- En
- Fr
- عربي
ملف العدد
جهود الجيش لم تقوَ عليها أمواج البحر والعاصفة لم تثنِ عناصره عن القيام بالواجب
أرخت مأساة الطائرة الأثيوبية المنكوبة بثقلها على كاهل الوطن، دولة ومؤسسات ومواطنين، وحمّلت أهالي الضحايا الذين كانوا على متنها، ذكرى أليمة، لن تمحو آثارها أمواج عاتية مهما علت ولا رياح عاصفة مهما هبّت!
تعدّدت الأسباب، أسباب الكارثة، والنتيجة واحدة: فقدان أعزاء وأحباء وأهل وأصدقاء، أقلعوا وغادروا بعد وداع وغابوا... على أمل اللقاء.
مرحلة عصيبة مرّت، لكن المرارة ستستمر في قلوب مَن فقدوا أحبتهم...
ظروف قاسية حلّت، لكن الجهود تضافرت لمواجهتها والسواعد تشابكت لتخطّي الأزمة، وعملاً بالمثل القائل «للسيف وللضيف ولغدرات الزمان»، كان الجيش حاضراً، كما في كل مرة يواجه فيها الوطن مأساة أو كارثة، للتدخّل السريع إنقاذاً لما يمكن إنقاذه، ولمدّ يد المساعدة حيث تدعو الحاجة.
منذ فجر ذاك اليوم، في الخامس والعشرين من كانون الثاني 2010، عملت مختلف الأجهزة المعنية في قيادة الجيش بمسؤولية عالية وجهوزية تامة، واستنفرت مختلف القوى لمواكبة أعمال البحث عن الطائرة الأثيوبية التي سقطت في البحر وانتشال الضحايا الذين كانوا على متنها، وبلغ عددهم التسعين.
عمليات القيادة أصدرت الأوامر الى الجهات المعنية لتنفيذ المهمة، وجرى التنسيق والتعاون بين مختلف الأجهزة، وواكبت مديرية التوجيه أعمال البحث والإنقاذ التي نفّذتها القوات الجوية والبحرية، وفوج مغاوير البحر، والطبابة العسكرية، والألوية والأفواج المنتشرة في نطاق عملية البحث، وفوجا المغاوير والهندسة، الى قوى الأمن الداخلي والدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني وغيرها، بالإضافة الى قوى أجنبية وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان...
صحيح أن هذه الكارثة كانت الأشد قساوة بين الكوارث التي عرفها لبنان، إلاّ أن التعامل مع مصاعبها جاء متأنياً ومسؤولاً، وقد نمّ عن خبرة عالية وجهد مميّز لدى الوحدات العسكرية كافة.
فماذا في تفاصيل ما حدث ميدانياً؟
مع نائب رئيس الأركان للعمليات العميد الركن عبد الرحمن شحيتلي
بداية اللقاءات للوقوف على حقيقة ما حصل، كانت مع نائب رئيس الأركان للعمليات العميد الركن عبد الرحمن شحيتلي الذي استفسرنا منه عن القوى التي شاركت في عملية الإنقاذ وكيفية التنسيق في ما بينها، فأوضح أنّه من الجيش اللبناني شارك، بالإضافة الى أركان الجيش للعمليات ومديرية العمليات، كل من: القوات البحرية، وفوج مغاوير البحر، والطبابة العسكرية، والشرطة العسكرية، وألوية المشاة الثالث والسابع والثامن والتاسع وأفواج التدخل الثاني والرابع والخامس، وفوج المغاوير، وفوج الهندسة.
وشاركت كذلك قوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للدفاع المدني، والصليب الأحمر اللبناني، وفوج إطفاء بيروت.
أما القـوى الأجنبيـة المشــاركة فكــانت مــن: القوة البحريــة في قــوات الأمــم المتــحدة المؤقــتــة في لبنان والمتمثلة بالدول الآتية: ألمانيا، إيطاليا، تركيا، اليونان، البحرية الأميركية بواسطة مدمرتين (USNS GRAPPLE - USS RAMAGE)، سفينتين مدنيتين متخصصتين (ODESSEY EXPLORER - OCEAN ALERT)، طوافة بريطانية، غطّاسين من البحرية الأميركية متخصّصين بالبحث تحت الماء، طائرة فرنسية وفريق خبراء فرنسيين.
بين زمن الإبلاغ عن وقوع الحادث الساعة 2 و45 دقيقة من صباح 25 كانون الثاني والساعة 6.15، أي خلال أقل من أربع ساعات، ونظراً الى التنفيذ الدقيق والصارم في استنفار القوى وجهوزية غرفة العمليات لمواكبة أعمال البحث والإنقاذ وتوجيه هذه القوى الى مكان الحادث قبالة شاطئ خلدة والناعمة على بعد 5 كلم، حتى بدأت عمليات انتشال الجثث والحطام بالوسائل المتوافرة. وهنا لا بدّ لي من أن أنوّه باجتماعات التنسيق التي كانت تعقد برئاستي في قيادة القوات البحرية وكانت تضم ممثلين عن القوى المشاركة والتي وضعت خلالها خطط عمل القوات المشاركة كافة، وكذلك بالاجتماعات التي كانت تعقد على متن السفن الأجنبية والمدنية المشاركة لمتابعة عمليات البحث وتنسيقها واقتراح ما يمكن فعله لتسريع العملية.
• ما هو سبب المفارقة التي حصلت بين مكان تلقي إشارات الصندوق الأسود من قبل المدمرة الأميركية ومكان هذا الصندوق حسب الخبراء الفرنسيين؟
- المفارقة يمكن تفسيرها بالآتي: وجود الوادي الذي يربط بين النقطتين والذي أدّى دور قناة صوتية انتقلت عبرها الترددات الصوتية الى الصندوق الأسود، ولا سيما أن حرارة طبقات المياه قد تكون شكّلت حاجزاً انعكست عليه الترددات المذكورة، ما سمح بتلقي إشارات على مسافة 10 كيلومترات بواسطة جهاز السونار التابع للمدمّرة الأميركية، والذي تمّ تعديله خصيصاً للمساعدة في البحث عن الطائرة في ظل عدم توافر أي جهاز لاقط لهذه الغاية.
• بعد هذه التجربة القاسية، ما هي الاقتراحات التي ترونها لمواجهة أي حادث مماثل في المستقبل؟
- قبل كل شيء أريد أن ألفت الى أن الفترة التي استغرقها إنجاز المهمة كانت قياسية بالمقارنة مع الوقت الذي تستغرقه عادة كوارث مماثلة حصلت سابقاً في العالم. وتوضيحاً لذلك، أشير الى أن العملية التي استغرقت 25 يوماً، كانت من بينها 5 أيام أولى من دون أجهزة لاقطة لذبذبات الصندوق الأسود التي وصلت الى لبنان في 29/1/2010 مساءً مع الفريق الفرنسي وبدأ استثمارها صباح 30/1/2010، بالإضافة الى 3 أيام أخرى تميّزت بالطقس العاصف وقوة البحر وفرضت توقف عمليات البحث، ما يعني أن العمل الفعلي استغرق حوالى 17 يوماً.
أما الإقتراحات فهي:
- تجهيز القوات الجوية والبحرية بالمعدات اللازمة وضمن المواصفات الدولية للسلامة والأمان للعمل في مختلف الظروف النوئية الصعبة.
- تحديد أحد مراكز الأبحاث والدراسات التابع للدولة وتكليفه إجراء إحصاءات عن الإمكانات المتوافرة لدى القطاعين العام والخاص والتي يمكن الإفادة منها لمواجهة أي كوارث أو أخطار قد تتعرّض لها البلاد.
- تحديد مكان وتسميته ليكون الموقع المركزي للتوجّه اليه عند حصول أي كارثة بهدف تأمين إدارة مركزية للقيادة والسيطرة على معالجة الأزمة وتجهيزه بما يلزم لتمكينه من القيام بالمهمة.
