- En
- Fr
- عربي
نحن والقانون
على أثر استعادة لبنان ومقاومته الأسرى اللبنانيين وجثامين الشهداء من العدو الاسرائيلي، أقدمت اسرائيل (بتاريخ 16/7/2008) على ارتكاب عمليات قرصنة جديدة في لبنان على شبكتي الهاتف الخليوي والعادي، كالتي مارستها في أثناء العدوان الاسرائيلي في تموز وآب من العام 2006. فقد تعرّض يومها العديد من المواطنين في مختلف مناطق جنوب لبنان وعاصمته بيروت، الى عمليات ترهيب وتهديد اسرائيلية عبر خطوطهم الهاتفية بعد اختراق شبكتي الهاتف الخليوي والعادي عبر تقنيات إلكترونية متطورة. حيث تلقّى المئات من المواطنين في أغلبية المناطق اللبنانية اتصالات تحمل عبارات التهديد والوعيد وجاء فيها: «الى الشعب اللبناني وحكومته، لا تعطوا الفرصة للإرهاب مجدداً، لا تعطوا الفرصة لحزب الله، هنا دولة اسرائيل، سنرد على كل عدوان يقوم به حزب الله وسيكون الرد قاسياً». كما تلقّى مواطنون في بيروت والعديد من المناطق اللبنانية تحذيرات مماثلة، منهم كاتب هذا المقال وعائلته.
وقد تابعت الحكومة اللبنانية موضوع القرصنة التي مارسها العدو الاسرائيلي على شبكة الهاتف، وطلبت من الأجهزة المعنية اتخاذ كل الاجراءات اللازمة لتتبع ووقف هذا الاعتداء الصريح على لبنان وسيادته. وأبرقت الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وقائد القوة الدولية العاملة في جنوب لبنان الجنرال كلاوديو غراتزيانو، احتجاجاً على هذا الخرق الاسرائيلي الفاضح لسيادة لبنان واستقلاله وللقرار الدولي الرقم 1701.
أمام هذا الاعتداء الفاضح من العدو الإسرائيلي على سيادة لبنان، ما هو موقف القانون الدولي والداخلي من هذه القرصنة؟
على صعيد القانون الدولي
1- في خرق العدو الإسرائيلي سيادة لبنان ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة:
تستمد الدولة سيادتها على إقليمها من خلال ممارستها لسلطانها على الأشخاص والأشياء الموجودين ضمن هذا الإقليم. فيكون للدولة وحدها من دون غيرها حق السيادة على الإقليم، ويخضع الأفراد من مواطنين وأجانب الى سيادة الدولة من دون غيرها، وتمارس داخل حدودها سلطة خاصة متميزة آمرة أصيلة، من خلال ممارسة حق الأمر وفرض الطاعة. وقد نصت الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة الصادر سنة 1945، على أنه يمنع على أعضاء المنظمة، في علاقاتهم الدولية، عن اللجوء الى التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها، ضد الوحدة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة». ويتعرّض العضو المخالف لمبادئ الميثاق لأنواع مختلفة من العقوبات، أهمها: الطرد أو الفصل من المنظمة، الحرمان من حقوق العضوية، تدابير يتخذها مجلس الأمن، وقف العلاقات الاقتصادية والمواصلات، قطع العلاقات الدبلوماسية، اللجوء الى الوسائل القسرية بالقوة عبر استخدام القوات المسلّحة.
وبالتالي، فإن الدولة اللبنانية من دون غيرها هي التي يحق لها ممارسة السيادة والسلطان والأمر وفرض الطاعة على جميع الأفراد المقيمين في لبنان. كما أن هذه الدولة يعود لها الحق من دون غيرها في تحديد خياراتها في مقاومة العدو والدفاع عن شعبها وأرضها ضد الأطماع الخارجية.
استناداً الى كل ذلك، فإن ما قام به العدو الإسرائيلي بالتهديد والوعيد لكل من يتعامل مع حزب الله، عبر عملية قرصنة لشبكتي الهاتف الخلوي والعادي في لبنان، يشكل اعتداءً على سيادة الدولة اللبنانية، وانتهاكاً للمبادئ التي كرّسها ميثاق الأمم المتحدة، ويستوجب تطبيق العقوبات الزاجرة بحق كيان العدو الإسرائيلي.
