- En
- Fr
- عربي
البعد العربي - الاسرائيلي في الصراع الهندي الباكستاني: ملامح ناتو اسيوي
يندرج البحث في البعد العربي الإسرائيلي في الصراع الهندي الباكستاني، ضمن البحث في الاستراتيجية الإسرائيلية الهادفة إلى تطويق الشرق الأوسط، والمرتبطة بشكل أو بآخر بعملية التوازن في العلاقات بين الدول في هذه المنطقة، والتي يتأثر جوهرها وأهدافها وفعاليتها بالعلاقات مع الدول الكبرى وخصوصاً الولايات المتحدة، وذلك ضمن الحسابات الجيوستراتيجية التي تجريها إسرائيل بصورة متواصلة ومتجددة بهدف إحكام قبضتها، كدولة إقليمية عظمى، على مدخلات ومخرجات النظام الشرق أوسطي برمته
ففي أعقاب التطورات الدراماتيكية التي شهدها العالم والمنطقة في السنوات الخمس عشرة الماضية بنوع خاص، استطاعت إسرائيل أن تحقق، بأسلوبها الانتهازي البارع، العديد من المكاسب الضخمة، سواء لجهة فك عزلتها السياسية وتوسيع دائرة علاقاتها الدولية مع العديد من دول أوروبا الشرقية وأفريقيا وآسيا، أو لجهة بناء قواعد جيوستراتيجية وجيواقتصادية ضخمة وبالغة الأهمية ترتكز عليها مصالحها الحيوية بعيدة المدى ودورها في لعبة التوازنات الإقليمية والدولية وما من شك في أن الهند مثلت ضمن هذه الحسابات هدفاً رئيساً للتحركات الإسرائيلية في آسيا: أولاً بسبب مكانتها البارزة في كتلة عدم الانحياز، وثانياً بسبب طاقاتها الديموغرافية الهائلة التي تصل الى اكثر من 800 مليون نسمة
في هذا البحث سنحاول إلقاء الضوء على التنافس العربي الإسرائيلي على الهند، وانفتاحه بالتالي على حسابات الصراع الهندية الباكستانية، في وقت يشهد فيه العالم العربي، حالة من التراجع الخطير، على مستوى الوزن والأهمية في المجالين الإقليمي والدولي، سعياً وراء رفع سوية الاهتمام والإحساس بالمسؤولية الوطنية والقومية والحضارية
البعد العربي
سبق للهند أن وقفت موقفاً تاريخياً واضحاً من القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي. فهي منذ نيلها الاستقلال في نيسان 1947، وحتى قبل ذلك، انتهجت سياسة الحركة الوطنية الهندية المعادية للصهيونية.وكان المهاتما غاندي زعيم الاستقلال قد أبدى في ذلك الوقت انكاره للحركة الصهيونية وتطلعاتها لاقامة دولة يهودية في فلسطين، لأنه اعتبر ذلك طعناً بالحقوق العربية والشرعية الدولية.وكان موقفه واضحاً وحازماً من خلال خطابه التاريخي الذي ألقاه في 26/11/1938 وقال فيه”:إن فلسطين هي ملك للعرب مثلما هي بريطانيا ملك للبريطانيين … وأنه من الخطأ واللاإنسانية فرض اليهود على العرب، وما يدور الآن في فلسطين لا يبرره أي قانون ([1])”
لقد تطورت العلاقات الهندية العربية عبر سنوات طويلة منذ فجر التاريخ. وقامت تلك العلاقات على التبادل الثقافي والهجرات وحركة السكان فضلاً عن التبادل التجاري. ويشير العديد من المؤلفات والمراجع التاريخية الى اتصالات واسعة قامت بين منطقة الخليج العربي واليمن ومصر من ناحية، والهند من ناحية اخرى. واستمرت تلك الصلات والعلاقات في العصر الإسلامي وفي ظل الاستعمار البريطاني الذي كانت طرق مواصلاته للهند من ابرز القضايا التي أصبحت قاسماً مشتركا لحركات التحرر الوطني في الهند والعالم العربي.
وتميزت العلاقات العربية الهندية عبر التاريخ بعدة مميزات أساسية، من أهمها اقتراب المسافة الحضارية بين المنطقتين، فتأثر العرب بالحضارة الهندية، وتأثرت الهند بالحضارة العربية والإسلامية حيث استوعبت العديد من الآثار الإسلامية الخالدة، مثل تاج محل وقطب منار التي رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون أثناء زيارته الأخيرة للهند الذهاب إليها فقط لكونها آثاراً إسلامية. ومن هذه المميزات أيضا عدم التجاور الجغرافي المباشر بين العرب والهند مما جعل العلاقات بين الطرفين خالية من المشاكل الحدودية الإقليمية. ومنذ القرن التاسع عشر وصولاً إلى اليوم، قامت وحدة نضالية عربية هندية ضد الاستعمار الأوروبي ولاسيما البريطاني.
وعندما تحرك الرئيس الهندي جواهر لال نهرو في النصف الاول من القرن العشرين لتجميع الدول الآسيوية، في إطار التنسيق النضالي، صدرت تعبيرات عن تلك المؤتمرات الآسيوية، تؤيد نضال الشعوب العربية وتطلعها نحو الحرية والاستقلال? وبرز اكثر الاتصالات تأثيراً في النصف الثاني من القرن العشرين، عندما تلاقت الحركة القومية العربية بزعامة الرئيس المصري جمال عبد الناصر مع نظيرتها الهندية بزعامة نهرو في إطار التجمع الافروآسيوي في باندونغ في نيسان.1955 وأدى التعاون والتفاهم الفكري بين الطرفين الى بلورة سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، وهي السياسة التي عبرت عن رغبة الدول حديثة الاستقلال في الحفاظ على استقلالها وحريتها وحرصها على العمل من اجل السلام الدولي، ورفض سياسة الأحلاف والتكتلات، التي كانت تهدد العالم بكارثة نووية في أواخر الخمسينات والستينات في ذروة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. وما من شك بالتالي في أن حركة عدم الانحياز أوجدت رابطة قوية في العلاقات الهندية العربية.
الجدير بالملاحظة في هذا السياق أن سياسة عدم الانحياز خدمت القضايا والمصالح العربية في التحرر من الاستعمار، كما أفادت الهند في العديد من المجالات? وعلى الرغم من الخلافات العربية العربية على أرضية الصراع الأميركي السوفياتي أثناء الحرب الباردة، فإن العلاقات مع الهند لم تتأثر سلباً، بعكس العلاقات مع باكستان، التي أصبحت موضع نقد من القوى العربية الثورية، لانضمامها إلى سياسة الأحلاف العسكرية ومن أبرزها حلف بغداد.
وفي ما يتعلق بقضية كشمير التي خلفها الاستعمار البريطاني كصاعق تفجير إسلامي هندوكي، فإن العرب كان لهم ثلاثة أنواع من المواقف السياسية المختلفة :([2])
1- موقف عربي أكثر تعاطفاً مع وجهة النظر الباكستانية، وكان ذلك هو موقف المملكة العربية السعودية والى حد ما اليمن ودول الخليج والأردن، وهو يدعو الى تنفيذ قرار الأمم المتحدة بخصوص كشمير، وهذا معناه بصورة ضمنية المطالبة بإجراء استفتاء شعبي عام.
2- موقف عربي أكثر حياداً، وتمثل في موقف دول مثل مصر وسوريا والعراق تمشيا مع دعوة تلك الدول لاحترام سيادة الدول الأخرى، ومع مواقف عدم الانحياز والفكر العلماني الرافض لمفهوم الربط بين الدولة والدين.
3- موقف عربي متوازن تجلى في حالتين:
أ- رداً على تدمير بعض المساجد مثل مسجد بابري عام 1992 في ايودا ومسجد مزار شريف عام 1995 في كشمير الهندية. وفي هذا المجال شجب بعض الدول العربية ومنها مصر والسعودية هذا التصرف، وطالب الهند بحماية المقدسات والمساجد والآثار الإسلامية، ودعا لتسوية المشاكل بين الهند وباكستان سلمياً.
