- En
- Fr
- عربي
إقتصاد ومال
هل نكون أمام هونغ كونغ أوروبية؟
تحت شعارات: «استعادة السيادة»، «الاستقلال»، و«تحرير بريطانيا من بيروقراطية بروكسل وتشريعاتها»، اختارت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي BREXIT بعد 43 سنة من انضمامها إليه.
وزير الخزانة الأميركي السابق لاري سامرز رأى أن هذه الخطوة هي أكبر ضربة تتلقّاها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، واعتبر أنّ اليورو هو المتضرّر الأكبر، في حين رأى رئيس الاحتياطي الأميركي السابق، أنّ BREXIT جاء في أسوأ فترة زمنية، حيث البنوك المركزية تقف عاجزة إزاء البلبلة في الأسواق المالية التي شهدت اضطرابات وتقلّبات قوية...
ما هي التداعيات الاقتصادية لـBREXIT في بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وهل يصل تأثيرها إلى لبنان؟ «الجيش» تحاور الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني حول الموضوع.
صدمة في الأسواق المالية
• خبر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هزّ الأسواق العالمية وكان مفاجأة كبيرة للعالم، ما رأيك؟
- من دون أدنى شك أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان مفاجأة للأسواق المالية الدولية، ولأسواق العملات في فترة كانت تشهد تحسّن الاقتصاد، ولا سيما تحسّن اليورو مقابل الدولار. كان خروجها صدمة، على اعتبار أن الأسواق كانت ترشّح بقاءها في الاتحاد الأوروبي.
• ما هــي الأسباب التي دفــعت البريطـانيين إلى التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟
- للبريطانيين عدّة أسباب دفعتهم إلى ذلك أبرزها، أن 60 في المئة من التشريعات القانونية في لندن تأتي من بروكسيل، وبريطانيا تدفع مقابل ذلك نحو 18 مليار جينيه استرليني، يعتبر البريطانيون أنهم أحقّ بها. يضاف إلى ذلك قضية المهاجرين الذين ينافسون العمالة البريطانية، ففي بريطانيا اليوم أكثر من 330 ألف مهاجر منهم 180 ألفًا من أوروبا الشرقية.
• ما هي تداعيات الـBREXIT على بريطانيا؟
- التداعيات المرتقبة عديدة وأبرزها:
- إنكماش اقتصادي في بريطانيا، يؤدي إلى تراجع في معدّلات النمو (نتيجة الأجواء الضبابية بالنسبة إلى المستقبل)، ويؤثر سلبًا في الحركة الاستثماراية وأسعار العقارات واستهلاك المواطنين، وكذلك في ما خصّ صادرات بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي والتي تمثّل 45 في المئة من إجمالي صادراتها.
- هبوط في قيمة الجنيه الاسترليني الذي تراجع بأكثر من 13 في المئة مقابل الدولار، ما يجعل سياحة البريطانيين إلى الخارج مرتفعة الكلفة.
- تأزّم في وضع المالية العامة والحساب الجاري، الذي يسجّل عجزًا يفوق الـ10 في المئة من الناتج المحلي.
- تزايد في نسبة البطالة من 5 في المئة حاليًا إلى 6 في المئة وفق صندوق النقد الدولي، وارتفاع في نسبة التضخم من 2 في المئة إلى 5 في المئة نتيجة ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
وقد اضطر المصرف المركزي البريطاني عقب الـBREXIT إلى اتخاذ إجراءات على صعيد خفض معدلات الفوائد لتنشيط الحركة الاقتصادية، كما اضطرت الحكومة البريطانية إلى خفض معدلات الضرائب، على الشركات لإبقائها في بريطانيا.
- إحتمال خسارة لندن لمركزها كثاني مركز مالي عالمي بعد نيويورك، وهي تسيطر على أربعين في المئة من سوق العملات، أي حوالى 2100 مليار دولار يوميًا، وعلى 45 في المئة من سوق التداول باليورو. كما يخشى في هذا المجال من انتقال الشركات والمصارف إلى مدن أقرب من الاتحاد كفرانكفورت، وباريس وبروكسل.
وأضاف الدكتور وزني: خروج بريطانيا من الاتحاد يعني خسارتها لامتيازاتها معه على صعيد الاتفاقات التجارية وحرّية حركة السلع والأموال والأشخاص، إضافة إلى الإعفاءات الضريبية.
تراجع اليورو وتباطؤ النمو الأوروبي
• ماذا عن التداعيات بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي؟
- سوف يطاول الضرّر الاتحاد الأوروبي على صعيدين:
أولاً: على الصعيد السياسي، يُخشى أن يؤدي الخروج إلى زعزعة هيكل الاتحاد الأوروبي، إذ تبرز مخاوف من احتمال خروج دول أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا واليونان. كما أن هذا الخروج سوف يعزّز النزعات السيادية والاستقلالية في دول الاتحاد (فرنسا، وبلجيكا مثلًا)، وقد يعزّز المواقف العنصرية والسيادية خارج أوروبا أيضًا (حالة المرشح لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب).
