لبنان الجميل

كفردبيان السحر الممتد من الساحل إلى الجرد
إعداد: باسكال معوّض بو مارون

بين السماء والأرض، تستعرض كفردبيان فراداتها: من فوق، عيون السيمان المتعاقدة دومًا مع الجنرال الأبيض في تآلف شتوي - صيفي... في الوسط، فقرا حيث الجمال الطبيعي في صيغته الفريدة. وقرب القلب على مستوى صدر الجبل، الآثار الفينيقية - الرومانية شاهد إثبات على قِدَم تاريخها وغناه.
منذ أواخر الخمسينيات في القرن الماضي، جذبت بلدة «كل الفصول» محبي التزلّج هواة ومحترفين، من الدول العربية ومختلف أنحاء العالم. وتعزز دورها كنقطة جذب سياحي مع إنشاء المزيد من المنتجعات وحلبات التزلج وإقامة المباريات الرياضية الشتوية، لتصبح وجهة سياحية مميّزة، كرّسها تتويج البلدة عاصمة السياحة العربية الشتوية للعام 2024.

 

قرية الغزلان
تقع كفردبيان في أعالي كسروان ويتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 600 و٢٤٦٠ مترًا. تبعد عن بيروت 45 كلم، وهذا ما يمنحها ميزة تفاضلية، فبين البحر والثلج مسافة قصيرة، ما جعل أهلها يقولون : «بدايتها ساحل ونهايتها جرد». كما تعدّ المنطقة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تملك أكبر مركز تزلج.
يعود اسم البلدة إلى السريانية وهو مركّب من «كفر» أي قرية و«دبيان» أي غزلان ويعني «قرية الغزلان». لكن البعض يردّه إلى كلمة «دبرونا» الآرامية السريانية والتي تعني «مورد مائنا» وقد جعلها التحريف كفردبيان. يمكن الوصول إليها من عدة أماكن: عبر القمم العالية التي تربطها بالبقاع، أو عبر المتن، وعبر ساحل كسروان صعودًا.

 

فعل إيمان بلبنان
في حين غمر الفرح البلدة، رأى رئيس بلديتها بسام سلامة خلال الاحتفال أنّه «لا بد من لفتة وفاء لإخواننا العرب الذين لم يكفُّوا يومًا عن الوقوف إلى جانب لبنان»، معتبرًا أنّ وجودهم في البلدة «هو فعل إيمان بلبنان...». أما مختار كفردبيان وسيم مهنا فأعرب في اتصال مع مجلة «الجيش» عن مدى سروره، مؤكدًا أنّ «بلدته لطالما كانت عاصمة سياحية للأشقاء العرب، وهي ستبقى كذلك. ويبقى الأمل في أن تستقر الأوضاع في لبنان لتنعم السياحة بمواسم واعدة».

 

مثال ناجح
«اختيار بلدة كفردبيان في لبنان كان استثنائيًا لتسليط الضوء على مقصدٍ سياحي ذي طبيعة خاصة»، وفق ما قال الأمين العام لمنظّمة السياحة العربية شريف فتحي عطية، «خصوصًا مع إطلاق المنظّمة في هذا العام خاصية التنوّع البيئي كأحد نقاط التركيز الخاصة بالسياحة العربية؛ وكفردبيان من الأمثلة الواضحة والناجحة على كيفية استخدام هذه الخاصية في لبنان».

حازت البلدة الجميلة اللقب الذي منحتها إياه منظمة السياحة العربية، معتمدة في ذلك عدة معايير تجعل كفردبيان مقصدًا سياحيًا للوافدين من كل مكان، وبشكل خاص من البلاد العربية. وإن كان الثلج الذي يكلّل البلدة أحد أهم هذه المعايير، فثمة مميزات أخرى عديدة تجعلها وجهة سياحية مميزة صيفًا وشتاءً، ومقصدًا لمختلف فئات السيّاح.
الموقع الطبيعي للبلدة التي يدوم الثلج فيها لمدة طويلة خلال السنة، لأنّ منحدراتها تقع عكس اتجاه الشمس، وامتدادها من ارتفاع 600 متر إلى 2450 مترًا فوق سطح البحر، عوامل ومميّزات تجعلها وجهة سياحية فضلى. فهي تتميّز بالطبيعة الساحرة والينابيع التي لا تنضب، والمواقع التاريخية والأثرية التي تعود إلى حقب مختلفة. يُضاف إلى ذلك طبعًا وجود المنتجعات السياحية والفنادق وبيوت الضيافة والمطاعم والمقاهي.

 

وسط بياض الثلج وشواهد التاريخ
تُوّجت كفردبيان رسميًا عاصمة للسياحة الشتوية العربية في حفل استثنائي في منتجع المزار افتُتح بلوحةٍ رائعة على الجبال البيضاء، حيث حمل 24 متزلجًا من الاتحاد اللبناني للتزلج أعلام الدول العربية وجامعة الدول العربية من أعلى القمة حتى أسفلها. وذلك في حضور وزير السياحة وليد نصّار، والأمين العام للمنظمة العربية للسياحة شريف فتحي عطية، وعدد من السفراء العرب والأجانب إلى نواب وفعاليات من البلدة والمنطقة.

 

جولة في معالم البلدة
بعد الاحتفال توجّه الجميع إلى نادي فقرا كفردبيان - النادي الرائد في لبنان والشرق الأوسط، حيث جالوا في معالمه الراقية والعريقة إضافة إلى منحدر التزلج الاحترافي الخاص به. وكانت المحطة الثانية، الجسر الحجري الطبيعي في البلدة، الذي ينتصب متحدّيًا عبقريات المهندسين القدماء والمحدّثين، حتى لَيبدو أنّ يد الخالق حفرته بعوامل الطبيعة عبر الأزمان، وهو يُعتبر من أجمل معالمها.
في موقع فقرا الأثري، حيث التاريخ والحضارات المتتالية التي مرّت على كفردبيان، عاين الزائرون المعالم الأثرية العريقة على ضفاف نبعَي اللبن والعسل، وصخور الدولوميت المحيطة بالمجمّع الديني الذي أُنشئ منذ أقدم العصور؛ فكانت رحلة فريدة على إيقاع نسمات الهواء الأنقى على أكتاف جبل لبنان...
بعد دوما، كفردبيان، وقبلهما بكاسين وجبيل، فلبنان بلد الجمال والطبيعة الرائعة يتمتع بمزايا تجعله مقصدًا سياحيًا مميّزًا، المهم أن يعرف أبناؤه في كل قرية وبلدة ومدينة كيف يحافظون على ما وهَبَهم إياه الخالق، فيوظّفون الموارد ويواجهون الصعوبات.