- En
- Fr
- عربي
قضايا إقليمية
تعاني إسرائيل في هذه المرحلة من وجودها أزمة متعدِّدة الأوجه والجوانب تعود إلى فشل متراكم في حيثيات عقيدتها الأمنية المتطوِّرة. وكانت هذه الأزمة قد بدأت مباشرة في أعقاب حرب حزيران العام 1967، ثمَّ تراكمت عناصرها ومظاهرها في سلسلة من التطورات كان أبرزها النهوض والتحدي العربي والفلسطيني بتصعيد المقاومة، وإدخال المشروع التوسّعي الصهيوني في المنطقة في مآزق فاقمتها الضغوطات على النازحين اليهود الذين راحت تتزايد أعدادهم في الاتجاه المعاكس من داخل الكيان إلى الخارج ودول الشتات. وعلى الرغم من تمكن الزعماء الصهاينة من احتلال أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية وتشريد قسم كبير من أصحابها الأصليين، فإن المستوطنين اليهود الوافدين لم ينعموا بالهدوء والسلام والطمأنينة كما كانت تعدهم به الوكالة اليهودية وسائر وسائل الدعاية والإعلام الصهيونية. كما أن عوامل القوة التي اعتمدت عليها المنظمات الصهيونية لإقامة الكيان – الدولة باتت تواجه حاليًا إشكالية الثقة بها. والجيش الإسرائيلي وسائر القوى الأمنية الداعمة له لم تعد محط الثقة المطلقة كما كانت عليه الحال في الماضي، ذلك أن القوة العسكرية الإسرائيلية لم تعد قادرة على تحقيق كل شيء وأي شيء في وقت قصير وخاطف، ومن دون تكبد خسائر فادحة في الأموال والأرواح. وقد وردت كلمة «فشل» في التقرير الأولي للجنة فينوغراد التي حقَّقت في نتائج حرب العام 2006 ما مجموعه 164مرة. وكشف تقرير مراقب الدولة حول دور «الجبهة الداخلية» وأوضاعها خلال الحرب نفسها نقاط تقصير وفشل كثيرة. وكشفت تحقيقات مختلفة أيضًا، بعضها قضائي، عن وجود فساد مستمر وانتهاكات قيمية وأخلاقية ومسلكية في صفوف ضباط الجيش وعناصره ورتبائه على حد سواء، الأمر الذي زاد من حدة النقاش في الداخل الإسرائيلي حول دور المؤسسة العسكرية ومكانتها في صنع القرارات، خصوصًا في ظل غياب النصوص القانونية الواضحة والمحدَّدة، وتنامي الدعوة لوضع قيود على تدخلاتها نتيحة اهتزاز الثقة بها بعد فشلها في تحقيق العديد من الأهداف القومية والأمنية، وكذلك في ظل تراجع احتمالات نشوب الحروب الكلاسيكية الكبرى في المنطقة، الأمر الذي انعكس إحجامًا وتهربًا من أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، والتخفِّي وراء دراسة التوراة أو الإصابة بإمراض تعفي من أداء هذه الخدمة. وقد كشف نائب وزير الأمن الإسرائيلي الجنرال المتقاعد متان فيلنائي عن أنه على الرغم من مرور أربع سنوات ونيِّف على انتهاء حرب لبنان الثامنة (2006)، فإن الخدمات بين الوزارات المختلفة في الدولة العبرية ما تزال قائمة. وأضاف فيلنائي أن هذه الخدمات تحول دون تطبيق التوصيات وتعرقل مهمات الاستعدادات لحماية نقطة الضعف الأساسية في الكيان وهي الجبهة الداخلية، التي بحسب رأيه ستتحوَّل في أي حرب قادمة إلى جبهة القتال الأساسية بكل ما تعنيه الكلمة. ورأى فيلنائي في دراسة أجراها حول المخاطر الإستراتيجية المحدقة بالدولة العبرية العام 2011، أن 40% فقط من الجبهة الداخلية واقع تحت الحماية والباقي ما يزال مكشوفًا تمامًا.
