- En
- Fr
- عربي
دورة تدريبية
جهود تتكامل لأداء أفضل
في القرية التدريبية التي تمتد على مساحة 40 ألف متر مربع، والتابعة لمعهد قوى الأمن الداخلي في عرمون، يتابع تلامذة الكلية الحربية (السنة الثانية)، وللمرة الأولى في تاريخ الجيش، دورة «قتال في الأماكن المبنية». يأتي هذا التدريب الذي يشارك فيه متدربون من كل القوى الأمنية (جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام)، في إطار التعاون القائم بين معهد قوى الأمن والكلية الحربية والذي يصب في خدمة الإثنين معًا.
هذا التعاون ومفاعيله وآثاره الإيجابية على المؤسستين، في حديث أجرته مجلة «الجيش» مع قائد معهد قوى الأمن الداخلي العميد أحمد الحجّار، الذي شدد على أهميته لتفعيل الدورات التدريبية وتبادل الخبرات على أكثر من صعيد.
لمحة تاريخية
بدأ الحوار بلمحة عن تاريخ معهد قوى الأمن الذي يعود إلى العام 1920، زمن الإنتداب الفرنسي. يومها كان مقره في منطقة بعبدا، ثم انتقل إلى منطقة بيت الدين، وبعد الاستقلال، أصبح في ثكنة محمد ناصر في بيروت، ليعود ويتمركز في منطقة الوروار (أوائل السبعينيات). وبدءًا من العام 2015 استقرّ في منطقة عرمون حيث شهد تطورًا نوعيًا وتقنيًا على صعيد التدريب، وبات يضاهي أرقى المعاهد العسكرية العالمية. فقد تمّ إعداد المدرّبين بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وفق برامج تدريبية قصيرة وأخرى طويلة الأمد. كما تمّ تطوير مناهج التدريب وبرامجه بحيث أصبحت أقرب إلى واقع الخدمة على الأرض.
بداية التعاون
التعاون بين معهد قوى الأمن والكلية الحربية ليس أمرًا طارئًا، فهو يعود إلى أيام المدرسة الحربية قبل أن تتحوّل إلى كلية. فهي التي احتضنتنا طلابًا وتخرجنا منها لاحقًا ضباطًا يقول العميد الحجّار. ويضيف: «مع استلام العميد فادي غريّب قيادة الكلية الحربية، بدأت فكرة متابعة تلامذة الكلية الحربية، دورات قتال في الأماكن المبنية في القرية التدريبية نظرًا إلى إمكاناتها الهائلة، وإلى منشآت المعهد التي تستوعب أعدادًا كبيرة من المتدرّبين مع تأمين كل مستلزمات الحياة اليومية لهم (منامة لائقة، غرف طعام، ملاعب رياضية،...)».
وبالفعل باشر المعهد بدءًا من أول شهر أيار المنصرم باستقبال الدفعة الأولى من التلامذة الضباط في السنة الثانية. وقد توزّع المتدرّبون على ثلاث دفعات تألفت كل منها من آمر السرية وضباطها (85 عنصرًا) تابعوا تدريبات خاصة لمدة أسبوعين في القرية التدريبية. تخلل أسبوعا التدريب الذي وضع هيكليته ومواده ضباط من الجيش (من الكلية الحربية والمغاوير والقوات الخاصة)، تدريب من نوع آخر تولته سرية الفهود الخاصة في قوى الأمن الداخلي، نظرًا إلى خبرة هذه السرية في مجال المداهمات وتفكيك المتفجرات. ولحسن سير عملية التدريب، عيّنت قيادة المعهد ضابط ارتباط يواكب المتدرّبين في يومياتهم لتذليــل أي عقبــة قــد تعترض التدريــب.
الدفعة المقبلة من المتدربين والتي تعقب دفعات التلامذة الضباط في السنة الثانية، هي من تلامذة السنة الثالثة- اختصاص قوى أمن داخلي. هؤلاء سوف يتابعون في المعهد تدريبات تتيح لهم اكتساب المهارة اللازمة لممارسة مهماتهم في المستقبل، والتدريبات التي يتابعونها في المعهد خلال سنة دراستهم الأخيرة في الكلية الحربية تشكل جزءًا من الدورة التي يتابعها الضباط اختصاص قوى أمن داخلي بعد تخرّجهم. أما المدرّبون فهم ضباط من قوى الأمن الداخلي، يواكبهم ضابط ارتباط من الكلية الحربية.