ب - قرارات منظمة المؤتمر الإسلامي وقد حوت تناقضات، فطالبت بتسوية المشاكل بين الهند وباكستان سلمياً بما في ذلك مشكلة كشمير وفقاً لقرارات الأمم المتحدة واتفاقية سملا. الا ان قرارات الأمم المتحدة تنص على الاستفتاء أي التدويل، أما اتفاقية سملا فترى حل المشاكل ثنائياً.
وبالنسبة لموقف الهند من الصراع العربي الإسرائيلي فانها التزمت ما يشبه الحياد، خصوصاً اثر توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1978 واتفاقية الصلح المنفرد عام 1979، وهو حياد له نزعة الاقتراب من الموقف العربي المعارض لمصر السادات، الأمر الذي أدى الى فتور العلاقات بين البلدين. وكانت دوافع الهند لاتخاذ هذا الموقف تنبع من حرصها على علاقاتها المتنامية مع الدول العربية البترولية ولاسيما العراق، سواء في مجال الحصول على البترول أو الاستثمارات أو العمالة والتجارة، فضلاً عن تأثير الاتحاد السوفياتي في مرحلة استمرارية وجود الحرب الباردة.
وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية بالذات نجد انه عندما طلبت بريطانيا ادراج قضية فلسطين على جدول أعمال الأمم المتحدة في 2 نيسان 1947، ومن ثم قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة تشكيل لجنة خاصة من 11 دولة من بينها الهند، لدراسة الموقف واستقصاء جميع جوانب المشكلة في فلسطين، أكد الوفد الهندي في اللجنة على موقف بلاده في أن اليهود لم يتعرضوا لأي اضطهاد في الهند عبر تاريخها، وأن مشكلة فلسطين يجب حلها بين العرب واليهود بطريقة ودية، وأن الدين ليس أساساً لبناء دولة .([3])
إلا أن السياسة الدولية المستندة إلى القوة لم تستمع إلى الحكمة الهندية، وفي مرحلة لاحقة أعلنت الهند أن السلام في فلسطين والشرق الأوسط يمثل أهمية حيوية للهند، نتيجة الجوار الجيوسياسي، وأن المشكلة الأساسية هي إنهاء الانتداب، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وأن فلسطين بلد ذو أغلبية عربية، وان هذا يجب ألاّ يتغير ضد مصلحة العرب، وعندما تصبح فلسطين دولة مستقلة، يمكن أن يحصل اليهود على استقلال ذاتي كبير في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية، وأن الهند نفسها عانت من الوعود المتضاربة للقوة الاستعمارية التي كانت تحكمها، ومن هنا فلا يمكنها إلا أن تتعاطف مع الموقف العربي.
وما من شك في أن تحليل هذا الموقف الهندي المعتدل في بداية نشأة الدولة اليهودية المستقلة يزودنا بمفاتيح هامة، ليس فقط لفهم القضية الفلسطينية، بل لفهم مشكلة الهند وعلاقاتها مع باكستان، وعلاقاتها مع العالم العربي، وفي هذا المجال يمكن الإشارة الى نقطتين بارزتين:
أ- إن موقف الهند من قضية فلسطين كما برز منذ البداية، وتطور عبر ما يقرب من نصف قرن، أي حتى إقامة علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل عام 1992، استند لرفض مفهوم الدين كأساس للدولة، كما استند لفلسفة الهند وتجربتها، وللتعبير عن مصالحها في العالم العربي بنظرة ثاقبة وعقلانية.
ب- إن ما عبرت عنه الهند من مقولات في الأمم المتحدة كان يمثل فلسفة حزب المؤتمر الهندي. وسياسته هي سياسة تصالحيه بين مختلف الأديان في الهند والعالم.
صحيح أن الهند وفي أعقاب جهود ووساطات عالمية كثيرة اعترفت رسمياً بإسرائيل )في / 17أيلول عام (1950 إلا أنها رفضت في حينه إقامة العلاقات الديبلوماسية الكاملة معها.
ولكن منذ عام 1951 سمح لإسرائيل بتعيين ممثل تجاري لها في بومباي، وبعد فترة وجيزة تم تعيين قنصل شرف، ثم قام مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية وولترايتان بزيارة خاصة للهند في آذار1952 واجتمع مع جواهر لال نهرو وزعماء آخرين، وبعد المحادثات تم الاتفاق على تشكيل بعثة ديبلوماسية هندية في إسرائيل. إلا أنه اثر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 صرح مندوب الهند أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بقوله? ?إن قانون الغاب قد سلط على مصر وشعبها بدلاً من قانون السلام وقانون الشعوب كما عبر عنه ميثاق الأمم المتحدة.([4])”
وهكذا كانت الهند خلال فترات تصاعد واحتدام الصراع العربي الإسرائيلي، تتحدث باستمرار ضد إسرائيل في الأمم المتحدة والمؤتمرات الدولية، وفي كثير من الأحيان تم حظر دخول المندوبين الإسرائيليين إلى المؤتمرات الدولية التي كانت تعقد في الهند.
ويعود موقف الهند السلبي من إسرائيل الى أسباب عدة أهمها([5]):
كون الهند دولة رائدة في كتلة دول عدم الانحياز التي تحتل الدول العربية مكاناً فيها، وانتهاج الكتلة سياسة مناهضة للإمبريالية والصهيونية.
تحييد التهديد الباكستاني للهند عن طريق تطوير العلاقات مع الدول العربية ونصرة قضاياهم المصيرية، وذلك من خلال الاعتقاد بأن الضغوط العربية ستساعد على تليين الموقف الباكستاني.
مصلحة الهند الحيوية تقضي بالحفاظ على ولاء السكان المسلمين، خصوصاً في مقاطعة كشمير المتنازع عليها مع باكستان، والذين يشكلون الآن نحو 11% من عدد السكان.
تأثير المسلمين المستمر على الصعيدين السياسي والحزبي في الهند أجبر السلطات في نيودلهي على اتخاذ مواقف متشددة وموالية للعرب.
العلاقات التجارية الهامة مع الدول العربية واحتياجات الهند الكبيرة للنفط.
الجالية الهندية الكبيرة المنتشرة في منطقة الخليج العربي
البعد الإسرائيلي
عندما بدأ حزب المؤتمر الحاكم في الهند بالانهيار التدريجي، وبدأت تحكم البلاد حكومات ضعيفة، استطاعت إسرائيل، ونتيجة للخلافات العرقية والمذهبية، أن توجد كتلة في البرلمان الهندي من مختلف الأحزاب أطلق عليها اسم” أصدقاء إسرائيل في البرلمان.” وأثارت هذه الجماعة موضوع إقامة العلاقات الديبلوماسية الكاملة مع إسرائيل. كذلك طالبت الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل حزب “جانسنغ” المعارض و “سواتنترا” الهندوكي الذي يعتبر من أكثر الأحزاب اليمينية تطرفاً، بالاعتراف رسمياً بإسرائيل وإقامة العلاقات الكاملة معها. وقد بدأت محاولات عديدة لزيادة النشاط الاقتصادي والتجاري بين الجانبين في الستينات والسبعينات. وبلغ هذا النشاط مستويات عالية في الثمانينات في ظل حكم راجيف غاندي. واثر تطبيع العلاقات بين البلدين في مطلع التسعينات شمل التعاون المشترك مختلف المجالات العسكرية والعلمية والتكنولوجية والزراعية، إلى السياحة والطيران، وذلك لأسباب عدة أهمها:
الأزمة الاقتصادية الحادة التي اجتاحت الهند ودفعتها الى طرق أبواب الولايات المتحدة. والهنود مثل الصينيين يصدقون المقولة القائلة بأن الطريق الى بورصة نيويورك يمر عبر القدس وعن طريق اللوبي الصهيوني.
