تحقيق عسكري

فوج المدفعية الثاني:
إعداد: ندين البلعة خيرالله

ذراع النار يطمئن الرفاق ويرعب الأعداء

في الظلام الحالك الذي كان يخيّم على جرود عرسال، كان ينير سماء المعارك بشهبٍ مصدرها نيرانه الكثيفة والسريعة! نيران توفّر الدعم للرفاق وتمدّهم بالثقة، وتلقي الرعب في قلوب الإرهابيين. فوج المدفعية الثاني الذي أثبت بالفعل أنّ عسكريّيه بلغوا أعلى مستويات الجهوزية، نتعرّف إليه أكثر عبر حديث مع  قائده العميد الركن خضر قدوح.


اليد الطولى والدعم العام
بالنسبة لقائد الفوج، المدفعية هي اليد الطولى للوحدات المقاتلة في المعارك، فهي تؤدّي دورًا أساسيًا في تثبيت العسكري في مركزه، وتبثّ الرعب في صفوف العدو برماياتها المركّزة. وفوج المدفعية الثاني هو القطعة الوحيدة في الجيش اللبناني المجهّزة براجمات الصواريخ، ما يجعلها تتمتّع بسرعة الحركة والمناورة، وبقدرات نارية عالية تمكّنها من تأمين رمايات كثيفة خلال فترة زمنية وجيزة. فبإمكان سرية راجمات مثلاً، إطلاق مئات الصواريخ دفعة واحدة وخلال ثوانٍ معدودة. ففي الأساس أنشئ الفوج وأعِدّ لينفّذ مهمّة الدعم الناري العام من خلال عدد من سرايا راجمات الصواريخ ومدفعية الميدان من عيار 130 ملم، التي تتوزّع في عدّة مناطق في محافظات البقاع والجنوب والشمال.

 

مهمّة مزدوجة
ينفّذ فوج المدفعية الثاني مهمّة مزدوجة، الدعم الناري وحفظ الأمن. وحاليًا يشارك الفوج في تأمين هذا الدعم للقطع والوحدات المتمركزة في البقاع وخصوصًا في عرسال ورأس بعلبك ومحيطهما. فمنذ اللحظات الأولى للمعارك مع الإرهابيين (مطلع شهر آب 2014)، اضطلع الفوج بدور أساسي وفعّال ضمن منظومة الدعم الناري التي وُضِعَت في هذه المنطقة. وهو يؤمّن الدعم براجمات الصواريخ (غراد) والرمايات المباشرة بالمدافع من عيار 130 ملم ضدّ مراكز المسلّحين، في حين أن وحدات أخرى منه تظلّ جاهزة في أكثر من منطقة للعمل وفق تطوّر الأحداث.
تهدأ الجبهة حينًا وتشتعل أحيانًا أخرى، لكن الهدوء لا يتيح الكثير من الراحة لعسكريّي الفوج، فسلاح المدفعية ينبغي أن يظلّ يقظًا متأهّبًا. خلال معارك عرسال، عرف عسكريّو الفوج طعم المبيت في الجرود كما رفاقهم في باقي الوحدات، اكتسوا بالثلوج واغتسلوا بها أيامًا طويلة.
قائد الفوج يؤكّد في هذا السياق، أن الضباط والعسكريّين المتمركزين في هذه الجرود يتمنون ألا يستفيقوا يومًا على تشكيلات تضطرهم إلى مغادرتها.
المهمة الثانية التي ينفّذها الفوج، هي مهمة حفظ الأمن في البترون والكورة، وتتولّى هذه المهمّة وحدات تتمركز في ثكنة نهرا الشالوحي، وأخرى منتشرة في القطاع. ويركّز الفوج لهذا الهدف حاجزَين ثابتَين في محلّة المدفون (الأوتوستراد الرئيسي والطريق البحري) حيث تمّ توقيف مئات المطلوبين والمخالفين.
ينفّذ الفوج أيضًا في سياق مهمة حفظ الأمن، دوريات ومداهمات، ويثبّت نقاط مراقبة، ويقيم حواجز ظرفية، ويؤمّن الحماية لجميع النشاطات التي تنظّم في قطاعه.
ويشير العميد الركن قدوح إلى أن جميع وحدات الفوج التي تنفّذ مهمات حفظ أمن، تبقى في جهوزية دائمة للانتقال إلى مرابض مرتقبة ومجهّزة في مختلف المناطق اللبنانية لتنفيذ مهمّتها الأساسية عندما تدعو الحاجة.

