- En
- Fr
- عربي
رحلة في الإنسان
بين العقل والإحساس نصائح لاستثمارات مالية ناجحة!
منذ بداية العمر، يبدأ القلق على المصير، ويبدأ معه التفتيش على فرص تحقّق الحلم بالاستقرار. وهذه الفرص هي عادة في متناول الجميع، لكن البعض يجدون صعوبة في اقتناصها، بينما يستفيد منها كثيرون بدون حساب.
هذا المبدأ ينطبق على مجالات العمل كافة، وفي مقدّمها الاستثمار في سوق الأسهم. فهذه السوق المغلّفة بالرهبة والغموض، تبقى الشغل الشاغل للطامعين بالمغامرة وجني الأرباح. مع ذلك، فهي قد تعصى على البعض وتفتح أبوابها لسواهم من دون عناء.
ما هو سرّها؟ هل يكمن في متاهاتها الغامضة، أم في شخصيات مقتحميها؟
العقل في مواجهة المال
في كتاب «العقل في مواجهة المال»، للطبيب النفساني الأميركي جون سكوت، أجوبة تدور بمجملها حول استحواذ المال على العقل والأحاسيس، وتلقي الضوء على أسس الاستثمار الناجح، بعيداً عن مشاكل الشخص الفردية، والصراعات النفسية. وفي هذا السياق، شرح موسّع للإنفعالات البشرية المتناقضة تجاه المال، وجني الأرباح، وكذلك تصحيح للإعتقادات الشعبية بشأن سوق الأسهم، الأمر الذي يشجّع أصحاب الدخل المحدود على اقتحامها وفق قواعد مدروسة.
ومن ضمن هذه القواعد، يأتي الكاتب على تصنيف أنواع المستثمرين الذين تجمعهم التوجّهات، وتتلاعب بمصيرهم خطوط شخصياتهم.
من هذا المنطلق تبرز شخصية المستثمر كنقطة ارتكاز لأسس المغامرة التي تحتاج الى أطر منطقية تستقر ضمنها فورة المشاعر. وباعتبار الكاتب خبيراً في سوق الأسهم إضافة الى كونه طبيباً نفسانياً، فقد تمكّن من تحديد أنواع المستثمرين أو الراغبين في الاستثمار، مع الإشارة الى النتائج السلبية والإيجابية التي قد يفرزها تعاملهم مع واقع السوق، وهنا بعض أهم هذه الأنواع، والنصائح الموجّهة اليهم.
البنتاعون وراء الحقائق الثابتة
كثيرون يشعرون بالرهبة تجاه سوق المال بسبب سعيهم الدائم وراء الحقائق الثابتة، والتي لا وجود لها. وقد يكون هؤلاء من الذين اختبروا الخسارة في بداية حياتهم أو عانوا مشاكل مالية وعاطفية نتيجة فقدان معيل العائلة. وقد يكونون من الطبقة العاملة أو المتوسطة حيث الاعتقاد السائد أن الاستثمار في الأسهم هو حكر على الأثرياء، لذا فهم إذا ما حاولوا دخول السوق، يشعرون بالخجل والندم وقد يبقون استثمارهم سراً وكأنه من المحرّمات.
يحتاج هذا النوع من المستثمرين الى الاعتياد على وجود المتغيّرات. كما أن عليه التعامل مع الناجحين في مجال المال والتأكّد من أنهم ليسوا معصومين عن الخطأ.
ومن هذا المنطلق، يوصى أصحاب الشخصية الحذرة باستبدال التركيز على الاستثمار الآمن غير الموجود، بتوزيع مجالات الاستثمار، الأمر الذي يؤمّن توازن الربح والخسارة في حال حصولهما.
الشخصيات القلقة وغير المستقرّة
من المعروف أن بعض المستثمرين وحتى الأقوياء منهم، يقعون في دوامة القلق المضني في أثناء مراقبتهم تداول أسعار الأسهم. وحسب رأي الدكتور سكوت، فإن هذا القلق يجعلهم يرتكبون أخطاء فادحة بسبب إستباق النتائج، وهو ما يؤدي الى اضطراب التقييم، وبالتالي البيع في الوقت غير المناسب.
لهذه الأسباب وسواها، ينصح المستثمر القلق بتطوير نظام خاص يتخذ من خلاله قرارات أساسية. قرارات تمكّنه إدخال بعض التعديلات على الهدف الموضوع من دون تغييره أو نسخه. ولتحقيق ذلك، ينصح باعتماد مخطط «للحدّ من الخسارة»، يكون من ضمنه تخويل أحد سماسرة سوق الأسهم بالشراء أو البيع عند سقف معيّن يحدّده صاحب العلاقة. وهي طريقة تمنع المستثمر من الاعتماد الكلي على الحدس والتسرّع باتخاذ القرارات.
