- En
- Fr
- عربي
نقاط ساخنة
على الرغم من أن الحرب بين روسيا وجورجيا قد وقعت على الحد الفاصل بين أوروبا وآسيا، إلاّ أن إسرائيل مع ذلك كانت موجودة فيها بقوة. فالتعاون الأمني بين تل أبيب وجورجيا تزايد في السنوات السبع الأخيرة بشكل ملحوظ وتخطّى بيع الخبرات الأمنية والتدريب، ليشمل صفقات السلاح المتنوع والنظم التقنية العسكرية، ذلك أن إسرائيل رأت في الأجواء العكرة والمتوترة في منطقة القوقاز منجماً للثراء الأمني، في حين رأت جورجيا في إسرائيل مساعداً قوياً خصوصاً وأن وزير دفاعها إسرائيلي الجنسية. ومع وزير دفاع كهذا وميزانيات ضخمة للحرب اندفع العديد من الإسرائيليين لملء الفراغ والاستفادة من الفرصة السانحة.
وتقدّر الخبرات والأسلحة الإسرائيلية المباعة لجورجيا بمئات الملايين من الدولارات وقد دخل فيها وزراء وجنرالات إسرائيليون سابقون وحاليون، وهي شملت طائرات من دون طيار وتقنيات عسكرية وأسلحة وذخائر وأجهزة رؤية ليلية. كما قامت إسرائيل بتحديث طائرات «سوخوي 25» التي كانت موجودة بحوزة الجيش الجورجي. ولا يقل أهمية عن ذلك قيام الخبراء الإسرائيليين بتدريب عدد من كتائب الجيش الجورجي ولا سيما من سلاح المشاة وإنشاء العديد من وحدات النخبة.
وتحت الضغط الروسي، امتنعت إسرائيل عن تزويد جورجيا نحو 200 دبابة من طراز «ميركاڤا» تعاقدت على شرائها. كما أن الاحتجاجات الروسية أوقفت إسرائيل عن الاستمرار في تزويد جورجيا طائرات من دون طيار. وعلى خلفية التوتر الشديد ومن ثم المعارك الطاحنة التي دارت بين روسيا وجورجيا في القوقاز تصاعدت الأصوات في إسرائيل ولا سيما من جانب وزارة الخارجية، التي تدعو وزارة الدفاع لكي تكون أكثر حذراً وانتقائية في المصادقة على الصفقات مع جورجيا خشية إغضاب روسيا. وقد صرَّح مصدر أمني إسرائيلي لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أنه كان من الواضح أن قدراً أكبر مما ينبغي من منظومات السلاح الإسرائيلي في يد الجيش الجورجي ستكون بمنزلة قطعة قماش حمراء في وجه ثور غاضب. وعلى هذا الأساس جاءت دعوات لحصر الصفقات الحربية مع جورجيا فقط في بيع منظومات سلاح غير هجومية مثل المنظومات الإستخباراتية والإتصالات والحواسيب وعدم المصادقة على صفقات بيع البنادق والطائرات والقذائف وما شابه.
وتشير صحيفة «يديعوت أحرونوت» الى أن مبيعات السلاح الإسرائيلي لجورجيا بدأت قبل نحو سبع سنوات في أعقاب مبادرة من مواطنين جورجيين هاجروا الى إسرائيل وأصبحوا رجال أعمال، والتعاون العسكري سرعان ما تطوّر على ضوء موازنات الحرب الجورجية الكبيرة نسبياً وعلى ضوء أن وزير الدفاع الجورجي داڤيد أشفيلي هو إسرائيلي سابق ويتكلم العبرية بطلاقة كما وأن وزير الدولة للمفاوضات هو أيضاً يهودي إسرائيلي، الأمر الذي جعل الرئيس الجورجي ساكاشفيلي يقول: «هنا الحرب والسلام كلاهما بأيدي يهود إسرائيليين».
إزاء هذه الحرب غير المعلنة من جانب إسرائيل قررت القيادة الروسية القيام بخطوات إنتقامية مثل عقد العزم على تزويد الجيش السوري صواريخ أرض - أرض من نوع إسكندر والتي يبلغ مداها 200 كلم والقادرة على حمل رؤوس نووية. ولوحت روسيا وسوريا معاً بأنهما ستقومان ببناء قواعد عسكرية برية وجوية وبحرية على الأراضي السورية كخطوة موجهة مباشرة الى نحر المصالح الأميركية والإسرائيلية بسبب إصرار واشنطن على نشر درعها الصاروخي في عدد من دول الإتحاد السوفياتي السابق وتضييق الخناق على موسكو.
