- En
- Fr
- عربي
تاريخ عسكري
من السهل أن يكتب متخصّص تاريخ بلدٍ أو تاريخ مؤسسة عسكرية، من خلال الوثائق والمصادر المتوافرة لديه، ولكن ذلك يبقى رهن توجهه وثقافته واعتقاده، ودرجة حياديته في معالجة الموضوع، فيأتي هذا التاريخ على صورة المؤلف. أمّا أن تقوم لجنة متنوعة تتألّف من عدد من الضباط والدكاترة بكتابة هذا التاريخ، فلا شك أن العمل يتطلّب حوارات ونقاشات بين أعضائها مجتمعين، ما يفضي إلى الاقتراب إلى أكبر درجة ممكنة من الواقع الفعلي لحقيقة الأحداث.
عادةً ما تعاني اللجان المكلّفة بكتابة تاريخ ما، بسبب اختلاف وجهات النظر بين أعضائها حول بعض المواضيع أو الأحداث ما يحول دون إنجاز عملها. أمّا اللجان التي تشكّلت لكتابة تاريخ الجيش اللبناني فقد واجهت أحيانًا بعض الصعوبات في أثناء المناقشة بين أعضائها حول نقاط مثيرة للجدل، إلاّ أنّها استطاعت تجاوزها باعتمادها المنهج الأكاديمي، أو بإحساسها الوطني، أو بالدمج بينهما معًا، وذلك بهدف الوصول الى الغاية المثلى، وهي كتابة تاريخ هذه المؤسسة الوطنية الكبرى ليكون قاعدة متينة يبنى عليها تاريخ هذا الوطن، ونبراسًا ينير طريق المستقبل أمام الأجيال القادمة.
اللجان القديمة
يعود تاريخ تأليف أول لجنة «لكتابة تاريخ المؤسسة العسكرية وحفظ تراثها» الى العام 1948، عندما عمدت قيادة الجيش آنذاك إلى العمل على استصدار مرسوم جمهوري (رقم 13646 تاريخ 16- 11- 1948)، يقضي بتأليف لجنة متخصّصة لإنجاز هذا العمل، وقد تشكّلت اللجنة الأولى على الشكل الآتي:
- وزير الدفاع الوطني أو من ينوب عنه رئيسًا.
- المقدم إميل البستاني نائبًا للرئيس.
- الأمير موريس شهاب (باحث في الآثار) عضوًا.
- الدكتور أسد رستم (من اساتذة التاريخ الكبار)عضوًا.
- بالإضافة الى عدد من الأعضاء الآخرين المساعدين.
أما مهمة هذه اللجنة فكانت: درس جميع الوسائل اللازمة لتحقيق الغاية المطلوبة والاتصال بالسلطات والجهات والأشخاص المعنيين للحصول على الآثار والتحف التذكارية والأسلحة القديمة والمحفوظات ومختلف الوثائق ذات الصلة. وقد جالت هذه اللجنة في المناطق اللبنانية المختلفة، وجمعت الكثير من هذه المصادر وبخاصة الأسلحة والوثائق، بحيث تمّ تجميعها في أماكن محددة، ما شكّل النواة الأولى لتجهيز المتحف العسكري في المدرسة الحربية (الكلية الحربية حاليًا) في بادىء الأمر، ثم جرى نقلها بعد ذلك الى مبنى المتحف العسكري الخاص التابع لمديرية التوجيه في اليرزة بعيد إنشائه منتصف تسعينيات القرن الماضي.لم تستطع هذه اللجنة أو اللجان التي تشكّلت بعدها خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات، أن تنجز كتابة تاريخ الجيش اللبناني بشكل رسمي، وذلك لأسباب متعددة لعل أهمها كان الأحداث التي عصفت بلبنان وأثرت في بنية الجيش منذ العام 1975 وحتى نهاية العام 1990.
اللجان الحديثة
في العام 1993 أصدرت قيادة الجيش مذكرة خدمة رقمها 16512 /ع د/ تقني تاريخ 24 تموز 1993، شكّلت بموجبها أول لجنة متخصصة لكتابة تاريخ الجيش اللبناني الرسمي برئاسة العميد الركن سامي ريحانا (حائز دكتوراه في التاريخ)، وعضوية كل من:
- العميد الركن جورج فغالي (ماجستير في التاريخ).
- الرائد أحمد علو (ماجستير في التاريخ).
- يضاف إليهم عدد من الضباط المجازين في التاريخ من مديريات التوجيه والمخابرات والتعليم.
بعد ذلك ألحق باللجنة كل من الرائد أحمد مشيك والرائد نافذ الأحمر وهما من حملة الدكتوراه في التاريخ.