واعتبر فيلنائي أن التهديدات التي تخضع لها جبهة إسرائيل الداخلية إنما تكمن في الأساس في الصواريخ المنحنية المسار والصواريخ البالستية القادرة على إصابة كل الأهداف المدنية وغير المدنية في إسرائيل والتي ممكن تزويدها رؤوسًا مختلفة الأنواع والأحجام. وقد تحوَّل تهديد هذه الصواريخ بالتالي، إلى جانب العمليات الفدائية التي يمكن تنفيذها في الداخل، إلى تهديد إستراتيجي بكل معنى الكلمة لأن أعداء الدولة العبرية على حد قوله «يدركون تمامًا أنهم لا يقدرون على الانتصار على الجيش الإسرائيلي في ساحة المعركة، وبالتالي فإنهم سيعملون على حسم المعركة عن طريق الجبهة الداخلية التي ستتعرَّض لضربات كبيرة وخطيرة ما سيؤثر على سير المعارك وعلى آلية حساب نتائج الحرب».
واعتبرت جهات أمنية إسرائيلية مسؤولة أنه في الجيش معروف من هو القائد ومن هي الوحدات ومن هو مسؤول عنها، في حين أن الأمور في الجبهة الداخلية لم تحدد حتى الآن. ومن هنا جاء القرار بتشكيل الجبهة الداخلية في الجيش لكن مع استمرار وجود عدم وضوح في هذه الجبهة حتى الآن، خصوصًا بسبب النقص في الميزانيات.
صحيفة «هآرتس»، من ناحيتها، شكَّكت في جهوزية كيان العدو لحماية جبهته الداخلية من صواريخ المقاومة وصواريخ دول الممانعة خصوصًا إيران وسوريا في حال اندلاع حرب إقليمية، وأكَّدت أن المسار من أجل تحقيق ذلك ما يزال طويلاً. وسخر المعلِّق العسكري في هذه الصحيفة الصهيونية عاموس هارئيل في تقرير له من محاولة تضخيم إعلام العدو من جدوى منظومة «القبة الفولاذية» وقال في تقريره هازئًا: «بيان مهم صادر عن الحكومة الإسرائيلية وموجَّه الى كل من ايران وحزب الله وحماس: نرجو منكم تأجيل كل نواياكم في شن حرب لمدة ثلاث سنوات، فنحن نعمل على توزيع أقنعة للسكان في الأشهر الـ 36 المقبلة»، وأضاف بالسخرية نفسها: «إن أخبار آخر أسبوع كانت إيجابية إذ نشرت المؤسسة الأمنية تقديرات متفائلة تتعلَّق بإحراز تقدم ملحوظ في تطوير منظومة القبة الفولاذية لاعتراض الصواريخ وهي أنباء تشير إلى إمكان تزويد الجيش الإسرائيلي أول بطارية من هذه المنظومة لحماية مدينة سديروت مقابل قطاع غزة في شهر أيار من العام المقبل، فيما أقرَّ المجلس الوزاري المصغَّر بتمويل مشروع توزيع أقنعة واقية على الإسرائيليين بدءًا من الشهر المقبل». وبحسب الكاتب فإن هذه الخطوات مهمة وضرورية لتحسين قدرة دفاع إسرائيل عن مواطنيها... إلا أن نشر مثل هذه البطاريات في القرى والحدود الشمالية (مع لبنان) يتطلَّب عامًا كاملاً ووفق سرعة التوزيع المخطَّط له فإن استكمال التجهيز سيستغرق ثلاثة أعوام بعد بدء المشروع.
في المقابل رأى الكاتب أن الجيش الإسرائيلي ما يزال يراهن على الدمج بين الهجوم الجوي والعمليات البرية التي تشمل احتلال مناطق في محاولة منه لإيجاد رد على تهديد الصواريخ. وإذا فشلت هذه الإجراءات فإن الجبهة الداخلية الإسرائيلية بحسب هارئيل ستتعرَّض لضربات مكثفة في أي مواجهة مقبلة، وسيكون من الصعب على إسرائيل مرة أخرى التوصُّل إلى حسم المعركة وإحراز ما يشبه النصر على أعدائها، فالأمر بات متوقفًا على قدرة صمود الإسرائيليين لفترة طويلة وعلى توزيع الموارد توزيعًا محكمًا، في حين لا يبدو أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية ستكون على استعداد لمواجهة حرب متواصلة وذلك بسبب وجود «فجوات كبيرة في التجهيزات وفي قدرة السيطرة والرقابة المتعلقة بمؤسسات الإنقاذ والطوارئ واستعدادات السلطات المحليَّة».
وقد نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» استطلاعًا جاء فيه أن 59% من المستطلعين يرون أن بلادهم تمرّ في فترة عصيبة، وأن 43% يشعرون بأن أمنهم قد تضعضع بصورة كبيرة، ورأى 57% أنه ليس في الأفق شخصيات جديدة جديرة بمنصب رئاسة الحكومة.