- En
- Fr
- عربي
ثقافة بلادي
أشعل عود ثقاب في غابة الشعر، ولم يعُد مسؤولاً عمّن أحرق أصابعه، أو أحرق ثيابه... أو عمّن لا يزال يُشوى على نار الحداثة. فتح أفقاً ولم يفتح ميليشيا شعرية مسلّحة. طالب بحرية التغيير، ولم يطالب بحرية الإغتيال، طالب بالتجريب ولم يطالب بالتخريب. قاد سفينة وهو بالتأكيد ليس مسؤولاً عن سلوك البحّارة، وعن سكرهم، وعربدتهم، ومخالفتهم لطقوس الملاحة وأخلاق البحر، إنه البطريرك الذي فتح كنيسة الحداثة لآلاف المصلّين. فتح مجلة «شعر» ولم يفتح إصلاحية للأحداث، أو محضر بوليس مهمته أن يفتش الداخلين الى محراب الحداثة، والخارجين منه، وأن ينبش حقائبهم وفي ضمائرهم. إنه الشاعر ورائد الشعر الحديث يوسف الخال.
معاناة الأدب العربي الحديث
تراثنا القومي جزء من تراث الإنسانية وتراث الإنسان إطلاقاً. لا كل منفصل، منعزل أو معزول، ونهضتنا الأدبية أو خروجنا من أزمتنا الأدبية لن تتم، في المبنى، إلاّ بالتحرر من أساليبها البعيدة عن الحياة. كما أنها لن تتم في المعنى، إلا بالإتصال من جديد بمجاري الحياة الفكرية الأصيلة الحية في العالم المتحضّر، هذا الإتصال الذي من شروطه القيام بحركة نقل وتعريب عميقة مسؤولة شاملة، هدفها التبنّي والإحتضان، ونتيجتها الكبرى تلقيح أدبنا وحياتنا بقيم تتجدّد وتنمو وتقوى على الإستمرار. ويرى شاعرنا يوسف الخال أن الأدب العربي المعاصر يعاني أزمة مثلما عاناها تاريخه. فلا يغرنّا هذا السيل الدافق من المنشورات الموضوعة والمترجمة هنا وهنالك. هذه الأزمة تتناول من الأدب مبناه ومعناه. فهي في مبناه واضحة في ما نسميه مشكلة اللغة؛ أما في معناه فما أدلّ على الأزمة من هذا السخف الذي تلفظه المطابع كل يوم، سواء أكان مجموعاً في كتاب أو منشوراً على صفحات الصحف والمجلات.
في العالم أدباء وشعراء «أوجدوا أساليب في التعبير تكسب المعنى جدّة حتى لا يبلى، فهل سمعنا حتى بأسمائهم؟ هل ترجمناهم، أو هل قرأناهم على الأقل؟ لا، ما زلنا رمزيين أو تقليديين. ننظم معانينا على أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي، نتفنّن بالقوافي، ونخلط هذه الأوزان بعضها ببعض، متوهمين أننا نجدّد». فكأنما هذه الأوزان تعكس القوالب التي وضعنا فيها عقولنا منذ أجيال. نتوارثها كما نتوارث هذه اللغة الفصيحة التي اختفت من حياتنا، وما زلنا نركض وراءها في الكتب. حان لنا أن نفهم أن النهضات لا تقوم بالعودة الى نشر الآثار الماضية واجترار معانيها ومبانيها، وإنما تقوم على «التأثر بما في تراث حي آخر تأثراً عميقاً شاملاً، غايته التبنّي والتملّك الى أقصى حدّ».
مسيرته
ولد الشاعر يوسف الخال في أعقاب الحرب العالمية الأولى وبالتحديد في عيد الميلاد العام 1917 في قرية «عمار الحصن» وبعد بضع سنوات نزحت عائلته لتستقر في مدينة طرابلس شمال لبنان، حيث تلقى دروسه الإبتدائية والثانوية في المدرسة الأميركية للصبيان. نظم الشعر في البداية على السليقة، فلما تعلّم العروض تجنّب الإخلال بموازين الشعر مما بعث به الثقة بالنفس الى حد الإطلالة على القراء من على صفحات الصحف وهو دون العشرين من العمر.
لما اندلعت الحرب الكونية الثانية كان على مقعد الدراسة الجامعية في الكلية الأميركية في مدينة حلب، إشتغل بعدها بتدريس الأدب العربي في مدرسة الفنون في مدينة صيدا جنوب لبنان. العام 1942 إلتحق بالجامعة الأميركية في بيروت وبعد سنتين في الدراسة في كلية الفلسفة التي كان يرأسها الدكتور شارل مالك، تخرّج بدرجة بكالوريوس علوم. ومع أنه تخصّص بدراسة الفلسفة، إلا أن سمعته كشاعر وأديب كانت هي الغالبة، فلما دُعي للتدريس في الجامعة الأميركية كان الأدب العربي المادة التي درّسها. العام 1944 السنة التي تخرّج بها، أصدر عن المطبعة الكاثوليكية في بيروت أولى مجموعاته الشعرية تحت عنوان «الحرية».
العام 1947 ترك التدريس وتسلّم رئاسة تحرير «صوت المرأة» التي أنشأتها جامعة نساء لبنان من صديقه المرحوم رشدي المعلوف. وفي العام التالي سلّمها بدوره الى الشاعر فؤاد سليمان وذلك عندما قرّر السفر الى الولايات المتحدة حيث أقام من العام 1947 الى العام 1955، وعمل في الأمانة العامة للأمم المتحدة.
في ربيع 1955 عاد الى لبنان، حيث عمل في «الصياد» مدة ثلاثة أشهر، عاد بعدها للتدريس في الجامعة الأميركية الى جانب القيام بوظيفة مساعد للدكتور شارل مالك الذي استقال من عمله كسفير للبنان في واشنطن. العام 1956 بدأ تحضير إصدار مجلة «شعر» ولما صدرت العام 1957 كان صدورها حدثاً هاماً في حياته وفي مسيرة الشعر العربي معاً. العام 1958 ترك التدريس وانصرف الى تحرير مجلة «شعر» وإنشاء مطبعة ودار لنشر المؤلفات الأدبية التي تلتزم دعوة المجلة الحداثية.
في أواخر 1964 توقفت المجلة لأول مرة ثم توقفت نهائياً العام 1970. تزوج الشاعر يوسف الخال من الرسامة هلن الخال وله منها ولدان: طارق وجواد، ثم تزوج ثانية العام 1970 من الفنانة والشاعرة مها بيرقدار وله منها: ورد ويوسف اللذان يعملان في حقل التمثيل المسرحي والتلفزيوني. توفي العام 1987 ودُفن في بلدة غزير قضاء كسروان.
مؤلفاته
• الحرية - مجموعة شعرية.
• هيروديا - مسرحية شعرية.
• البئر المهجورة - مجموعة شعرية.
• قصائد في الأربعين - مجموعة شعرية.
• رسائل الى دون كيشوت - مجموعة شعرية.
• الحداثة في الشعر - كتاب نقد.
• الولادة الثانية - مجموعة شعرية باللغة العربية الحديثة.
• على هامش كليلة ودمنة - مجموعة نثرية باللغة العربية الحديثة.
• يوميات كلب - نثر باللغة العربية الحديثة.
• دفاتر الأيام - مقالات وآراء.
ترجماته: النبي لجبران خليل جبران، الأرض اليباب لإليوت، ديوان الشعر الأميركي، خواطر عن أميركا لجاك مارتيان، ثلاث مسرحيات، إبراهام لنكولن لكارل ساندبرغ، قصائد مختارة لروبرت فروست والعهد الجديد من الكتاب المقدس.
آراؤه النقدية
أن يزدهر سوق الأدب العربي في لبنان، وأن يعمر بالمجلات الأدبية دون سائر أقطار العرب. وأن تكثر فيه دُور النشر فوق ما يطيق، وأن يغصّ بحَمَلة الأقلام عن جدارة أو عن دعوى... أن يكون هذا كله «واقعاً صحيحاً فشيء، وأن يكون دليل نهضة أدبية فشيء آخر». وله رأي في النقد الأدبي مفاده: «ما الحديث عن النقد، أدبياً كان أم غير أدبي، إلا حديثاً طويلاً. إذ ليس إنعدامه من حياتنا الأدبية أو الفكرية أو الإجتماعية إلا شاهداً على الجمود الكياني الذي نعانيه. فالنقد لا يترعرع إلا في أجواء الحرية. وأين نحن من هذه الأجواء؟ أفي المناطق الحرام التي سيّجناها بالتقاليد والتفاسير، وقلنا للعقل حذار الإقتراب منها؟ أم في مراعاتنا للخواطر وتزلّفنا للآخرين وإخضاعنا الحقيقة لإعتبارات شتى».
تجارة الفكر
في الفكر، كما في كل شيء، نحن تجار. «وتجار نحن منذ أفلاطون، فليس في الأمر شيء جديد، وليس فيه عار. إنما العار في أننا نتاجر حتى في الفكر. فالفكر وموضوعه المعرفة، لا يكون سلعة للمتاجرة. أما كيف نتاجر بالفكر، فخبره عند دور النشر عندنا، بل عند الذين يستغلون المعرفة من أجل الكسب والجاه المرموق.
المتاجرة بالفكر، لا تنحصر في بيعه وشرائه بالمال. فهي تتخذ وجوهاً عديدة منها: إدعاؤها بأننا أدباء ونحن لسنا من الأدب بشيء. ومنها استخدام القلم للتطبيع والتزمير، بل لتزوير الحقيقة وتضليل الناس».
قبل الرحيل
قبل إنتقاله الى رحمة ربه قال الخال ما خلاصته:
«إني سعيد أن ألقى ربي وفي يدي اليمنى حركة شعرية غيّرت الى الأفضل مسيرة الشعر العربي، وفي اليد اليسرى ترجمة عربية للكتاب المقدس أتاحت للألوف من قرائه أن يخترقوا قدر الإمكان في المرحلة الراهنة جسد اللغة العربية القديمة الى روح مضمونه الحي».
القيم
القيم الأخيرة في نظر يوسف الخال:
ثلاث: العقل والحرية والمحبة منها تتفرع الفضائل الإنسانية جميعاً.
يقول: "من العقل: الكيان والمعرفة والعدل.
من الحرية: الصيرورة والخلق والإبداع.
من المحبة: الصلاح والخير والجمال".
التجربة الشعرية
«إن التجربة الشعرية الفذّة تبدع الشكل الفني الفذّ. من هنا ثورتنا على الأساليب التقليدية، لا لأنها سخيفة، بل لأن الإتباعية واستخدام القوالب الخارجية الجاهزة أمر لا يجوز في نظر الشاعر الحديث الذي يبدع أشكاله الخاصة في عالم ثوري تغيّرت فيه أنماط الحياة على نحو لم يسبق له مثيل في التاريخ».