- En
- Fr
- عربي
اقتصاد المعرفة
تُشكل المعرفة والتكنولوجيا ركيزة أساسية للنهوض بالمدن والمجتمعات، ومحورًا رئيسيًا لتحقيق التطوّر والتقدّم في مختلف المجالات. فمدن المعرفة أو المدن الذكيّة تتميّز بقدرتها على تحريك جهود التنمية والاقتصاد لأي دولة عبر تبنّي نهج الابتكار والإبداع، والتركيز على كفاءة العنصر البشري فيها ودخول عالم الرقمنة وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
أحدثت الثورة الصناعية الخامسة وتقنيات الجيل الخامس في بناء مدن المعرفة، تحوّلًا شاملًا في نماذج الأعمال التقليدية، وباتت تشكّل ركائز أساسية للنموذج الاقتصادي المستقبلي. وفي ظل حالة عدم اليقين التي تلقي بظلالها على المشهد الاقتصادي العالمي، يقدّم مؤشر المعرفة العالمي في نسخته للعام 2023 تحليلًا متكاملًا للتطور المعرفي واتجاهاته والعقبات التي تعترض مساراته.
سويسرا في الصدارة
يتيح المؤشر قراءة شاملة لأداء 133 دولة، مع التركيز على الدول الرائدة في تبنّي نموذج الاقتصاد القائم على المعرفة وإبراز مقومات مرونتها، وتسليط الضوء على مكامن الضعف ومجالات وآفاق تحسين الاقتصادات الأقل أداء. وتُظهر تصنيفاته للعام 2023 تبوُّؤ سويسرا موقع الصدارة متفوّقة على فنلندا والسويد وهولندا، فيما تراجعت الولايات المتحدة إلى المركز الخامس، بعد أن اعتلت قمة الهرم المعرفي في العام 2022. واحتلت كل من الدنمارك ولوكسمبورغ والمملكة المتحدة والنمسا والنرويج المراتب السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة على التوالي، وواصلت دولة الإمارات العربية المتحدة تصدّرها ترتيب الدول العربية.
واقع المدن والتحوّل الذكي
يعيش أكثر من نصف سكان العالم اليوم في المدن، وبحلول 2050، سيعيش فيها حوالى سبعة من كل عشرة أشخاص. وتمثل المدن مصدر أكثر من 70 في المئة من انبعاثات الكربون في العالم، و60 إلى 80 في المئة من استهلاك الطاقة. وقد أدى التحضّر السريع إلى وجود تحديات إضافية مثل الفوارق الاجتماعية، وازدحام المرور، وتلوّث المياه، مع ما لذلك من تداعيات صحية.
وإزاء هذا الواقع، يشدد الخبراء على دور الحكومات والبلديات في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) والطاقة المتجددة وغيرها من التكنولوجيات، لبناء مدن أكثر ذكاءً وأكثر استدامة لمواطنيها. والمدينة الذكية المستدامة هي مدينة مبتكِرة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية الحياة، وجعل العمليات والخدمات الحضرية أكثر كفاءة، وتعزيز قدرتها التنافسية، مع ضمان تلبيتها لاحتياجات الأجيال الحالية والقادمة في ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية. وعلى الرغم من أنّ المدن التي تتميّز بجميع هذه المواصفات غير موجودة حتى الآن، فإنّ العديد من المدن في طريقها إلى أن تصبح مدنًا مستدامة وذكية، وهي على سبيل المثال تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة وإدارة المخلفات، وتحسين الإسكان والرعاية الصحية وشبكات المياه والصرف الصحي وتدفق حركة المرور والسلامة، والكشف عن جودة الهواء، وتنبيه الشرطة إلى الجرائم التي تحدث في الشوارع.
