- En
- Fr
- عربي
أرض القداسة
إحتفال رسمي وشعبي وعشرات الألوف احتشدوا طالبين النعمة
لأن الله رآه ورأى فضائله، شهد دير مار قبريانوس ويوستينا في كفيفان «عرس قداسة» بإعلان الأخ اسطفان نعمة طوباوياً جديداً على مذابح الرب، في احتفال رسمي وشعبي حاشد ترأسه ممثل قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر رئيس مجمع دعاوى القديسين في الفاتيكان المطران أنجلو أماتو، والبطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير بحضور أركان الدولة.
يوم التطويب
بدأ يوم القداسة مع الطوباوي الجديد، باكراً، إذ شهدت الطرقات المؤدية الى كفيفان زحفاً بشرياً كبيراً من مختلف المناطق اللبنانية، حيث امتدت أرتال السيارات والباصات والحافلات كيلومترات وتحوّلت الى مواقف للسيارات، كما انطلقت مسيرات ليلة التطويب من مختلف المناطق والقرى المحيطة ومن أديار الرهبانية وقرية لحفد مسقط رأس الطوباوي الجديد. كما تقاطرت وفود كبيرة من بلدان الاغتراب للمشاركة في هذا اليوم الوطني والديني الكبير.
وتولّت القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي تنظيم الوصول الى مكان الإحتفال وإرشاد المواطنين الى الأماكن المخصصة لهم. كما سجل تفتيش دقيق لكل الوافدين الذين خصصت لهم أماكن بحسب البطاقات التي كانت بحوزتهم، ولدى وصولهم وزعت عليهم القبعات البيضاء وعليها صورة الأخ اسطفان وعبوات مياه وكتب خدمة القداس الإلهي ورتبة الإعلان عن التطويب.
ساحات الدير جهزت بشاشات عملاقة تمكّن المؤمنين من متابعة مراسم الاحتفال، وامتدت سجادة حمراء على طول الدرج المؤدي الى المنصة، حيث ارتفع مذبح كبير توسطه صليب ورفعت وراءه أيقونة كبيرة للطوباوي الجديد، وخصصت مقاعد الرسميين الى يمين المذبح والصحافيين ورجال الدين الى يساره.
وخدمت القداس جوقة جامعة الروح القدس - الكسليك بمشاركة جوقة قاديشا بقيادة الأب يوسف طنوس.
وقرعت أجراس الكنائس والأديرة في لبنان فرحاً ووُضعت صورة الطوباوي الجديد على مذابح الكنائس.
وصول الرسميين
عند التاسعة والنصف بدأ وصول الرسميين فوصل رئيس الحكومة سعد الحريري ثم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وعقيلته السيدة وفاء ونجله شربل، حيث أقيم استقبال في صالون الدير.
بعدها توجه الجميع الى مكان الاحتفال الذي بدأ عند العاشرة و10 دقائق على وقع ترنيمة «مجد لبنان أعطي له».
وحضر الاحتفال الى جانب رئيسي الجمهورية والحكومة الرئيس أمين الجميل وحشد من الوزراء والنواب وعدد من السفراء على رأسهم السفير البابوي في لبنان غبريال كاتشا، وقيادات أمنية وعسكرية وفاعليات روحية وقضائية واقتصادية ودبلوماسية واجتماعية ورؤساء بلديات ومخاتير وعشرات الآلاف من المؤمنين.
الذبيحة الإلهية
ترأس الذبيحة الإلهية البطريرك صفير وعاونه ممثل البابا المطران أماتو وعدد من المطارنة والآباء. كما شارك فيها بطاركة الطوائف المسيحية وكبار رجال الدين، والرؤساء العامون والرئيسات العامات للرهبانيات. وفاجأت إبنة شقيق الطوباوي الجديد الأخت مارينا نعمة المشاركين بحضورها وهي التي حصلت معها أعجوبة الشفاء التي اعتمدت في دعوى إعلان تطويب الأخ اسطفان نعمة.
في بداية القداس، أقيمت رتبة إعلان التطويب حيث توجه البطريرك صفير نحو ممثل البابا والتمس منه إعلان المكرم الأخ اسطفان نعمة طوباوياً.
وقال صفير: «إن الكنيسة المارونية والرهبانية اللبنانية المارونية قد التمستا باتضاع من قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر أن يرتضي ويدوّن في عداد الطوباويين خادم الله المكرم الأخ اسطفان نعمة اللحفدي الراهب اللبناني الماروني».