جهود باكستان النووية )تعني القنبلة الإسلامية( واعتبار من مصلحة الطرفين مواجهة هذا الخطر.
الوضع العربي العام المتدهور والمفكك اثر انطلاق العملية السلمية في المنطقة، واثر مؤتمر مدريد عام 1994 ثم اتفاق أوسلو 1993 واتفاق وادي عربة .1994
وضع الهند في القارة الآسيوية )الخلافات مع الصين وباكستان( الذي يحتم عليها أن تكون أحد رموز المعادلة الصعبة في النظام العالمي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة.
سقوط الاتحاد السوفياتي الذي كان يشكل السند الأساسي للهند مما أحدث تغييراً أساسياً في سياستها الخارجية.
زوال “الحياء الثوري” الذي كان يغلف السياسة الهندية أثناء قيادتها لحركة عدم الانحياز، لاسيما بعد توقيع مصر، أكبر دولة عربية، اتفاق الصلح المنفرد مع إسرائيل عام 1979، مما جعل الهنود يندفعون لدعم علاقاتهم مع الدولة العبرية، فقامت رئيسة الوزراء أنديرا غاندي بزيارة للمعبد اليهودي “الكنيس” في بومباي حيث يوجد بضعة آلاف من اليهود الهنود، وذلك تحت غطاء علمانية الدولة، والمساواة بين الطوائف .([6])
التوتر المتفاقم في العلاقات الهندية الباكستانية بسبب قضية كشمير، التي تمثل في العقل السياسي الهندي القضية الجوهرية الأولى، خصوصاً وان باكستان برعت في استخدام هويتها الإسلامية ونجحت في توظيفها لخدمة أهدافها السياسية والعسكرية والقومية بل والاقتصادية في مواجهة الهند التي يعيش فيها أكثر من مائة مليون مسلم يعانون من التمييز والأوضاع المزرية، ومن هنا التقت المشاعر والتصورات نفسها بين الهند وإسرائيل لجهة العمل الموحد والمشترك لمواجهة “الأخطار” العربية والإسلامية المضخمة، فضلاً عن ان الذاكرة الهندوكية لا تنسى أبداً أن الإسلام، حسب تفسيرها، هو الذي فتت القارة الهندية الى دول ثلاث هي الهند وباكستان وبنغلادش. ولعل التفجيرات والتجارب المتتالية للدولتين قرب نهاية القرن العشرين تشكل دلالة على حدة الصراع وقوته والعوامل النفسية المحيطة به والضغوط الشعبية الداعية إليه في البلدين.
التزام السياسة الخارجية الإسرائيلية بتثبيت مكانة إسرائيل على المسرح الدولي والمساهمة في تثبيت وضمان وجودها ودعم اقتصادها وتسليحها وتبرير سياساتها العدوانية ضد العرب والفلسطينيين، باستغلال الأحداث والتطورات المأساوية التي حصلت في الساحة العربية والفلسطينية منذ غزو العراق للكويت عام 1990 وما تلاه من تداعيات ومصائب.
السعي الإسرائيلي الدؤوب لتأجيج الصراع الديني الدائر بين الهند وباكستان حول قضية كشمير ذات الأغلبية المسلمة، بهدف نشر أجواء متفاقمة ومتصاعدة من النزاع، يتضاءل معها الاهتمام بشؤون المنطقة العربية والصراع العربي الفلسطيني الدائر فيها، إضافة إلى العديد من الأهداف الأخرى التي تسعى إليها إسرائيل لزيادة نفوذها وحضورها الجيو ستراتيجي في شرق وشمال آسيا.
أحداث الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة وما تبعها من دعم أميركي متزايد للمحور الإسرائيليالهندي، في ضوء تبلور استراتيجية أمريكية هجومية ضد ما يسمى “الإرهاب الإسلامي والعربي” وما تبع ذلك من احتلال أميركي لأفغانستان ودخول على هذا الخط سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً لجهة تطويق كلٍ من إيران وباكستان وما تمثلانه من أخطار على المصالح الإسرائيلية اثر امتلاكهما قدرات صاروخية متطورة، الأمر الذي استغلته إسرائيل لإقامة محطات تجسس إلكتروني واستطلاع لاسلكي وراداري من محطات أرضية قريبة من شرق إيران ومن شمال باكستان، إلى جانب ما يمكن أن يشكله الوجود العسكري الإسرائيلي المباشر، تحت ستار المساعدة في بناء الجيش الأفغاني، من فرص تنفيذ عمليات تخريب بنى تحتية أو توجيه ضربات جوية عند اللزوم ضد منشآت استراتيجية حيوية في كل من إيران وباكستان .([7])
بعد زيارة لإسرائيل كتب باوغاونكار، رئيس تحرير أهم صحيفة هندية تصدر باللغة الإنكليزية”تايمز أوف إنديا” افتتاحية عبّر فيها عن الاهداف المشتركة بين تل أبيب ونيودلهي واختصرها في ما يلي:
1- ان للبلدين مصلحة مشتركة في التعاون لمواجهة الأصولية الإسلامية، وهو شعار يلقى الصدى المستحب في نفس السياسيين الهنود، خصوصاً زعماء التطرف الهندوسي الذين طالبوا دائماً بإقامة علاقات كاملة مع إسرائيل. ولا يخفي هؤلاء إعجابهم بطرد إسرائيل للفلسطينيين وتحديها الشعوب العربية على رغم صغر مساحتها وقلة عدد أفرادها.
2- ترى إسرائيل أن باستطاعتها تجنيد الهند للإسهام في مساعدة مخططاتها البعيدة المدى في احتواء المد الإسلامي الأصولي وتوجيه العالم الإسلامي نحو اعتماد سياسة معتدلة يقبل بها الغرب وترضى عنها إسرائيل .([8])
وفي افتتاحية ثانية 5) آذار (1993 كتب بادغاونكار يقول نقلاً عن اسحق رابين، )رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق:( “إن إسرائيل مستعدة للتعاون مع الهند في مجال الدفاع، وأن أكبر خطر يهدد إسرائيل والهند يتمثل في الأصولية الإسلامية، وأن حكومتي تحاول جاهدة تطويق هذا الخطر.” ولم يكتف رابين بهذا القدر من التعاون بل أشار إلى أهمية دور الهند في وقف انتشار الأصولية الإسلامية التي تدعمها وتغذيها باكستان. كما طالب بضرورة تعاون الهند مع تركيا وإسرائيل بهدف دفع أسيا الوسطى نحو اعتماد الديموقراطية سبيلاً لإقامة سوق حرة ونظام سياسي علماني. وشدد رابين في حينه على أهمية وضرورة امتلاك الهند وإسرائيل السلاح النووي، وضرورة العمل لمنع باكستان وإيران والعراق ومصر وليبيا وسوريا والجزائر من امتلاكه .([9])
وعلى الرغم من أن وصول حكومة “إسلامية” إلى السلطة في تركيا ساهم في انفتاح تركي على بعض العالم العربي والإسلامي، إلا أن بوصلة الحركة التركية الإقليمية والدولية ما لبثت أن انعكست ارتداداً نسبياً عن هذا التوجه الجديد، إذ انقطع التنسيق مع إيران، واجتمع رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان مع شمعون بيرس زعيم حزب العمل الإسرائيلي. واتجهت الحكومة التركية للمشاركة في احتلال العراق خارج الشرعية الدولية. هذا في حين أن العلاقات العسكرية بين أنقره وتل أبيب لم تتراجع، بل قام رئيس الأركان التركي حلمي أوزكوك بزيارة لإسرائيل، ولا تزال تركيا تفضل الشركات الإسرائيلية في المناقصات العسكرية التي تجري، رغم بعض الفضائح في هذا المجال.([10])
هذه الحركة الإسرائيلية الهندية والهندية التركية والتركية الإسرائيلية، دفعت العديد من المتابعين في أنقره للحديث عن ملامح ظهور محور تركيهنديإسرائيلي يستكمل المحور الهندي الإسرائيلي الجديد والمحور السابق الذي قام عام 1996 بين تركيا وإسرائيل.