- تعيين فوري لمدير الأزمة عند حصولها من قبل الحكومة على أن يتمّ الإيعاز الى الوزارات والقطاعات العامة والخاصة كافة لوضع الوسائل المطلوبة بتصرّفه.
- إنشاء غرفة إعلام ملحقة بإدارة الأزمة يتم من خلالها التعامل مع وسائل الإعلام كافة.
- تحضير غرف عمليات نقّالة تكون تابعة لمركز إدارة الأزمة الأساسي ويتمّ نقلها الى مكان حصول الأزمة لتأمين الإدارة العملانية.
مع مدير العمليات العميد الركن مارون الحتي
مدير العمليات العميد الركن مارون الحتي أوضح بداية أنه فور تلقّي نبأ سقوط الطائرة، استنفرت غرفة عمليات القيادة، وتمّت إفادة السلطات التراتبية أي حوالى الساعة 2 و50 دقيقة من صباح 25 كانون الثاني.
وتابع: بعد حضوري الى المكتب استنفرت القوات البحرية والجوية والبرية المحاذية للشاطئ من نهر الكلب حتى نهر الدامور وايضاً فوج مغاوير البحر. وبدأت عملية تجميع المعلومات من الشهود العيان (لواء المشاة التاسع، ومديرية المخابرات) ومن غرفة عمليات الطيران المدني التي تمّ فصل ضابط اليها. وأصدر أول أمر للقوات البحرية بالتوجّه الى بقعة السقوط المحتملة لبدء عملية الإنقاذ، وبالفعل أبحرت ثلاث قطع بحرية من قاعدة بيروت البحرية عند الثالثة و35 دقيقة. وكذلك تمّ طلب المؤازرة من قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان بواسطة جهاز الارتباط. وبالمقابل بدأ التنسيق مع الأجهزة المختصة بالإنقاذ (الدفاع المدني، الصليب الأحمر...)، وكان همنا الأول إنقاذ الأحياء والناجين.
وفي أثناء زيارة الرئيس العماد ميشال سليمان غرفة العمليات في قيادة الجيش، شرحت حيثيات الحادث وأفدت بأن حطام الطائرة يقع على ميلين ونصف الميل غرب الناعمة، وهو المكان الذي وُجد فيه حقاً الحطام والجثث والأشلاء والأمتعة...
وعن الآلية التي نظمت عمل القوى والأجهزة، والتنسيق في ما بينها، قال العميد الركن الحتي:
ارتبطت بغرفة عمليات قيادة الجيش غرفة عمليات مديرية الطيران المدني، وقوى الأمن الداخلي، وفوج الإطفاء، والصليب الأحمر، والدفاع المدني، بالإضافة الى غرفة العمليات المشتركة بشقيها البحري والجوي اللذين نسّقا بدورهما مع غرفتي العمليات في القوات الجوية والقوات البرية. كما نسّقت السلطات الأمنية والمؤسسات المدنية الأجنبية الحرّة مع غرفة عمليات القيادة بالإضافة الى غرفة العمليات المشتركة.
• من أين كانت نقطة الانطلاق في البحث، وكيف تمّ تنسيق العمليات؟
- فور الإفادة عن المكان المحتمل لوقوع الطائرة والذي ذكرته في ما سبق، وُجهت جميع القوى الى هناك لا سيما بعدما عُثر على سترة نجاة تابعة للطائرة المنكوبة. ويوم الإثنين 25 كانون الثاني تمّ تنفيذ 12 طلعة جوية، وخرجت 11 قطعة بحرية من قاعدة بيروت البحرية، ومجموعات استطلاع وفرق غطس من فوج مغاوير البحر، وأقام فوج إطفاء بيروت دوريات ونقاط مراقبة على طول الشاطئ المقابل لمكان الحادث، وشاركت سفن وطوافات من قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، وصعدت فرق إنقاذ من الدفاع المدني على متن الطوافات العسكرية التابعة للجيش اللبناني، ودخلت المياه الإقليمية اللبنانية باخرة الأبحاث OCEAN ALERT، وشاركت في عملية البحث السلطات البريطانية بطوافتين والفرنسية بطوافة والقبرصية بطوافة. وتمّ في اليوم الأول انتشال 14 جثة وبعض حطام الطائرة.
واستمرت قوى الجيش في العمل على هذا المنوال في البقعة المحدّدة حتى نهاية المهمة. وقد صادفت تنفيذ العملية عقبات تمثّلت بالعوامل المناخية. وتسهيلاً للعمل وتسريعاً له، أُرسل فريق من الشرطة العسكرية تضمّن محقّقين وعناصر أدلة جنائية، وفريق من الطبابة العسكرية ضمّ طبيباً وممرضين وتمّ التنسيق في ما بينها والصليب الأحمر اللبناني وقوى الأمن الداخلي لإجراء اللازم القانوني من جهة الجيش، تمهيداً لتسليم السلطات المختصة ما يتم العثور عليه. ولما نجح عمل هذه المنظومة على البر، نقلت الى مراكب الإنقاذ لتقوم بواجباتها في البحر.
هذا من دون أن ننسى أنه تمّ وضع مستوعب براد على متن مركب الإنزال المشارك في الإنقاذ لحفظ الجثث والأشلاء فيها بعد إجراء اللازم القانوني وتوضيبها وقبل نقلها الى قاعدة بيروت البحرية.
وقد منعت هذه المركزية في الإدارة والتنفيذ حصول أي فوضى طوال فترة الأعمال المتعلقة بالطائرة المنكوبة.
مع مدير التوجيه العميد الركن صالح حاج سليمان
مديرية التوجيه كان لها دور إعلامي مسؤول نقلت من خلاله الصورة الواقعية لما كان يجري من عمليات بحث وإنقاذ، مع مراعاة أوضاع عائلات المفقودين والضحايا. وللوقوف على دورها، كان لقاء مع مدير التوجيه العميد الركن صالح حاج سليمان.
• كيف واكبت مديرية التوجيه عملية البحث عن الطائرة المنكوبة؟
- واكبت مديرية التوجيه ظروف الكارثة منذ الدقائق الأولى لحصولها أو على الأقل العلم بها. وهذا هو دأبها مع كل الأحداث التي تحصل في الوطن خصوصاً تلك التي يكون للمؤسسة العسكرية اليد الطولى في معالجتها.
مديرية التوجيه بدأت عملها انطلاقاً من غرفة العمليات بهدف متابعة مجريات الأمور التي أشرف عليها بشكل مباشر وزير الدفاع وقائد الجيش. كما أن أرهاطها انطلقت الى مكان العمل في البحر لتغطية الإجراءات العسكرية المتخذة سواء على صعيد متابعة أعمال الإنقاذ التي تابعتها الوحدات، خصوصاً أعمال المراقبين والغطاسين، أو على صعيد التواصل مع وسائل الإعلام التي يسير بها همّ السبق الصحافي الى الإستعجال في إطلاق تفسيرات للحدث متسرّعة في بعض الحالات.
وصدر عن مديرية التوجيه حوالى 20 بياناً متتابعة متكاملة، مع الحرص الكامل على عرض المعلومات الصحيحة والمسؤولة، والتي لا تعرقل أعمال الإغاثة من جهة، ولا تعرقل التحقيقات ولا تسيء الى مشاعر أهالي الضحايا من جهة أخرى.
وقد دعت مديرية التوجيه وسائل الإعلام الى زيارة ميدانية مباشرة الى بقعة الحدث على متن مركب عسكري حيث تمّ الإطلاع على سير العمل.
وكانت مديرية التوجيه في كل ذلك حريصة كل الحرص على توصيف الأمور بأسلوب إعلامي مسؤول خصوصاً على الصعيد الإنساني، حيث أن حالة الضحايا كانت تستدعي المزيد من الانتباه في اختيار الألفاظ والتعابير.
