- En
- Fr
- عربي
معارض
لم تسلم دور النشر ومعارض الكتب من تبعات الأوضاع الاقتصادية الكارثية التي يعانيها لبنان منذ نهاية العام 2019، الأمر الذي ألقى بظلاله على الإنتاج الثقافي والفكري. فالكتاب لم يَعُد من الأولويات لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين، بعد أن بات سعرُه مرتفعًا مع تآكل قدرتهم الشرائية بفعل الأزمة، ما جعل اهتمامهم منصبًا على تأمين مستلزمات الحياة اليومية.
لكن رغم كل التحديات، تثبت بيروت أنّها تتمسك بمكانتها كمصدر إشعاع فكري وثقافي، وتحافظ معارض الكتب على مواعيدها السنوية مع القراء والمهتمين، وإن كان عددهم أقل من السابق. فهم يجدون فيها فرصة للاطلاع على الإصدارات الجديدة والاستفادة من الحسومات، أو الحصول على كتب مستعملة بأسعار زهيدة.
المهرجان اللبناني للكتاب الذي تنظمه سنويًا الحركة الثقافية في أنطلياس، هو أحد المواعيد التي ينتظرها أهل الفكر والناشرون ومحبّو القراءة على السواء. وقد أُقيم هذه السنة (من 29 شباط لغاية 10 آذار) بدورته الحادية والأربعين، وكانت المفاجأة في المشاركة الواسعة للجامعات ودور النشر والمؤلفين المنفردين.
في هذا الإطار، أشار أمين عام المعرض الأستاذ منير سلامه إلى أنّ عدد الجامعات المشاركة هو سبع بما فيها الجامعة اللبنانية، أما عدد الدُور فناهز الثلاثين وبعضها يمثل أكثر من دار نشر، وهي جميعها لبنانية، بالإضافة إلى مشاركة الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في المعرض. ويشير سلامه إلى اعتذار بعض الدُور العربية عن عرض إصداراتها بسبب الظروف الراهنة في لبنان.
برنامج حافل
كما في دوراته السابقة، تضمّن برنامج المهرجان مجموعة من النشاطات التي تجعل منه إحدى العلامات البارزة في الحياة الثقافية. فقد حفلت أجندة المهرجان بمواعيد تكريم أعلام من البارزين في مجالات الطب والمحاماة والأدب والمسرح والموسيقى وغيرها من المجالات، بالإضافة إلى تكريم المرأة في يومها العالمي (8 آذار) والمعلم في عيده (9 آذار).
كذلك، أُقيمت عدة ندوات حول إصدارات جديدة، ونظّمت الحركة الثقافية ندوتين حول الحرب في غزة وتأثيرها على لبنان، وأزمة النزوح واللجوء التي يعاني تداعياتها.
دعم المثقفين وأصدقاء الكتاب
بعد التراجع الكبير في القدرة الشرائية للقارئ في لبنان، لجأ قسم من المواطنين إلى شراء الكتب المستعملة، وهذا ما دفع إدارة المعرض إلى تخصيص زاوية لهذا النوع من الكتب وبيعها بأسعار زهيدة، فالمهم أن يبقى الكتاب متاحًا للجميع. كذلك، أُقيم جناح «المنفردون» للمؤلفين الذين لا يملكون القدرة على دفع كلفة إيجار مساحة معينة في المعرض، وخصّص مكان للراغبين في توقيع مؤلفاتهم حيث توجد قاعة معدّة لذلك.
ويؤكد سلامه أهمية الدور الذي يؤديه المثقفون وأصدقاء الكتاب في ظل الأزمة الاقتصادية التي انعكست بخاصة على الموظفين والأساتذة في التعليم الجامعي وما قبله، وعلى القطاع العام عمومًا. فإصرارهم على التحدي هو ما يتيح استمرارية الكتاب كأداة ثقافية، وإن كان ذلك بالحد الأدنى. ومن جهتها، تصرّ الحركة الثقافية في انطلياس على الاستمرار في رفع تحدي الدفاع عن الحريات وإغناء الثقافة، ميزَتيْ لبنان على مدى تاريخه.