ويرى هؤلاء أن الولايات المتحدة تدفع في اتجاه بلورة مثل هذا المحور ليكون نواة ل “ناتو” آسيوي، يضع القارة الآسيوية تحت الهيمنة الأميركية، ويحقق لواشنطن السيطرة على مصادر الطاقة والثروات الطبيعية الأخرى، وكذلك لمواجهة ما تسميه “التهديدات الإرهابية.”
وقد لا تكون الظروف مؤاتية بعد للإعلان الرسمي عن هذا المحور المحتمل، لأن الرأي العام الهندي لا يزال يحمل حساسية معادية للأميركيين. وتحت ضغطه ترفض الهند حتى الآن إرسال قوات إلى العراق إلا في إطار الأمم المتحدة. كما أن وجود مائتي مليون مسلم في الهند يشكل عاملاً ضاغطاً آخر للابتعاد عن سياسة التطرف .([11])
إسرائيل من جهتها تكشف عن جوهر علاقتها مع الهند؛ فبالإضافة الى كون هذه الأخيرة تشكل سوقاً عسكرية لبيع إنتاجها من الأسلحة والأجهزة الإلكترونية التي كان آخرها صفقة طائرات الآواكس أو الفالكون الخاصة بالاستطلاع والتجسس، وإلى كونها سوقاً تجارية واستهلاكية ضخمة تقدر بنحو مليار نسمة، فانها أي إسرائيل تتجه لتسخير الهند في مواجهة دول معادية بعيدة عنها، على قاعدة تفاهم استراتيجي حول التشابه الجيو سياسي بين الطرفين المحاطين حسب الرؤية الإسرائيلية بدول قوية ومعادية.
وليس خافياً أن المصلحة والحسابات الأمنية تبقى القضية الأبرز التي تحكم الرغبة الإسرائيلية في تطوير علاقاتها مع الهند، حيث تشير الصحافة الإسرائيلية إلى تعاون على ثلاثة صعد في هذا المجال هي: التعاون الاستخباراتي العسكري السياسي مع الموساد، استطلاع إمكانيات جمع معلومات في المجال النووي عن باكستان ودول إسلامية أو عربية أخرى والتعاون في مجال بيع وتطوير الأسلحة والمعدات العسكرية سعياً وراء تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقلالية لدى الطرفين على صعيد تطوير التقنيات العسكرية .([12])
ولا تتوقف المصلحة الإسرائيلية في علاقتها مع الهند على القضايا الأمنية والعسكرية والجيو ستراتيجية، بل تتعداها إلى قضايا سياسية تخدم سياسة إسرائيل الخارجية، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة التسوية مع الدول العربية والفلسطينيين. وفي هذا المجال يقول آمر سلاح الجو الاحتياطي ومدير معهد الدراسات العسكرية جاسجيت سينف إنه يجب ألا يهمّش دور الهند في مسيرة السلام الفلسطينيةالإسرائيلية لأن بإمكان الهند استخدام علاقاتها الجيدة مع الفلسطينيين في الوساطة ويضيف ”:لقد كان من الخطأ عدم استثمار العلاقات بين الهند والفلسطينيين بصورة كافية.([13])”
علامات فارقة وخطيرة
توقع العديد من المراقبين أن تشهد سياسة الهند الخارجية في عهد رئيس وزراء الهند آتال بيهاري، زعيم حزب بهاراتيا جاناتا القومي المتطرف، متغيرات خطيرة على ضوء الشعار الذي رفعه “أمةً واحدة وثقافة واحدة” أو شعار “القنبلة النووية الهندوسية في ترسانة الهند.” وكان من المنطقي أن يثير طرح مثل هذه الشعارات الاستفزازية حفيظة باكستان التي شعرت بأنها وحدها المعنية بهذا التحدي الكبير، خصوصاً وأن برامج تطوير الصواريخ الهندية البعيدة المدى تستوعب إدخال الرؤوس النووية. وبما أن باكستان هي الجارة الوحيدة التي بقيت خلافاتها قائمة مع الهند، فإن التفجير النووي الهندي كان المؤشر لبداية نزاع إقليمي ذي مضاعفات خطيرة. ومع أن الولايات المتحدة ضغطت على باكستان لكي تمتنع عن القيام بخطوة مماثلة، إلا أن رئيس الوزراء نواز شريف لم يستطع مقاومة التيار الشعبي الجارف، فإذا به يعلن عن خمس تجارب تفجير نووية، مع تأكيده على استعداده لتوقيع معاهدة حظر التجارب النووية.
وتتهم الدول الأوروبية الإدارة الأميركية بأنها هي التي شجعت على هذا الفلتان النووي عندما أعلن الرئيس كلينتون عام 1996 السماح لإسرائيل بشراء أجهزة السوبر كومبيوتر التي تستخدم لتصميم أسلحة نووية وهيدروجينية، علماً بأن الرئيس الأسبق جورج بوش الأب كان رفض تصدير مثل هذا الجهاز إلى مؤسسة السلاح النووي الإسرائيلية في “ديمونا.”
في المقابل أعربت مصر عن استيائها من قرار الرئيس كلينتون لأنه يناقض التزام الولايات المتحدة المنصوص عليه في المادة الأولى من معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي. وتقول تلك المادة “إن الولايات المتحدة لن تقوم في أي شكل من الأشكال بمساعدة أو تشجيع أو تحريض أي دولة غير نووية على صنع أو حيازة الأسلحة النووية” .([14]) والملاحظ أن إسرائيل في نظر واشنطن تعتبر دولة غير نووية رغم أنها لم تسمح بالكشف على مفاعل ديمونا، ورغم أن سلاحها النووي ظهر بعد عقد المعاهدة الموقعة عام 1968
وكتبت صحيفة “جويش كرونيكل” التي تصدر في لندن في شهر أيار 1998 أن عميل الموساد فيكتور أوستروفسكي رافق عام 1984 وفداً من الخبراء الهنود جاء إلى إسرائيل لتبادل معلومات حول القنبلة النووية. وأشارت أيضاً إلى الاستعدادات التي قامت بها إسرائيل عام 1988 لضرب المفعل النووي الباكستاني، مثلما فعلت مع العراق عام .1981 إلا أن الحكومة الهندية تخوفت في حينه من النتائج السلبية التي يمكن أن يحدثها هذا العمل، خصوصاً أن الجيش الإسرائيلي طلب استخدام قاعدة عسكرية هندية كمحطة انطلاق للطائرات المغيرة، وتوقعت الهند فيما لو ساعدت هذه العملية، أن تثار باكستان وتوجه ضربتها إلى مصافي النفط والمصانع الحربية الهندية بما فيها المفاعل النووي. وذكر في حينه ان الحكومة الباكستانية وسّطت مصر لكي تحذر إسرائيل من مخاطر انعكاسات هذه الاعتداءات على الشارع الإسلامي.
وكتب المعلق الإسرائيلي “زئيف شيف” في صحيفة هآرتس محذراً رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، نتنياهو، من الانخراط في مهرجان التفجيرات، قائلاً إن القنابل النووية لن تخيف المقاومة الإسلامية.