صحيح أن هذه الكارثة هي الأشد قساوة بين الكوارث التي عرفها لبنان، إلا أن التعامل مع مصاعبها جاء متأنياً ومسؤولاً وقد نمّ عن خبرة عالية وجهد مميّز لدى الوحدات العسكرية كافة.
مع قائد الشرطة العسكرية العميد سليم حداد
ما كان دور الشرطة العسكرية خلال هذه الكارثة؟
بهذا السؤال توجّهنا الى قائد الشرطة العسكرية العميد سليم حداد، فأوضح أن مهمة الشرطة العسكرية منذ اليوم الأول للكارثة تمثّلت في تشكيل جسر تواصل بين قطع الجيش العاملة في الإغاثة والنيابة العامة التمييزية من دون إجراء أي تحقيق. فلقد كانت الجثث والأشلاء والأمتعة وغيرها تنقل من مكان الحادث الى قاعدتي بيروت البحرية والجوية حيث تستقبلها مفارز من قسمي التحقيق والأدلة الجنائية في الشرطة، وتعمد الى تنظيم محاضر تضمّ صوراً للجثث ومعلومات أولية عنها، ومن ثم تواكب الجثامين مع الصليب الأحمر اللبناني الى مستشفى رفيق الحريري الحكومي حيث تسلّم الى قوى الأمن الداخلي بموجب محاضر قانونية مع الأغراض الشخصية التي قد تساعد على التعرّف على الجثة. كما قامت الشرطة بتأمين المواكبة للصندوقين الأسودين الى المطار مع لجنة التحقيق.
والجدير بالذكر أنها كانت المرة الأولى التي تخرج فيها الشرطة العسكرية في عرض البحر، إذ صعدت المفارز الى الزوارق حيث كانت تتمّ عملية الكشف والتوثيق وتنظيم المحاضر.
الطبابة العسكرية مستوى عالٍ من الجدية والمسؤولية والإحتراف
كارثة الطائرة المنكوبة التي هزّت أرجاء الوطن، استدعت تضافر جهود قطع مختلفة من الجيش اللبناني للمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ.
من بين المشاركين، كانت الطبابة العسكرية التي واكبت عمليات البحث وانتشال الضحايا منذ بدايتها وحتى انتهاء عمليات الإخلاء، بحسب ما أشار رئيس الطبابة العميد الركن موريس سليم.
وأضاف: أدّت الطبابة العسكرية دورها الطبيعي في الإشراف الطبي خلال البحث عن ضحايا الطائرة. وقد كلّفت لهذه الغاية وحدات من المستشفى العسكري المركزي ومن طبابة منطقتي بيروت وجبل لبنان مشاركة القطع والوحدات العسكرية في الأعمال المطلوبة، وتمّ تقسيم المهمة الى ثلاثة محاور:
الأول، الإهتمام بجثامين الضحايا بعد انتشالها من المياه، وهي مهمة قامت بها فرق طبية متناوبة على مراكب الإنزال في عرض البحر.
والثاني، مواكبة عمل الغطّاسين للإشراف على النواحي الطبية، والتأكد من تقيّدهم بالإرشادات اللازمة لغطس سليم، ومتابعتهم باستمرار لمواجهة أي مضاعفات قد تنتج عن الغطس المتكرر.
والثالث، تطهير الزوارق وتعقيمها منعاً لانتقال الجراثيم والميكروبات.
وأكد العميد سليم أن مهمة البحث وانتشال جثامين الضحايا لم تكن بالسهلة على الإطلاق بالنسبة الى جميع العسكريين المشاركين، فالوضع إنساني جداً ودقيق للغاية، وقد تعامل العسكريون مع كارثة وطنية ومأساة إنسانية، مشيراً الى أنهم أبدوا في مهمتهم مستوى عالٍ من الجدية والمسؤولية والإحتراف.
مواكبة عمل الغطّاسين
ترأس العقيد الطبيب عشراوي الفريق المكلّف الإشراف الطبي على أعمال الغطس في بقعة عمل مغاوير البحر. وقد ذكر في حديثه الى مجلة «الجيش» أن أعمال الغطس لعمق يتجاوز الثلاثين متراً لها قواعد معينة، وكذلك الأمر بالنسبة الى الغطس المتكرّر والمتتالي. وأضاف أن عاملي العمق والوقت الذي تستغرقه عملية الغطس يؤثران على ضغط الدم، وعلى كيفية صعود الغطّاس من تحت الماء. من هنا كان واجب الإنتباه الى التقيّد بالشروط الصحية للغطس، لا سيما أن الغطّاسين كانوا مندفعين للغاية، وقد نفّذوا عمليات غطس يومية متكررة في عمق تجاوز الثلاثين متراً، وفي ظل طقس عاصف ومياه باردة جداً.
وأكد العقيد الطبيب أن الفريق الطبي كان موجوداً بصورة مستمرة، وجاهزاً للتدخل في الحالات الطارئة، أو في حال حصول أي مضاعفات ناتجة عن الغطس المتكرر. وقد شملت الإستعدادات الإسعافات الأولية على المركب، والإسعافات الطبية عبر تزويد الغطّاس بالأوكسيجين من قبل طبيب التخدير والإنعاش في حال اقتضى الأمر ذلك، بالإضافة الى الإسعافات المتوافرة عبر غرفة الضغط في مركز مغاوير البحر.
وأضاف أن الفريق الطبي قام بمعاينة المضاعفات البسيطة التي نتجت عن الغطس المتكرر، مؤكداً أن التزام العسكريين قواعد الغطس وتنفيذهم المهمة باحتراف تام، بالرغم من اندفاعهم الشديد، حالا دون حصول مضاعفات ذات أهمية، كما أدى الى تنفيذ المهمة على أكمل وجه.
حفظ الجثث بطريقة لائقة
واكب النقيب الطبيب هيثم عبد الرحمن عملية البحث والإنقاذ منذ بدايتها ضمن الفريق الطبي الموجود على مراكب الإنزال في عرض البحر.
وقد أشار الى أن المهمة بدأت منذ صدور التكليف عن رئاسة الطبابة، حيث شُكّلت فرق مؤلفة من ضباط أطباء وطاقم من الممرضين والتقنيين، زوّدوا بالمعدات الطبية اللازمة، وتناوبوا العمل على مراكب الإنزال، وفي قاعدة بيروت البحرية في الأماكن التي خصصت لحفظ جثث الضحايا.
وقد أوضح النقيب الطبيب أن مهمة الفريق على مراكب الإنزال قضت بتسلّم جثامين الضحايا التي ينتشلها الغطّاسون، ومن ثم فرزها، وترميزها وحفظها بطريقة لائقة في أكياس خاصة بهدف حفظ معالمها الأساسية المطلوبة للتحقيق الجنائي. وأضاف أنه في مرحلة ثانية، كان يتمّ جمع الأكياس في برادات خاصة لحين نقلها الى مراكز جمع الجثث في قاعدة بيروت البحرية، تمهيداً لنقلها بعدئذٍ الى مستشفى بيروت الحكومي.
وقد أوضح النقيب الطبيب عبد الرحمن أن الطاقم العامل في عرض البحر كان في تواصل دائم مع الطبابة العسكرية والمستشفى العسكري المركزي، حيث تولى فريق من الأطباء إمداد العاملين على مركب الإنزال بالمعدات اللازمة ومختلف الاحتياجات المطلوبة لإنجاح مهمتهم.
وأضاف أن العمل الجماعي الذي قامت به الطبابة كان جزءاً من العمل الجماعي الشامل الذي نفّذته جميع الوحدات المشاركة بمسؤولية تامة احتراماً لأرواح الضحايا وإحساساً بحجم الكارثة الوطنية.
