- En
- Fr
- عربي
فنون تشكيلية
في معرضه الجديد ”منير وجه الأرض“، تغوص الفرشاة في مكنونات الفنان التشكيلي مارون الحكيم لتفصح عنها ألوانًا تحاكي النور حينًا والشغف حينًا آخر، مستخدمةً جمالات الطبيعة وتموجات مشاهدها. لوحات تشق فسحة أمل بضوء يطلع من جنبات الأرض ليمتزج بضوء آتٍ إليها. ولأنّ الفنان نحات له مع الإزميل حكاية عتيقة، كان للمنحوتات دورها في المعرض، حيث شاركت في صياغة الخطاب الجمالي الذي قدّمه الحكيم، والذي يبدو كتكثيف لتجربته الفنية المديدة.
يقول مارون الحكيم في تقديم معرضه «بارتجاجاته، بخصوبته، وتفاعلاته مع الضوء، الماء والتراب. هذا التماهي مع جمالات الطبيعة وكثافته، لن يحول بيني وبين ما يجري في دواخلي من تفاعلاتٍ مع الأحداث الحياتية الآنية، وهواجس القلق الصادرة عنها، عتمة وأحزانًا».
خفقاتٌ تسكن الأماكن، جبالٌ تجاور الريح، ريفٌ يحاور الغيم، ربيعٌ يداعب الأبعاد، ألوانٌ تبحر في الماء، رتلُ غيوم مسافر، وغروبٌ يخطف ضوء النهار. عناوين لمجموعة الأعمال المعروضة والمؤلفة من 43 لوحة جديدة رُسمت بين عامَي 2022 و2023 إلى جانب 12 منحوتة برونزية جرى العمل عليها بين 1992 و2021، وصبّها بمادّة البرونز في العام 2023 لإبراز تطوّر أسلوبه في النحت. فهو من القائلين أنّ الفن والشعر والموسيقى والمسرح وجميع أنواع الفنون تحمل فكر الإنسان ومشاعره والقضايا الإنسانية التي يعمل لأجلها.
من الحجر والخشب والحديد إلى البرونز
أمضى الفنان عمرًا ينحت بالمواد الصلبة كالرخام والصخر والخشب والحديد، وفي معرضه هذا، ذهب إلى مادة البرونز بتقنياتها المختلفة عن النحت التقليدي. يشرح أنها تُنحَت على مراحل، فيصنع المنحوتة من الطين أو الحجر أو الجفصين أو الخشب، ثم يُقَوْلِبها كما هي الحال مع الشمع، ومنها تتشكل قوالب داخلية وخارجية، توضع في الفرن ليذوب الشمع ثم ينسكب المعدن الذائب على درجة 1500. هنا، ينظّف مارون الحكيم التمثال، ويُلمّعه، ويمنحه لونه الأخضر أو البني. يقول: «شئتُ عرض التماثيل مع اللوحات لتَنَاسُق الموضوع بين أعمال النحت والرسم على مستوى الوجوه. البرونز مادة صلبة لا تُكسَر. بإمكان الفنان سَكْب أكثر من تمثال بشكل واحد، ما يوسّع انتشاره ويُسهِّل عملية التسويق بسعر أقل. أنا في سنّ بتُّ فيها أتيح لنفسي إصدار مجموعة قوامها الشكل الواحد لوضعها في المتناول العام».
قصة لا نهاية لها
تقول الناقدة الفرنسية والمحاضرة في الفنون فرنسواز بارب-غال في معرض تقديمها لأعماله: «… أما القصة التي تُنسَج أمامنا، فنحن لن نشهد لها أيّ نهاية. لأنّ كلّ لوحة من لوحاته إنّما هي في ريعانها، تسلسُ قيادها لحيويّة الطبيعة، وتُفاجأ بها في الآن نفسه. وهي الطبيعة التي لا ينفك الحكيم يُميط اللثام عنها مرارًا وتكرارًا…». و«تتسلل الوجوه أحيانًا إلى اللوحات، وهي بالكاد تكون مرسومة. بعضها ينضم الى بعض، كأنّها وجوه انبثقت من الفراغ، وكأنّها مرتعبة من مجرد فكرة أن ينفصل بعضها عن بعضها. لسنواتٍ خلت، كانت ظهرت وجوه مماثلة مصقولة على غرار «هبوط الملائكة» أو أعمال برونزية «كيف يصغي الجماد». وها هي اليوم في متناولنا، تلك التي كان من الممكن أن ننساها، تلك التي كان من الممكن أن تضيع منا إلى الأبد، على غرار قافية بيت من الشعر كانت ستنزلق من بين أيدينا».
«منير وجه الأرض» ليس مجرد معرض فني في مسيرة فنان كبير، بل هو تجربة فنية غنية، وفرصة يتأمّل فيها الفنان لوحاته المستريحة على جدران المعرض بجوار المنحوتات، يفكّر في نُبل الفن وقدرته على مَنْح الألق لمبدعين خلّدوا أسماءهم عبر العصور بأعمالهم الحضارية والمتجاوِزة للزمن. وهو يهدي المعرض لكل الناس لأنّ العمل الفني يكبر في عيون مشاهديه. حاليًا، يُمضي مارون الحكيم مجمل أوقاته في محترفه الكائن في بلدته مزرعة يشوع متفرغًا لفنّه، عشقه الأول والمتوهج باستمرار.