2- في انتهاك العدو الإسرائيلي نظام المحكمة الجنائية الدولية:
تمّ إقرار إنشاء المحكمة الجنائية الدولية بموجب معاهدة روما للعام 1998، كمؤسسة دولية دائمة، هدفها التحقيق ومحاكمة الأشخاص الذين يرتكبون أشد الجرائم خطورة وتكون موضع الاهتمام الدولي، وليس لهذه المحكمة اختصاص على الدول أو الهيئات المعنوية (الاعتبارية). ولا يستثنى شخص من المسؤولية الجنائية بسبب صفته الرسمية؛ سواء أكان رئيساً لدولة أم لحكومة أم وزيراً أم نائباً أم ممثلاً منتخباً أم موظفاً حكومياً. ولا تحول الحصانات الوطنية أو الدولية أو القواعد الاجرائية من دون ممارسة اختصاص هذه المحكمة على الشخص. ويدخل في اختصاص هذه المحكمة أربع جرائم دولية محددة، وهي: جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان. وقد أكدت الفقرة السادسة من ديباجة نظام المحكمة الجنائية الدولية من جديد مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وخصوصاً وأن جميع الدول يجب أن تمتنع عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد السلامة الاقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي نحو لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة. ونصت المادة 7/ك من نظام المحكمة على أن أي فعل من الأفعال اللاإنسانية التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية، يشكّل جريمة ضد الإنسانية متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجّه ضد مجموعة من السكان المدنيين. فيكون كل من قام بتوجيه تهديدات بالقتل من العدو الإسرائيلي الى الآلاف من المواطنين في أغلبية المناطق اللبنانية، مرتكباً جريمة ضد الإنسانية، تستوجب العقاب والملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، إذا توافرت شروط الإدعاء والملاحقة أمام هذه المحكمة، سواء أكان المرتكب رئيساً أم وزيراً أم نائباً أم ممثلاً منتخباً أم موظفاً حكومياً.
3- في ارتكاب العدو الإسرائيلي جريمة إرهاب دولي:
لقد أدى تفاقم النشاطات الإرهابية الى اهتمام المجتمع الدولي بمكافحة هذه الظاهرة، لا سيما بعد أحداث 11 أيلول 2001 التي وقعت في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا، وشكّلت منعطفاً دولياً بارزاً في تزايد الجهود الدولية لقمع الإرهاب ومعاقبة مرتكبيه، وصدر على أثرها عن مجلس الأمن القرار الرقم 1373 لإدانة الهجمات الإرهابية. إلا أنه وعلى الرغم من تعدّد الاتفاقيات والمعاهدات لقمع الإرهاب، لم يتم الاتفاق حتى الآن على تحديد المفهوم القانوني للإرهاب، بسبب المظاهر المختلفة للأعمال الإرهابية وصعوبة وضع تعريف عام شامل للإرهاب. فالارهاب، في مفهومه العام، هو كل الأفعال التي يؤدي ارتكابها أو الإعلان عنها الى إحداث ذعر عام يخلق بطبيعته خطراً عاماً، فهو يعني الاستخدام العمدي والمنظم لوسائل من طبيعتها أن تنشر الرعب للوصول الى أهداف محدّدة، كاستخدام التخويف لتعجيز الضحية أو الضحايا ومهاجمتهم، أو نشر الرعب باستخدام العنف، والأعمال الإرهابية في مدلولها العام تشمل كل النشاطات التي تعتبر تهديداً لأمن وسلامة واستقرار المجتمع الدولي، أو التي تعتبر استفزازاً خطيراً للمشاعر والقيم الإنسانية.