وقد أبدت مصادر عسكرية إسرائيلية تخوّفها من أن تصل صواريخ روسية متطورة مضادة للطائرات في آخر المطاف الى أيدي حزب الله في لبنان مما يعرض الطائرات الإسرائيلية التي تنتهك المجال الجوي اللبناني بشكل يومي تقريباً للخطر الجدي.
وقد علم أن مسؤولين حكوميين وقادة كباراً في الجيش الإسرائيلي عقدوا مؤخراً مناقشات حول مثل هذه السيناريوهات، ووصف بعض المشاركين عملية نصب بطاريات روسية من هذا النوع بأنه «خط أحمر». وجاء هذا الكلام في سياق معلومات وصلت الى إسرائيل تفيد بأن روسيا تعتزم بيع السوريين صواريخ محمولة على الكتف متقدمة من طراز «SA18»، وهي الصفقة التي تتضمّن ايضاً صواريخ بالستية، علماً بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق آرييل شارون كان قد أخذ وعداً من الرئيس الروسي السابق بوتين بعدم تزويد سوريا مثل هذه الصواريخ، ولكن إسرائيل انتهكت الحرمات في جورجيا، الأمر الذي فتح الأمور على كل الاحتمالات، كما وأن جورجيا خاضت حرباً بالوكالة عن أميركا والناتو وإسرائيل مجتمعين، حيث استخدمت كأدة لجسّ نبض موسكو قبل حسم خطوة ضمّ جورجيا ودول أوروبا الشرقية الى حلف الأطلسي واستكمال الدرع الصاروخي، إلاّ أن المطرقة الروسية جاءت مدويّة وأجبرت الإدارة على الركوع.
الجدير بالذكر من ناحية أخرى إن العلاقات الوطيدة التي أقامتها إسرائيل مع جورجيا على مدى السنوات الماضية، وبالتحديد منذ تسلّم الرئيس ساكاشفيلي السلطة، إنما كانت ترمي بشكل أساسي الى استخدام الأراضي الجورجية لضرب أهداف إيران النووية والتي تشكّل عاملاً مقلقاً جداً للإسرائيليين بنوع خاص. وفي هذا السياق جاء تزويد تل أبيب تبليسي طائرات التجسّس الإسرائيلية من طراز «يو. اي. في. 45» بهدف استخدام هذه الطائرات تحت قيادة الاستخبارات الإسرائيلية للتجسّس على كل من روسيا وإيران. يضاف الى ذلك أن إسرائيل استفادت من علاقاتها مع جورجيا في مجال استقدام عشرات الألوف من اليهود المقيمين هناك للإستيطان فيها، مثلما فعلت سابقاً عندما استجلبت مليوناً ونصف مليون يهودي من روسيا.
أخيراً لا بد من الإشارة الى وجه آخر من أوجه التوتر والمنافسة بين روسيا وإسرائيل في حرب القوقاز، وهو أن الروس يريدون كفّ يد الإسرائيليين عن التنافس معهم في مناطق نفوذهم الأساسية في سوق السلاح العالمية وتحديداً لدى كل من الصين والهند وبعض الدول الآسيوية الأخرى مثل الجمهوريات الخمس عشرة المستقلة عن الإتحاد السوفياتي السابق. كما وأنه لا بد من ملاحظة أن الإسرائيليين في هذا الشأن لديهم مصلحة في التجسّس على التكنولوجيا الروسية الموزعة في العديد من المصانع والمجمعات والقواعد العسكرية في هذه الجمهوريات، في حين أن لروسيا مصلحة بتقوية كل من سوريا وإيران لتكونا بمنزلة خط الدفاع الأول في مواجهة التهديدات التي يمكن أن تتعرض لها مستقبلاً، خصوصاً مع تنامي الأطماع الأميركية - الإسرائيلية في منطقة آسيا الوسطى وأفريقيا ومحاولة إقامة قواعد عسكرية دائمة فيها، ومع تزايد احتمالات وقوع مواجهات ساخنة في منطقة الخليج في ظل الحرب الباردة بين طهران وواشنطن، وتوقّع امتدادها نحو كل من سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة.