- En
- Fr
- عربي
قضايا إقليمية
بينما كانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتردد وتمانع في الاستجابة لشروط السلام الدائم والشامل والعادل كما يصفه العرب ويتمنونه، كان المجتمع الإسرائيلي، الذي تبين (مع تشكيل حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة الاخيرة) بأنه يخشى السلام أكثر مما يخشى الحرب، يتجه نحو التطرف أكثر فأكثر في ظل الدور المتصاعد لقوى إثنية ودينية واجتماعية في الحياة السياسية. يمثل هذه القوى اليهود الشرقيون، والمهاجرون الروس، والمتدينون الأرثوذكس والمستوطنون، الذين يوحدهم جميعًا قاسم مشترك من عدم الثقة بالسلام مع العرب، والاعتقاد بأنّ المواجهة الشاملة هي «البديل الأفضل» والاكثر ضمانًا للصهيونية واليهودية، وأنها الوسيلة الفعالة التي تحافظ على متانة «مجتمع القلعة - المسادا» ووحدته، وتمنع انفجار التناقضات الداخلية المعتملة في داخله.
لقد كان الفوز الساحق، الذي حققه نتنياهو وتحالفه اليميني المتطرف، في انتخابات الكنيست الأخيرة على قوى الوسط بزعامة تسيبي ليفني العام 2009، دليلاً واضحاً على أنّ هذه القوة اليمينية التي صارت تتحكم بالسياسة الإسرائيلية في المرحلة الراهنة، قد استقطبت تأييد القسم الأعظم من المجتمع الإسرائيلي، مما جعل السياسة الإسرائيلية في عهد نتنياهو تتميز بـالمواصفات الآتي ذكرها:
• رفض مفهوم السلام المتعارف عليه والقائم على «شروط» مدريد وأوسلو والقرارين 242 و338، لأن هذا السلام بحسب تصور نتنياهو ومؤيديه، يهدد الأمن القومي الإسرائيلي، وبالتالي يصبح المطلوب في نظر هؤلاء، تأجيل هدف التوصل إلى اتفاقات سلام رسمية وادارة الازمة إلى أجل غير مسمى.
• تفضيل الأمن المطلق على السلام القلق، لأن القيادة الإسرائيلية الحالية لا تتطلع إلى إحداث تحول أو تغيير نوعي في العلاقات العربية الإسرائيلية، بل هي تتطلع إلى إحداث مزيد من التغيير النوعي في ميزان القوى العربي الإسرائيلي لمصلحتها بالذات. فالأمن، بحسب هذه القيادة، يتحقق بواسطة سياسة القمع والردع وليس بواسطة سياسة الحوافز وبوادر حسن النية.
• العمل على فرض «سلام الأمر الواقع» المبني على نظام القهر العسكري الساحق، وعلى تفاهمات مع اطراف عربية معينة، وذلك بشكل مباشر أو بواسطة الولايات المتحدة الأميركية وحدها أو مع غيرها من الأطراف الدولية والإقليمية القادرة وصاحبة المصلحة في ذلك.
• هيمنة السياسة الداخلية على السياسة الخارجية، وهذا يعني على الصعيد الفلسطيني ربط استحقاقات ملف التسوية ليس بالحسابات القومية الإستراتيجية فحسب، بل بالحسابات التكتيكية الائتلافية والفئوية.
• انزياح ثابت ومستمر في تركيبة المجتمع الإسرائيلي من مجتمع علماني إلى مجتمع متدين ويميني، وتحول مستمر للحريدية (الاصولية المتزمتة) الشرقية التي يمثلها حزب شاس نحو الصهيونية اليمينية، ويعني هذا التغير أن ما كان ممكنًا سياسيًا في الماضي يمسي أكثر صعوبة الى حد الاستحالة مع مرور الوقت.
• غياب رؤية سياسية استراتيجية موحدة بين القوى الحزبية الاساسية لكيفية حل الصراع.
هكذا يتبين أنّ نتنياهو قد جاء إلى الحكم بقرار صهيوني استراتيجي عالمي يهدف إلى تحقيق الأطماع والمخططات بالإكراه، بغض النظر عن مواقف الدول والاتفاقات المعقودة والشرعية الدولية ومبادئ حقوق الإنسان. وبتعبير آخر لقد جاء ليعيد التاريخ إلى الوراء، ولينفذ مخططًا يرتكز إلى:
- نسف مسيرة السلام بكاملها ودفن مرجعية مدريد بكل أسسها وبنودها والتزاماتها.
- الإلغاء الكامل لاتفاقات أوسلو وملحقاتها وتوابعها ومندرجاتها.
- إثارة النعرات والفتن في الساحة الفلسطينية لإشعال نار حرب أهلية بين مختلف التنظيمات والقوى الفاعلة.
- تفتيت مناطق السلطة الوطنية إلى كانتونات وجزر منفصلة ومحاصرة سكانها وعدم تمكينهم من أي اتصال أو انتقال.
- تسريع وتيرة بناء المستعمرات الاستيطانية وتوسيع المستعمرات القائمة لفرض أمر واقع على الفلسطينيين والعالم بما فيه الولايات المتحدة التي عجزت عن ارغام نتنياهو على تمديد فترة تجميد الاستيطان ولو لمدة وجيزة.
- تفريغ القدس من المؤسسات الفلسطينية الرسمية والشعبية وإرهاب السكان لحملهم على الهجرة والرحيل لتأكيد مزاعم «العاصمة الموحدة الأبدية»، لليهود ورفض أي بحث في مستقبل المدينة المقدسة أو المقدسات الإسلامية والمسيحية.
- الاستفادة من جملة من الظروف الذاتية والموضوعية من جهة، والإقليمية والدولية من جهة أخرى، لوأد المقاومة الفلسطينية وإخضاعها حتى لا تقوم لها قائمة بعد الآن.
- رفع مستوى التشديد على الطابع اليهودي للدولة من خلال تزايد وتيرة التشريعات المطروحة في الكنيست على هذا الصعيد، مقابل حملات الملاحقة التي تشنها أطراف يمينية على منظمات حقوق إنسان يهودية وعربية ومنظمات مجتمعية مدنية يسارية، وفي الوقت عينه تزايد قوة العنصري أفيغدور ليبرمان في السياسة الداخلية، الى حد أن كثيرين - بمن في ذلك بعض كبار المسؤولين في حزب الليكود الحاكم - يرون أن رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف أصبح بمنزلة «رئيس الحكومة الفعلي» في إسرائيل، عقب انشقاق باراك عن حزب العمل وانسحاب هذا الحزب من الحكومة. وعلى الرغم من أن ليبرمان هو شخص علماني وبعيد كل البعد عن التدين، إلا ان أفكاره العنصرية والمتطرفة تجاه العرب تهيمن على خطابه وتتآلف بقوة مع الأفكار اليمينية للمتدينين. على ضوء هذه السياسات وجد الشعب الفلسطيني نفسه، كما المنطقة برمتها، أمام معادلات قاهرة، في السياسة وفي الميدان مما يجعلنا نقول: إنّ القضية الفلسطينية تمر الآن بمرحلة هي من أسوأ مراحلها، بل وربما أسوأ من نكبة 1948 وهزيمة 1967.