وعليه، فإن ما قام به العدو الإسرائيلي بأعمال القرصنة على شبكتي الهاتف العادي والخلوي وإرسال تهديدات بالحرب والعدوان لآلاف من الشعب اللبناني، يعتبر عملاً إرهابياً مخالفاً لجميع المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات والقرارات الدولية التي تكافح الإرهاب، وتستوجب ملاحقة فاعلي هذه النشاطات الإرهابية وتجريمهم.
4- في خرق العدو الإسرائيلي قرار مجلس الأمن الرقم 1701:
على أثر العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي بدأ في 12 تموز 2006، وتمهيداً لوضع حد لهذا العدوان، صدر عن مجلس الأمن بتاريخ 11/8/2006 القرار الرقم 1701؛ حيث نصت الفقرة التنفيذية الرقم 5 منه على أن مجلس الأمن يجدّد دعمه القوي لسلامة لبنان الإقليمية وسيادته واستقلاله السياسي ضمن حدوده المعترف بها دولياً، وبحسب ما ورد في اتفاق الهدنة العام الإسرائيلي - اللبناني بتاريخ 23 آذار 1949. وكذلك نصت الفقرة التنفيذية الرقم 7 من القرار ذاته على أن مجلس الأمن يؤكد أن كلّ الأفرقاء مسؤولون عن عدم القيام بأي تحرّك يتنافى مع الفقرة 1 ومن شأنه أن يؤثّر سلباً في البحث عن حلّ طويل الأمد.
فتكون أعمال القرصنة التي قام بها العدو الإسرائيلي على شبكة الاتصالات اللبنانية، خرقاً فاضحاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1701 ولسيادة لبنان، وتستدعي تدخل مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة لوضع حد للخروقات الإسرائيلية المتمادية على لبنان وسيادته خلافاً للعهود والمواثيق والمعاهدات والاتفاقات والقرارات الدولية.
على صعيد القانون اللبناني
1- في اعتبار أعمال القرصنة الاسرائيلية تشكّل جرم الإرهاب سنداً للمادة 314 عقوبات:
تخضع الأفعال الإرهابية في القانون اللبناني للمادة 314 وما يليها من قانون العقوبات الذي صدر بتاريخ 1/3/1943، حيث عرّفت هذه المادة الأفعال الإرهابية بأنها جميع الأفعال التي ترمي الى إيجاد حالة ذعر وترتكب بوسائل من شأنها أن تحدث خطراً عاماً. وهي من اختصاص المحاكم العسكرية (م315 عقوبات).
وقد شدّدت المادة السادسة من قانون 11/1/1958 عقوبة الإرهاب ونصت على أن كل عمل إرهابي يستوجب الأشغال الشاقة المؤبدة، وهو يستوجب الإعدام إذا أفضى الى موت إنسان، أو نتج عنه التخريب، ولو جزئياً، في بناية عامة أو مؤسسة صناعية أو سفينة أو منشآت أخرى، أو التعطيل في سبل المخابرات والمواصلات والنقل.
واستناداً الى ذلك، فإن ما قام به العدو الإسرائيلي بعملية قرصنة إتصالات واسعة النطاق شملت آلاف المواطنين في لبنان تضمّنت عبارات التهديد والوعيد بأعمال حربية قاسية، قد أوجدت حالة ذعر وخوف من خطر عام قد يقدِم عليه هذا العدو بشنّ هجوم عسكري مدمّر وواسع على الأراضي اللبنانية توقع آلاف الأبرياء، كتلك التي حصلت في الحروب السابقة لا سيما في إبان العدوان الاسرائيلي الأخير على لبنان في تموز 2006.
2- في ارتكاب العدو الإسرائيلي جرم التهديد بالقتل
سنداً للمادة 574 عقوبات:
يمكن تعريف جرم التهديد بأنه كل فعل من شأنه بثّ الرعب أو الخوف في نفس شخص آخر من خطر يراد إيقاعه بشخصه أو بماله أو بشخص يعرفه أو يعنيه أمره، ويكون مرتكباً بأحد الوسائل التي حددها القانون. ويعتبر التهديد نوعاً من الإكراه الأدبي أو المعنوي، بقصد الحصول على مطلب محدّد أو بقصد إزعاج الشخص المهدّد والمساس بأمنه وحريته الشخصية. وقد نصت المادة 574 من قانون العقوبات على أنه من توعّد آخر بجناية عقوبتها الإعدام، أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو أكثر من خمس عشرة سنة أو الإعتقال المؤبد، سواء بواسطة كتابة ولو مغفلة، أو بواسطة شخص ثالث، عوقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات إذا تضمن الوعيد الأمر بإجراء عمل ولو مشروعاً أو بالامتناع عنه. ونصت المادة 575 عقوبات على أنه إذا لم يتضمن التهديد بإحدى الجنايات المذكورة أعلاه أمراً أو تضمن أمراً إلا أنه حصل مشافهة من دون واسطة شخص آخر قضي بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنتين.
وبناءً على ذلك، تشكّل أعمال القرصنة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي بحق آلاف المواطنين الآمنين في لبنان عبر شبكة الاتصالات، جرم التهديد بالقتل نتيجة بثّ الرعب والخوف من خطر الحرب التي يراد إيقاعها بهؤلاء المواطنين.
3- في ارتكاب العدو الإسرائيلي جرم الاعتداء على أمن الدولة سنداً للمادة 271 عقوبات:
نصت المادة 271 من قانون العقوبات اللبناني على أنه «يتم الاعتداء على أمن الدولة سواء كان الفعل المؤلف للجريمة تاماً أو ناقصاً أو في طور المحاولة». فيجب أن يستهدف فعل الاعتداء أمن الدولة؛ كتغيير دستورها بالعنف، أو منع السلطات العامة من ممارسة وظائفها الدستورية، أو إثارة النعرات الطائفية أو الحرب الأهلية ودفع المواطنين للتسلح البعض ضد بعضهم الآخر.
ولم يتطلب نص المادة 271 عقوبات وقوع الاعتداء بوسائل معينة. وتتوقف عقوبة هذا الجرم على عقوبة الجريمة التي تستهدفها، فعقوبة الاعتداء على أمن الدولة الرامية الى إضعاف الشعور القومي والنيل من هيبة الدولة أو إثارة النعرات الطائفية هي الاعتقال المؤقت (م295 عقوبات)، وعقوبة الاعتداء على أمن الدولة الرامية الى إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بتسليح اللبنانيين أو بحملهم على التسلح بعضهم ضد بعض هي الإعدام، وعقوبة الاعتداء على أمن الدولة الرامية الى الفتنة أو الإرهاب هي الأشغال الشاقة المؤبدة (م1 و6 من قانون 11/1/1958).
ولا شك في أن ما قام به العدو الإسرائيلي من اتصالات شملت آلاف اللبنانيين في أغلبية المناطق اللبنانية تضمنت عبارات التهديد والوعيد وتصوير المقاومة وحزب الله بالإرهاب، والتهديد بالرد القاسي تجاه أي عمل يقوم به العدو الإسرائيلي، هدفه إثارة النعرات الطائفية والمذهبية ومحاولة إشعال الحرب الأهلية وتحريك الغرائز والعصبيات ودفع المواطنين للتسلح البعض ضد بعضهم الآخر واستغلال الأوضاع السياسية التي يمرّ بها لبنان في هذه الظروف العصيبة.
المراجع:
1- د. زهير شكر: الوسيط في القانون الدستوري، الجزء الأول، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1992.
2- د. محمد المجذوب: التنظيم الدولي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1998.
3- د. علي عبد القادر القهوجي: القانون الدولي الجنائي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2001.
4- د. علي جعفر: الاتجاهات الحديثة في القانون الدولي الجزائي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2007.
5- د. محمد شريف بسيوني: المحكمة الجنائية الدولية، 2002.
6- القاضي فريد الزغبي: الموسوعة الجزائية، ج4، دار صادر، بيروت، 1995، المجلد العاشر.
7- القاضي جندي عبد الملك: الموسوعة الجنائية، المجلد الثاني، دار المؤلفات القانونية، بيروت، 1932.
8- د. سمير عالية: الوجيز في شرح الجرائم الواقعة على أمن الدولة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1999.