- En
- Fr
- عربي
مفاهيم ومصطلحات
في ظلّ المتغيّرات المتسارعة التي يشهدها عالمنا, تزداد التحديات والتهديدات، وتبرز أهميّة القيادة في مختلف المجالات والمؤسسات (الإداريّة، التربويّة، الإقتصاديّة...), وتزداد أهميتها في المجال العسكري والأمني، وذلك نظرًا للمسؤوليّة التي تقع على عاتق هذا النوع من المؤسسات، ولأهميّة الأهداف التي يفترض أن تحققها.
في ظلّ المتغيّرات المتسارعة التي يشهدها عالمنا, تزداد التحديات والتهديدات، وتبرز أهميّة القيادة في مختلف المجالات والمؤسسات (الإداريّة، التربويّة، الإقتصاديّة...), وتزداد أهميتها في المجال العسكري والأمني، وذلك نظرًا للمسؤوليّة التي تقع على عاتق هذا النوع من المؤسسات، ولأهميّة الأهداف التي يفترض أن تحققها.
قيادة الجماعات
القيادة هي الركن الأساسي الذي يقوم عليه نجاح المؤسسات، فهي مجموعة متماسكة ومتناغمة من العمليّات، التي توجّه نموّ الجماعة، وتهدف إلى مساعدة أعضائها على إشباع حاجاتهم الاجتماعيّة والنفسيّة... إلخ، الضروريّة للنهوض بهم، نحو تحقيق الأهداف العامّة لهذه الجماعة.
وقيادة الجماعات تتعلّق، بشكلٍ عام، بتنظيم وإعداد أنشطة موجّهة، يشترك فيها أعضاء الجماعة الذين يرتبطون ويتفاعلون معًا، في إطارٍ من التعاطف والتأييد والمساندة، والدعم الذاتي الذي يستقي جذوره من رمز الجماعة ومثالها، أي من «القائد». فما أهميّةُ الدور الذي يؤديه القائد في نجاح مؤسسته؟ وهل القيادة الناجحة هي التي تعتمد على وضع خطط واستراتيجيّات للأعمال، أم تتعدّى ذلك لتصل إلى إدارة الموارد البشريّة للجماعة وإدارة ضغوطها وأزماتها؟
مهارات القيادة
هناك العديد من الدراسات الخاصّة بالقيادة ومهارات القادة، والتي تبرز أهمية الروابط بين القائد وجماعته. فعلى سبيل المثال، نرى أنّه بعد الأزمة الماليّة العالميّة وإفلاس العديد من الشركات، فوجئ الباحثون ببعض الموظّفين الذين سُرِّحوا من وظائفهم، والذين تميّزوا بتقبّلهم للوضع وبتعاطفهم ودعمهم لمدراء شركاتهم؛ في حين ظهرت على موظفين تابعين لشركات أُخرى، أعراض إكتئاب، ما أدّى بالبعض منهم إلى محاولة الانتحار. وعند وقوف الباحثين عند هذه الظاهرة لتفسيرها، تبيّن أن الذين تميّزوا بتفهّم الوضع ودعموا مؤسساتهم، هم الذين يشعرون بالإنتماء إلى هذه المؤسسات والذين يرتبطون برؤسائهم بروابط متينة، قائمة على الولاء والاحترام والاخلاص، والنابعة من تفهّم هؤلاء ودعمهم وتعاطفهم مع الموظفين.
وبالعودة إلى الأزمة التي مرّت على لبنـــان وعلى الجيش اللبناني أيّام حرب نهر البارد، فوجئ العديد من الخبراء في البلدان العربيّة والأجنبيّة، ببسالة هذا الجيش وشجاعته. ومع أنه افتقر إلى العتاد الكافي فقد حارب «باللحم الحيّ»، وتمتّع بتقدير مرتفع للذات، وظهر ذلك جليًّا في دراسة جامعية لبنانية. وقد عزت الدراسة بعض أسباب هذا التقدير المرتفع للذات إلى وجود قيادة حكيمة، مشَجّعة ومتفهّمة وداعمة، للجنود في إنجاز مهماتهم وتحقيق الأهداف المنشودة.