وقد حاولت إسرائيل من جهتها نفي الأنباء والمعلومات المنشورة في الصحافة العالمية عن تعاونها مع الهند في المجال النووي، وألغى رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق الجنرال في الاحتياط آمنون شاحاك زيارة رسمية كان يستعد للقيام بها الى الهند عام 1998 خشية ان تفسر خطوته هذه كتأييد اسرائيلي لموقف الهند في موضوع التجارب النووية مما يورط إسرائيل في مواجهة مع سياسة الولايات المتحدة والصين وباكستان .([15])
وعلى الرغم من النفي فان باكستان أجرت هي الأخرى تجاربها النووية الناجحة رداً على التجارب الهندية، متحدية التعاون السري النووي القائم بين إسرائيل والهند? وقالت باكستان: “ان التجربتين الأخيرتين من التجارب الخمس التي نفذتها الهند كانت تجارب نووية إسرائيلية. ([16])” وقال جوهر أيوب خان وزير الخارجية الباكستاني الأسبق في منتصف حزيران :1998 إن إسرائيل زودت الهند بآلية التشغيل المتزامنة بفارق جزء من الألف من الثانية، مشيرا إلى أن هذه المنظومة الآلية موجودة فقط في حوزة أميركا وإسرائيل، ومعلوم أنها وصلت إلى الهند من إسرائيل. وذكرت صحيفة الأمة الباكستانية أن إسرائيل شاركت في اثنتين من التجارب النووية الخمس التي نفذتها الهند. وقالت: إن القنبلتين نقلتا إلى الهند من إسرائيل على متن طائرة هركوليس قبل نحو أسبوعين من تنفيذ التجارب النووية، وفي المقابل تقدم الهند لإسرائيل الأراضي لإجراء تجاربها النووية .([17])
ومهما يكن من أمر فالحقيقة هي ان التجارب النووية الهندية لم تظهر الى الوجود ولم يكتب لها النجاح إلا في الفترة التي تطورت فيها العلاقات الإسرائيلية الهندية بشكل ملحوظ وبلغت ذروتها في المجالين الأمني والعسكري، مما يدل على وجود البصمة الإسرائيلية الواضحة على تحول الهند الى دولة نووية عظمى.
من ناحية أخرى تجدر الإشارة إلى انه في الفترة الفاصلة ما بين زيارة شمعون بيريس للهند في نيسان 1993، التي وضعت أسس العلاقات المتينة بين البلدين في شتى المجالات، وزيارته الثانية لها في 7 كانون الثاني 2002، ولاسيما في ضوء التوتر الحاد بين الهند وباكستان اثر حادثة الهجوم على البرلمان الهندي في يوم 13كانون الأول 2001، فإن إسرائيل سعت لتنسيق مواقفها مع الهند ضد كل من باكستان و إيران بذريعة مقاومة “الإرهاب الإسلامي.” وبين هاتين الزيارتين يمكن رصد المحطات والمتغيرات التالية في العلاقات الثنائية الإسرائيليةالهندية:
قفز الميزان التجاري بين البلدين من 202 مليون دولار عام 1992 الى 1085.8 مليون دولار عام.2000
عقب زيارة وزير الداخلية الهندية ادفاني لإسرائيل في حزيران 2000 قام وزير الخارجية الهندي بزيارة إلى تل أبيب في الثلاثين من الشهر نفسه، حيث اتفق مع نظيره الإسرائيلي على تأسيس لجنة وزارية مشتركة لمكافحة الإرهاب كما اتفق الجانبان على الاجتماع كل ستة اشهر لإجراء مناقشات استراتيجية مشتركة.
في شهر آب 2000 قام شمعون بيريس بزيارة الهند للحصول على دعمها في المباحثات التي كانت جارية مع الفلسطينيين تحت إشراف الرئيس الأميركي بيل كلينتون في كامب ديفيد، كما قام المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس يارون بزيارة نيودلهي في ايلول 2000 تحضيراً لإبرام صفقة عسكرية كبيرة من المعدات الإسرائيلية.
لقد هدفت الهند من تطوير علاقتها مع إسرائيل أيضا الى تطوير علاقتها الشاملة مع الولايات المتحدة مستفيدة من دعم اللوبي اليهودي هناك? وسعت إسرائيل من ناحيتها الى إقناع الولايات المتحدة بان تعاونها العسكري مع الهند يحقق للولايات المتحدة ثلاثة أهداف:
1- استكمال تطويق إيران من الناحية الجنوبية الشرقية تمهيداً لإخضاعها للسيطرة الأميركية أو ضربها إذا اقتضى الأمر.
2- احتواء الصين، القوة المرشحة لمنافسة الولايات المتحدة في القرن الحالي.
3- قمع الحركات الأصولية الإسلامية الراديكالية في المنطقة.
والجدير بالذكر انه بعد مرور يوم واحد على أحداث11 أيلول2001 قام مستشار الأمن القومي الإسرائيلي اللواء عوزي دايان بزيارة الهند ليبحث مع نظيره الهندي ادفاني ووزير الخارجية سينغ تبعات الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة، وليفتح آفاقاً جديدة أمام ما تعتبره الهند وإسرائيل مزيداً من التعاون المشترك بينهما. وفي أواخر كانون الثاني 2002 حصل وزير المواصلات الهندي أثناء زيارته لإسرائيل على دعم هذه الأخيرة للهند في موقفها من “الإرهاب” الباكستاني على حدّ وصفهما. وكان شمعون بيريس أثناء زيارته للهند عام 1993 قد أعرب للمسؤولين الهنود عن استعداد إسرائيل للمساعدة في قمع “الأصولية الإسلامية”، كما تبنى وجهة نظر الهند بشأن كشمير باعتبارها جزءاً من الأراضي الهندية، ونصح الهند بتغيير التركيبة السكانية في كشمير ضد مصالح المسلمين هناك .([18])
وفي مجال التعاون الأمني، تمد إسرائيل الهند بمعلومات عن باكستان ونشطاء الحركة الكشميرية تجمعها من خلال أقمارها التجسسية وما تحصل عليه أيضا من الولايات المتحدة في إطار اتفاق التعاون القائم بينها وبين أميركا، مقابل وجود مخابراتي إسرائيلي في الأراضي الهندية.([19])
تنويع الاعتماد الاستراتيجي من وجهتي النظر الإسرائيلية والهندية
يعتبر الباحث الإسرائيلي مارتين شيرمان ([20]) أن إسرائيل منذ نهاية حرب عام 1967 باتت معتمدة بالكامل على الولايات المتحدة كمصدر للدعم الاستراتيجي. وهذا في رأيه وضع في غاية الحرج “لأمة مستقلة” حسب قوله، ولا سيما تلك التي تعيش في ظروف جيوسياسية غير مرضية كالتي تعيشها إسرائيل. وبينما أثبتت العلاقات الودية، على نحو يفوق العادة والمألوف، بين كل من واشنطن وتل أبيب فائق نفعها وأهميتها، فإنه لا ينبغي للقيادات الإسرائيلية أن تفقد الرؤية لأحد أهم ثوابت العلاقات الدولية،حيث الحقيقة هي أن النظام الدولي العام لا يزال يعمل أساساً على نحو فردي، تعتمد فيه كل دولة على نفسها في الأساس وتسعى نحو مصالحها الخاصة من دون تنسيقها أو إلحاقها بمصالح الدول الأخرى. وبهذا فإن استمرارية التحالفات تبقى محدودة ومشروطة تماماً بالرؤية المتبادلة للمصالح القومية المتوافقة.
ويتمثل جوهر هذه الفكرة بالملاحظة الذكية التي أبداها اللورد سالزبوري في انه، في النظام الدولي، نجد أن “الرابطة المقدسة الوحيدة التي تبقى )بين الأمم( إنما هي كامنة في غياب المصالح المتضاربة” ([21]) أما إذا برزت بعض المصالح المتعارضة، فلن يكون بوسع أي شيء أن يبقي على هذه الرابطة، وتصبح كل الالتزامات المتبادلة بين الأطراف الموحدة في السابق، قليلة الأهمية.
وكان لا بد لإسرائيل أمام هذه الحقائق الأساسية في العلاقات الدولية ولعبة الأمم من أن تعي وتدرك مصير حلفاء الولايات المتحدة السابقين، مثل فيتنام الجنوبية وإيران الذين تخلت عنهم عندما وجدت الثمن الذي تدفعه لقاء استمرار دعمها لهم، باهظاً، وكذلك فان تراجع فرنسا عن دعم إسرائيل في أعقاب حرب عام1967 إنما يمثل تعبيراً مميزاً عن الطبيعة العابرة للصداقات بين الدول في العالم، مهما بلغت هذه الصداقات من ودّ في بداية الأمر. وكذلك “فان ذلك المقطع المزعج من العلاقات الإسرائيليةالأميركية المتراجعة، إبان فترة إعادة التقويم التي أجرتها واشنطن لسياستها في الشرق الأوسط في عهد كيسنجر، حسب رأي شيرمان، ينبغي ألا يغيب عن الذاكرة([22])” فهذا أيضا يشكل، وان بصورة أقل تطرفاً، تذكرة وشاهداً على الوهن المحتمل دخوله على التحالفات بين الدول ذات السيادة.