ويُنصح هؤلاء بتقييم ودائعهم كل ثلاثة أشهر، وعدم الاستماع الى الآراء المتضاربة بشأن الأسعار، والأفضل إستشارة خبراء متمرّسين والأهم هو ترك المجال للاستمتاع بالمغامرة من دون قلق، لأن التعويض العاطفي لخوض التجارب المالية يعادل الربح المادي، ويضاهيه أحياناً.
الإعتماد على النزوات العابرة
لا ينسى الكاتب في هذا المجال، الأشخاص الذين يستثمرون بالاعتماد على النزوات العابرة، وكأنهم يقعون في الحب من أول نظرة وهنا يكمن الخطر.
هؤلاء يحتاجون الى تنمية موهبة الاستقصاء، والاطلاع على المعلومات التي توردها التقارير الأسبوعية بشأن حركة سوق المال. ومع الوقت يتمكّنون من تقييم هذه الحركة، واتخاذ فكرة واضحة عن هذه السوق قبل الإقدام على الاستثمار فيها. الى ذلك يُنصحون بمراجعة التقارير السنوية التي تضعها الشركات. والأفضل اعتماد مستشار أو مدير متخصص في شؤون المال. الى ذلك يوصيهم الكاتب باتباع الإرشادت الموجّهة الى المستثمرين القلقين.
الإستثمار من منطلق القوة
يوجد مستثمرون أقوياء الشخصية، تميّزهم حيوية فائقة وشجاعة نادرة. إنهم أشخاص يولون أهمية مطلقة للقوة في الميادين كافة، العملية منها والاجتماعية.
اللافت أن هذه الفئة تنجح عندما تكون السوق في ذروتها. ولكن، عندما يستثمرون في سوق ضعيفة، فإنهم عموماً ما يعانون فقدان التوازن الذي يوقعهم في الخسارة. وهذا يعود الى أن خياراتهم تتخطّى ما تستحقه سوق المضاربة. عندها، تفوق معاناتهم النفسية خسارتهم المادية نتيجة انحسار تقديرهم لذواتهم، وتخوّفهم من تدنّي نظرة الناس اليهم.
في هذا السياق، يرى الكاتب أن تقدير الذات يزيد من الرغبة في الاستثمار من أجل ترسيخ مبدأ القوة. ومع أن بعضنا، بحسب رأي الكاتب، قد يصل الى القمة عن طريق اعتماد هذا المبدأ، إلا أن الحاجة الدائمة الى تقدير الذات، تبقى المشكلة الأساسية التي تشعرنا بالضعف، والرغبة في رؤية أنفسنا من خلال الغير.
إن سوق المال ليست المجال الرئيس لتقوية الثقة بالنفس، بل المجال الذي يعكس هذه الثقة. لذا يوصى الساعون الى القوة بالتماس الدعم من مصادر أخرى أكثر أماناً وعندها يتمكّنون من الإقدام على الاستثمار بخطى متوازنة، ويضمنون بالتالي عدم تحوّلهم الى مقامرين.
من هم المقامرون في سوق المال؟
إنهم المؤمنون بالقدر والمعتمدون على المشاعر، فالمشاعر تقودهم الى الأهداف، والقدر يكافئهم بالربح ويعاقبهم بالخسارة.
والمقامرون قد يتحوّلون الى مدمنين، يمنون بالخسارة ويخفونها عن أقرب الناس اليهم ليتمكنوا من الاستمرار بخوض المغامرة. وهم يغامرون بدون حساب لأن همهم لا يتعدّى الاستمتاع بالإثارة وأحلام الثراء. لكنهم قد يتوقفون عن الاستثمار أحياناً بسبب العوز، الأمر الذي يجعل حياتهم جحيماً.
يوصى المستثمرون المقامرون باستبدال هذا المنحى الشاذ بممارسات تجارية منظمة وقادرة على ضبط ميولهم غير السوية. وينصحهم الكاتب باستشارة اختصاصيين في معالجة إضطرابات المقامرة.
إذا ما راقبنا بعمق الملاحظات التي لفت اليها الكاتب وأتينا على ذكرها، نجد أن الاستثمار في سوق الأسهم ليس بالصعوبة التي يتوهمها البعض. ومع ذلك، فهو لا يبدو سهلاً بشكل يجعله مرتعاً للأمان والاطمئنان.
إنه مسألة رغبة مقرونة بخليط من المشاعر التي توحّد المستثمرين بالرغم من اختلاف أنواعهم. مشاعر تتقاطع تدريجاً مع تقلبات هذه السوق لتفرز مقاربات جديدة، أو نوعاً جديداً من الحسابات الذهنية التي تتماشى وعصر المال.
ويبقى الحدس، أو قوة التوقّع وعامل الوقت، ركائز نورانية لا غنى عنها لدخول اللعبة والتعرّف الى أصولها.