عمل اللجنة الأولى
سافر بعض أعضاء اللجنة مع رئيسها إلى فرنسا، حيث مقر الأرشيف العسكري الفرنسي (في شاتو دي فنسان) قرب باريس، حيث تم تصوير بعض محتويات هذا الأرشيف العائد للوحدات اللبنانية خلال فترة الانتداب الفرنسي على لبنان، وهو ما تمَّ استخدامه من قبل أعضاء اللجنة كوثائق ومصادر في كتابة تاريخ الجيش اللبناني - الجزء الأول (1920 – 1945)، والذي أنجزته اللجنه الأساسية المذكورة آنفا وما تلاها من لجان في العام 2004.
وكانت اللجنة قد كلّفت عددًا من أعضائها بتصوير ما يتوافر في الأرشيف العسكري اللبناني في قيادة الجيش من مذكرات خدمة وقرارات ومجلة الجندي اللبناني وغيرها، كما كُلِّف عدد من أعضائها بإجراء مقابلات مع عسكريين سابقين من رتب مختلفة، ممن عاصروا فترة الانتداب الفرنسي وكانوا ضمن الوحدات اللبنانية الخاصة. كما قامت قيادة الجيش بإيفاد ضابطين ورتيب من أعضاء اللجنة الى سوريا للاطلاع على جميع الوثائق المتوافرة في المكتبات أو في المدرسة الحربية في حمص وتصويرها، وقد تم إنجاز ذلك، وحفظت الوثائق مع أخرى غيرها في مكتبة خاصة باللجنة. واستخدم قسم من هذا الأرشيف كوثائق ومصادر في كتاب «المسيرة العسكرية اللبنانية في القرن العشرين»، والذي أرسل إلى جامعة الدول العربية في القاهرة، إسهامًا في كتابة التاريخ العسكري العربي المشترك، وذلك بناء عل طلب من قبل هذه الجامعة.
اللجان اللاحقة
تابعت اللجان اللاحقة عمل اللجنة الأولى في كتابة تاريخ الجيش اللبناني في جزءيه (الأول والثاني) وهي التي تشكّلت منذ العام 1999 وما بعده، وقد حالت الأحداث التي مرّ بها لبنان منذ العام 2005 وما بعده، دون صدور الجزء الأول من الكتاب، وتوقّف عمل اللجنة حتى العام 2008، حيث أعيد تشكيل لجنة جديدة جهدت في العمل لإصدار الجزء الأول في نهاية العام 2009، وتابعت اللجان التي تشكّلت بعد ذلك عملها إلى أن أنجزت في العام 2016، الجزء الثاني من كتاب تاريخ الجيش.
لجنة كتابة تاريخ الجيش – الجزء الثاني
• تشكيل اللجنة:
شكّلت قيادة الجيش لجنة جديدة لمتابعة عمل اللجان السابقة، وإنجاز الجزء الثاني من تاريخ الجيش، وكان ذلك بموجب مذكرة الخدمة رقم 5413/ع د/تقني/ت تاريخ 25/2/2012، وعلى الشكل الآتي:
- العميد الركن دريد زهر الدين مدير التعليم في الجيش، رئيسًا.
- العميد الإداري المتقاعد الدكتور أحمد علو، عضوًا.
- العميد إيلي أبي راشد من مديرية المخابرات، عضوًا.
- العقيد أنيس الخوري من مديرية التوجيه، عضوًا وأمينًا للسرّ.
- المقدم المتقاعد الدكتور نافذ الأحمر، عضوًا.
- الدكتور منذر جابر، عضوًا.
- الدكتور الكسندر ابي يونس، عضوًا.
• عمل اللجنة:
قامت اللجنة الجديدة التي شكّلتها قيادة الجيش بوضع مخطط عملها لإنجاز هذا الجزء وذلك بعيد صدور الجزء الأول في مطلع تشرين الأول من العام 2009، وقد حاولت في هذا المخطط بتجرد ومصداقية رسم إطار تاريخي تفاعلي وتحليلي متحرك للبيئة العسكرية الاجتماعية الاقتصادية والسياسية التي رافقت المرحلة، والتي فرضت على الجيش أن يتمظهر بالشكل والدور اللذين اتخذهما خلال هذه المرحلة من موضوع الدراسة، أي منذ تسلّمته الحكومة اللبنانية في العام 1945 وحتى العام 1958.