المشكلة الأساسية هي بنيوية اجتماعية
يتميز الناشر اللبناني بالحيوية والمهارة والقدرة على الخرق، فالظروف المعاكسة تستفز قدراته الفكرية والعملية، والصعوبات تحفّزه على الإبداع. لكن كيف ترى دور النشر واقع القراءة حاليًا؟ ولمن تصدّر الكتب في ظل تقلّص قدرة الناس على شرائها وعدم رغبتهم في القراءة؟
يرى مدير «دار سائر المشرق» الناشر والباحث والصحافي أنطوان سعد أنّ واقع إنتاج الكتاب في لبنان حاليًا يواجه تحديات كما في المرحلة السابقة للانهيار. الفارق أنّ هناك تفاقمًا في انهيار القدرة الشرائية عند الناس خصوصًا لدى الفئة المتقاعدة أو فئات من الجيل القديم الذي اعتاد المطالعة. هذه الفئة، وبسبب النكسة الاقتصادية الكبيرة فقدت مدّخراتها ومعاشاتها التقاعدية وفقدت بالتالي قدرتها على شراء الكتب. في العمق، يعتقد سعد أنّ المشكلة هي مشكلة اتجاهات عامة لدى الرأي العام، إذ لم يعد التفكير أو الاهتمام بالقضايا البنيويّة العميقة في صلب اهتمامات الناس، ولعلّ المشاكل السياسية التي يعيشها لبنان، والانجرار إلى التيارات المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي والسطحيات الاستهلاكية، جعلت الناس تبتعد عن الكتاب. بالنسبة إليه، المشكلة الأساسية هي بنيوية اجتماعية تليها المشكلة الاقتصادية.
أما الحل، فيعتبر أنّه من مسؤولية المجتمع الأهلي والمدارس والبلديات والأحزاب والتجمعات الثقافية، إذ على هذه الجهات أن تقارب الموضوع من باب التحفيز ومن باب التزام المدارس في تخصيص نصف ساعة أسبوعيًا للمطالعة كي يعتاد الطلاب على القراءة لاكتشاف المتعة والفائدة التي تكتنزها ومدى تأثيرها في بلورة شخصيتهم.
وعن توجّهات القراء من خلال أنواع الكتب التي تشهد أكبر نسب مبيعات، يقول إنّ الاهتمام يتجه نحو الكتب السياسية والمذكّرات السياسية للمشاهير والكتب التي تنطوي على معلومات أو فضائح حول الأحداث في لبنان. هذا ما هي الحال عليه في دار سائر المشرق على الأقل.
وأشار سعد إلى أنّ الكتب المخصّصة للأطفال ما زالت رائجة ومطلوبة في كل معرض رغم ارتفاع كلفة طباعتها وبالتالي أسعارها، لأنّ مجتمعنا اللبناني يدرك أهمية الثقافة والمطالعة في بناء الشخصية الحقيقية للوالد ويريد بدوره أن يمنحها لأولاده. من هنا، على الأهل أن يكونوا خير مثال لأولادهم، فقبل أن يُلزموهم بالقراءة والمطالعة، عليهم هم أن لا يهملوها.
الكتاب في المعارض ما زال مرغوبًا
في المقابل، قالت مديرة العمليات في «دار النهار للنشر» السيدة كارلا قرقفي زياده إنّ التحدي الوحيد الذي يواجهه الكتاب في لبنان هو تكلفة الإنتاج العالية وتدني القدرة الشرائية لدى المواطنين خصوصًا في ظل الوضع الاقتصادي الراهن.
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الإقبال على الكتاب في المعارض ما زال قائمًا، وثمّة شريحة كبيرة من المواطنين الذين يحبون ملامسة الورق لدى ممارسة شغفهم ولم تُغْرِهِم بعد القراءة الإلكترونية.