تعقيم الزوارق وتطهيرها
عن دور الطبابة في تعقيم الزوارق المشاركة في عمليات البحث تحدّثت الموظفة المدنية في المستشفى العسكري المركزي السيدة لينا سعد سيدي، فأشارت الى أن الطبابة العسكرية أسندت الى فرع مكافحة العدوى في المستشفى مهمة إعطاء التوجيهات حول كيفية تنظيف الزوارق وتعقيمها، وذلك بسبب تلوّثها بسوائل بيولوجية من جراء تحلّل الجثث. وأشارت سيدي الى أن الهدف من التعقيم منع انتقال أي عدوى للعناصر المشاركين في المهمة بسبب الجراثيم.
وأضافت: قمنا بعمليات تنظيف عدد من الزوارق المطاطية وتعقيمها، كما أعطينا التوجيهات اللازمة للغطّاسين حول كيفية تنظيف لباس الغطس وتعقيمه كونه معرضاً للتلوّث بسبب التماس المباشر مع الجثث.
فوج الهندسة عمل بأقصى جهوزية ومسؤولية
فوج الهندسة بما يملك من خبرة وعتاد وعديد مناسب لهذه المهمة الخاصة، وضع نفسه في الخدمة لمؤازرة مغاوير البحر ودعمهم في بحثهم عن مفقودي الطائرة الأثيوبية المنكوبة.
«بدأت المهمة في 28 كانون الثاني الماضي، يقول العقيد ايلي ناصيف قائد فوج الهندسة، حين صدرت تعليمات قيادة الجيش بوضع سرية الدعم الهندسي الخاص مع التجهيزات اللازمة من معدات غطس وسونار بتصرّف مغاوير البحر التي بدأت تعمل على انتشال ضحايا الطائرة المنكوبة من قاع البحر.
والجدير بالذكر أن عناصر هذه السرية الخاصة هم خبراء ذخائر ومتفجرات وغطّاسون محترفون في الوقت عينه، وينفّذ هؤلاء دورات تدريبية مع القوات البحرية اللبنانية ومع فرق خاصة من القوات البحرية الأميركية تأتي خصيصاً الى لبنان لهذه الغاية.
الرائد فادي شاهين آمر سرية الدعم الهندسي الخاص شرح طبيعة المهمة التي أوكلت اليهم: عندما حُدّد موقع الطائرة بدأنا عملنا لمؤازرة فوج مغاوير البحر في انتشال ضحايا الطائرة، حيث خصّصت لنا بقعة محدّدة ضمن البقعة الكبيرة التي تمّ تحديدها في وقت سابق.
وبدأ غطـّاسو الفوج ينـزلون الى الأعماق أزواجاً، وهي الطريقة المثلى لتلافي حصول أية حوادث محتملة، وكان يستغرقهما الوصول الى الأعماق حوالى 3 دقائق، فيقضيان حوالى عشرة دقائق في عملهـما الدقيق القاضي بالبحث وتحديد موضع الجثث ووضعها في الأكياس المخصصة لها، ومن ثم تعليقها بالحلقة الخاصة على المظلة المعبّأة، بالهواء، والتي بدورها ترفعها الى سطح الماء لتوضع في الزورق المختص.
بعدها يبدأ الغطّاسان بالصعود الى سطح الماء بشكل تدريجي، ليسلّما المهمة الى ثنائي آخر يستعد بدوره للغطس.
• ما الذي ميّز عملكم كفوج هندسة عن باقي القطع المشاركة في المهمة؟
- إضافة الى معدات الغطس الحديثة التي نملكها، فإن جهاز السونار الخاص بالتفتيش البحري الذي حصلنا عليه منذ حوالى الخمسة أشهر ويعتبر أحدث طراز من نوعه، ساهم بشكل كبير في عملية البحث داخل الأعماق.
ويمكن لهذا الجهاز المركّز على الزورق وهو على شكل صاروخ مربوط بكابل كهربائي بطول 150 قدماً وموصول على شاشة الكومبيوتر الخاص به، أن يقوم عند إنزاله داخل الماء بمسح حوالى الـ600 متر من كل ناحية، وهذا الأمر سهّل في أحيان كثيرة عملية البحث عن جثة وجدت ثم فُقدت لسبب من الأسباب أو عن أي قطعة من الطائرة بقيت الجثة قربها أو في داخلها.
وعن المشاكل التي عرقلت سير عملية البحث أجاب الرائد شاهين: إن العمل على هذا العمق الكبير لم يكن سهلاً أبداً، خصوصاً وأن الغطّاس لا يستطيع البقاء والعمل لمدة طويلة من دون أن يؤثر الضغط على رئتيه ويتعب بسرعة كبيرة مهما كان محترفاً.
كذلك تحفل هذه المنطقة من البحر بالتيارات القوية خصوصاً في الأيام العاصفة، ما يزيد عملية الغطس صعوبة ويعكّر المياه فتصبح الرؤية سيئة جداً، وقد ساهمت هذه الظروف الطبيعية بتأخير عملنا بعض الشيء في انتشال الضحايا بالسرعة المطلوبة.
وختم الرائد شاهين حديثه بالقول: كانت تجربة صعبة على الجميع، وبعد أن عملنا حوالى أسبوعين متواصلين، يمكننا القول إننا بإمكاناتنا من عتاد وعديد عملنا بأقصى جهوزية ومسؤولية لتجنيب أهالي الضحايا المزيد من الأسى في انتظار جثامين أبنائهم.
فوج مغاوير البحر لم يعرقلهم موج ولم تثنهم عاصفة عن القيام بمهمتهم
«في اجتماع لقادة الأفواج، توجّه قائد الجيش العماد جان قهوجي اليهم منوّهاً بالجهود التي بذلها جيشنا في المساهمة بمعالجة الذيول والمشاكل الناتجة عن كارثة الطائرة الأثيوبية، وبشكل خاص فوج مغاوير البحر... إنه وسام لنا نفخر به، لأننا كنا على قدر المسؤولية التي وضعتها القيادة على عاتقنا».
بهذه الكلمات بدأ العقيد الركن عبد الكريم هاشم، قائد فوج مغاوير البحر حديثه عن دور الفوج في هذه الفاجعة.
الساعة الثالثة صباحاً... 25 كانون الثاني 2010... طائرة أثيوبية سقطت في البحر... اتصال من عمليات القيادة... أمر بتوجّّه عناصر فوج مغاوير البحر الى مكان الحادثة.
لم يعرقلهم موج ولم تثنهم عاصفة عن القيام بمهمتهم، بل توجّه قائد الفوج وأركانه وعناصره على الفور الى قاعدة بيروت البحرية، وتوزّعوا على مراكبه الكبيرة، فهم لا يستطيعون التدخّل بزوارقهم الصغيرة (Zodiac).
منذ الساعة الأولى
بتفصيل دقيق راح العقيد الركن هاشم يسرد ما واجهه وفوجه منذ الساعة الأولى لهذه المهمة:
كمرحلة أولى شارك كل عناصر الفوج في انتشال الجثث والحطام بالإضافة الى دوريات مستمرة في البحر.
أما في اليومين الثاني والثالث، ووسط تضارب المعلومات حول مكان وجود الطائرة، اجتمعت وضباط الفوج وعرضنا المعطيات للتوصل الى نتائج منطقية.
في هذا الوقت حضرت السفن الأجنبية للمساعدة في إيجاد الصندوقين الأسودين.
نشرنا مجموعاتنا على طول الشاطئ من الرملة البيضاء الى الناعمة، وتابع غطّاسونا عملية سبر المنطقة من خلال غطس إنتقائي تحسباً لإيجاد أي دليل أو علامة ترشدنا الى الحقيقة، ولتحديد حطام أو أشلاء أو جثث عالقة.
معطيات متقدمة
يوم 28 كانون الثاني نزلت مجموعات كبيرة من الفوج مقابل شاطئ الناعمة وخلدة لمتابعة عمليات البحث تحت الماء، متجهين نحو تأكيد سقوط الطائرة على مسافة قريبة من الشاطئ (10 الى 15 كلم من الشاطئ على عمق حوالى 1300 الى 1400 متر).
وفي ذلك استندوا الى عدة معطيات، كما يوضح قائد الفوج:
بدايةً وجدنا أن الحطام والأشلاء تنتقل من منطقة السعديات - الناعمة باتجاه شاطئ خلدة - الأوزاعي مع حركة التيار (جنوبي - غربي).
والأهم أننا حصلنا على صورة كان قد التقطها أحد المواطنين يوم الحادثة الساعة السادسة صباحاً، تظهر بقعة كالزيت في البحر.
وقد استطعنا الكشف على المنطقة مكان البقعة الموجودة في الصورة حيث رمينا ياطراً لتحديد المنطقة، وإذ بنا نفاجأ بجثة قريبة (50م) على وجه الماء وذلك يوم الثاني من شباط. وبالتالي أصبحنا على شبه يقين بوجود الطائرة في هذه البقعة بالتحديد وباشرنا عمليات الغطس والبحث.
وتابع مغاوير البحر الغطس حتى ساعة متأخرة من الليل، فوجدوا قسماً من جناح الطائرة وجثة متحلّلة عالقة بين الصخور من دون أن يتمكّنوا من انتشالها نظراً الى صعوبة الوصول الى مكان وجودها والى الظروف المناخية التي رافقت عملية الغطس.
وبالرغــم من ذلـك تابعــوا العمــل حتــى سـاعــة مـتأخرة مـن اللـيل، الى أن أمـرهــم نــائــب رئيس الأركان للعمليات بالخروج من الماء حتى لا يتعرّض أي من العسكريين لخطر أو ضرر.
وإزاء المعطــيات الجديــدة التــي توصّل اليها الفــوج عن الأشلاء والحــطام والجثث وعرض قائد الفوج وجهــة النظر الــتي توصلوا اليها من خــلال الاستنتــاجات المنطــقية والتي تقــول بوجود الطــائرة في مكان محدد، أعطى قائد الجيش تعليمــاته بوجــوب تحويل الدعم الكامل لمساعدة فوج مغاوير البحر في عمليات البحث.
إثر ذلك، عُقد اجتمــاع في قاعــدة بيروت البحرية حــضره ضباط من مختلف القطع المشاركة، وفريق أميركي من USNS Grapple (بارجة أميركية لديها قدرات هائلة في عمل البحار مع فريق غطس) بالإضافة الى المسؤول عن الـOcean Alert.
وبعد شــرح وجهة نظر قائد فوج مغــاويـر البحر، وتحديــد مكان سقــوط الطائرة افتــراضيــاً في منطقة ضمــن كيلومـتر مربــع محتمل، تبعد 3 كلم عن شاطئ النــاعمة، توجّــهت Ocean Alert الى تلك المنطقة ووجدت الطائرة.
الصندوق الأسود الأول
وُجدت الطائرة وبدأ العمل على إيجاد الصندوقين الأسودين. العقيد الركن هاشم يتابع شرحه المفصّل:
أحضرنا فريقاً فرنسياً درّب ضباطنا وعسكريينا على جهاز (Indicator) يلتقط موجة الصندوق الأسود (أي الموجة 37 ونصف).
وهكذا استطعنا تحديد مكان الصندوق الأسود الأول في جناح ذيل الطائرة الذي يزن حوالى 3 - 4 طن وطوله حوالى 20 متراً. فكانت المشكلة في كيفية رفعه لانتشال الصندوق.
عندها استعـنّا بالـUSNS Grapple وعملــنا حتى الواحدة ليلاً لسحب الذيل، بمرافقــة فريق لجنة التحقيـــق ولكــن لم يكن الصندوق موجوداً.
في اليوم الثاني عدنا للبحث عن الصندوق الأول، وبعد 25 دقيقة من بدء عملية الغطس، استطاع فريقنا انتشاله، وبالطبع كان ذلك يترافق مع أهمية انتشال الأشلاء والجثث، فالصندوق يستطيع حل اللغز.
تعليمات... والصندوق الثاني
أرادت الـOcean Alert إجراء مسح تصويري للمنطقة، ما كان سيؤخر عملية انتشال الجثث. فطلب العقيد الركن هاشم مهلة إضافية للقيام بغطسة إستكشافية وكانت التعليمات واضحة منذ اليوم الأول للمهمة، بوضع أي جثة يجدها الغطّاسون في الكيس المخصّص، ورفعها الى سطح الماء.وعلى الرغم من المأساة، كانت فرحة الغطّاسين من فوج مغاوير البحر كبيرة، كما يلفت قائد الفوج، لأنهم استطاعوا انتشال عدة جثث. وراحوا يقومون بعدة غطسات يومياً على عمق 45م.
وخلال متابعة عمليات البحث، وجد غطّاسو الفوج الصندوق الأسود الثاني مجرداً من الذاكرة، وذلك على بعد حوالى 300م عن الصندوق الأول.
وأوضح الإختصاصيون أن الذاكرة يمكن أن تبعد 30 الى 40م نتيجة ضربة ما. فاعتمد قائد الفوج طريقة «كنس القطاع» (من قريب الى بعيد، تقسيم المنطقة الى مربعات صغيرة وإنزال الغطّاسين للبحث شبراً بشبر)، واستطاعوا إيجاد ذاكرة الصندوق خلال يومين.
وكانت عمليات انتشال الأشلاء والمقتنيات مستمرة طوال الوقت. وقد تمّ إحضار Odyssey Explorer لتصوير الأشلاء وتحديد مكانها. فتم تحديد 64 نقطة فيها أشلاء صغيرة، استطاع عناصر الفوج انتشالها خلال يومين.
لماذا؟
في خضم هذه المعاناة، كثرت الأقاويل وتعدّدت التساؤلات، وتبادر الى ذهننا طرح إحدى تلك التساؤلات على قائد الفوج.
• لماذا لم تسمحوا لغطّاسين من وحدات وفرق أخرى، لمساعدتكم في هذه العمليات؟
- كنت متأكداً من أن رؤية الجثث المحلّلة والتعاطي معها على عمق خطر، كانت ستسبّب ردّة فعل سلبية على مَن لم يعتدْ هذا الأمر. لذا لم يكن بإمكاننا المخاطرة في هذه الناحية. كما أننا متأكدون من احتراف عناصرنا الذين تعاطوا مع الوضع من دون أي تذمّر وواجهوا كل الصعاب والمشقات بمسؤولية وإصرار على التوصّل الى النتائج المرجوّة.
السبب الآخر كان ضيق المنطقة حيث كنا ننفّذ المهمة (50 الى 100م عرض، بطول 300م) أي مكان انتشار الحطام. فعدد الغطّاسين لدينا يستطيع تغطية هذه المنطقة وأكثر لذا لم يكن وارداً الإستعانة بغطّاسين إضافيين.
وثمة سبب آخر يمكن شرحه كالآتي:
فيما كنا نقوم بغطساتنا، وجدنا الكثير من المقتنيات الخاصة والأموال والمجوهرات والأوراق الثبوتية للركاب... والأوامر في هذا المجال كانت واضحة لعسكريينا وتقضي بتسليم كل ما يتمّ إيجاده الى الجهات المختصة لإعادتها لأهالي المفقودين. جيشنا في هذا المجال يتحلّى بأخلاقيات عالية وهذا أمر هام جداً.
لهذه الأسباب، حُصر العمل والبحث بفوج مغاوير البحر مع حضيرة من فوج الهندسة تملك جهاز Sonar، أدّوا واجبهم تحت السيطرة العملية لفوج مغاوير البحر.
