- En
- Fr
- عربي
قضايا بيئية
يتمتّع موقع لبنان الجغرافي بخاصية مهمة بالنسبة إلى الطيور المهاجرة من أوروبا إلى أفريقيا، والتي يجب أن تمرّ من آسيا عبر الأخدود الأفريقي الآسيوي العظيم. فالتيارات الهوائية في هذا الأخدود الذي نشأ عند انفصال القارات عن بعضها، تساعد الطيور على السفر والهجرة في فصلَي الخريف والربيع بأقل كلفة من الطاقة.
يقع لبنان في ما يسمّى عنق الزجاجة التي تشهد مرور ملايين الطيور المهاجرة في سمائه، لكنّ الخاصية الاستثنائية التي تميّزه، تترافق مع إشكالية الصيد الجائر الذي يجعل الطيور التي تمر في بلادنا كما الطيور المستوطنة عندنا، فريسة سهلة لبعض الصيادين. وفي المحصلة لا يقع الضرر على الطيور فقط، وإنما يمتد ليشمل البيئة وبالتالي الإنسان.
يتحدّث الدكتور ميشال صوّان ( الناشط البيئي والخبير في مجال الطيور، ورئيس الجمعية اللبنانية للطيور المهاجرة) عن أهمية الطيور في الحفاظ على التوازن البيئي من خلال الحفاظ على السلسلة الغذائية. فهي تؤدي مهمات عديدة في هذا السياق، كتلقيح الأزهار وحماية المحاصيل من الحشرات المُضرّة للتربة، والقضاء على القوارض والزواحف (الأفاعي والعقارب والخلدان والجرذان…) والحشرات المضرّة بالنباتات والآفات الزراعية (الجراد ودود الصندل)، كما أنّ بعض الطيور الجارحة تتغذّى على الجيف. هذا النظام الطبيعي يخفّض كمية الأدوية الكيميائية المستخدمة للحد من هذه الآفات. كما تعتبر فضلات الطيور سمادًا عضويًا مغذيًا للتربة. وبهذا تحافظ الطيور على ثروتنا الحرجية خصوصًا الصنوبر والسنديان، وتخلّص مساحات شاسعة في المناطق من نفاياتها العضوية.
الطيور ضمن مقومات السياحة
لا تقتصر فوائد الطيور على ما سبق ذكره، بل إنّها باتت ضمن المقومات السياحية للبنان. فهواية مراقبة الطيور التي تجذب محبّي الطبيعة تغزو جميع أنحاء العالم، و«المعبر اللبناني» الذي يؤمّن مجالات وآفاقًا واسعة لمراقبة فصائل كثيرة من الطيور المحلية والمهاجرة هو أحد أهم مواقع المراقبة. وبفضل هذا الغنى الطبيعي على أرضنا، نستطيع تطوير مناطقنا الطبيعية ومحمياتنا والاستعانة بدراسات بيئية متخصصة، خصوصًا وأنّ الطير يعتبر مؤشّرًا حيًا للتنوّع البيولوجي ولتخصيب الأشجار والنباتات بهدف زيادة المحصول الزراعي وتحسينه، وفق ما يؤكد صوّان.
نقص في التشريعات وسوء تنظيم
المشكلة لا تكمن في الصيد بحدّ ذاته، بل في غياب أو نقص تشريعات الصيد، أو سوء التنظيم والتنفيذ في ظل عمليات الصيد العشوائي والجائر المستشري. وازدادت هذه الأساليب بوتيرة كبيرة جدًا، خصوصًا في السنوات الأخيرة بسبب غياب المحاسبة، ما يضاعف أعداد الطيور المهدّدة بالانقراض. وجدير بالذكر هنا أنّ ملايين الطيور تمر سنويًا عبر لبنان، ويتم قتل ما يصل إلى 6 ملايين طير مهاجر ومحلي من قبل الصيادين في منطقتنا فقط.
أنواع التهديد
حدّد القانون رقم 580/2004 الأوقات المسموح الصيد خلالها، وهي تمتد من أول أيلول إلى 15 شباط تبعًا لأوقات التزاوج والتفقيس، مع العلم أنّ موسم الصيد لم يتم افتتاحه منذ 3 سنوات لأسباب مختلفة.
ويمنع بحسب هذا القانون، استعمال بعض وسائل الصيد كالشباك والليزر والكشافات الضوئية وآلات التسجيل التي تصدر أصواتًا شبيهة بأصوات الطيور، ورغم ذلك يتم الحصول على هذه المعدات من الخارج.
إضافة إلى التهديد الذي يمثله للطيور، يهدد الصيد الجائر بواسطة البنادق الفئة العمرية الصغيرة من الصيادين التي تتعرّض بشكل مطّرد لوقوع حوادث وإصابات عن طريق الخطأ، بسبب قلة الانتباه والطيش، وبسبب عشوائية عمليات الصيد المنتشرة بين الأحياء.
وفي سياق متّصل، غدا لبنان سوقًا مفتوحًا للمتاجرة بالطيور، إذ يُقدم البعض على أسر طيور نادرة بغرض الإتجار بها ما ينشّط عمليات التهريب والبيع. هذه العمليات التي تُثير غضب الجمعيات البيئية والرأي العام البيئي العالمي، تقترن بأخرى ليست أقل ضررًا على سمعة لبنان في هذا المجال. ففي حين يمنع القانون عرض الطرائد المصطادة خارج السيارات وعلى الطرقات العامة، باتت عمليات الصيد «المجازر» تُعرض على مواقع التواصل الاجتماعي، إما بواسطة الصيادين أنفسهم للتباهي، وإما على مواقع الجمعيات البيئية التي تستنكر هذه الظاهرة المشينة.
في المقابل، ثمّة شبه غياب للرقابة والإجراءات الصارمة التي تحدّ من الصيد العشوائي والجائر، مع العلم أنّ تداعياته كبيرة على الانسان وعلى الطبيعة بشكلٍ عام، ما ينعكس ارتدادات سلبية على القطاع الزراعي والثروة الحرجية في لبنان.
خطوات ضرورية
يرى صوّان أنّه رغم صعوبة حل مشكلة الصيد العشوائي في لبنان، ورغم أنّ مسألة الطيور حاليًا ليست أولوية في البلد، إلا أنّ رحلة الألف ميل تبدأ بخطواتٍ بسيطة من نقطة الصفر. وأولى هذه الخطوات إدخال التوعية من مخاطر الصيد العشوائي في المنهاج الدراسي، إضافة لإقامة محاضرات توعية بيئية دورية بهدف تنشئة جيل حريص على المحافظة على بيئته الطبيعية من مختلف النواحي. وهو يشير في هذا السياق إلى دور الجمعيات، ومن بينها الجمعية اللبنانية للطيور المهاجرة التي قامت بحملات توعية في المدارس استفاد منها حوالى 11 ألف طالب في جميع المناطق اللبنانية.
ويلفت إلى أنّه على الدولة أن تتحمّل مسؤولياتها، بدءًا من تحديث قانون الصيد ومضاعفة العقوبات المالية على المخالفات بهدف فرض جدّية كبيرة وحزم في التعاطي مع الصيادين المخالفين، وتفعيل التعاون مع المخافر في المناطق المستهدفة، خصوصًا وأنّ توقيف صيادٍ مخالف ومحاسبته يردع البقية عن خرق القوانين.
ومن الضروري برأي صوان ضبط مداخل البلدات التي تكثر فيها عمليات الصيد والمعروفة جيدًا من قبل الجهات الأمنية، ومراقبة محلات الصيد التي تبيع رصاصًا ثقيلًا، لأنّه يَشي بنيّة اصطياد طريدة كبيرة أو بعيدة المدى، وهذا ما يحظره القانون في لبنان. كما ينبغي الحرص على متابعة مواقع بيع الأسلحة عبر الإنترنت، ومواقع الإتجار غير الشرعي بالطيور البرّية.
في النهاية لا يمكن ربط جميع المشكلات بالأوضاع المأزومة التي تعيشها البلاد وتأجيل كل شيء إلى حين حل الأزمة السياسية والاقتصادية… لا بد من معالجة ما يمكن معالجته، ومسألة حماية الطيور والبيئة ليست تفصيلًا، فالنظام البيئي نظام متكامل وأي خلل فيه ينعكس علينا ويؤدي إلى كوارث.
التوازن في صيد الطيور البرية
تحرص المنظّمات الدولية على تنظيم صيد الطيور، وجَعْله نشاطًا مستدامًا يتوافق مع مبدأ الاستخدام الحكيم والمتوازن بيئيًا، وتوعية الصيادين على التمييز بين الأنواع المتوافرة التي يُمكن اصطيادها، وتلك التي تُعاني تناقصًا حادًا في أعدادها، وذلك بحسب القائمة الحمراء التي يُصدرها الاتّحاد الدولي لحفظ الطبيعة. ونظرًا لخطورة الصيد الجائر والتجارة غير الشرعية بالحياة البرية، فقد قرّرت عدّة منظمات دولية التعاون في ما بينها للحدّ من هذه الظاهرة وإيجاد حلول ناجعة لها.
وبحسب القائمة نفسها، هنالك حوالى 10 آلاف نوع من الطيور البرية، يُصنّف ثُمنها (8/1) كأنواعٍ مهددةٍ بالخطر، وتراوح حالة الخطر التي تتعرّض لها هذه الأنواع بين فئتين، واحدة قريبة من الانقراض وأخرى منقرضة، وما بينهما من درجات خطر الانقراض.