في ما خص التوجهات في دار النهار فهي متعددة، وتتنوع بين السياسة والاقتصاد والروايات والشعر والدين والفلسفة... حتى الأخبار والمستجدات الآنية التي تحدث حول العالم لها ناسها. وهذا ما نلاحظه من خلال المبيعات اليومية وخلال المعارض، فكل إصدارات دار النهار مرغوبة والإقبال عليها كثيف.
وتمنّت السيدة زياده أن توجّه المدارس تلامذتها نحو القراءة وتحفّزهم بمختلف الطرق إذ تقع على عاتقها مسؤولية إنماء حب المطالعة، كذلك يمكن للأهل أن يلعبوا هذا الدور أيضًا. ورأت أنّه عندما تترافق القراءة مع إقامة نشاطات تشجيعية للأطفال وعندما يلعب الإعلان الترويجي دوره، يعود السوق إلى ضخ المزيد من كتب الأطفال. فهؤلاء هم قرّاء المستقبل، يجب أن نعلّمهم أهمية كل من الكتاب والمطالعة في بناء مجتمع مثقف.
ثمّة هواجس مشتركة عبّر عنها أصحاب دور النشر نتيجة انعدام الخطط الجذرية لمواجهة الواقع المرير لدور النشر، ومع الجهود الفردية لديمومته سيبقى الكتاب اللبناني في الطليعة، شكلًا ومضمونًا ونوعية.
كتاب
سياسة روسيا في أوكرانيا والقطب الشمالي
أداة توازن أم استراتيجية صراع؟
في كتابه الجديد: سياسة روسيا في أوكرانيا والقطب الشمالي، أداة توازن أم استراتيجية صراع؟ يسترجع العميد الركن ريمون فرحات تاريخية السلوك الروسي المرتبط أبدًا بالجغرافيا التي فرضت على روسيا، قلب أوراسيا وجناحيها من الناحية الجيوبوليتيكية، أن تبقى أسيرة الموقع والواقع. وهذا ما حتّم عليها الاهتمام بـ «قلب العالم» الماكندري، كما بمنطقة القطب الشمالي التي تحوّلت بفعل التغيّرات المناخية من مسرحٍ مفترض إلى مسرحٍ فعلي للصراع الدولي.
ويهتم الكتاب بدراسة استراتيجيات موسكو من خلال المنظور الجغرافي والمصلحي، كما من خلال البُعد الحضاري في علاقاتها الدولية، والذي يتجسّد بصراع الإرث التاريخي الروسي مع حضارة الغرب الساعية إلى سيادة مفاهيم العولمة والتجارة الحرّة والديمقراطية الليبرالية.
من جهة أخرى، يعالج الكتاب فرضيات مرتبطة بأزمات ما زالت مستمرة وغير معروفة النتائج، تسعى روسيا من خلالها إلى تحقيق توازن عالمي لاستخدامه في خدمة استراتيجيتها من أجل إعادة تشكيل نظام عالمي جديد، في إطار سعيها لتجديد مكانتها العالمية وفرض هيبتها تحقيقًا لمصالحها الوطنية. لذلك كان عليها أن تتعامل مع المتغيّرات القطبية والموضوع الأوكراني بديناميكية «متشدّدة»، من أجل تأمين وسطية التوازن ولكن ليس إلى حد التراخي، ومن دون التفريط بالقواعد الجيوبوليتيكية الجديدة المرتكزة على السيطرة على أراضي الحافة الأوراسية كافة للتمكّن من حماية «جزيرة المصير العالمي» Global Destiny Island.
الكتاب صادر عن دار سائر المشرق، وهو ثاني مؤلفات العميد فرحات الحائز شهادتي دكتوراه في التاريخ والعلوم السياسية فضلًا عن شهادات أخرى. وهو أستاذ مقرر القيادة الاستراتيجية والحرب في برنامج الماستر المشترك بين مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية والجامعة اللبنانية، والتاريخ العسكري في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان.