساس، أكثر تحقيقًا للمصلحة اللبنانية. هذا الأمر يفسح المجال، لأي تحكيم أو مقاضاة، بتحديد قيمة تأثيرها في الخط المتساوي البعد عند تعيين عرض البحر الإقليمي. أما عند تحديد باقي المناطق البحرية، فيمكن تجاهلها أوتقليص حجم تأثيرها، وذلك نظرًا لأثرها غير المتناسب. أما في حال اعتبارها نقطة أساس محدد لخط الساحل فإن تأثيرها يصبح كاملًا في مجمل المناطق الاقتصادية. عندئذٍ، تجب الاستفادة من الأحكام الصادرة عن المحاكم الدولية والتي تجنح كما عرضنا سابقًا إلى التركيز على الحلّ العادل في كل عمليات التحديد البحرية[42] من خلال:
(1)- استبعاد التأثير غير المتناسب لأي ميزة جغرافية في الخط المتساوي البعد المؤقت كما في قضية ليبيا/تونس[43]. ففي حالة "تخيليت" تقضم الجزيرة، التي تقل مساحتها عن كيلومتر مربع، منطقة بحرية لبنانية تزيد مساحتها عن 2,000 كيلومتر مربع لصالح المنطقة الاقتصادية الخالصة الفلسطينية. وهذا ما رفضته المحكمة في قضية خليج البنغال في ما يتعلق بتأثير جزيرة "سانت مارتن"[44] في تحديد المنطقة الاقتصادية. كما أن هذه المقاربة تنسجم مع السياق العام المتجسّد في قضية ليبيا/مالطا حيث تم استبعاد أي تأثير لجزيرة "فلفيلة"[45]، وأيضًا في ما يتعلق بجزر "حوار" في قضية البحرين/قطر[46]. أما بالنسبة لـ"قطعة جرادة" فقد رفضت المحكمة ما يمكن أن ينتج من تأثير غير متناسب لكيانٍ بحري تافه في قضية البحرين/قطر[47] في رسم الخط المتساوي البعد.
(2)- السعي إلى اعتبارها ميزة جغرافية شاذّة في ما يتعلق بالتكوين العام، أو كميزةٍ غير مهمّة، بحيث يصبح من الممكن تجاهلها كليًا. «...فحجم الجزيرة وعدد سكانها واقتصادها تعد عوامل مهمّة، جنبًا إلى جنب مع موقعها بالنسبة إلى الخط المتساوي/الوسط في عملية ترسيم الحدود...»[48]. ففي قضية بنغلاديش/الهند جاء قرار المحكمة: «...إن النقاط الأساسية لجزيرة ساوث تالباتي ونيو مور South Talpatti and New Moore لم تشكِّل نقطة ساحلية بارزة. إن تأثير هذا الأمر هو في نفي أهمية الجزر الواقعة على طول الساحل...»[49]. وهكذا فإن مساحة "تخيليت" الضئيلة تُعدّ عاملًا مساعدًا في اعتبارها ميزة غير مهمّة يمكن تجاهلها كون المساحة أحد العوامل المؤثرة في اعتبار أي كيان بحري بعكس ما جرى في قضية خليج البنغال حيث كانت مساحة جزيرة "سانت مارتن" أحد العوامل التي أدت لإعطائها التأثير الكامل في تعيين حدود البحر الإقليمي.
(3)- احتساب نسبة طول الساحل اللبناني إلى طول الساحل الفلسطيني ومقارنتها بنسبة مساحة المنطقة الاقتصادية اللبنانية إلى المساحة الاقتصادية الفلسطينية، وهي 0.71 و 0.84 على التوالي، وإجراء التصحيح الذي يسمح بالوصول إلى نتيجة عادلة ومتناسبة كما جرى في ما يتعلق بقضايا ليبيا/مالطا[50] ونيكاراغوا/كولومبيا[51].
أما في مسألة ترسيم الحدود البحرية اللبنانية – القبرصية، فإن البناء على الحكم الصادر في قضية غينيا/غينيا بيساو[52] يرجّح أن يعمد أي تحكيم دولي، بعد تحديد خط وسط مؤقت وفي غياب أي ظرف ذي صلة، إلى احتساب طول السواحل التركية، السورية، اللبنانية والفلسطينية ذات الصلة التي تؤثّر في خط الوسط مع جزيرة قبرص لمقارنتها مع الساحل ذي الصلة للجزيرة كمرحلةٍ أولى. أما في المرحلة الثانية فيفترض العمل على تعديل المنطقة الاقتصادية اللبنانية بما يتناسب مع نسبة أطوال هذه السواحل وإن معالجة عدم التناسب هذا بالإضافة إلى كون قبرص جزيرة، وإن جزيرة-دولة، سيدفع بخط الوسط باتّجاه السواحل القبرصية.