احتراماً لمشاعر الناس
على هامش حديثنا، أبدى العقيد الركن عبد الكريم هاشم امتعاضه من بعض وسائل الإعلام الذي كان يعرقل نجاح العمليات بطريقة من الطرق. فقد حاول بعض الوسائل الحصول على معلومات أو صور عن عملنا، ولكن الأمر جاء واضحاً من القيادة بمنع تسريب أي منها، الى أي شخص أو جهة كانت، حفاظاً على خصوصية الموضوع والحالة، واحتراماً لمشاعر الناس.
هذا الأمر جعل بعض وسائل الإعلام وبعض الإعلاميين يسترسلون في مخيلتهم، من جهة تحليل المعطيات كأن يقولوا مثلاً إن الصندوق الأسود قد تم إخفاؤه وغيرها من الشائعات والأقاويل التي وصلت الى حدّ الزعم بوقوع إصابات من جراء العمليات في فوج مغاوير البحر.
كل هذا لم يردعنا عن متابعة مهمتنا، بل اتكلنا على أنفسنا وكان إيماننا كبيراً بدورنا، وشعرنا بأن من نبحث عنهم هم أهلنا وواجبنا أن نجدهم ونساعد أهلهم.
ويتابع قائد فوج مغاوير البحر التنويه بجهود عسكرييه ذاكراً شهادة توجّه بها رئيس الفريق الأميركي Grapple قائلاً بأنه لم يرَ يوماً مثل هذا الفريق بإصراره والتزامه واحترافيته. فالفريق الأميركي قام بثلاث غطسات وقد أصيب فرد منه على الرغم من التقنيات والأجهزة المتطورة التي يملكونها، أما مغاوير البحر فقد قاموا بمئات الغطسات ولم يُصب أحد.
إرادة هزمت التكنولوجيا
الى جانب قائد الفوج، كان ضباط يساندونه في القرارات والتحليلات، استطاعوا جميعهم قيادة عمليات ناجحة في حلّ لغز الطائرة الأثيوبية المنكوبة.
المقدم فادي مخّول، رئيس الفرع الثالث في فوج مغاوير البحر (العمليات والتدريب) يوضح أن «الصبر والإندفاع والثبات بالموقف وشجاعة العسكريين ساعدتنا على المتابعة. وكما قال أحد الضباط الأميركيين عنا «The Will defeated the technology» أي أننا بإرادتنا وإصرارنا هزمنا التكنولوجيا التي لم تؤد الى النتائج التي توصّلنا اليها. ولا يمكن أن ننكر خبرة عسكريينا وخبرتنا وسنوات تخصّصنا في هذا المجال، خصوصاً من خلال مهمات سابقة شاركنا فيها (مثلاً: حادثة طائرة كوتونو)... سنوات من التدريب المتواصل في هذا المجال زوّدتنا بهذه الإرادة والتصميم للمتابعة وتخطّي الصعوبات.
أما بالنسبة الى ما استخلصناه من هذه المهمة بالتحديد، فإننا أظهرنا قدراً كبيراً من التعاون والتنسيق والتماسك على صعيد أركان وضباط الفوج وعناصره. ومستقبلاً، سوف نعمل على زيادة عدد الغطّاسين في الفوج وتزويدهم العتاد اللازم بالإضافة الى تطويرهم وتدريب فريق غطس يعمل على عمق يتخطّى الـ65 متراً الذي هو الحدّ الأقصى الذي نستطيع حتى الآن الوصول اليه. إذاً علينا تكثيف العمل البحري لدى عسكريينا، خصوصاً وأن هذه التجربة أظهرت أن خيارنا كان هو الصحيح وفوجنا يتميّز بقدرات متنوعة بحراً وبراً وجواً».
أثبتنا جدارتنا
من جهته أكّد الرائد فادي كفوري، رئيس الفرع الثاني في الفوج، أنه نتيجة التخطيط الدقيق والإرادة الصلبة والإصرار على تنفيذ المهمة مهما كان الثمن، نجح فوج مغاوير البحر وأثبت جدارته مجدداً بالعمل في مختلف الظروف وذلك نتيجة العمل الدؤوب والتدريب القاسي والمكثّف في المجالات كافة.
وأضاف أن كل العمليات التي نفّذها عناصر الفوج خلال هذه المهمة تمّ تصويرها من قبل عناصر التوجيه في الفوج وبإمكاناتهم المتواضعة. وقد أُرسلت جميع الأفلام (فوق البحر وتحته) الى مديرية التوجيه لاستثمارها عند المقتضى.
غطّاسون... عسكريون... إنسانيون
غطّاسو الفوج كانت لهم كلمتهم وشهادتهم في ما يخصّ الكارثة.
فمن جهته يوكّد المؤهل الأول ابراهيم الألطي أن أبرز الصعوبات كانت من الأحوال الطبيعية، فهي المرة الأولى التي يغطسون في مثل هذا الطقس... بالإضافة الى التعامل مع الجثث والمعاناة لانتشالها. وقد كان أبرز ما تعلّمه هو «عدم اليأس على الرغم من أننا كنا كمن يبحث عن إبرة في كومة قش ولكن إصرار القائد والضباط زادنا عزماً على المتابعة».
المؤهل الأول عامر سعيد شدّد على هذه الفكرة ايضاً «فبطبيعة الحال، عندما نرى قائد فوجنا أمامنا لا يفارقنا لحظة، وضباط الفوج مندفعين، كل هذا يزيدنا إندفاعاً.
أما الفرق بين ما تدرّبنا عليه وما واجهناه في هذه العملية، أننا كغطّاسين نتدرّب من دون مصادفة أي خطر على عكس ما واجهناه من طقس صعب وجثث وحطام وغيره».
أما المؤهل محمود بحرة فيركّز على «أهمية الثقة برفيق الغطس، وضرورة العمل الجماعي إذ أن العمل الفردي ممنوع. وهذا ما استنتجناه في هذه العملية، خصوصاً عندما كنا رفيقي وأنا ننتشل جثة قبطان الطائرة من غرفة الأمرة تحت الماء».
«كانت تجربة جديدة مختلفة عن تدريباتنا للحرب» يقول المعاون الأول غسان ماروني، «فقد كانت مهمة إنسانية تتطلّب هدوء أعصاب، لأننا كنا ننتشل أشخاصاً لا ذنب لهم ولا دخل لهم في الحرب. لم نكن نتعامل مع عدو... وقد علّمتنا هذه المهمة أهمية التدريب المستمر إذ لا يعرف الشخص متى يلجأ اليه، بل علينا أن نكون في جهوزية مستمرة».
أما المعاون الأول سيمون مخلوف، الذي شارك من قبل في مهمة كوتونو، فيوضح الفرق بين المهمتين: «في كوتونو كانت الطائرة على الشاطئ وبحثنا عن الصندوق الأسود تحت الماء، كما سحبنا الجثث التي كانت طافية على وجه الماء. أما في هذه المهمة مع الطائرة الأثيوبية، فكنا نبحث عن مكان الطائرة وتدرّجت الصعوبات بين خطر الغطس وصعوبة الرؤية...».
وقد أجمع كل الغطّاسين على الطابع الإنساني لهذه المهمة، فكل منهم يضع نفسه مكان أهالي الضحايا، ويشعر بوجوب إتمام المهمة لكي يساهم في التخفيف من حرقة الأهل... «إننا نقوم بواجب إنساني تجاه ربنا والوطن»!!
للتاريخ...
في ختام هذا الشرح المسهب، والشهادات الحيّة التي أوضحت طبيعة المهمة التي تولاّها فوج مغاوير البحر، يختم قائد الفوج العقيد الركن عبد الكريم هاشم: «لقد قمنا بعمل تعجز عنه الأساطيل والدول وسنتابع لنثبت أنفسنا مرة جديدة في أي مكان يدعونا اليه الواجب. من هنا أشكر كل فرد وعنصر من الفوج ساهم في إنجاح هذه المهمة وصولاً الى الضباط الذين أحاطوا بي والذين أمّنوا المساندة اللوجستية والحماية كلٌّ حسب مهمته ودوره. ونؤكّد أن عمل القوات الخاصة هو عمل فريق، فلا أحد ينجح بمفرده.