 

هاجس الجهوزية
بالنسبة لقائد الفوج، تتمحور استراتيجية العمل حول هاجس إبقاء الجهوزية في أعلى درجاتها، ويقصد بها جهوزية الأفراد والسلاح. ولتحقيق هذا الهدف يتمّ التركيز على عدّة نواحٍ أساسية منها: تدريب العسكريين وإعدادهم لمختلف أنواع المهمات، الحفاظ على العتاد والأسلحة وصيانتهما باستمرار، ترقّب المهمات والاستعداد لها، وإنجاز التحضيرات التي تتطلّبها من استطلاع المرابض وتحضيرها إلى تعهّدها وصيانتها بشكلٍ مستمرّ وتعديلها بحسب المعطيات المتغيّرة. هنا يتمّ استثمار التكنولوجيا والمعلوماتية لتسهيل العمل وتنفيذه بدقّة، كما يتمّ استثمار مختلف قدرات العسكريين وطاقاتهم ومهاراتهم للحفاظ على الجهوزية العالية وللتقدّم وتحسين الأداء.
"نبغي النجاح وننشد الأفضل": شعار طموح ومتواضع رسّخه قائد الفوج في نفوس عسكريّيه حتى بلغوا أعلى مستويات الاحتراف، وهو يؤكّد أن هذا الأمر أثبته العسكريّون خلال المعارك التي خاضها الجيش في مختلف المناطق، بحيث تميّزت وحدات الفوج بالقدرة على الانتقال سريعًا وتأمين الدعم الناري وحسم المعارك في بعض الأحيان من دون أي إصابات تُذكر في صفوفها.


• في موازاة المهمّات الأمنية ما هي أبرز الأعمال المنجزة على صعيد الفوج؟
- نعمل في الفوج بروحية العمل المؤسّساتي التي ترتكز عليها المؤسسة العسكرية، وبالتالي يهمّني أن ألفت إلى أنّ العمل المنجز هو ثمرة تراكم وتكامل من عهد إلى آخر، وفي الوقت عينه يعمل كل فرد على ترك بصمته الخاصة.
لقد رفعنا نسبة الجهوزية في مختلف الميادين إلى درجات ممتازة بلغت قرابة الـ95%، وبالتالي فأنا مطمئنّ ومتأكّد من قدرة وحداتنا على تنفيذ أي مهمة توكل إليها وفي أي وقتٍ كان. إلى ذلك، ركّزنا على تطوير المشاغل وتعزيزها بالتقـنيّـين والمتخـصّـصــين، وذلك من ضمن خطّة استثمار قدرات العسكريين، كما عملنا على تزويدها المعدات اللازمة. وقمنا بأعمال تحسين وترصين وتعزيز إجراءات الحماية في الثكنة وفي باقي المراكز، إضافة إلى إنجاز البنى التحتية (سنترال حديث للاتصالات السلكية، وتأهيل الطرقات والباحات وتعبيدها، واستكمال الأعمال في استراحة الضباط ومنصّة ساحة العلم، ونصب الشهداء وغيرها)، كما أنّنا بصدد إنجاز غرفة عمليات بمعايير وتجهيزات تقنية حديثة ومتطوّرة.


تدريبات متخصّصة... عسكر جاهز
يولي قائد الفوج أهميةً مطلقة لتدريب العسكريين انطلاقًا من هاجس الجهوزية الدائمة. فعلى الرغم من كثافة المهمات الموكلة إلى الفوج في أكثر من منطقة، يؤكّد قائده أنّ العسكريين أمانة يجب أن نحفظها، لذا لا بدّ من إعدادهم وتحضيرهم من مختلف النواحي التدريبيّة واللوجستيّة والنفسيّة ليتمكّنوا من تنفيذ مهمّاتهم بنجاح. ونحن في الفوج نبذل جهودًا كبيرة في هذا المجال لصقل مهاراتهم حتى يتمكّن كل فرد من حماية نفسه ورفاقه في الوقت نفسه. لذلك، يخضع الرتباء والأفراد لتدريبات متواصلة على عدّة مراحل، تبدأ بالدروس النظرية كلٌّ بحسب اختصاصه، لتصل إلى التطبيقات والتمارين العملية التي تشمل تمارين خروج سرية مدفعية، مخيّمات، رمايات بالذخيرة الحيّة، المشاركة في مناورات إلى جانب مختلف ألوية الجيش وأفواجه وتأمين رمايات مدفعية وصاروخية لمصلحتها. كما أنهم يخضعون لدورات تقنية أبرزها: كيفيّة استخدام نظام تحديد الموقع العالمي GPS، كيفية التعامل مع الأعطال الكهربائية في الراجمات وتربيض المدافع، كيفية استعمال الأقنعة الواقية من الغاز...
بالنسبة للضباط، إضافةً إلى التمارين العمليّة والرمايات الحيّة التي ينفّذونها ضمن وحداتهم، يخضعون للتدريب على مشبّه رمي المدفعية في الثكنة، ولدورات مختلفة على نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، إضافة إلى تحضير الإيجازات وتلخيص الكتب ونشاطات ثقافية متفرّقة.
وفي الإطار نفسه يساهم الفوج في تدريب تلامذة ضباط ورتباء من إختصاص مدفعية ميدان، من خلال دورات على مشبّه رمي المدفعية.