مبادرات ومؤشرات
ينسّق الاتحاد الدولي للاتصالات ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا (UNECE) وموئل الأمم المتحدة. المنصة العالمية بشأن "مبادرة متحدون من أجل مدن ذكية مستدامة" (U4SSC) لدعم السياسة العامة وتشجيع استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتسهيل عملية الانتقال إلى مدن ذكية مستدامة وتيسيرها، علمًا أنّ ثمة 14 هيئة أخرى تابعة للأمم المتحدة تدعم هذه المنصة. وقد وضعت مبادرة متحدون من أجل مدن ذكية مستدامة مجموعة من مؤشرات الأداء الرئيسية للمدن المستدامة، ما يتيح لهذه الأخيرة تحديد الأهداف، وجمع البيانات، وقياس التقدّم المحرز في خمسة مجالات رئيسية هي: استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، البنية التحتية المادية، الشمول الاجتماعي والمساواة في النفاد إلى الخدمات، نوعية الحياة والاستدامة البيئية. وهناك أكثر من 50 مدينة في جميع أنحاء العالم تنفّذ بالفعل مؤشرات الأداء الرئيسية، من بينها موسكو، ودبي والقيروان (تونس) وبولي (المملكة المتحدة)، وريميني (إيطاليا)، وسنغافورة، وفالنسيا (إسبانيا)، وووشي (الصين).
التغيير الكبير في الاقتصاد
يوضح رئيس الاتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف الدكتور فؤاد زمكحل لمجلة "الجيش" أنّنا أمام عالمين، ما قبل جائحة كورونا وما بعدها، وأنّ التحوّل الذي حصل في العالم منذ العام 2020 ولغاية مطلع العام 2023، كان ليستغرق سنوات كثيرة لناحية التحوّل من الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد المعرفة واقتصاد التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي.
ويرى زمكحل أنّ خيار المدن الذكية يأتي من مبدأ تحوّل عمل الشركات التي لا يمكنها أن تستمر من دون إنشاء موقع الكتروني خاص بها. وعلى المستوى الفردي بات على الإنسان امتلاك كل الوسائل التكنولوجية لمواكبة متطلّبات العصر، وهذا ما ينطبق على مختلف القطاعات، الطبية والتربوية والسياحية، إذ بات الاندماج مع تقنيات الذكاء الاصطناعي حتميًا وليس اختياريًا...
وهو يشدد على أنّ فكرة المدن الذكية جاءت لتواكب التغيير الكبير في الاقتصاد، مشيرًا إلى التنافس الكبير بين المدن لناحية جذب الاستثمارت الكبيرة وسيدات ورجال أعمال، إضافة إلى جذب السكان وتوفير كل المتطلبات التكنولوجية لهم، لتسهيل حياتهم وتنمية الاقتصاد. وهو يلفت إلى قدرة الدول العربية الكبيرة على مواكبة التطور التكنولوجي، وسعيها إلى استقطاب المستثمرين بغية نقل الاقتصاد المبني على النفط، إلى آخر يعتمد على التكنولوجيا. وهذا ما يظهر جليًا في الإمارات العربية المتحدة وكذلك في السعودية وقطر، وهي تجذب الشركات متعدّدة الجنسيات التي تشترط ظروف عمل مؤاتية ومدنًا ذكية تواكب العصرنة، بينما ثمة تأخير في أفريقيا الجنوبية التي تحاول بدورها جذب الاستثمارات.
وفي ختام حديثه، يدعو الدكتور زمكحل الدول إلى نقل اقتصاداتها التقليدية إلى اقتصادات رقمية وتكنولوجية تحوّل مدنها إلى مدن ذكية تجذب الاستثمارات والرياديين والمبتكرين على حدٍّ سواء.
هنا يُطرح السؤال في ظل غنى لبنان بالموارد البشرية القادرة على مواكبة عصر التكنولوجيا بكفاءة عالية، هل يُتاح لنا أن نحوّل مدننا من واقعها الراهن إلى مدن ذكية في المدى المنظور؟ أم أن الأزمات ستظل حائلًا دون بلوغنا ما نستحقه؟
في لبنان مناطق وأبنية ذكية
ما زال لبنان بعيدًا جدًا عن المدن الذكية، بسبب ضعف البنى التحتية الخاصة بالاتصالات والإنترنت، وعدم استكمال شبكة الألياف الضوئية الـ Fiber Optic، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن مبادرات القطاع الخاص في هذا المجال أوجدت أبنية ذكية كالـ Holcom أو مناطق ذكية مثل Beirut Digital District BDD)) التي تعتبر مدينة صغيرة ضمن المدينة الكبيرة، والتي من شأنها تأمين كل متطلبات المدينة الذكية.