- En
- Fr
- عربي
باختصار
مرّ بنا استحقاق صعب منذ أيام، لم يكن منفرداً على الإطلاق، فاستحقاقاتنا مميَّزة ولا تشبه استحقاقات أحد، وهي تتوالى وتتتابع، وما من واحد فيها إلاّ ويرتبط بالآخر. الاستحقاق يتبع رفيقه وسليله وابن عشيرته، والمجموع سلسلة طويلة نتمنَّى من الأعماق أن تنتهي. سلسلة لا نعرف بدايتها. أتينا إلى الحياة وكانت أمامنا شواهد على صخور هذا الوطن، وثمارًا شوكية على غصون أشجاره، إنها لا تحترق حتى وإن دبَّت الحرائق في الغابة من أقصاها إلى أقصاها، في الطول وفي العرض وفي كل اتجاه.
كانت الأوامر للوحدات العسكرية في معالجة أخطار الاستحقاق المذكور، التزام التنشئة العسكرية التي درّبت عناصرها على مبادئها منذ اليوم الأول للخدمة في الجيش، ونجحت. كانت الأوامر: هؤلاء أخوة لكم وأخوات، وهؤلاء أهلكم. أنتم وهؤلاء أبناء وطن واحد، يظلِّلكم علم واحد، وتشربون من نبع واحد، وتبذلون الجهد والعرق في حقل واحد، وأمس واليوم وغدًا، تضحّون بالدم الواحد في مواجهة العدو الواحد: إسرائيل. كانت الأوامر: أنتم بين أهلكم، أيها الجنود اعتمدوا شجاعتكم وشدة بأسكم وقدرتكم على الصبر والتحمل والانتظار، ومآثركم في التضحية والتسامح، وتمرُّسكم على المؤالفة ما بين المحبة والقساوة، وعالجوا الأمر. لا تنسوا أنكم في بلد ديموقراطي يضع حرية التعبير في رأس الأولويات، وأنتم بالمقابل في بلد يحتاج الى الأمن والاستقرار كي ينهض وينطلق سريعًا نحو الأمام. تلقّوا الضربات بصدوركم ولا تدعوا للدم مكانًا يظهر فيه. إحفظوا الدم في شرايين القلوب، واضبطوا المشاعر الغاضبة.
هكذا احتضن الجيش الوطن، ورعى أبناءه، وما أحلاها شهادات ارتفعت من هنا ومن هناك، من داخل ومن خارج، عن جنود مؤسسة الشرف والتضحية... لقد رأينا هؤلاء عبر شاشات التلفزة، ورأينا صورهم على صفحات الجرائد، بالهندام القانوني، ومع السلاح تحمله الزنود السمر، وهم يستخدمون رموش العيون في المحافظة على كل شيء، وينجحون.
لو كان الأمر في مواجهة أعداء، لقلنا بطولة. ولو كان ضد خصوم، لقلنا انتصارًا. لكن لا، مع ما جرى نقول هذه عقلانية، وهذه وحدة مثالية يحق لنا أن نتغنَّى بها، وأن نشير إلى إنها أساس وحدة الوطن. وهذه منهجية في معاملة المواطنين كأسنان المشط، والمشط هو شبيه الأوراق الصغيرة في شلوح الأرز، التي تزين شعرها قصيرًا متوازيًا حادًا منذ البداية، بالطريقة عينها التي يعتمدها جنود لبنان، ولا يخطئون، لا بل ينجحون.