•كيف تقوّمون أداء عسكريّي الفوج؟
- في ظل الظروف التي نعمل بها والإمكانات المتوافرة وضغط المهمّات، ندرك أننا أنجزنا خطوات كبيرة من التقدّم على مستوى الأداء والخبرات، وهذا يعود إلى تضافر الجهود وتكاملها بين عسكريي الفوج، الذين يعملون بروح الفريق، وبالتالي باتوا قادرين على التعامل مع أي حالة طارئة بكفاءة عالية.
يبدي قائد الفوج اطمئنانه إلى جهوزية عسكريّيه الذين يملكون رصيدًا إضافيًا ألا وهو ولاءهم للوطن، وصدق الانتماء لمؤسستهم والايمان بقضيّتهم والتزامهم قسمهم، ما يجعلهم يقدّمون أفضل أداء وأصدق عطاء.
لقد تمكّنت سرايا الفوج من الانتقال والإرباض والجهوز في أرض المعركة قبل ساعات من بدء المهمّة، وهذا دليل واضح وحسّي على المستوى الممتاز الذي بلغه عسكريّونا في الاحتراف والجهوزية. فسلاح المدفعية بالغ الدقّة ولا يمكن إخفاء الخطأ إذا وقع، من هنا أهمية التدريب المستمرّ الذي حصدنا ثماره أثناء المعارك.


• ما هي الصعوبات التي يواجهها الفوج في مختلف مهمّاته؟
- تنتج الصعوبة الأولى عن ازدواجية المهمّة الموكلة للفوج. فهو أُعِدّ في الأساس بتجهيزاته وعتاده وبرامج تدريبه، لتنفيذ مهمّة الدعم، وعسكريّوه مدرّبون على هذه المهمّة، ولكنهم يجدون أنفسهم مجبرين أحيانًا على تنفيذ مهمات أخرى مختلفة، ما يرتّب عبئًا ومجهودًا إضافيَّين ويتطلّب مهارات متخصّصة. من جهة أخرى، نواجه صعوبة تعود إلى قدم بعض الآليات التي تحمل أسلحة الدعم وصعوبة صيانتها. البعد الجغرافي الكبير بين الوحدات المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية وقيادة الفوج يشكّل أيضًا أحد العراقيل... لكننا نعمل على تذليل كل هذه الصعوبات والتكيّف معها واستنباط الحلول لها، متسلّحين بعزم العسكريين وإرادتهم وأدائهم المميّز، وباستعدادهم الدائم لتنفيذ المطلوب من دون كللٍ ولا ملل.


• وما هي تطلّعاتكم المستقبلية؟
- بالدرجة الأولى نتطلّع إلى بذل كل ما يمكن للحفاظ على الجهوزية العالية التي تشكّل محور استراتيجية العمل، مع التركيز على التدريب والإعداد السليم للعسكريين وتحصينهم، إضافة إلى السعي لتحديث السلاح وتطوير آليات استثماره.
كما نعمل على إنجاز باقي مراحل المخطّط المعدّ للثكنة من خلال تحديث المنشآت والمخازن وإنجاز الأعمال التي تحوّل الثكنة إلى موقع متكامل مزوّد أحدث التجهيزات. ونعمل أيضًا على تخصيص غرفة عمليات متنقّلة لكل سرية من سرايا الفوج.
ويختم قائد فوج المدفعية الثاني العميد الركن خضر قدوح حديثه موجّهًا تحية إلى عسكريّي الفوج الذين يتحمّلون أعباء كبيرة أسوة برفاقهم في باقي قطع الجيش ووحداته. ويدعوهم إلى التحلّي بالمناقبية والانضباط، وإلى إيلاء التدريــب الجدية المطلقة، والحفاظ على جهوزيــة عتادهــم وســلاحهم، ويقــول: "الظــروف صعبــة ودقيقــة لكــن الصعــــاب تهــون أمــام عزيمــــة الرجــــال... لذا أطلب منكم الثبات والصبر والتغلّب على الذات والمضي قدمًا، فالوطن وأهله يستحقّون منّا التضحيات... نحن على حقّ ومن كان على حق فلا بدّ أنّه لمنتصر!".


مهمات سابقة
سبق للفوج أن شارك في معركة الضنية في العام 2000 من خلال انتقال سرية راجمات صواريخ إلى منطقة العمليات، فكانت جاهزة لتأمين الرمايات المطلوبة. أمّا خلال معركة نهر البارد في العام 2007، فقد شارك الفوج بسرية مدفعية من عيار 130 ملم نفّذت رمايات مباشرة، وأخرى غير مباشرة لمصلحة جميع الوحدات التي كانت تشارك في المعارك.