وثمة بالطبع، حسب رأي شيرمان، الكثير الذي يربط الولايات المتحدة وإسرائيل سياسياً وعسكريًا ومن حيث القيم الاجتماعية والثقافية المشتركة، ولكن مع ذلك فإن الحذر السياسي والتجربة السابقة يوحيان كلاهما للقيادة الإسرائيلية أياً تكن، بألا تستخف باحتمال ألا يستمر توافق المصالح الإسرائيلية الأميركية الى ما لا نهاية.فبعض الخلاف والاختلاف في المصالح قد ينشأ بالطبع، وذلك على الأقل بسبب الخلاف السياسي بين الدولتين في جملة من المواضيع، بدءاً بنشر التكنولوجيا والسلاح وانتهاء بالعلاقات مع العالم الإسلامي. ومع ذلك فإن الشقاق والخلاف قد ينبت من ضرورات الابتعاد عن السياسة الإسرائيلية، نفسها ومثل هذه العناصر قد تتضمن ما يلي :([23])
أ- تغييرات في بنية السلطة المحلية الأميركية وفي النفوذ النسبي لمراكز القوى ومجموعات الضغط المؤيدة أو المناهضة لإسرائيل.
ب- إعادة ترتيب سلم الأولويات القومية بناء على وقائع عالمية جديدة )مثل تعاظم التحدي الصيني للصدارة الأميركية، أو نهوض محتمل لأهمية آسيا الوسطى كبديل للشرق الأوسط كمصدر أساسي للطاقة.(
ج- انبعاث محتمل لنزعة الانعزال والانشغال بالقضايا المحلية، تغذيها مشاكل التنوع العرقي المتعاظم الذي يتحدى التعريف السائد للهوية القومية الأميركية. ويمكن لهذه وسواها من التطورات أن تؤدي إلى احتمال إعادة توجيه المساعي والمصالح الأميركية في اتجاهات جديدة، تؤدي إلى تهميش، أو على الأقل تقليص “على نحو بارز”، أهمية الشرق الأوسط في جدول الأعمال الاستراتيجي للولايات المتحدة. وعليه يتعين على إسرائيل ألا تهمل احتمال أن تؤدي الظروف المحلية والدولية المتغيرة إلى إعادة تعريف واشنطن لاعتباراتها داخل المنطقة وبروز موقف أميركي أكثر تعاطفاً مع الدول العربية.
على هذا الأساس تتضح الأسباب الموضوعية الملموسة التي تدفع إسرائيل للنظر بجدية في سيناريو يتقلص فيه الدعم الاستراتيجي الأميركي تقلصاً كبيراً، وبالتالي ضرورة إيجاد السبل الآيلة إلى مواجهة هذا الاحتمال. ومثل هذا التخطيط، في رأي شرمان، سيكون ضرورياً، سواء جرى التركيز على الحاجة للزيادة او الاستبدال، الجزئي او الكلي، للمصادر الراهنة للموارد الاستراتيجية الإسرائيلية. وفي محاولة استكشاف البدائل لمعالجة مثل هذا الاحتمال، يبدو واضحاً ان ثمة شرطاً لازماً هو تشخيص الدول التي يمكن ان تكون مرشحة للمساهمة في الشراكة الاستراتيجية المتطورة مع إسرائيل. وقد يتضمن هذا السياق في مراحله الأولى، الدول التي:
تواجه تهديدات مشتركة او متشابهة، سواء من حيث طبيعة التهديد ام طبيعة الخصم.
يظهر ان لها مصالح مشتركة، أو على الأقل غير متضاربة،مع اسرائيل.
قد تستفيد من استغلال الفرص المشتركة.
ومن ثم فان الاستراتيجيات المشتركة المحتملة قد تُرسم، بما في ذلك استخدام المنافع المتشابهة للأطراف المشاركة مثل الخبرات التكنولوجية، والموقع الجيوستراتيجي، والقدرات المالية، والموارد البشرية وسواها.
وقد يكون من بين الدول المرشحة المحتملة لمثل هذا المشروع التعاوني الاحتياطي، دول غير إسلامية وهامة عديدة في آسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية اللتين تواجهان تهديدات صاروخية محتملة من كوريا الشمالية، والتي تزود خصوم إسرائيل مثل إيران وسوريا، بالصواريخ البعيدة المدى وسواها. والتعاون التكنولوجي والمالي بين البلدان الثلاثة، قد يظهر أنه ليس اكثر من ضرورة منطقية أملتها المصالح الذاتية الواعية. والهند أيضا هي في هذا المجال إحدى الدول البارزة والأساسية التي يتعين عليها أن تواجه خصوماً يملكون الأسلحة بعيدة المدىالباكستان والصين والذين دخلت معهم في مواجهات عسكرية على طول حدودها المشتركة، وبالتالي يبدو هنا الأساس المنطقي السليم وراء التعاون الإسرائيليالهندي وبالعكس. أما باكستان، التي تنجرف رغماً عنها نحو الأصولية الإسلامية، فقد كانت معادية لإسرائيل منذ زمن بعيد، فيما توفر الصين أيضا المعدات العسكرية وسواها لبعض ألد أعداء إسرائيل.
وفي المستقبل، فإن التعاون البحري الهندي الإسرائيلي المشترك قد يرتدي أهمية حيوية، ولا سيما اثر دمجه بتكنولوجيا الرقابة الفضائية الحديثة، وخصوصاً إزاء الحضور العربي المسيطر على طول معظم شواطئ البحر الأبيض المتوسط الجنوبية والشرقية، مما يجعل من هذا الأمر تهديداً متفاقم الإشكالية والتعقيد بالنسبة لإسرائيل? وفي المستقبل سيتجلى هذا التعاون في الأساس، ضمن مجال احتفاظها بقدراتها على الرد العسكري الردعي خارج إطار نطاقها الإقليمي المتزايد ما بعد أوسلو.
وضمن هذه المقاييس الحدودية كان لابد للتقارب الإسرائيلي المتزايد مع تركيا العلمانية أن يترجم نفسه ويأخذ مداه? فإدارة أنقره تنخرط في نزاعات مع سوريا والعراق حول المياه والأراضي و “الإرهاب”، مع تهديدها من الداخل بقطاع من الإسلام السياسي النامي. وعلى هذه الخلفية يأتي التعاون التركي الإسرائيلي المتعدد الأوجه “بما في ذلك تطوير وتحسين الأسلحة والمشتريات من الأدوات المعدنية، والإنتاج والتدريب المشترك، وتبادل المعلومات الاستخبارية” ليأخذ مجراه ومكانته بالرغم من انتقادات العالم الإسلامي.
