- En
- Fr
- عربي
نحن وأولادنا
”ما هذه الأصوات؟ أنا خائف يا أبي! ماما، هل يمكنني النوم بجانبك؟ إلى أين نحن ذاهبون؟ أريد لعبتي ووسادتي!...“
أسئلة، هواجس، ومشاعر مختلطة يعبّر عنها يوميًا أطفال لبنان الذين باتوا يعيشون وسط بيئة مليئة بالقلق والتوتر والانفعال في ظل العدوان الإسرائيلي الذي يشهده وطننا، سواء كانوا في المناطق ”الآمنة“ أو في المناطق الخطرة، في بيوتهم أو اضطرّوا لمغادرتها...
لا تنحصر معاناة اللبنانيين اليوم في الدمار والخسائر المادية، بل تمتد إلى الصحة النفسية للأفراد، وخصوصًا الأطفال الذين يواجهون تحديات نفسية قاسية قد تترك آثارًا عميقة في مشاعرهم وسلوكياتهم، ما لم يؤمّن لهم الأهل والمجتمع الدعم النفسي الضروري لاجتياز المحنة بأقلّ ضرر نفسي ممكن.
في ما يأتي، تقدّم الاختصاصية في علم النفس العصبي السيدة جوليانا كنعان بعض النصائح والإرشادات التي تساعد الأهل في التعامل مع أولادهم في زمن الحرب، وتحافظ على صحتهم النفسية في الظروف الصعبة.
- إتاحة مساحة آمنة للتعبير عن مشاعرهم: من المهم أن يشعر الأطفال بالأمان الكافي للتحدث عن مخاوفهم، ويجب تشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم بطرقٍ مختلفة، سواء من خلال الكلام أو الرسم أو اللعب. هذه الوسائل تساعدهم في معالجة مشاعر الخوف والقلق بطريقةٍ صحّية.
- التعامل مع الموقف بهدوء وشفافية: على الأهل أن يكونوا صريحين مع أطفالهم بشأن الأوضاع الحالية، وذلك بطريقةٍ تناسب عمر الطفل، فلا يخفون الحقيقة تمامًا، وفي المقابل، لا يغرقون الأطفال بالتفاصيل المقلقة. فالحديث الصريح يمنح الطفل شعورًا بالاطمئنان ويعزز إحساسه بالتحكّم في بيئته.
- تقديم أنموذج إيجابي للتعامل مع الأزمات: من المهم أن يحافظ الأهل على هدوئهم قدر الإمكان في حضور الأولاد، حتى في الأوقات الصعبة. فالأطفال يستمدّون الكثير من مشاعرهم وردود أفعالهم من الأهل. لذا، فإنّ التعبير عن القلق أمر مقبول، أمّا الهلع فمرفوض. في المقابل، يحتاج الأطفال إلى الشعور بالحماية، سواء عبر الكلمات أو الأفعال. من هنا، على الأهل طمأنتهم بأنهم دومًا إلى جانبهم وأنهم سيفعلون ما بوسعهم لحمايتهم. العناق والكلمات المطمئنة تعزز الشعور بالأمان.
- تعزيز الروابط العائلية: يساعد إشراك الأطفال في الأنشطة العائلية وتعزيز الروابط مع الأقارب والأصدقاء في منحهم إحساسًا بالانتماء والدعم. فالشعور بأنّهم ليسوا وحدهم في مواجهة الأزمات يساعدهم على تحمّل الضغوط بشكلٍ أفضل.
- نشر الطمأنينة عبر الأحاديث الإيجابية: من الضروري توجيه الأطفال نحو التفكير الإيجابي وإعطاؤهم الأمل بأنّ الفترة العصيبة ستمضي، لذا ينبغي على الأهل التحدّث عن مستقبلٍ أفضل وتقديم أمثلة عن كيفية تجاوز الأزمات السابقة. هذا النوع من الدعم يعزز مرونة الأطفال وقدرتهم على مواجهة الصعوبات.
- الحفاظ على الروتين اليومي: يُعتبر الروتين اليومي جزءًا مهمًا من استقرار الطفل. من هنا، يجب الحفاظ على بعض العادات اليومية مثل أوقات الطعام والنوم والدراسة، حتى وإن كان ذلك تحديًا في ظل الظروف الراهنة. فالروتين يمنح الأطفال شعورًا بالاستقرار، وهو ما يساعد في الحد من القلق والخوف.
- تشجيع الأنشطة الجسدية: قد تبدو الصّحة النفسية منفصلة عن الصحة الجسدية، إلّا أنّ الأبحاث أثبتت وجود ارتباط قوي بينهما. فالتغذية الجيدة وممارسة النشاط البدني بانتظام يساعدان في تحسين الحالة المزاجية للأطفال ويحدّان من التوتر والقلق. لذا، يجب تشجيع الأطفال على المشاركة في أنشطة رياضية خفيفة داخل المنزل أو حتى في الأماكن الآمنة في الخارج إذا أمكن ذلك.