والحمد لله أننا أثبتنا أن فوج مغاوير البحر هو على قدر المسؤولية أمام القيادة وأمام الشعب اللبناني.
القوات البحرية عمل إيجابي وفعّال في ظل ظروف إنسانية ضاغطة
عند ورود خبر سقوط الطائرة الأثيوبية في البحر من برج المراقبة في مطار رفيق الحريري الدولي إلى غرفة عمليات الشبكة الرادارية في القوات البحرية، سارعت مراكب وزوارق البحرية في قاعدتي جونية وبيروت البحريتين الى الإبحار فوراً بإتجاه شاطئ الأوزاعي في خلدة على بُعد ثلاثة كيلومترات تقريباً من الشاطئ.
وكانت القوات البحرية أول الواصلين للبدء بعملية البحث والإنقاذ، وقد أنشئت على الفور غرفة عمليات في قاعدة بيروت البحرية برئاسة قائد القوات البحرية العميد البحري نزيه بارودي وعدد من الضباط والأركان وقادة القواعد، لمواكبة الكارثة في ظل ظروف مناخية صعبة للغاية وتحت عوامل ضاغطة. بعدها حضر ضابط عمليات الشبكة الرادارية الرائد البحري زياد علاّم الذي قام بوضع خطة أولية للقيام بعملية البحث والإنقاذ، آخذاً بعين الإعتبار المكان المحتمل لسقوط الطائرة وقوة وإتجاه البحر والرياح، فحدّدت على إثرها البحرية الموقع التقريبي لسقوط الطائرة وقد كان موقعاً إفتراضياً.
وبسبب عدم توافر العتاد المتطوّر والطقس العاصف، استغرقت عمليات البحث والإنقاذ فترة طويلة لإنهاء المهمة. ولكن يجدر بالإشارة هنا أنه على الرغم من طول فترة البحث والإنقاذ، تبقى فترة قياسية ممتازة نسبة الى عمليات البحث المنفّذة دولياً في حوادث الطيران.
قائد القوات البحرية، العميد البحري نزيه بارودي قال: منذ لحظة الكارثة، وإلى جانب فوج مغاوير البحر والقوات الجوية ومجموعة متخصّصة من فوج الهندسة، بدأت القوات البحرية العمل من دون توقّف. وبالإضافة إلى الطاقات البشرية واللوجستية المتوافرة لديها، إستعانت بصورة فورية بالقوى البحرية العاملة ضمن نطاق القوات الدولية التي سارعت مشكورة في استخدام قدراتها المتطورة»، وقد خُصّصت قطاعات عمل لبوارجها الحربية وهي المركب الحربي التركي «TCG BOZCAADA» المركب الإيطالي الحربي «ITS ZEFFIRO» والمراكب الحربية الألمانية «FGS PEGNITZ»، «FGS LABOE»، «FGS MOSTEL».
بعدها، تمّ تطوير خطة البحث والتفتيش وفقاً للمعطيات المستجدة فشاركت في العملية باخرة مدنية متخصصة «OCEAN ALERT» كانت موجودة في مرفأ بيروت، إضافة إلى سفن متخصصة في مجال الأبحاث «USNS GRAPPLE» و«USS RAMAGE» وقد كان لعملها نتائج ممتازة، فهي التي ساهمت في تسريع عملية المسح بالأجهزة المتطوّرة.
ويشير هنا الملازم الأول البحري أحمد الياس شرّي إلى وجود ضابط إرتباط على متن كل باخرة أجنبية شاركت في عملية البحث عن أنقاض الطائرة الأثيوبية المنكوبة. وقد كان دوره مهماً جداً وعمله دقيقاً، يراقب العمل على متن البواخر الأجنبية وينقل الصورة والأحداث والتطوّرات المستجدّة الى غرفة القيادة والعمليات في قاعدة بيروت البحرية وبالعكس، فهو صلة الوصل بين الطرفين ولا يمكن للبواخر الأجنبية العمل في غيابه.
تنسيق العمل
نظراً إلى كثرة الأجهزة المعنية في المهمة، كان من الضروري جداً إنشاء غرفة عمليات أخرى موسّعة بتوجيه من نائب رئيس الأركان للعمليات العميد الركن عبد الرحمن شحيتلي، شارك فيها كل من مدير العمليات والقوات البحرية والقوات الجوية وفوج مغاوير البحر والشرطة العسكرية وقوى الأمن الداخلي والطبابة العسكرية ومديرية الطيران المدني ومديرية الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني، إضافة إلى البعثة الفرنسية المتخصّصة التي حضرت الى لبنان للمشاركة في عملية تحديد موقع سقوط الطائرة.
وبحسب العقيد الركن البحري جوزف واكيم، منسّق العمل في هذه الغرفة بين البحرية وفوج مغاوير البحر بإشراف لجنة التحقيق عبر قيادة الجيش، فإن جميع المعنيين يجتمعون ويصار الى تجميع المعلومات كافة ثم يتمّ إستثمارها من قبل القوات البحرية وتحويلها للتنفيذ الميداني.
وقد ساهم المجلس الوطني للبحوث العلمية وبمبادرة من الدكتور كابي خلف بتزويد القوات البحرية بجهاز (R.O.V -Remoted Operator Vehicule) متخصص بالتصوير المسجّل تحت الماء.
ففي المرحلة الأولى، وبحسب العقيد الركن البحري جوزيف الغريّب، جرى تحديد موقع إفتراضي لسقوط الطائرة والصندوق الأسود إنطلاقاً من معطيات إنتشار الجثث والركام على سطح الماء، إضافة إلى آخر موقع راداري للطائرة وبعض العمليات الحسابية. وبمعاونة الفريق الفرنسي الذي وصل في الوقت المحدد مزوّداً بأجهزة متطوّرة، تمّ تأكيد المواقع المفترضة سابقاً. وأخيراً وبعد عمليات بحث مضنية، عُثر على الصندوق الأسود الأول وتمّ إنتشاله وتسليمه الى لجنة التحقيق.
وفي مرحلة لاحقة، قام العقيد الركن البحري الغريّب مع مركز البحوث بتشغيل الـR.O.V التابع للمركز المذكور على متن مراكب الإنزال بغية تحديد موقع الصندوق الأسود الثاني الذي يحمل مسجّل المكالمات في قمرة القيادة (Voice Recorder)، وقد نجحوا في ذلك فعلاً وكان لعملهم الأثر الإيجابي والفعّال بعد أيام عديدة من حبس الأنفاس والبحث والجهد المتواصلين.
وقد أشار الرائد البحري طارق فرج وهو من الضباط الذين كانوا يتابعون العمل ميدانياً على أحد مراكب الإنزال، إلى أن مراكب الإنزال كانت تحمل البرادات التي تستقبل الجثث والأشلاء المنتشلة من البحر وكان على متنها جهاز طبي من الطبابة العسكرية، فريق متخصّص في الأدلة الجنائية وفريق من الشرطة العسكرية إضافة الى فريق غطّاسين من القوات البحرية يقومون بالغطس والبحث عن أي جسم له علاقة بالطائرة المنكوبة بعد الإستعانة بالـR.O.V الذي يشتبه بالجسم ويحدّده هدفاً فيتأكد الغطّاسون منه على الفور.
ومن المهم أن نذكر هنا، مدى خطورة العمل الذي كان يقوم به الغطّاسون الى عمق 40 متراً في غياب غرفة الضغط.
