- En
- Fr
- عربي
كلمتي
تعرضت البلاد في الأيام الأخيرة لأكثر من هزة أرضية، تفاوتت شدّتها وتنوّعت أخطارها وتصاعدت احتمالاتها، وأضيفت الى هزات من نوع آخر، أصابت بعض العقول التي ركبت رؤوسها وسلّمت نفوسها الى التحريض السياسي والاستفزاز الأمني وانعدام المسؤولية الذاتية لدى وسائل الإعلام، وراحت تتنقل بين أحياء العاصمة، وهي تكاد تجدّد الأذى لهذا الوطن الجريح لولا حكمة الحكماء، ولولا تبصّر السواد الأعظم من المواطنين الغيارى على سلامتهم، وعلى السلم الأهلي وأمان البلاد وديمومة الوطن، ولولا الحرص الطبيعي من قبل الجيش والقوى الأمنية على منع الفتنة كائنة ما كانت المصاعب والتضحيات. دوريات الجيش في حركة دائمة، والجنود في سهر وجهوزية لتطبيق المبدأ الذي تؤكد عليه القيادة باستمرار: كما إن الدفاع عن الوطن ومواجهة الأطماع الإسرائيلية خط أحمر لا يمكن التراجع عنه، فإن الأمن خط أحمر هو الآخر، ولا نسمح بتجاوزه. الفتنة لو حصلت، لا سمح الله، ستصيب الجميع. لن يكون أحد في مأمن من خطر الفتنة، ولن يكون مكان محمياً من نارها ودمارها. هؤلاء هم أهلنا يقول الجيش. هذه هي بيوتنا وتلك هي شرفاتها ودروبها، الشرفات التي يجب أن تطل منها شتول الزهر وصور الأطفال ورسومهم، والدروب التي يجب أن تسلكها أجيالنا الى المدرسة والحقل والمصنع. ليس التعبير عن الرأي ممنوعاً في بلادنا، فالحرية هي السمة الأساسية لمجتمعنا، إنما التهديد والاستفزاز والخروج على قواعد المواطنية والاستخفاف بمقتضيات التنوع، والتمرد على مبادئ المشاركة والحوار والجوار... هي الممنوعات وهي المحرمات. ليس الشارع ملكاً لفريق من دون فريق، ففي الوطن أكثر من فريق، ولو كان هناك فريق واحد لاختفت السمة الأولى لتأسيسه وقيامه واستمراره عنواناً ومثالاً في العالم بأسره.
هل من داع، ترى، لاستعادة مشهد بوسطة عين الرمانة، في كل مرة، وأحداث شوارع صيدا، وما اليها، من أجل إلقاء عظة على الناس يتم فيها تحذيرهم من مغبة الشغب والتحريض والاستفزاز، بالشتائم مرة وبالتحديات مرة واستعمال أسلحة النار والدمار مرات ومرات؟ وهل من ضرورة للعودة بالذاكرة الى مشاهد الضحايا الذين كانوا يتوزعون في الماضي البغيض على الطرقات، وتتوزّع أخبارهم على الصفحات السود في الجرائد، بعضهم بأسماء وبعضهم من دون أسماء: شوهدت جثة، تمّ العثور على رجل مقتول، يتم التعرف على ضحية مشوّهة، هناك امرأة مفقودة، وهناك طفل مخطوف...؟ أما آن لأبناء هذا الوطن، ممن يمسكون بالقرار أو يميلون اليه أو يقفون على مسافة قريبة منه مصفقين ومهللين، أما آن لهم أن يتيقنوا من أن الهيكل لو تهدم لسقطت حجارته فوق رؤوس الجميع، ولما بقي منهم إلا من تستبقيه الكارثة للندب والعويل والوقوف على الطلل الزائل؟
أليست في الاعتداءات المتكررة من قبل العدو الإسرائيلي على أبناء الوطن، بالحديد والنار والسيارات المفخخة، حوافز من حجم ما، للتقارب والتفاهم وحصر أمور الخلاف، وعدم التغني بها، وإبراز الخيوط الممكنة للمصالحة والوفاق؟