بناء على ما تقدم نستخلص أنه إذا كان للصراع والتعاون أثر محدود في الماضي حين كانت النزاعات محدودة الأثر وتقتصر على أطرافها فحسب، فالأمر في عالم اليوم بات يختلف تماماً، فنتائج الصراع والتعاون لم تعد تقتصر على أطرافها بل دائماً تتمدد دائرتها وتتسع آفاقها وذلك بوجود الكثير من المجالات التي تتطلب التعاون والتنسيق بين مجموعة ملحوظة من الدول. وهنا تبرز أهمية خاصة لظاهرة صراع القوى في ميدان العلاقات الدولية، حيث نجد أن تحقيق إسرائيل لمصالحها الحيوية وأمنها القومي إنما تعني مجموعة التدابير والاحتياجات النظرية والعملية الخاصة بحماية مجالها الإقليمي الذي لا ينحصر فقط في الرقعة الجيو سياسية المحدودة من أرض الدولة، بل يشمل الثروات الاقتصادية والأيديولوجيا السياسية والأهداف التوسعية والعلاقات الخارجية، الواجب توفيرها لتكريس السيادة الصهيونية على الأراضي المحتلة. وبالتالي نجد أن نظرية الأمن القومي الإسرائيلية، لا تضمن مسألة تعزيز القوة العسكرية أو الاقتصادية فقط، بل تشمل أيضا البدائل الاحتياطية في حقل السياسة الخارجية، والتقدير الاستراتيجي الصحيح والشامل للواقع الجيو سياسي المحيط بكيان الدولة العبرية، ومدى التناقض أو التقارب الأيديولوجي بين النخب السياسية الحاكمة في إسرائيل وبين النخب المقابلة الموجودة في الدول المجاورة أو البعيدة والتي لها تأثير ونفوذ على الصراع الدائر بين الكيان الصهيوني والعرب.
ومن هنا نجد أن إسرائيل بنت نظريتها الأمنية الاستراتيجية على التقدير الدقيق والمتواصل لجوانب الثابت والمتغير في معالم القوة والضعف لدى البلدان العربية. فإسرائيل هي دولة مواجهة عسكرية دائمة مع محيطها المعادي، ولذلك انصبّ اهتمامها الأمني الأول على الناحية العسكرية، في حين شكلت سياستها الخارجية عاملا تابعا يخضع للاحتياطات والحسابات العسكرية بهدف توفير الاستعداد الدائم للمواجهة. ومن أهم العوامل التي تأخذها إسرائيل بعين الاعتبار في صراعها مع الفلسطينيين والعرب، العامل البشري والتفوق العددي لدى هؤلاء، بالإضافة إلى القاعدة الاقتصادية القومية واتساع الرقعة الجيوسياسية للعالمين العربي والإسلامي، الأمر الذي يمكن أن يعرض إسرائيل في ظروف دولية وإقليمية معينة لحرب طويلة الأمد تعجز عن تحملها بسبب محدودية إمكاناتها وقدراتها البشرية والاقتصادية التي كانت ستعاني من نقص فادح لولا المساعدات الأميركية بنوع خاص.
ومن اجل هذا كان لا بد لإسرائيل من سياسة توسيع قاعدة مصادرها الحيوية وتنويعها في مجال الاستحصال على مختلف أشكال الدعم الاستراتيجي. وما من شك في أن الهند وتركيا وأثيوبيا وسواها من دول المحيط الجغرافي التي تطوق العالم العربي هي من جملة محطات توفير مثل هذا الدعم خصوصاً إزاء احتمال أو حقيقة حصول دولة عربية أو إسلامية على أسلحة الدمار الشامل وخصوصاً السلاح النووي. فعلى الرغم من أن التفجيرات النووية الباكستانية قد جاءت في إطار سباق التسلح مع الهند، وللحفاظ على التوازن العسكري الاستراتيجي في تلك المنطقة، حسبما يعترف الإسرائيليون أنفسهم، فإن هلعاً ومخاوف قوية انتابت إسرائيل من جراء هذه التفجيرات. وهذه المخاوف لا تأتي من احتمال أن تقوم باكستان بهجوم نووي على إسرائيل، بل من احتمال انتقال التقنية أو السلاح النووي إلى أقطار عربية أو إسلامية أخرى تعتبرها إسرائيل في حالة صراع مباشر معها من جانب، ومن كون امتلاك دولة إسلامية للسلاح النووي يشكل إضعافاً للعامل السيكولوجي في الردع النووي الإسرائيلي القائم على نظرية “القنبلة في القبو” والذي يمثل عامل تخويف وابتزاز سياسي وعسكري ضد الأقطار العربية والإسلامية من جانب آخر.
الجدير بالذكر أيضاً في هذا السياق أن إسرائيل عملت بصورة حثيثة لاستغلال التفجيرات النووية الباكستانية لتحويل الأنظار عن التسلح النووي الإسرائيلي ولتسعير عملية التحريض والإثارة على الجمهورية الإسلامية في إيران بنوع خاص وسائر الأقطار العربية والإسلامية عموما، على الرغم من التزام إيران بالمواثيق الدولية وانضمامها الى اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية.
على ضوء ما تقدم رأى المعلق الإسرائيلي زئيف شيف في صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن الولايات المتحدة ستجد نفسها مضطرة للتدخل مستقبلاً بشكل فوري وفي المراحل الأولى من التوتر لوقف أي حرب قد تندلع في المنطقة حتى لا تتطور إلى حرب نووية، وأنها ستقرر مشروع وقف إنتاج المواد النووية من دون المساس بمخزون الأسلحة القائم وهو المشروع المسمى
“CUT OFF” والذي من المقرر أن يطال إسرائيل أيضاً.
وناقش بعض الاطراف مسألة العقوبات التي فرضت على الهند وباكستان، ورأى فيها “سلاحاً ذا حدين” وأن وقف المساعدات عن “اقتصاديات جائعة” قد يسّرع في بيع الخبرات النووية والصاروخية إلى دول أخرى.
وبصورة إجمالية، يمكن القول إن التفجيرات النووية الهندية الباكستانية أحدثت هزة قوية في الكيان الصهيوني على كل المستويات السياسية والاجتماعية، ودفعت المفكرين والمخططين الصهاينة إلى إعادة النظر في سلم أولوياتهم الاستراتيجي. والإسرائيليون على هذا الصعيد يحاولون إمساك وتجميد الزمن والتاريخ في اللحظة المريحة التي يملكون فيها التفوق النوعي الحاسم، ليكون لهم القرار في المنطقة والاستمرار في سياستهم التوسعية الاستعمارية وفي دورهم الوظيفي، لكن مشكلتهم تكمن في أن التغير وعدم الجمود هما من نواميس الكون الكلية، والتاريخ والزمن لن يتوقفا بالتالي عن التحرك من اجل راحة نفس إسرائيل، ومثل هذه الحركة لن تكون إلى الأبد في صالحهم.
خلاصة واستنتاجات:
تحدث الكاتب والمفكر السياسي الإسرائيلي الدكتور افرايم سنيه في كتابه الصادر بالعبرية عام 1996 بعنوان “إسرائيل في عام ما بعد الألفين” عما أسماه “توسيع المدى الاستراتيجي” الإسرائيلي في المحيط الجيوسياسي الجديد في مطلع القرن الواحد والعشرين. واستخلص أن القاسم المشترك بين البلدان غير العربية وغير الإسلامية المحيطة بالعالمين العربي والإسلامي هي أنها “تجابه الإسلام المتطرف، وأنها تنشد صداقتنا، وأنها تواقة للتطوير الاقتصادي والتقدم، وأنه بوسعنا مساعدتها، وفي عالم ما بعد2000 سنحتاج نحن أيضاً لصداقتها.” وبعد أن يعدد أهمية دول مثل الهند ودول آسيا الوسطى ودول القرن الأفريقي بالنسبة لضمان وصون الأمن القومي الإسرائيلي ينتهي إلى القول: “إن استشفاف المستقبل السياسي يلزمنا، على الرغم من مواردنا القليلة، بانتهاج سياسة ذات فعالية ومبادرة إزاءها. ونحن إذا بدأنا التفكير بالمصطلحات الصحيحة لمبدئنا الاستراتيجي الحقيقي، فسيسهل علينا القيام بالخطوات المطلوبة.([24])”
وهكذا يتضح أن السياسة الخارجية الإسرائيلية لا تألو جهداً ولا تضيع أية فرصة سانحة لتثبيت مكانة إسرائيل على المسرح الدولي، والمساهمة في ضمان وجودها ودعم اقتصادها وتسليحها، وتبرير سياستها العدوانية باستغلال ما يجري من أحداث وتطورات على الساحتين الإقليمية والدولية.