ثانيًا: على الصعيد الاقتصادي، يشكّل الاقتصاد البريطاني 15 في المئة من اقتصاد الاتحاد، ويعتبر ثاني أكبر اقتصاد بعد ألمانيا والخامس عالميًا. وقد يؤدي الخروج إلى هبوط قيمة اليورو وإلى تراجع الحركة الاستثمارية في الاتحاد وإلى تباطؤ النمو الاقتصادي وحدوث تقلّبات في الأسواق المالية.
هل تصيبنا «طرطوشة»؟
• ماذا بالنسبة إلى الإقتصاد العالمي ولبنان؟
- من المرتقب أن يؤدي الـ Brexit إلى تراجع النمو العالمي بنسبة ترواح بين النصف والواحد في المئة، وفق صندوق النقد الدولي.
أما في ما خصّ لبنان فتبعات الـ Brexit سوف تكون محدودة جدًا، فالتبادل التجاري بين لبنان وبريطانيا لا يتخطى الـ620 مليون دولار سنويًا، منها 580 مليون دولار للاستيراد و40 مليون دولار للتصدير، وتحويلات اللبنانيين من بريطانيا أقل من 3 في المئة من إجمالي تحويلاتهم. لكن يوجد في المقابل استثمارات مهمة للقطاع الخاص في بريطانيا تقدّر بمئات الملايين من الجينه الاسترليني، منها استثمارات مصرفية وعقارات ومطاعم ومؤسسات تجارية.
وكخلاصة، إن إيجابيات الـBrexit بالنسبة إلى لبنان تفوق سلبياته، ويمكن اختصارها بالآتي:
- هبوط اليورو يخفّف من فاتورة الاستيراد من منطقة اليورو التي تبلغ حوالى 6 مليارات دولار، ما ينعكس إيجابًا على الميزان التجاري وعلى ميزان المدفوعات ويساهم في تخفيف معدلات التضخّم.
- هبوط أسعار النفط عالميًا، ينعكس إيجابًا على المالية العامة، نتيجة خفض التحويلات لمؤسسة كهرباء لبنان، وكذلك على ميزان التجارة والمدفوعات نتيجة تقلّص فاتورة الاستيراد.
- ارتفاع أسعار الذهب، ينعكس إيجابًا، إذ يزيد من قيمة مخزون الذهب في مصرف لبنان، ما يعزّز الثقة باستقرار النقد الوطني ويدعمه.
أخيرًا، يقول وزني إن الـBrexit يهددّ هيكلية الاتحاد الأوروبي سياسيَا واقتصاديًا، ويضعف بريطانيا اقتصاديًا وسياسيًا على المديين القريب والمتوسط.
أما على المدى البعيد فالأمور ستختلف، فبريطانيا تسعى لتكون نموذجًا أوروبيًا عن هونغ كونغ اقتصاديًا وماليًا ومصرفيًا وقانونيًا. فهونغ كونغ تُعتبر مركزًا رائدًا للاقتصاد العالمي ومركزًا ماليًا للمصارف والمؤسـسات العالمية، بالإضافة إلى كونها مركزًا خدماتيًا للشركات وكبار المستثمرين في العالم، وهي تتمتع باستقلالية إدارية ومالية، على الرغم من ربطها بدولة الصين في العام 1997.
هل يؤثّر خروج بريطانيا على الشرق الأوسط وأفريقيا؟
أعلنت «وكالة فيتش» للتصنيفات الائتمانيّة، أنّ تصويت بريطانيا لمصلحة الخروج من الاتّحاد الأوروبي قد يؤثّر على دول الشرق الأوسط وأفريقيا، من خلال الأسواق والتجارة والمساعدات، وإن كانت أيّ آثار فوريّة تبدو «محدودة».
وقالت فيتش في بيان: «آثار الأمد القصير قد تأتي من خلال اضطراب السوق، في حين قد يؤثّر تباطؤ النمو البريطاني والأوروبي سلبًا على اقتصادات الشرق الأوسط وأفريقيا، في وقت تُعاني فيه بالفعل من ضغوط شديدة»، مشيرةً إلى أنّ «10 دول من بين 29 دولة مصنّفة في المنطقة، قد أعطيت نظرة مستقبليّة مستقرّة».
وأوضحت الوكالة أن «أبرز الآثار الفوريّة المترتّبة على الإنسحاب البريطاني، يظهر في زيادة عزوف المستثمرين عن المخاطرة، في حين يتوقّف التأثير على مدى الاندماج مع النظام المالي العالمي».