- En
- Fr
- عربي
دراسات وأبحاث
حلف جديد أم دفاع قلب العالم عن نفسه؟
«منظمة شنغهاي»، تحالف جديد صاعد من قلب آسيا يضم حوالى نصف سكان العالم (في حال انضمام الهند والباكستان وايران اليها بشكل دائم)، ويمتلك نحو 40 مليون كلم2 من مساحة الكرة الأرضية، ويشمل أربع دول نووية وأخرى على العتبة النووية (إيران) وربما كوريا الشمالية في ما بعد؟!
ترى هل هذا حلف جديد في وجه التمدّد الأطلسي الأميركي - الأوروبي؟ أم أنه دفاع «قلب العالم» عن نفسه، كما يصفه علماء الجيوبوليتيك، أمام هجوم الدولة البحرية الأقوى (الولايات المتحدة) كما يقول بريجنسكي في كتابه «لعبة الشطرنج الكبرى»، وهل ندفع نحن - دول الشواطئ ضريبة الإرتطام بين هاتين القوتين؟ أو نكون مسرحاً لها؟!
قد تكون هذه المنظمة تجسيداً لرؤية روسية - صينية لعالم ما بعد النيوليبرالية (Post - Neoliberalism)، ورداً آسيوياً على العولمة بمفهومها الغربي «لأمركة العالم»، بعيد سقوط الإتحاد السوفياتي، كما أن دعوات أعضائها للحوار بين الحضارات المختلفة تشكّل جواباً على بطلان دعاوى «صراع الحضارات» التي نادى بها هنتغتون كتفسير لمسيرة التاريخ الحضاري للبشرية، كذلك هي إشارة على أن التاريخ لم ينتهِ كما بشّر المفكر الأميركي فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ».
بدايات المنظمة
شكّلت «إتفاقية شنغهاي» الموقّعة يوم 26 نيسان العام 1996، الرحم الذي منه ولدت «منظمة شنغهاي للتعاون» (SCO) يوم 15 حزيران العام 2001، بدعوة وتشجيع من الصين، التي كان هدفها الأولي متواضعاً للغاية، وبسيطاً: «حلّ الخلافات الحدودية ما بينها وجمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق المحاذية لها، وتعميق الثقة العسكرية ما بين الأطراف الموقعة على الإتفاقية، خصوصاً بين الصين وروسيا إذ كانت حدودهما تشهد نزاعات مسلّحة منذ فترة طويلة».
وقد سميت هذه الإتفاقية باسم «شنغهاي» نسبة الى المدينة الصينية التي تمّ فيها الإجتماع وتوقيع الإتفاقية، وقد ضمّ الإجتماع كلاً من: روسيا، الصين، كازاخستان، قيرغيزستان وطاجكستان.
في 24 نيسان 1997 اجتمعت الدول الخمس نفسها في موسكو ووقّعت على معاهدة «تخفيض القوات المسلّحة على الحدود بينها». وتتابعت اجتماعات هذه الدول سنوياً، في إحدى عواصمها بالتوالي، 1998 في ألما آتا (كازاخستان)، والعام 1999 عقد الإجتماع في بشكيك (قيرغيزستان)، والعام 2000 في دوشنبه (طاجكستان).
عندما عقد الإجتماع السنوي العام 2001 في شنغهاي من جديد، انضمت دولة أوزبكستان الى الإتفاقية، عندها أعلن الزعماء الستة لهذه الدول ولادة «منظمة شنغهاي للتعاون» (SCO) وكان ذلك في 15 حزيران من ذلك العام. وفي حزيران 2002 اجتمع رؤساء دول هذه المنظمة في سان بطرسبرغ (روسيا) حيث وقّعوا على نظام المنظمة وقوانينها ومبادئها، وهيكليتها، وطرق عملها، وبذلك تمّ تأسيسها رسمياً وفق رؤية القانون الدولي ومبادئه.
أهداف المنظمة
نص الإعلان عن تأسيس المنظمة أنها وجدت لتحقيق الأهداف الآتية:
- تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار ما بين الدول الأعضاء.
- تطوير التعاون الفاعل بينها في السياسة والتجارة والإقتصــاد، والعلــوم والتكنــولوجيا والثقــافــة، وفي شــؤون التربية والطاقة والنقل والسياحة وحماية البيئة.
- العمل على توفير السلام والأمن والإستقرار في المنطقة.