ونظرًا إلى الظروف السياسية الداخلية الحساسة التي رافقت تلك الفكرة، رأت اللجنة ضرورة النظر إلى تاريخ الجيش اللبناني ودراسته عبر مقاربات متعددة، منها، التطور البنيوي والعسكري والاجتماعي والأمني والإنمائي. لذلك تم الاتفاق على تقسيم الكتابة في هذه المرحلة إلى ثلاثة أقسام في ثلاثة كتب، وقد اسندت كتابة كلّ قسم إلى عضو من الأعضاء المتفرغين للكتابة، كما يأتي:
- الكتاب الأول: ينظر في التطور البنيوي للجيش كمؤسسة عسكرية بحد ذاتها، تنظيمها عديدًا وعتادًا، وكل ما يتعلق بشؤون أفرادها وإدارتها وتجهيزها، وما تطلبه ذلك من إصدار قوانين وقرارات وتعليمات، ومذكرات خدمة وغيرها، وقد كلف بكتابة هذا القسم العميد المتقاعد د. أحمد علو.
- الكتاب الثاني: ينظر في مشاركة الجيش في الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى (1948)، ودوره في حماية الحدود الجنوبية والداخل، وبخاصة مشاركته في معارك المالكية، وكلّف بكتابته الدكتور منذر جابر (أحد أساتذة التاريخ في الجامعة اللبنانية).
- الكتاب الثالث: ينظر في الدور الإنمائي والأمني للجيش، وتطوّر المؤسسات الاجتماعية داخله. وقد كلف بكتابته الدكتور ألكسندر أبي يونس (أحد أساتذة التاريخ في الجامعة اللبنانية).كما كلّف العضو الرابع في اللجنة المقدم المتقاعد نافذ الأحمر (أحد أساتذة التاريخ في الجامعة اللبنانية) بكتابة تاريخ الثكنات والألبسة العسكرية، على أن يصدر لاحقًا، ضمن الجزء الثالث من تاريخ الجيش.
تنفيذ العمل
باشرت اللجنة عملها فور تشكيلها، وعقدت اجتماعات عديدة لوضع تصورها لمخطط العمل ورفعه إلى قيادة الجيش للموافقة عليه. وبعد ذلك بدأت بالاطلاع على الارشيف المتوافر في مقر اللجنة الجديد في مبنى كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان، من مذكرات خدمة ومجلات الجندي وسجلات العمليات لبعض الوحدات وأرشيف بعض الصحف وغيرها، فعمدت إلى تقميشه وفرزه بما يتناسب مع المرحلة المحددة للكتابة، وبدأ الأعضاء المعينون للكتابة بتجميع المادة المتعلقة بكل منهم وفق المخطط المتفق عليه، على أن يتم إنجازه ضمن المهلة الزمنية المتفق عليها مع رئيس اللجنة.
• الصعوبات:
واجهت اللجنة صعوبات متعددة في تأمين الوثائق اللازمة والكافية أو المناسبة، ما اضطرّها إلى البحث والتفتيش في أرشيف الصحف والمجلات والمكتبات الجامعية اللبنانية، كما عمدت الى إجراء مقابلات مع عدد من العسكريين، من الرتب المختلفة، الذين عاشوا هذه المرحلة ضمن وحدات الجيش، وما زالوا على قيد الحياة. كذلك عمدت القيادة إلى تشكيل لجان فرعية لمتابعة البحث والتفتيش ومساعدة اللجنة الأساسية في تجميع الصور والوثائق المختلفة وأرشفتها، وتخزينها في مكتبة اللجنة وحاسوبها لتسهيل استثمارها.
• تسليم العمل:
استغرق عمل المؤلفين في الكتابة أكثر من سنتين، كان يتم خلالها عرض ما يؤلفونه على اللجنة تباعًا وفي اجتماعات دورية لمناقشته وإبداء الملاحظات المناسبة عليه، من قبل رئيس اللجنة وأعضائها حيث كانت تجري عملية مناقشة الأفكار والكتابات وعرض الصعوبات بالإضافة إلى تلقّي توجيهات القيادة. بعد إنجاز العمل بشكل نهائي، تم تسليمه الى أمانة سر اللجنة التي تولت طباعته وقامت بعرضه على بعض اللجان الفرعية للتدقيق وإبداء الملاحظات، وتصحيح الأخطاء إذا وجدت.
• عمل اللجان الفرعية:
عيّنت القيادة عددًا من اللجان الفرعية مؤلفة من ضباط كبار مجازين في التاريخ أو غيره لمراجعة الأقسام المكتوبة وإبداء ملاحظاتها على كل كتاب، وبعدها جرت مناقشة هذه الملاحظات مع كلِّ مؤلف على حدة، وهذا ما استغرق وقتًا إضافيًا كون هؤلاء الضباط لا يزالون في الخدمة الفعلية ولديهم وظائف ومهمّات ومسؤوليات أخرى.
