- En
- Fr
- عربي
أسماء لامعة
ربيع جابر: التاريخ ظلّ للقدر
روائي مبدع، عاهد نفسه على الإنجاز الأدبي الكامل، فـ«تحبير الكتب» كما يقول أحد أبطاله، يقوم مقام تشييد الأهرامات.
يجمع في كتاباته بين الواقع والخيال، وكذلك التاريخ. بدأ يحصد الجوائز منذ صدور روايته الأولى، وكان آخرها «الجائزة العالمية للرواية العربية - بوكر» عن روايته «دروز بلغراد - حكاية حنا يعقوب».
إنه الروائي ربيع جابر الذي يعتبره بعض النقاد ظاهرة أدبية فريدة في عالمنا العربي.
بدء الحكاية
في بلدة بعقلين الشوفية ولد الراوئي ربيع جابر العام 1972. بعد أن أنهى علومه الثانوية، انتسب إلى الجامعة الأميركية في بيروت لدراسة الفيزياء، ولكنه انجذب نحو جمالية الأدب وسحر الكلمات، فراح يستلهم الأفكار والقصص، لينشر في أقل من عقد عشر روايات.
عشية بلوغه العشرين من عمره، أي العام 1992، نُشرت روايته الأولى «سيد العتمة» ونالت جائزة النقاد للرواية. وبعد ثلاث سنوات صدرت روايته الثانية «شاي أسود» التي أودعها بعض أسرار أعماله التالية. والعام 1996 نشر تحت اسم مستعار (نور خاطر) رواية عنوانها «الفراشة الزرقاء».
الكتابة الخلاص الوحيد
صاحب شخصية خجولة، قليل الظهور الإعلامي، على الرغم من أنه يعمل في الصحافة.
في عزّ شبابه، قرّر ربيع جابر إدانة الحياة والانسحاب منها، معتبرًا أن خلاصه الوحيد هو في الكتابة. كتب جامعًا بين الواقع والخيال، ولكن هذا الجمع لم يكن كافيًا لإرضاء خياله، فعزم على خوض غمار الرواية التاريخية.
وهذا ما حصل، كتب «كنت أميرًا» (1997)، و«نظرة أخيرة على كين ساي» (1998)، و«يوسف الإنكليزي» (1999)، و«رحلة الغرناطي» (2002)، و«بيروت مدينة العالم» و«تقرير ميلس»...
في عناوين هذه الكتب، يتبادل جابر رسائل مع التاريخ، و«ما التاريخ عنده إلا حكاياته، وما الماضي إلا فضاء زمني شاسع ينشد الإنسان فيه متعة الحكايات»، وفق ما يقول الروائي فيصل دراج.
مع كتابه «رالف رزق الله في المرآة» الصادر العام 1998، عاد ربيع جابر إلى ما كان قد أسـس له تقنيًا في «البيت الأخير» الصادر العام 1996، مستفيدًا من السير الحقيقية لتشييد بنيانه الدرامي المتخيل. ولقد أثار الاستعمال الصريح لحياة كل من الأستاذ الجامعي المنتحر رالف رزق الله، والسينمائي مارون بغدادي المتوفى إثر سقطة غامضة، ردود فعل مستهجنة معاتبة، ما دفع بالروائي جابر، منذ ذلك الحين، إلى وسم أعماله بعبارة التحفّظ القانونية التي مفادها أن أي تشابه بين الشخصيات الروائية وأشخاص حقيقيين، هو من عمل الصدف وحدها!
بين الخيال والسوداوية والتاريخ، وبين كتاب وآخر، يفسح ربيع جابر المجال لضحكة من عالم الطفولة، فإضافة إلى الكتب الجدية والوثائق، يطالع الراوي كتب الشخصيات الكرتونية الظريفة، «لاكي لوك» و«سوبرمان» و«الوطواط».
الروائي في عين النقّّاد
الدعابة السوداء وتوجيه الحديث مباشرة إلى القارئ، سمتان إمتاز بهما أسلوب ربيع جابر، كما يقول الروائي المؤرخ كمال الصليبي.
من ناحيته يقول الروائي جمال الغيطاني «إن جابر كاتب بارع وروائي مهم يستحق الجائزة. فلديه تجربة متجدّدة ومميزة، لأنها مفعمة بروح الشباب بشكل واضح».
يلفت في كتابات ربيع جابر إنشداده إلى بيروت، فعلى الرغم من انفلات نصه في أقاصي الدنيا، إلا أن بيروت عنده هي المرساة التي تشدّ إليها الزوارق والسفن بعد أن تعود من سفرها المجنون، فتهدأ لتقلع من جديد نحو أرض أخرى، تقطف منها الحكايات ثم تعود لتلتقط أنفاسها استعدادًا لرحلة جديدة...
جائزة «بوكر»
في 28 آذار الفائت، أعلنت هيئة الجائزة العالمية للرواية «بوكر» في نسختها العربية ودورتها الخامسة للعام 2012، فوز الكاتب اللبناني ربيع جابر بجائزتها عن روايته «دروز بلغراد... حكاية حنا يعقوب»، والصادرة عن المركز الثقافي العربي.
ولم يكن الفوز مفاجأة كاملة، فقد سبق أن رُشّح ربيع جابر بقوة في دورة سابقة بروايته «أمريكا» العام 2010، لأفضل الكتّاب العرب دون سن الأربعين...
كما أن الوسط الثقافي العربي المطلع على كتابات الروائي اللبناني، اعتبره واحدًا ممن يمتلكون ناصية الحرف وتوظيفه في عمل أدبي من الطراز الرفيع.
«ما التاريخ الذي يمكن فهمه إلا ظل للقدر الذي لا يمكن فهمه. يتحوّل الطرفان، وقد تداخلا، إلى صياد أعمى قاسي القلب، لا تفعل معه شجاعة الإنسان الشجاع شيئًا. ولعل سطوة القدر، التي تبدد إنسانًا، هي التي تنشر في الفضاء سخرية سوداء عالية الأصداء»، هذا ما أراد قوله ربيع جابر في عمله الأخير «دروز بلغراد - حكاية حنا يعقوب».
في هذه الرواية، عاد جابر إلى ذاكرته الروائية، التي صاحبت طويلاً «جبل لبنان» في القرن التاسع عشر وما جاوره، وتأمل معركة «عين دارة» وما تلاها العام 1860، من زاوية جديدة، واقتفى آثار 550 درزياً، عاقبهم السلطان بنفيهم إلى طرابلس الغرب وبلغراد، ولم يعودوا منها إلا أمواتًا أو بقايا بشر. غير أنه أراد أن يضيف إلى التاريخ «صدفة عمياء قرّرها القدر - الصيّاد، ضحيته المسيحي البريء حنا يعقوب، الذي صيّرته السلطة المستبدة، التي لها مع القدر أواصر قربى، لبنانيًا درزيًا وأرسلته إلى عذاب طويل».
عبّر ربيع جابر، وهو يكتب عن «الدروز في بلغراد» عن إخلاص الأحياء للأموات، وعبّر في حكاية «البريء المظلوم» عن سخريته السوداء.
«دروز بلغراد» هي الرواية السادســـة عشــــرة فـــي مدونة الروائــي ربيـــع جابر، وهذا التراكم في الأعمـــال الروائية يجعل منه الكاتب الأكثر غزارة في المشهد الروائي (بمعدل رواية كل عام)، وإذا أضيف إلى تلك الغزارة قيمة ما يكتبه ونضجه الفني، أصبحنا أمام ظاهرة أدبية فريدة في عالمنا العربي.
المراجع:
«الأخبار»، «السفير»، ومواقع إلكترونية.