هنا لا بد من الاشارة إلى أن القيادة العسكريّة هي تحديدًا، عمليّة التأثير الإيجابي في جماعة من الجنود العسكريين وتوجيه جهودهم نحو الأهداف المحددة والمرسومة، عبر كسب ثقتهم وتأييدهم واحترامهم وولائهم، وبثّ الروح المعنويّة في نفوسهم لمواجهة أصعب التحديات، بخاصّة في زمن الحرب. وكلّ ذلك مُناط بقدرة القائد على الحفاظ على معنويات مرؤوسيه وتلبية حاجاتهم، وإقامة مناخ من التلاحم النفسي داخل المجموعة التي يرأسها. وهو يستخدم لذلك مهارات وقدرات تندرج ضمن إطار مفهوم «الذكاء العاطفي» الذي برز منذ أوائل التسعينيات، وانتشر في جميع المؤسسات والإدارات، كما في معظم المعاهد والكليّات، لا سيّما تلك المتخصّصة بإعداد القادة العسكريين وتدريبهم. فقد تبين أن أهمية هذا النوع من الذكاء تفوق في بعض المواقف -خصوصًا في الازمات- أهميّة القدرات العقليّة، أو ما يسمّى «الذكاء العقلي».
الذكاء العاطفي
الذكاء العاطفي هو مجموعة من الصفات الشخصيّة والمهارات الاجتماعيّة والوجدانيّة التي تمكّن الفرد من وعي مشاعره وانفعالاته، ومن التحكّم فيها، وتحويل السلبي منها إلى إيجابي، عبر تنظيمها وتوجيهها نحو تحقيق الأهداف المنشودة. كما أنها تؤهّله لإدراك مشاعر الآخرين وانفعالاتهم وتفهّمها والتعامل معها وإدارتها، بحيث يصبح الفرد أكثر قدرة على ترشيد حياته النفسيّة والاجتماعيّة والنجاح في التفاعلات المهنيّة وفي مواقف الحياة المختلفة، لا سيّما الضاغط منها.
لقد حظي مفهوم الذكاء العاطفي، خلال العقدين الأخيرين، بأهميّة بالغة إذ جذب اهتمام العديد من العلماء لأنه يضمّ مجموعة كبيرة من المهارات الفرديّة والميول، يُشار إليها «بالمهارات الداخليّة الفرديّة والتبادليّة العلائقيّة»، التي تقع خارج نطاق المجالات التقليديّة للمعرفة الخاصة، والذكاء العام والمهارات الفنيّة والمهنيّة. لذلك، تعددت الدراسات والبحوث التي حاولت معرفة العلاقة بين هذا المفهوم وبين العديد من المظاهر السلوكيّة التي يصعب التنبؤ بها من خلال مقاييس الذكاء التقليديّة وسمات الشخصيّة.
للذكاء العاطفي أهميّة بالغة في حياتنا العامّة والخاصّة. وقد أجمع العديد من الباحثين، في هذا المجال، على أنّه استعداد رئيسي يتضمّن مجموعة من الكفاءات الشخصيّة التي تؤثر بدرجة كبيرة على مختلف قدراتنا العقلية والوجدانية، تِبعًا لاحتوائه مكوّنات معرفيّة وانفعاليّة تُعدّ جزءًا مهمًا وأساسيًا من البناء النفسي للإنسان.