مديرية التوجيه:
تعتبر مديرية التوجيه الراعي الأساس لعمل اللجنة منذ البداية وحتى النهاية، بحيث أشرفت على العمل بشكل مستمر من خلال أمين سر اللجنة العقيد أنيس خوري، وذلك بالتنسيق مع رئيسها العميد الركن المتقاعد دريد زهر الدين الذي كان يشغل وظيفة مدير التعليم.
تسلّمت مديرية التوجيه في النهاية الكتب من اللجان بعد إنهاء ملاحظاتها، وعمدت إلى مراجعة كل كتاب على حدة من قبل العميد دانيال الحداد رئيس قسم الصحافة والعلاقات العامة فيها، وهو الذي أعاد صياغة النصوص والفقرات، بما يتوافق مع اللغة العسكرية والعناوين والتوجه العام لقيادة الجيش، وكان يقوم بعمله عبر اتصاله المباشر بكل كاتب، ومناقشته بكل شاردة وواردة حول المبنى والمعنى. وقد عاونه في ذلك الرائد وائل محمود والنقيبان فادي بعقليني وحسين مظلوم من القسم المذكور، فيما جرى ذلك كله، باشراف مدير التوجيه العميد علي قانصو.
• عمل المطبعة:
تولّت مديرية التوجيه بصورة يومية الإشراف على عملية طبع الكتاب في مطابع الجيش – مديرية الشؤون الجغرافية، وقامت بمراجعة النسخ الأولى من الكتب المطبوعة مع أعضاء اللجنة المؤلفين لتصحيح الأخطاء في النصّ، وترتيب الصور والعناوين، وذلك بواسطة الرائد وائل محمود المكلّف إنجاز الكتاب بشكله النهائي اللائق، والتأكد من سلامة الطباعة.
رمزية المناسبة وديمومتها
قررت القيـادة إصدار هذا العمل بالتزامن مع عيد الجيش في الأول من آب 2016، لرمزية المناسبة ودلالاتها، فتاريخ هذا الجيش بدأ عمليًا في الأول من آب 1945، وكان من المهم أن يصدر كتاب تاريخه في جزئه الثاني في التاريخ ذاته، وبخاصة أن هذا العمل يؤرخ الخطوات الأولى من مسيرة الجيش اللبناني.
يعتبر هذا العمل بمجمله ثمرة تضافر الكثير من الجهود، لا بل عملًا جماعيًا بامتياز، قامت به اللجنة واللجان الفرعية، بناءً على توجيهات قائد الجيش، العماد جان قهوجي ومتابعة الأجهزة المختصّة في القيادة.
لقد أرست قيادة الجيش ديمومة العمل في كتابـة تاريـخ الجيـش، من خلال اللـجان التي عيّنتها لمتابعة هذا الموضوع، إذ خصّـت اللجنة بمقر ثابت في كلية فـؤاد شهاب للقيادة والأركان مع جميع متطلباته المكتبية واللوجستـية المناسبة، بحيث أصبح بإمكان هـذه اللـجان أن تجتمع وتطّلـع على الأرشـيف المحفـوظ لديها، أو تضيف اليـه كل ما يستجد من وثــائق ومراجع، وبذلك يمكن القول أنه أصبح بإمكان اللجان اللاحقة والمستقبلية، أن تتابع كتابـة تاريـخ الجيــش بصورة منتظمة، وأكثر سهولة من اللجان السابقة التي عانت عدم توافر مقر ثابت ومناسب لعملها، وهكذا تم تأمين مقومات عمل أكاديمي دائم ومستمر ويمكن تطويره كلّما دعت الحاجة.
ترأس اللجان عدد من الضباط العمداء في الخدمة الفعلية بعد إحالة رئيس اللجنة الأولى في العام 1999 على التقاعد، وهم تباعًا: العميد البحري الدكتور سمير الخادم، العميد الركن ناصيف المعلوف، العميد الركن الياس فرحات، العميد الركن توفيق الملحم، العميد الركن رؤوف الصيـاح فالعميد الركن دريد زهر الدين.
كما ترأس اللجان الفرعية كل من: العميد حسين خضر والعميد الركن الياس أبو جودة، ولجنة الصياغة النهائية العميد دانيال الحداد. وكانت مهمة كل رئيس لجنة أو عضو تنتهي حكمًا بعد احالته على التقاعد، ليستبدل برئيس أو عضوٍ آخر.