- الحدّ من التعرّض للمشاهد العنيفة: على الأهل التحكم في المحتوى الذي يشاهده الأطفال، ومنعهم من متابعة الأخبار المتكرّرة والمشاهد العنيفة التي تؤدي إلى تضخيم مشاعر الخوف والقلق لديهم. في المقابل، يجب توجيههم نحو نشاطاتٍ إيجابية، وقد يكون من المفيد أيضًا ابتعاد الأهل أنفسهم عن متابعة الأخبار بشكلٍ متواصل.
- ترجمة المشاعر بأعمالٍ بنّاءة: من الطبيعي في زمن الحروب، الشعور بالذنب تجاه مَن يعانون أكثر من غيرهم في أوقات الأزمات خصوصًا عندما يكون المرء في مكان «آمن ومستقر»، فيما يواجه الآخرون ظروفًا صعبة. في حال غمر هذا الشعور العائلة أو بعض أفرادها، لا بدّ من التوعية بأنّ الشعور بالذنب وحده لا يغيّر الواقع، وبدلًا من التركيز عليه، يمكن تحويله إلى دافعٍ للقيام بأعمالٍ إيجابية مثل المساهمة في حملات الإغاثة، تقديم الدعم المعنوي، أو تعزيز الوعي حول الأوضاع الصعبة التي يواجهها الآخرون.
إنّ الحفاظ على الصحة النفسية للأطفال في ظل الحروب ليس بالأمر السهل، تؤكد السيدة كنعان، لكنه ضروري لسلامتهم وتطورهم. وهي تشدّد على أنّه من خلال تقديم الدعم العاطفي وتوفير بيئة آمنة، وتشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم، يمكن للأهل أن يساعدوا أطفالهم في تجاوز هذه الفترة الصعبة بأقل ضرر نفسي ممكن.
بيئة داعمة للأطفال
تؤدي الجمعيات والمنظمات التي تقدم الدعم النفسي للأطفال في مراكز الإيواء دورًا بارزًا في توفير بيئة آمنة للذين يعانون صدمات الحرب. وقد أطلعتنا الاختصاصية النفسية ورئيسة جمعية Embrace، السيدة ميا عطوي، على آلية العمل التي تتبعها هذه الجمعيات عادةً، مشيرةً إلى أنّ نشاطاتها تندرج ضمن الدعم النفسي الاجتماعي، وليس العلاج النفسي.
تبدأ الجمعيات بتقييم احتياجات الأطفال النفسية لفهم مدى تأثير الصدمة على كل طفل، ما يساعد في تحديد الدعم المناسب لكلّ حالة. ويشمل الدعم توفير مساحات آمنة للأطفال للتعبير عن مخاوفهم وقلقهم ومساعدتهم على التفريغ العاطفي بطرقٍ وتقنياتٍ صحية مثل العلاج بالفن (الموسيقى، الغناء، الرقص، الرسم...) أو العلاج باللعب لتسهيل التعبير العاطفي.
كذلك، تعمل الجمعيات على تقديم برامج توعية للأهل أو مقدّمي الرعاية في مراكز الإيواء حول كيفية التعامل مع الأطفال المتأثرين بالصدمات ودعمهم نفسيًا وعاطفيًا. وتشدّد السيدة عطوي على فكرة عدم مقارنة الأوضاع ببعضها، فلكلٍّ معاناته الخاصة، وبالتالي على الأهل ألّا يحاولوا التخفيف عن أولادهم بمقارنة معاناتهم بمعاناةٍ أكبر يعيشها الغير، كي لا ينشأ لديهم شعور بالذنب تجاه الآخرين. على العكس، يجب السماح لهم بالبكاء والتعبير عن استيائهم وغضبهم من الظروف التي فُرضت عليهم من دون ذنبٍ منهم.
وتضيف السيدة عطوي: ينبغي التأكيد للأطفال أنّ شعورهم بالسوء ليس خطأ، إنّما هو أمرٌ طبيعي. كما يجب طمأنتهم بأنّ الوضع لن يبقى على حاله، وأنّ الجميع يعمل على حمايتهم وتقديم الأفضل لهم. من الضروري أيضًا، إعادة روتين حياتهم السابق بأقرب فرصة ممكنة. وهو أمرٌ تسهم في تحقيقه الجمعيات، كونها توفّر، إلى جانب الدعم النفسي المباشر، برامج وأنشطة تحفّز على استعادة الحياة الطبيعية قدر الإمكان. هذه الأنشطة تساعد في تخفيف التوتر وتعزيز الشعور بالأمان والاستقرار، ما يدفعهم إلى تجاوز آثار الحرب والصدمة.
خط الحياة
في بعض الأحيان، قد تكون الضغوطات النفسية التي يمر بها الطفل أكبر من قدرة الأهل على التعامل معها. إذا لاحظْتَ أنّ طفلك يعاني مشكلات نفسية كثيرة مثل التوتر الشديد، الانسحاب الاجتماعي، أو التغيرات الحادة في السلوك، من المهم التوجه إلى متخصص في المجال النفسي. فالتدخل المبكر يمكن أن يحول دون التطور إلى مشكلات أكبر.
اتّصِلْ بالخط الساخن 1564 أو خط الحياة وهو الخط الوطني للدعم النفسي.