- En
- Fr
- عربي
المشهد اللبناني
الموسيقى، كما الشعر، هي الفكرة قبل كل شيء، وهي بالتالي ترتيب الكلمات وتنضيدها وتوضيبها، وإلا ضاع المعنى وعمّمت الفوضى. لو عزف كل موسيقي على هواه، فأهمل من حوله ولم يلتزم مبادئ الفنون، كيف ستكون المقطوعة الموسيقية؟ هل من اليسير في هذه الحال أن يسمع الواحد زميله، أو بالأحرى، هل من اليسير أن يسمع نفسه؟ لا يكفي أن نتأكد من أن العازف يطلق موسيقاه صحيحة أو لا، إنما يجب أن يتآلف مع رفاقه في العزف، فالمقطوعة هي بنت الجماعة، الجماعة المتآلفة المتجانسة التي توزع الأدوار في ما بين أعضائها، والتي تفرض عليهم ان يكون العزف محكوماً بتنسيق الأدوار وحسن توزيعها، وبالحد من التسابق غير المجدي والتنافس الأعمى والميل إلى إلغاء الآخر والاكتفاء بتصرفات فردية يكون في نتيجتها التشويش على الآخرين من دون الانتباه إلى أن ذلك إنما يلغي الأعمال الذاتية أيضاً. «أنه لقاء الطرشان» وإنه مبدأ «عليّ وعلي غيري»، وإنه مبدأ «ومن بعدي الطوفان»... في القياس على ذلك، ومن خلال مراقبة المشهد اللبناني، هل من الممكن ان نشّبه ما يجري فيه بالفرقة الموسيقية المتجانسة التي ترسل النغم محلّقاً في فضاء الإبداع؟ عازف يرقص ليلاً، وآخر ينفخ صباحاً، وثالث يضرب نهاراً، ورابع يشدّ الأوتار، وخامس يغني، وسادس يقهقه، وسابع ينام...؟! قد يظن العازف، في هذه الحال، أنه يمنع موسيقى جاره من بلوغ إذن المستمع، لكنه ينسى أن موسيقاه هو قبل غيرها لن تصل إلى مكان، وأن الخسارة تصيب من حوله، وأن الضياع عمومي يشمل كل عازف وكل مستمع، والناس أجمعين. ولأن لبنان متأثرً بغيره، كما هو مؤثر أيضاً، فإن تلك الفوضى ستنتشر في مكان ومكان، بعد أن كان هذا الوطن مصدر اللحن الأنيق، ومنبت الأخضر المفرح، ومرقد واحات الأمان. إن المواطن الذي يقف على مسافة واحدة من الجميع، مسؤولاً كان أو غير مسؤول، هو الذي يلاحظ الفوضى الحاصلة، وهو الذي يتحرّق ويتلوّع ويتمنّى أن يرى الانسجام بين الأطراف كافة، وأن يسمع اللحن الصحيح يصدح في الأرجاء. أما المراقب غير المحايد فإنه يفترض أن منتخبه هو العازف الأول، وأن لحن هذا الأخير هو اللحن الأعلى، وأثره هو الأثر الأبقى، فينحاز إليه ويخطّئ الآخرين. هذا لبنان فائز بالحرية والتنوع، محكوم بازدياد الجهات فيه أربعاً في أربع في أربع، وبذلك كم تفاخر وكم تغنّى أنه ليس بلد الطرف الواحد، أو الرأي الأعزل، أو العزف المنفرد. من هنا فإن ضبط فرقته الموسيقية يحتاج إلى الكثير من التبصّر المعرفي، ومن الوعي الوطني. لكل طرف مكان، إذن، لا يجوز إلغاء أمكنة الآخرين ولا أصواتهم ولا أدوارهم، والمؤسسة العسكرية، التي هي للجميع، ستستمر حاملة هموم الجميع، ساعية إلى معالجتها. هذا واجبها وهذه رسالتها، ولا منّـة لها على الوطن الغالي، لكن لها الحق على شعبها بأن يتخذ من مسيرتها عبرة، فيتآلف ويتعاون ويتحد، طالما أنه يشهد لها يوماً بعد يوم بحسن المسير.