والجهود الإسرائيلية المبذولة لاقامة وتطوير العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية مع الهند إنما تهدف الى اختراق صفوف دول كتلة عدم الانحياز وشقها، وتطوير العلاقات مع الدول الآسيوية الأخرى، كون الهند مفتاح آسيا وبوابتها. هذا إضافة الى محاولتها تأجيج الصراع الدائر بين الهند وباكستان حول مقاطعة كشمير ذات الغالبية المسلمة لنشر أجواء يتضاءل معها الاهتمام بشؤون المنطقة العربية وما يلحق بأهلها من غبن، بالإضافة الى العديد من الأهداف الأخرى التي تنسجم، في حال تحققها، مع تطلعات إسرائيل وتوجهاتها التوسعية .([25])
وفي الختام نقول إنه على الرغم مما حققته إسرائيل من مكاسب وإنجازات باهرة على أكثر من صعيد من جراء الصراع الهندي الباكستاني، فإن الباب ما يزال مفتوحاً أمام المصالح والمنافع العربية التي يمكن تأمينها وتوفيرها من خلال إصلاح بعض الخلل في العلاقات المشتركة مع الهند وعدم ترك الساحة هناك مفتوحة فقط للمخططات والمؤامرات الصهيونية. وعلى هذا الصعيد بوسع العرب في اقل تقدير، اعادة تفعيل النشاط في المجال الثقافي من أجل الحيلولة دون امتداد التشويه الحاصل للصورة العربية الموصومة بالارهاب الى الهند وسواها، بالإضافة الى الاستفادة من وجود أموال عربية تبحث عن مجالات الاستثمار فيتم توظيفها بما ينفع الأطراف المتعاونة في مشاريع مشتركة.
والجدير بالذكر أنه على الرغم من أن الهند ليست دولة عضواً في منظمة المؤتمر الإسلامي، إلا أن فيها أكبر عدد من المسلمين في العالم بعد أندونيسيا، وهذا أيضاً يمثل رصيداً للعمل المشترك، إذا أحسن العرب والمسلمون التعامل معه بحكمة وروية، وذلك من خلال الـتأكيد في العلاقات العربية الهندية خاصة على احترام المسلمين وتراثهم ودورهم في حركة تحرير الهند وتطويرها ومن خلال الاستفادة من الطابع العلماني الديمقراطي لهذه الدولة المتعددة الأديان والأعراق، وهذا يقتضي فضح الدور الصهيوني في تحريض الأصولية الهندوسية على تشويه دور المسلمين والعمل على تدمير المساجد والتحريض على الفتن، مقتدية في ذلك بالسياسة الإسرائيلية ومواقفها الشوفينية والعنصرية اللاإنسانية ضد الفلسطينيين والعرب.
والجدير بالذكر انه على الرغم من كل هذه المحاذير والاشكالات فان الهند استمرت، بشكل أو بآخر، على موقفها المبدئي المتفهم للقضايا العربية حتى في وقتنا الحاضر. ففي كلمة ألقاها أمام البرلمان في كانون الأول 2000 قال وزير الخارجية الهندي: “إنني أنتهز هذه الفرصة لأؤكّد من جديد التزامنا بقيام دولة فلسطينية ذات حدود معترف بها دوليا باعتبارها حقاً شرعياً للشعب الفلسطيني يلبي طموحاته وتطلعاته، ونؤكد أيضاً تأييدنا لجميع قرارات مجلس الأمن وخاصة القرارين242و.”338 لكنه للأسف ساوى بين المعتدي الإسرائيلي والمقاوم الفلسطيني حين قال”:ونطالب جميع الأطراف بالتوقف عن الأعمال الاستفزازية واستخدام القوة والتحريض على استعمال العنف” وهذا يشكل عاملاً آخر من عوامل التحول السلبي في الموقف الهندي في النظرة إلى أعمال المقاومة الفلسطينية، وهو موقف قد يتفاقم إلى الأسوأ مع استمرار نمو وتطور العلاقات الهندية الإسرائيلية وصولاً إلى تبني وجهة النظر الإسرائيليةالأميركية في النظر إلى الانتفاضة الفلسطينية على أنها “إرهاب” في ضوء قناعة الهند بأن إسرائيل هي الباب الذي لا غنى عن ولوجه للوصول إلى مصالحها الكبرى في أميركا والعالم، خصوصاً وأن الدول العربية لا تملك سياسة خارجية واضحة وموحدة لجهة تهديد المصالح الهندية في المنطقة، وأهمها حصولها على النفط العربي وتجارتها الواسعة مع الأسواق العربية وتحويلات العمّال الهنود في البلدان العربية، في حال استمرار الانجراف والانحراف في سياسة الهند الخارجية لصالح الميزان الأمني والعسكري والاستراتيجي الإسرائيلي، خصوصاً لجهة تحييد تأثير القوة الباكستانية في الصراع العربي الإسرائيلي واحتمال تحييد القوة الإيرانية أيضاً في إشعالها بالخطر القادم من الهند مع استمرار إسرائيل في التحريض على كل ما يمكن أن تكون له صلة بالراديكالية الإسلامية المعادية لها .([26])
[1] الحياة 15/7/1993 العدد 11110، إحسان عبد المجيد، إسرائيل استغلت حاجات الهند.
[2] لمزيد من التفاصيل أنظر محمد نعمان جلال “مأزق العرب… بين الهند وباكستان” الأهرام المصرية 5/6/2002.
[3] جاسيت سنج، تعزيز السلام والتعاون في غرب آسيا، رؤية هندية في النظرة الآسيوية نحو دول الخليج العربية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية العدد 24/11/1997 ص12 وما بعدها.
[4] الحياة 15/7/1993 مصدر سابق.
[5] المصدر نفسه.
[6] الحياة 26/9/2000 العدد رقم 13712.
[7] الحياة 28/1/2002 العدد 14194،حسام سويلم، إسرائيل تتسلل إلى أفغانستان.
[8] الحياة 30/5/1998 العدد 12870، سليم نصار، السباق النووي بين الهند وباكستان.
[9] الحياة 30/5/1998 المصدر السابق.
[10] السفير 19/9/2003، محمد نور الدين، نحو محور هنديتركيإسرائيلي.
[11] المصدر نفسه.
[12] جيروزاليم بوست 11/6/1998 ص1، دوغلاس وينس.
[13] جيروزاليم بوست 21/7/1999 ص4، آرييه أوسلفان.
[14] الحياة 30/5/1998 مصدر سابق.
[15] يديعوت أحرنوت 3/6/1998، رون بن يشاي.
[16] هآرتس 4/6/1998 ص1 آمنون برزيلاي.
[17] معاريف 1/6/1998 ص2 يوسي لافي.
[18] السياسة الدولية، القاهرة أكتوبر تشرين الأول 2000 ص242، حسام سويلم، العلاقات الاستراتيجية بين الهند وإسرائيل. وانظر أيضاً حسام سويلم "الشراكة الاستراتيجية بين الهند وإسرائيل" دار نهر النيل، القاهرة 2000 ص12.
[19] السياسة الدولية، القاهرة، أكتوبر/تشرين الأول 1993 ص207 هشام بدوي، تطوير العلاقات الإسرائيلية الهندية.
[20] المصدر الاستراتيجي 1/12/2000 العدد 10.
[21] المصدر السابق.
[22] المصدر نفسه.
[23] المصدر نفسه.
[24] انظر ملف معلومات العدد 33، إسرائيل في عالم ما بعد الألفين، د. افرايم سنيه.
[25] انظر السياسة الدولية، القاهرة، تشرين الأول 2001 ص66، سعيد عكاشة "العلاقات العربية الهندية... الآمال والطموحات".
[26] أنظر في هذا الشأن السياسة الدولية، القاهرة، نيسان 2002 ص124، أحمد محمد طاهر، العلاقات الهندية الإسرائيلية وتداعيات 11 أيلول وأيضاً السياسة الدولية تشرين الأول 2001 ص92 حوار مع وزير خارجية الهند ووزير دفاعها.