سيرة الطوباوي
قرأ طالب دعاوى القديسين الأب بولس قزي سيرة الطوباوي الجديد، وقال: «مع المكرّم الأخ اسطفان نعمة الراهب نكتشف وجهاً آخر من وجوه القداسة في الرهبانية اللبنانية المارونية. فبعمله المتواصل مارس التوبة والمحبة والخدمة المجانية حتى لنستطيع القول إنه كان مصلياً في عمله وعاملاً في صلاته. لقد ذاعت شهرة قداسته منذ وفاته فتقاطر المؤمنون الى ضريحه يلتمسون شفاعته وقد أجرى الله على يده معجزات كثيرة. وبناء على التماس العديد من الرهبان والمؤمنين، اتخذ مجمع الرئاسة العامة في الرهبانية قراراً برفع طلب فتح دعوى إعلان قداسته؛ قدّم ملف الدعوى الى مجمع دعاوى القديسين في السابع من شهر آذار العام 2001، وفي الثاني من شهر آذار العام 2007 أعلن قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر بطولة فضائله، وفي السابع عشر من كانون الأول 2007 أعلنه مكرّماً واليوم وقّع قداسته براءة إعلانه طوباوياً في لبنان».
البراءة الرسولية
قرأ المطران أماتو البراءة الرسولية باللاتينية التي من خلالها أمر قداسة البابا بتدوين اسم الأخ اسطفان في عداد الطوباويين وجاء فيها:
«استجابة لالتماس أخينا صاحب الغبطة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ولسينودس الكنيسة المارونية وبعد أن اطّلعنا على رأي مجمع دعاوى القديسين، نأمر أن يُدعى خادم الله المكرّم نعمة الذي قضى حياته في الصلاة التأملية والعمل اليدوي المستتر في روح الخدمة تجاه اخوته باذلاً نفسه بامّحاء لصالح الأكثر فقراً، الذين كانوا ضحية الجوع منذ سنوات، طوباوياً. ويمكن أن يُحتفل بعيده في الأمكنة وبحسب قواعد الحق القانوني المرعية الإجراء كل سنة في 30 آب يوم ولادته في السماء».
ثم تمّ الكشف عن أيقونة الطوباوي الجديد ونقلت ذخائره في زياح إحتفالي وضعت على يمين المذبح وسط ترنيم الجوقة نشيد إعلان التطويب، ثم شكر البطريرك صفير بإسمه وبإسم الكنيسة المارونية والرهبانية اللبنانية المارونية قداسة البابا على نعمة التطويب.
عظة صفير
بعد الإنجيل المقدس، ألقى البطريرك صفير عظة توجّّه في مستهلها الى المطران أماتو باللغة الفرنسية قائلاً: «نحن مسرورون باستقبالكم بصفتكم تمثلون قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر لتترأسوا باسمه احتفال تطويب الأب اسطفان نعمة. هذه المناسبة هي فرحة كبيرة للبنان وخصوصاً للطائفة المارونية على الرغم من الحجم الصغير لمساحة هذا البلد والعدد الصغير لسكانه».
ثم رحّب برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قائلاً: «يسرّنا أن نرحب بفخامتكم وبصاحب الدولة في هذا الإحتفال الديني، الذي شئتم أن تشتركوا معنا فيه ومع الشعب اللبناني وخصوصاً المسيحي، وأن نشكر الله معاً لهذه النعمة التي أفاضها علينا في أيام نحن في أشد الحاجة فيها وفي كل حين الى معونة السماء». مؤكداً أن «الله جعل القداسة بمتناول الجميع».
وأضاف: «كونوا أنتم قديسين على مثال القدوس الذي دعاكم»، مشيراً الى أن «القداسة طريقها ضيق كما قال السيد المسيح، لأن الطريق الذي يؤدي الى الهلاك رحب، وكثيرون يدخلون منه، وقد دخل الأخ نعمة الى القداسة من هذا الطريق الضيق».
وعرض نبذة عن حياة الطوباوي، وقال: «لم يكن مثقفاً كالحرديني، ولا ناسكاً كشربل، ولا مصلوباً على جلجلة الآلام كرفقا، بل كان عمله بسيطاً ولم يتذمر يوماً ولم يسع الى مجد عالمي أو ربح مادي، وكان يردد دائماً قبل أي عمل يقوم به أن «الله يراني» وكان يقوم بأعماله برفق ولين، علماً منه أن القوة تؤدي الى الإنفعال ورد الفعل وهذا يؤدي الى الغضب والإنقسام»، لافتاً الى أن «الأخ اسطفان مات صامتاً بفرح وغبطة وغادر للراحة الأبدية فكان شاهداً على قوة الله».