في الخلاصة، يجب على المُولَجِين شؤون ترسيم الحدود في لبنان العمل على الاستفادة من التطوّر الكبير الذي تشهده الأحكام والأعراف الدولية بما يتعلق بحقوق الجزر وتأثيرها في المناطق البحرية المتنازع عليها بين الدول المتلاصقة أو المتقابلة، وبخاصة بعد تحييد محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر بتاريخ 12 تشرين الأول 2021 أي تأثير لجُزيْرَة "ديوا داماسياكا" ونتوء "رأس كامبوني" على خط الترسيم البحري بين الصومال وكينيا[53]، من خلال:
(أ)- وضع تصوّرات ومحاكاة simulations لمختلف الفرضيات المتوقّعة ونشر نتائجها بصورةٍ مستمرة لوضع الجمهور اللبناني في صورة الإجراءات والحلول المحتملة.
(ب)- إثارة اهتمام الجمهور بقضايا الترسيم من خلال نشر شفاف لمختلف جوانب الترسيم والتحديد، ما يمنع الاستغلال السياسي الشعبوي الرخيص عند كل منعطف من المفاوضات.
(ج)- إرساء تعاون جدّي ومؤسّساتي مع الجامعات ومراكز الأبحاث المختصة المحلّية والدولية مع تحفيز المختصين والباحثين على الاستناد إليها في أعمال بحثية تساعد الوفد المفاوض على انتهاج أساليب جديدة.
(د)- تشجيع المؤسسات والأفراد على تطوير الخبرات المتعلقة بمناحي عمليات الترسيم البحرية القانونية كافة، بالتعاون مع اللبنانيين العاملين في المؤسسات الدولية والأوروبية، والتقنية من خلال امتلاك وبناء القدرات في تقنيات التحديد الجغرافي وبرامجها مثل caris lots وArcGis وغيرها.
(ه)- العمل مع باقي الجهات المختصّة لتوضيح الموقف اللبناني عبر تحضير ونشر المذكرة memorial التي عادةً ما يتم على أساسها التحرك نحو المؤسسات والمحاكم الدولية في حال توصّلت المفاوضات إلى اتفاق على التحكيم أو اللجوء إلى المحاكم الدولية من جهة والمطالعات التي سيتم على أساسها الردّ على مختلف المقاربات التي قد ينتهجها العدو في مذكرته من جهة أخرى.
إن التركيز على حماية حقوق لبنان في وجه العدوّ لا يجب أن يلهينا عن دراسة إمكانية الاستفادة من انخفاض تأثير الجزر بشكلٍ عام في ترسيم الحدود البحرية والاستناد إلى قاعدة التناسب لإعادة التفاوض مع الجانب القبرصي بما يحقّق المصلحة اللبنانية بدفع خط الوسط نحو شاطئ قبرص.
[1]- .(Fisheries Case (U.K. v. Nor.), 1951 I.C.J. (Dec. 18
[2]- .United Nations Convention on the Law of the Sea
[3]- .United Nation Convention on the Law of the Sea
[4]- Sreenivasa Rao Pemmaraju, The South China Sea Arbitration (The Philippines v. China): Assessment of the
Award on Jurisdiction and Admissibility, Oxford University Press, 2016.
[5]- .UNCLOS, supra note 5, art. 121, para. 1
[6]- Heeyong Daniel Jang, Diminishing Role of Islands in Maritime Boundary Delimitation: Case Studies ofDokdo/Takeshima Island and The Senkaku/Diaoyu Islands, University of Hawai'i Law Review 139, 2013.
[7]- .Convention on the Territorial Sea and Contiguous Zone art. 4, Apr. 29, 1958
[8]- .Fisheries Case, (U.K. v. Nor.), 1951 I.C.J. 138
[9]- .Maritime Delimitation and Territorial Questions between Qatar and Bahrain (Qatar v. Bahr.) 2001 I.C.J
[10]- .Id. 40,32
[11]- .(UNCLOS, supra note 5, art. 7 (1
[12]- .(Fisheries Case (U.K. v. Nor.), 1951 I.C.J. 116, 133 (Dec. 18
[13]- .(Maritime Delimitation in the Black Sea (Rom. v. Ukr.), 2009 I.C.J. 62, 149 (Feb. 3
[14]- .(UNCLOS, supra note 5, art 13 (1
[15]- .(Case Concerning the Continental Shelf (Libyan Arab Jamahiriya/Malta), 1985 I.C.J. 13 (June 3
[16]- .(Case Concerning the Continental Shelf (Libyan Arab Jamahiriya/Malta), 1985 I.C.J. 54 (June 3
[17]- .Id. 78
[18]- The Canada-France Maritime Boundary Case: Drawing a Line Around St. Pierre and Miquelon Published
online by Cambridge University Press 27 February 2017.
[19]- .(Territorial and Maritime Dispute (Nicar. v. Col.), 2012 I.C.J. 1, 215 (Nov. 19
[20]- .(Channel Islands Arbitration (1979
[21]- .Convention on the Continental Shelf, art. 6(2), Apr. 29, 1958
[22]- .(Case Concerning the Continental Shelf (Tunisia/Libyan Arab Jamahiriya), 1982 I.C.J. (Feb. 24
[23]- .(Maritime Delimitation in the Black Sea (Rom. v. Urk.), 2009 I.C.J. 62, 185 (Feb. 3
[24]- .UNCLOS, supra note 5, arts. 15, 74
[25]- .Id. arts. 15, 75
[26]- Delimitation of the Maritime Boundary between Bangladesh and Myanmar in the Bay of Bengal (Bangl. v Myan.), Case No. 16, Judgment of Mar. 14, 2012, 152.
[27]- .Maritime Delimitation and Territorial Questions between Qatar and Bahrain (Qatar v. Bahr.), 2001 I.C.J. 219
[28]- .(Maritime Delimitation in the Black Sea (Rom. v. Ukr.), 2009 I.C.J. 168 (Feb. 3
[29]- .Id. 67
[30]- Delimitation of the Maritime Boundary between Bangladesh and Myanmar in the Bay of Bengal (Bangl. v
.Myan.), Case No. 16, Judgment of Mar. 14, 2012, 240
[31]- .Territorial and Maritime Dispute (Nicar. v. Col.), 2012 I.C.J
[32]- .(Cameroon v. Nigeria, Equatorial Guinea intervening, ICJ (2002
[33]- .USA vs Canada
[34]- .USA vs Mexico
[35]- .1984 Gulf of Maine case
[36]- Reuter, Quelques reflexions sur l’equite en droit international, Revue Belge de Droit International, at 173
.(1980), quoted from ICJ Reports 1985, at 84
[37]- .Diss. Op. of Judge Oda, Tunisia / Libya Case, ICJ Reports 1982, at 258
[38]- Delimitation of maritime boundaries between adjacent States Nugzar Dundua United Nations –The Nippon
.Foundation Fellow 2006-2007 p44
[39]- .Maritime Delimitation in the Black Sea (Rom. v. Ukr.), 2009 I.C.J
[40]- .1985 Guinea/Guinea-Bissau case
[41]- .Id. Par. 95
[42]- Ryuichi Ida. The role of proportionality in maritime delimitation revisited: the origin and meaning of the
.principle from the early decision of the court. In Liber Amicorum Judge Shigeru Oda. 2002. P. 1037
[43]- .1982 Tunisia/Libya case. Par .71-72
[44]- Delimitation of the Maritime Boundary between Bangladesh and Myanmar in the Bay of Bengal (Bangl. v
.Myan.), Case No. 16, Judgment of Mar. 14, 2012
[45]- .Case Concerning the Continental Shelf (Libyan Arab Jamahiriya/Malta), 1985 I.C.J
[46]- .Maritime Delimitation and Territorial Questions between Qatar and Bahrain (Qatar v. Bahr.) 2001 I.C.J
[47]- .Id. 9
[48]- Delimitation of maritime boundaries between adjacent States Nugzar Dundua United Nations –The NipponFoundation Fellow 2006-2007 p61.