- العمل على تطوير وتقدّم الأفكار للوصول الى نظام سياسي واقتصادي عالمي ديمقراطي، عادل وعقلاني متوازن.
وقد جرى التركيز منذ الإنشاء على أن الهدف المباشر لدول المنظمة هو مواجهة المخاطر التي تواجهها وأهمها: الإرهاب وحركات الإنفصال في بعض أقاليمها، والتطرّف الديني أو الإثني، كذلك تمّ التأكيد على محاربة تجارة المخدرات وتهريبها عبر حدودها، وفق آلية مشتركة بينها.
- محاربة الجريمة المنظمة.
تكوين المنظمة
تتألف «منظمة شنغهاي للتعاون» من:
- ست دول دائمة العضوية هي: روسيا، الصين، طاجكستان، قيرغيزستان، كازاخستان وأوزبكستان.
- أربع دول تملك صفة «مراقب»، وتحضر الإجتماعات السنوية وهي: الهند، إيران، منغوليا وباكستان.
- شركاء حوار: سريلانكا وبيلاروسيا.
- ضيوف: أفغانستان، منظمة دول آسيان (ASEAN) (وهي تضم عشر دول تقع جنوب شرق آسيا)، ومنظمة (CIS) «كومنولث الدول المستقلة» عن الإتحاد السوفياتي.
يمكن ملاحظة أن مجموعة دول المنظمة الأساسية الست تغطي مساحة تزيد قليلاً عن 30 مليون كلم 2، ويسكنها أكثر من مليار ونصف المليار من البشر (ربع العالم)، أما إذا انضمت الهند وإيران والباكستان ومنغوليا الى عضوية المنظمة فعندها يرتفع عدد السكان لدولها الى حوالى 3 مليار إنسان، أي نصف سكان العالم تقريباً على مساحة تصل الى حدود 37 مليون كلم 2، واللغتان الرسميتان للمنظمة هما: الروسية والصينية.
مؤتمر العام 2009
تمّ عقد المؤتمر التاسع لرؤساء دول المنظمة الأعضاء، وللأعضاء المراقبين والضيوف والشركاء، في الفترة ما بين 15 و16 حزيران 2009 في مدينة إيكاترينبرغ (Yekaterinburg) في منطقة الأورال (روسيا). وقد حضره جميع رؤساء هذه الدول، وركّز البيان النهائي المشترك للمؤتمرين على ما يأتي:
- إن التبدّل الحاصل على الصعيد الدولي المعاصر والرغبة في السلام والتنمية المستدامة، وتعزيز التعاون المتوازن أصبحت سمة هذا العصر، لذلك فإن التوجّّه في النظام المتعدّد الأقطاب في العالم أصبح أمراً لا مفر منه، وهناك دلالات متنامية لقدرة المنظمات الإقليمية على حل المشاكل والأزمات الكونية.
- إن أعضاء المنظمة يعتقدون أن التعاون الدولي هو أداة أساسية وفعّالة لاحتواء الأخطار والتحديات القادمة، خصوصاً الأزمة الإقتصادية والمالية العالمية، وتأمين موارد الطاقة، والأمن الغذائي، كذلك مشاكل تغير المناخ وتداعياته.
- يدعو أعضاء المنظمة المجتمع الدولي للعمل سوياً لإعادة صياغة نظام مالي واقتصادي عالمي قائم على العدالة والمساواة يضمن حقوق الفوائد وعدالتها لكل المشاركين ويسمح للجميع بالإستفادة من فوائد العولمة بشكل مناسب.
- يشدّد أعضاء المنظمة على ضرورة حماية وتأمين المعلومات الدولية كأساس في النظام الأمني العالمي المشترك.
- تعزيز مركزية ومشاركة منظمة الأمم المتحدة في العلاقات الدولية وتفعيل آليات عملها لتتواءم مع مخاطر العصر وتحدياته، وإصلاح مجلس الأمن من خلال ضمّ عدد أكبر من الدول الى عضويته فلا يبقى حكراً على الخمسة الكبار.