وختم: «نفرح بالقديسين خصوصاً إذا كانوا من بيننا وعاشوا مثلنا على هذه الأرض الخيرة، ولكن فرحتنا ستكون عارمة إذا سرنا على هديهم ووفق مسيرتهم».
ثم قُدمت بعدها الهدايا التذكارية عن حياة الطوباوي نعمة الى المذبح الإلهي.
وخلال تقديم القرابين، قدّم أهالي بلدة لحفد مسقط رأس الطوباي كتاب صلاة بالسريانية يمثّل الكتاب الذي كان يصلي فيه الأخ اسطفان صلاة الأخوة العملي، كما قدّموا جرار خمر وزيت ومياه من «نبع الغرير» في لحفد لتبريك المؤمنين، وصورة للطوباوي الجديد وألبسة بيعية للبطريرك صفير وممثل البابا.
كلمة أماتو
بعد المناولة، ألقى المطران أماتو كلمة جاء فيها: «يجب أن نكون ممتنين للبابا بنديكتوس السادس عشر على هديته للشعب اللبناني من خلال إعلان تطويب الأخ اسطفان، وهذه صفحة جديدة مجيدة من القداسة تضاف الى الصفحات التي أضاءها القديس شربل والقديسة رفقا والقديس نعمة الله الحرديني والأب يعقوب».
أضاف: «إن لبنان الجبل الأبيض الذي تمنى النبي موسى رؤيته هو بلد الطوباوي الجديد الرجل البار الذي ارتفع عالياً في سماء القداسة كالأرز المقدس في بلدكم العظيم. لبنان هو أرض قداسة زارها يوماً السيد المسيح حيث وصل الى صور وصيدا وحرّر شابة من الشيطان الذي كان يعذبها بناءً على إلحاح والدتها».
وتابع قائلاً: «لبنان هو موئل المسيحية وله أهمية دينية وتاريخية نظراً الى وجود العديد من الجمعيات الديناميكية، ولديكم العديد من الكنائس والأديرة والعديد من القديسين، وإن إكرامكم الكبير، هو لسيدة لبنان التي يتعبد لها الشعب المسيحي. إن تلاوة الوردية طبعت روحكم المسيحية».
وأردف: «أعطى الأخ نعمة من خلال عمله وصلاته شهادة نموذجية عن أمانته لدعوته، وما شعاره «الله يراني» إلا تذكير بوجود الله في حياتنا اليومية، كان يعمل كثيراً ويصلي كثيراً ويتأمل كثيراً، إنه ملاك في وجه إنسان».
وتناول أماتو خصال الأخ اسطفان وصفاته ونقاوة قلبه وصلاته المستمرة... وختم بالقول: «أيها المؤمنون فلنتقد بإيمان وبشهادة وبمحبة الطوباوي، كونوا مثله صالحين تعيشون الإيمان وتتوقون الى الكمال كأرز لبنان الخالد».
الأباتي خليفة
ثم ألقى الأباتي خليفة، كلمة قال فيها: «إنها فرصة سعيدة تجمعنا اليوم... وإن مصدر سعادتنـا يكمــن في أن الأخ اسطفــان يحمــل معــه الى الله أثمـن ما يكتنز تاريخ كنيستنا المارونية وتراث شعبنا اللبناني من القيم الإنجيلية والفضائل المسيحية والمزايا الإنسانية التي جسّدها القديس مارون وتلاميذه على مدى الأجيال منذ 1600 سنة، عندما تُعلن الكنيسة الجامعة بفم الأب الأقدس الراهب الماروني اسطفان في الذكرى السادسة عشرة لوفاة مار مارون طوباوياً ومثالاً للمؤمنين، فإنها تعترف في الوقت عينه بأصالة نهج القديس مارون، الذي ما يزال يزهر بالقديسين الذين يشهدون المسيح بحياتهم وأعمالهم في بداية القرن الحادي والعشرين، وتعترف بأن الرهبانية اللبنانية المارونية هي بحق مدرسة قداسة وطريق آمن للعيش مع المسيح وله ومن أجله».
وأعـــرب عن شكره «الدولــة اللبنانــية بجــمــيع مؤسســاتهــا وأجهزتهــا المختــصة، التي عملت معنا لإنجــاح هــذا الإحتفــال الحــدث الكبير»، الـذي يفرح جميع اللبنانيين مسيحيين ومسلمين.