كذلك، ومواكبةً لعمليات البحث والتفتيش، كانت الزوارق المطاطية ذات القعر الصلب (Rigide hull Inflated Boat) تعمل على طول الشاطئ اللبناني. وهي عبارة عن Platform، بحسب الملازم الأول البحري خليل المجذوب الذي كان على متن إحداها، مهمّتها نقل الجثث التي ينتشلها الغطّاسون على وجه السرعة في حال ابتعاد مراكب الإنزال عن موقع الإنتشال.
ختاماً، إن القوات البحرية في الجيش اللبناني، ضباطاًَ ورتباءَ وأفراداً، كانوا يشعرون بالغصّة حول الإمكانات المتوافرة بين أيديهم خصوصاً وأن لهم ملء الثقة بقدراتهم المهنية والتقنية التي تخوّلهم استعمال التقنيات والوسائل كافة التي تمّ الإستعانة بها، سواء أكانت مراكب حربية متوسطة الحجم أو أجهزة رصد وتعقّب أو حتى عتاد بحث وغيرها.
وبالرغم من ذلك، فقد استطاعت القوات البحرية، بجهوزيتها التامة والدائمة، القيام بعمل إيجابي وفعّال في ظل عوامل إنسانية ومناخية ضاغطة.
القوات الجوية استطلاع وجولات بحث ومساعدة في الإخلاء
بعد تلقي اتصال من غرفة العمليات الجوية في برج المراقبة في مطار رفيق الحريري الدولي، مفاده اختفاء طائرة مدنية أثيوبية، أمر قائد القوات الجوية العميد الركن سمير المعلولي بتحضير الطوافات لأعمال البحث. كما طلب استدعاء الطيارين والفنيين كافة للإلتحاق بالقاعدة بصورة فورية.
قائد القوات الجوية يشرح لنا كيفية تدخّل قواته في هذه المهمة: «عند بزوغ فجر 25/1/2010 أي حوالى الساعة 6.20 تمكّن الطيارون من مشاهدة أجزاء من جسم الطائرة تطفو على سطح المياه ضمن دائرة شعاعها حوالى 500 متر وعدد من الجثث طافياً بين الركام. فأعطي الأمر للبحث بأفضلية أولى عن ناجين أحياء وإخلائهم بالطوافات وذلك من المنطقة الممتدة من الناعمة حتى رأس بيروت. وعند التأكد من عدم وجود ناجين أحياء، بوشرت عملية انتشال الجثث بمساعدة الغطّاسين.
هذا وعيّنا ضابط إرتباط من قاعدة بيروت الجوية في برج المراقبة التابع للمطار لتنسيق رحلات البحث والإنقاذ التي نفذّتها القوات الجوية والأمم المتحدة اعتباراً من 25/1/2010 ولغاية 27 منه.
تفصيل المهمات في الجو
عن تفصيل المهمات التي نفّذتها القوات الجوية، أوضح العميد الركن الطيار المعلولي أنه بتاريخ 25/1/2010 نُفذّت خمس ساعات طيران على الطوافة سيكورسكي و13 ساعة على الطوافة UH-1H و40 دقيقة على الطائرة نوع سيسنا، فاستطاعوا انتشال ست جثث، بالإضافة إلى جثتين بواسطة طوافة بريطانية.
وفي اليوم نفسه، قام وزراء الداخلية والأشغال العامة - الصحة العامـة بالإضافة الى قائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخلي، باستطلاع منطقة الحادث بواسطة طوافة سيكورسكي.
إلى ذلك، نفّذنا في الأيام التالية ساعات طيران لصالح مهمة التفتيش والإنقاذ، بلغ مجموعها 61.35 ساعة.
شاركت القوات الجويـة بإجتماع عُقد في قيادة القوات البحرية بحضـور جميع المعنيين بعملية التفتيش، وتمّ التشاور لتفعيل البحث عن حطام الطائرة وتنظيم العمل وتقسيم قطاعات البحث.
وقد عُقـد اجتماع ثانٍ ضمّ إلى الجهات المعنية، وفداً من مكتب التحقيق الفرنسي BEA ووفداًَ من شركة Boeing ووفداً من الشركة الأثيوبية لتبادل المعلومات والتنسيق المشترك.
صعوبات ولكن...
بالحديث عن الصعوبات التي واجهتها القوات الجوية في هذه العملية، ذكر العميد الركن المعلولي النقطة الأولى التي تتعلّق بتضارب الآراء حول أماكن وقوع الطائرة مما أدّى إلى خسارة الوقت بالتفتيش.
هذا بالإضافة إلى النقص في الأجهزة المتطوّرة... والأهم صعوبة التنسيق بين الجهات كافة في بداية المهمة وتضارب الصلاحيات، وهذا ما تداركته قيادة الجيش وبادرت الى تنفيذ اجتماعات تنسيقية بين المكلّفين بالتفتيش لتوحيد العمل وتنسيقه.
إلى ذلك، نُفذت عملية إنتشال الجثث على مستوى عالٍ من الإحترافية على الرغم مما كان يحيط بها من خطورة في الأحوال الجوية السيئة والأمواج العاتية.
وقد كان لقائد القوات الجوية سلسلة إقتراحات وتوصيات للمستقبل، لتجنّب الأخطاء وتفعيل المهمات، فطلب إشراك مندوب عن قيادة الجيش في لجنة التحقيق، كونها المسؤولة المباشرة عن تنفيذ عمليات البحث والإنقاذ، ولوجود عدد كبير من الضباط في القوات الجوية ذوي خبرة كافية بالتحقيق بحوادث الطيران.
كما أشار إلى ضرورة إنشاء غرفة عمليات على صعيد قيادة الجيش للتنسيق وتفعيل العمل عند حصول حوادث مماثلة مستقبلاً. هذا بالإضافة إلى تحقيق تجهيزات ملاحية راديوية للمساعدة على التفتيش والدلالة على أماكن سقوط الطائرة والصندوق الأسود.
وختم بضرورة التنسيق المباشر بين القوات الجوية والمديرية العامة للطيران المدني للإستفادة من خبرات ضباط القوات الجوية المحققين في حوادث طائرات، وتحليل الحادث وأسبابه بالتعاون مع باقي الأطراف المعنية بالحادث.
الدفاع المدني إمكانات وجهود لإتمام عمليات البحث وسبر الأعماق
فور حصول الكارثة، تشكّلت لدى وزارة الدفاع الوطني غرفة عمليات مركزية، أدّت الدور الأساسي في موضوع التنسيق وإدارة الأزمة.
وطلب وزير الداخلية اللبناني الوزير زياد بارود من فرق الإنقاذ البحري في الدفاع المدني اللبناني أن تكون بتصرّف غرفة عمليات قيادة الجيش.
ولإتمام الإجراءات التي تكفل سلامة العمل للوصول إلى النتائج المرجوّة في انتشال ما أمكن من جثث الضحايا والحصول على ما أمكن من حطام الطائرة الأثيوبية، تضافرت جهود كل من قيادة الجيش وقوى الأمن الداخلي والدفاع المدني والصليب الأحمر إضافة إلى بواخر وطوافات تابعة لقوات «اليونيفيل»، والسفن الأميركية والفرنسية المتخصّصة بعمليات الإنقاذ...
كلها إمكانات وجهود اتّحدت لإتمام عمليات البحث وسبر الأعماق بحثاً عن أي جديد بالرغم من الطقس العاصف والصعوبات.
صباح الكارثة، إنتشر 150عنصراً من الدفاع المدني بين رؤساء مراكز ومتطوعين على طول الشاطئ، وتوجّهوا من خلال دوريات الى حيث الحادث وقاموا بتفتيش المنطقة الممتدة من شاطئ الجيّة حتى رأس بيروت، واقتصرت مهمتهم على إنتشال الجثث وجمع قطع الطائرة المبعثرة على طول الشاطئ وتسليمها الى قيادة الجيش.
في الأيام التالية، انتشرت مراكز للدفاع المدني على الشاطىء، وواصل العناصر مهمة يُجمع كل من شارك فيها، انها الأسد صعوبة وألماً.