كذلك فقد ركّز الأعضاء في بيانهم الختامي ومداولاتهم على ضرورة حماية السلم الدولي الذي يمكن تأمينه بوجود الأمن المتساوي لكل الدول، فلا يمكن ولا يجوز أن يتم إنجاز أمن دولة على حساب أمن دولة أخرى. ورأى المجتمعون أن انتشار الأسلحة النووية يشكّل خطراً وتهديداً للسلم والأمن الدوليين، واعتبروا أن معاهدة منع الإنتشار (NPT) هي الأساس في منع هذا الأمر وهم يدعمونها ويدعون لتفعيل دورها من قبل الأطراف كافة، والتزامها، وذلك من خلال مفاتيحها الثلاثة: منع الإنتشار - نزع السلاح - والاستخدام السلمي للطاقة النووية، ورحّب أعضاء المنظمة بمعاهدة تأسيس منطقة خالية من الأسلحة النووية في منطقة آسيا الوسطى.
أهمية المنظمة
على الرغم من أن إعلان تأسيس المنظمة لم يشر الى الجانب العسكري، فإن روسيا والصين ودول المنظمة قامت بإجراء مناورات عسكرية مشتركة أكثر من مرة. فقادة دولها توسّعوا في أهداف المنظمة لتشمل الى جانب مكافحة الإرهاب والمخدرات والجرائم عبر الحدود ومواجهة حركات الإنفصال والتطرف الديني أو العرقي، إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين دولها، وإنشاء مشروعات مشتركة في قطاع النفط والغاز والموارد المائية، كذلك إنشاء مصرف مشترك والسعي الى إصدار عملة موحّدة في ما بينها.
وسعى قادة دول المنظمة لإقناع الهند بالإنضمام اليها (كعضو كامل)، في الوقت الذي رفضوا فيه طلباً للولايات المتحدة بالإنضمام للمنظمة العام 2005، ومنحوا فيه عضوية «مراقب» الى كل من الهند وإيران وباكستان ومنغوليا.
وهكذا، فإن البعض يعتبر أن المنظمة تسعى لتشكّل منافساً لحلف «الناتو» (على الرغم من نفي مؤسسيها لذلك)، أو الى تشكيل حلف جديد على أنقاض حلف وارسو الذي سقط مع سقوط الإتحاد السوفياتي مطلع التسعينيات من القرن الماضي، ليقف بوجه حلف شمال الأطلسي (الناتو). كما أن هناك من يعتقد أن هدف المنظمة هو منع انفلات الأوضاع على حدود كل من الصين وروسيا، واندلاع الأزمات التي تسمح للولايات المتحدة وحلفائها بالتدخل على حدود المنطقة القريبة من هاتين الدولتين.
المستقبل قد يحمل الإجابة على أهمية هذه المنظمة الناشئة ودورها على المسرح الآسيوي والأوروبي والعالمي، ولعل دخول الهند اليها قد يشكّل رجحاناً هاماً على الصعيد الجيوبوليتيكي والجيوستراتيجي العالمي، كذلك انضمام إيران ببرنامجها النووي، ومن هنا نلاحظ الغزل الأميركي للهند والضغط على إيران، أو التساهل معها، كوسيلة للإستقطاب، أو الإحتواء، وربما لمنعهما من الذهاب الكامل باتجاه الحلف الآخر.
العالم يفتش عن بدائل
أصبح من الواضح، أن العالم اليوم وبعد سلسلة الإخفاقات السياسية الأميركية والعسكرية في أفغانستان والعراق، والأزمة الإقتصادية العالمية والإنكماش والركود في الولايات المتحدة وأوروبا، بدأ يفتش عن بدائل ووسائل جديدة لقيادة العالم بطريقة أكثر استقراراً وأمناً، وأقل تفرّداً وهيمنة أحادية، لذلك وجد بعض الدول الكبرى أنه من الممكن العودة الى المسرح العالمي من بابه الواسع (إقامة الأحلاف) ومشاركة الولايات المتحدة لإعادة إيقاف العالم على رجلين اثنتين، أو ربما أكثر، فيصبح أكثر توازناً واستقراراً.
المراجع:
I- SCO Website: Yekaterinburg Declaration of the heads of the member States of the shanghai Organization.
www.sectsco.org
II- Shanghai Cooperation organization-wikipedia.
III- www.globalsecurity.org/military/world/int/SCO.htm.
IV- ar.trend.az/News/important/top/html.
5 - السياسة الدولية - عدد 164 - نيسان 2006 - مقالة بعنوان: التعاون الصيني - الروسي في إطار منظمة شنغهاي. بقلم: لواء د. جمال مظلوم.