القرية التدريبية
تنفيذ التدريبات الميدانية وفق التقنيات الحديثة تطلب إنشاء القرية التدريبية التي تمتد على مساحة 40 ألف متر مربع، وهي إضافة إلى تجهيزها بكل مستلزمات التدريب تستطيع استيعاب أكثر من مجموعة في الوقت نفسه، وقد أنشئت بتمويل من السفارة الأميركية. تشكل منشآت القرية نموذجًا مطابقًا للشوارع والأحياء ضمن مدينة أو بلدة في لبنان. ونجد فيها صالات عرض مجهّزة بشاشات ضخمة لشرح الدروس والمشاهد الميدانية بشكل دقيق. إضافة إلى المركز السمعي والبصري ومركز التوثيق، وذلك بتمويل من الاتحاد الأوروبي. والتجهيزات التي سبق ذكرها تتيح إنتاج أفلام تعليمية تتلاءم مع الدروس النظرية والتطبيقية، وتصوير التدريبات العملية وبثها مباشرة إلى غرف التدريس حيث يدور النقاش حولها.
من متطلبات التدريب الأساسية الرماية. وقد أنشئ لهذه الغاية في القرية التدريبية حقل رماية مغلق (يتسع للرمي بالبندقية والمسدس عن مسافة 50 مترًا)، وآخر مفتوح. ويمكن استخدامه لتمارين الرمي في الليل عبر إنارة خاصة، مما يساعد في الوصول إلى درجات عالية من الإحتراف.
تكامل بين مدرستين عريقتين
يعوّل العميد أحمد الحجار على هذا التعاون أهمية كبيرة لأسباب عديدة، نذكر منها:
أولا، إنّ التعاون بين الجيش وقوى الأمن بات أمرًا ملحًّا نظرًا إلى طبيعة عملهما المشترك على الأرض، من هنا أهمية التدرّب معًا.
ثانيًا، إنّ مهمة التعاطي المباشر مع المواطن (من ناحية تطبيق القوانين) تقع بالدرجة الأولى على عاتق قوى الأمن، بينما يأتي دور الجيش في التدخل العسكري الفاعل على الأرض.
ثالثًا، بما أنّ السنة الثالثة في الكلية الحربية هي سنة الإختصاص، أصبح من المهم إضافة مادة اختصاص قوى أمن داخلي إلى مناهجها، بعد سنتين يشارك خلالها التلامذة الضباط التدريب، والخبز والملح...
رابعًا، عند الإنتهاء من كل دورة يعقد اجتماع تقويمي بين الطرفين لعرض النتائج، والثغرات إن وجدت، للإنتقال إلى الخطوة التالية.
خامسًا، من شأن هذا التعاون أن يؤدي إلى تكامل الجهود وتفعيلها، وذلك على مستويي التدريب وتنفيذ المهمات على الأرض. كما أنه ينعكس إيجابًا على مدرستين عريقتين لكل منهما تاريخ مجيد.
في الختام، وجّه قائد المعهد العميد حجار تحية لقائد الجيش العماد جان قهوجي لدعمه هذا التعاون ومباركته له، وهو يفتخر بأنه كان آمر سريته عندما كان تلميذًا في المدرسة الحربية. كما حيّا قائد الكلية الحربية العميد غريب على جهوده وهو صاحب الأيادي البيضاء في إنجاح هذا التعاون الذي يصب في مصلحة الجيش وقوى الأمن الداخلي معًا، وتاليًا في مصلحة لبنان والمواطن الذي هو في صلب اهتمام القيادتين ومن واجبهما الحفاظ على أمنه وراحته وسلامته.
جولة ميدانية
بعــد انتهاء المقابلة، قمنا برفقة العميد حجّار بجولة ميدانية على الأرض حيث اطّلعنا على سير التدريبات وزرنا القرية التدريبية وجميع الأقسام والمنشآت في معهد عرمون الذي يخبئ مفاجآت سارة على صعيد التدريب في المستقبل.
في إحدى ساحات التدريب، إلتقينا آمر السرية الثالثة لتلامذة السنة الثانية في الكلية الحربية النقيب وائل الحاج شحاده. وإذ أشاد بالتقنيات العالية المتوافرة في المعهد، أكّد النقيب شحاده أنّ المنشآت والتجهيزات ملائمة جدًا للدورة التي تتمحور حول كيفية مداهمة منزل أو أكثر، وكيفية الإنتقال بين الأماكن الآهلة بالسكّان مع احتساب ردّات الفعل، وكيفية تنفيذ حواجز تفتيش، وتعلّم تقنيات التعامل مع التفخيخات، وتنظيف بقعة مشبوهة، وتحرير مدنيين محتجزين...
وعن الصعوبات التي تعترضهم قال النقيب شحاده: لا صعوبات تذكر فالمعهد يوفّر لنا كل مستلزمات التدريب وكل متطلبات الإقامة المريحة.