[49]- .Bangladesh v India, para. 261–3
[50]- .Case Concerning the Continental Shelf (Libyan Arab Jamahiriya/Malta), 1985 I.C.J
[51]- .Territorial and Maritime Dispute (Nicar. v. Col.), 2012 I.C.J
[52]- .1985 Guinea/Guinea-Bissau case
[53]- .2021 Somalia/Kenya case
The evolving effects of islands in maritime borders delimitation
In determining baselines, while distinguishing between the delimitation of the territorial sea and the exclusive economic zone, the United Nations Convention on the Law of the Sea is in plain conflict with the baselines some countries claim based on maritime features. The international body of law lacks a clear distinction between rocks which do not generate an EEZ, and islands.
On the other hand, a by-the-book application of the law allocates the islands with maritime zones equal to those of the mainland in contrast with nowadays practices which veer away from this legal norm. This approach will lead, following the principle of “the land governs the sea and its various features”, to a gradual decrease in the legal value of the islands. The trend, in settling maritime borders disputes springs from the historic debate between the previously adopted equidistance line, which is a scientific but a not-so-fair method, and the equity principle based on the rule of proportionality. The latter is a correction tool to mitigate any extreme results generated by the coast’s geographical characteristics. However, in the absence of general guidelines, it leaves the final verdict to the discretion of the designated courts. This evolution highlights the importance of an island’s characteristics, such as the area, the geographic location and the length of the coastlines, as relevant circumstances in the delimitation of maritime boundaries.
As for the Lebanese-Palestinian maritime border issue, the consideration of “I Tekhelet” as a relevant circumstance, rather than a base point, allows any arbitration or litigation to set the maritime feature effect on the equidistance line in the delimitation of the territorial sea. However, due to “I Tekhelet” disproportionate impact, it may be granted half-effect or zero-effect when determining other maritime zones.
In order to enhance the Lebanese legal position, this article exhibits the broad development taking place in contemporary judicial and arbitral procedures, and state practices on one hand. On the other hand, it evaluates the legal framework which determines the impact of an island’s geographical location relative to the straight equidistant/median line and the fact that the island belongs to adjacent or opposite states.
Les effets évolutifs des îles dans la délimitation des frontières maritimes
Pour déterminer les lignes de base, la Convention des Nations Unies sur le droit de la mer, tout en distinguant la délimitation de la mer territoriale et de la zone économique exclusive, est en contradiction flagrante avec les lignes de base revendiquées par certains pays sur la base des caractéristiques maritimes. Le droit juridique international manque de distinction claire entre les roches, qui ne génèrent pas de zone économique exclusive (ZEE), et les îles.
D'autre part, une application à la lettre de la loi confère aux îles des zones maritimes égales à celles du continent contrairement aux pratiques actuelles qui s'éloignent de cette norme juridique. Cette approche conduira, selon le principe « la terre régit la mer et ses différentes caractéristiques », à une diminution progressive de la valeur juridique des îles. Dans le règlement des différends sur les frontières maritimes, la tendance naît du débat historique entre la ligne d'équidistance précédemment adoptée, qui est une méthode scientifique mais pas si juste, et le principe d'équité basé sur la règle de proportionnalité. Ce dernier est un outil de correction pour atténuer les résultats extrêmes générés par les caractéristiques géographiques de la côte mais il laisse le verdict final, en l'absence de directives générales, à la discrétion des tribunaux désignés. Cette évolution met en évidence l'importance des caractéristiques d'une île, telles que la superficie, la situation géographique et la longueur des côtes, en tant que circonstances pertinentes dans la délimitation des frontières maritimes.
Quant à la question de la frontière maritime libano-palestinienne, la prise en compte du “I Tekhelet” comme circonstance pertinente, plutôt que comme point de base, permet à tout arbitrage ou contentieux de fixer l'effet de l'élément maritime sur la ligne d'équidistance dans la délimitation de la mer territoriale. Cependant, en raison de l'impact disproportionné de «I Tekhelet», il peut être accordé un effet demi ou zéro lors de la détermination d'autres zones maritimes.
Afin d'améliorer la position juridique libanaise, cet article montre le développement important qui a lieu dans les procédures judiciaires et arbitrales contemporaines, et les pratiques étatiques d'une part. D'autre part, il évalue le cadre juridique qui détermine l'impact de la situation géographique d'une île par rapport à la ligne droite équidistante/médiane et le fait que l'île appartient à des États adjacents ou opposés.