وتعتبر الانفعالات بمثابة محرّك للتفاعل الدينامي بين الأفراد على اعتبار أنها نواة تواصل بين الفرد والبيئة التي يعيش فيها. هذا التواصل يقوم على أساس علاقات شخصيّة ضمن شبكة واسعة من الاتصالات الاجتماعيّة بهدف الارتقاء بالشخصيّة الإنسانيّة ضمن مناخ اجتماعي توافقي. ومن ناحية أُخرى، يتميّز الإنسان عن غيره من الكائنات الحيّة بقدرته على التفكير الذي يتضمّن الإدراك والوعي والفهم، والذي يمكّنه من إحداث التوازن بين متطلّباته الداخليّة وبين المثيرات البيئيّة، بحيث يستجيب لها وفق سلوك ملائم يحقق له مبتغاه. ويشكّل هذا التوازن، المتمثّل بالذكاء العاطفي، دور الضابط والوسيط بين الإدراك والسلوك على مستوى التفاعل الدينامي في حياة الفرد، ضمن مختلف أنواع الجماعات التي ينتمي إليها. وبذلك، يُعدّ الذكاء العاطفي محورًا جوهريًا في مجال القدرة على تحديد الانفعالات وإدارتها لتحقيق التواصل السوي مع الذات ومع الآخرين، وبالتالي لتحجيم الأزمات النفسيّة التي تنتج بديهيًا عن هذا التفاعل الدينامي.
التكامل بين القدرات العقلية والعاطفة
يمثّل الذكاء العاطفي أيضًا، ذلك التكامل بين القدرات العقليّة والعاطفة، والذي يُعدّ بمثابة صورة تمثيليّة متعددة الأبعاد، تعكس الواقع الفيزيولوجي لاندماج العقل والقلب. فقد أكّدت نتائج الأبحاث الطبيّة، في هذا السياق، تكامل وظائف الجهاز العصبي (المخّ) والجهاز العاطفي (مركز الإنفعالات في المخّ، الغدد والناقلات العصبيّة). وتكمن أهميّة اندماج العقل والقلب، في القدرة على وعي الخبرة الانفعاليّة التي يواجهها الشخص، والتفكير بها جيدًا أي بعمق، والتحكّم بالانفعالات. فلكلّ من التفكير والخبرة الانفعاليّة، أهميّة بالغة في تحويل الانفعالات غير التكيفيّة، وفي تكوين معانٍ جديدة لهذه الخبرة.
يُعد تفهم مشاعر الآخرين وانفعالاتهم أحد المظاهر الأساسيّة للذكاء العاطفي، بمعنى أن الذكي عاطفيًا هو من يستطيع أن يحقق أهدافه الشخصيّة فيشعر بالرضا والنجاح، وفي الوقت نفسه يستطيع إقامة علاقات اجتماعيّة ناجحة ومستمرّة. وتتلخّص مكونات الذكاء العاطفي في ما يلي: قدرة الشخص على إدراك انفعالاته وانفعالات الآخرين من خلال معرفتها بدقة، قدرته على استخدام هذا الإدراك الانفعالي لدعم تفكيره، قدرته على فهم الإنفعالات البسيطة والمركبة، وأخيرًا قدرته على إدارتها لحلّ المشكلات أو اتخاذ قرارات معيّنة على أساس التوازن بين مصالحه واهتماماته الشخصيّة التي تتلاءم مع حاجاته الإجتماعيّة، وبين المحافظة على علاقات جيّدة مع الآخرين وفق ما ينسجم مع حاجاته العاطفيّة.
وعليه، يقدّم الذكاء العاطفي نموذجًا جيّدًا يمكن من خلاله رؤية سلوك الأفراد وفهمه، وكذلك اتجاهاتهم ومهاراتهم التفاعليّة وقدراتهم. ويتطلّب هذا الذكاء معرفة الفرد لمشاعره واستخدامها، فيتمكّن بذلك من اتخاذ قرارات صائبة أثناء تعاطفه مع الآخرين، كما يتطلب مهارات اجتماعيّة تساعد الفرد في تبنّي أساليب ودّية في علاقته مع الآخرين. والجدير بالذكر أن الفرد الذي يتمتع بذكاء عاطفي يمتلك القدرة على إدارة المشاعر المؤلمة وضبط الانفعالات في المواقف الضاغطة.
الذكاء العاطفي والقيادة
يرى غولمان، أن الصفة الأهمّ في شخصية القائد، هي القدرة على التأثير في الآخرين. وهو يتساءل عن قيمة الذكاء والقدرة على التخطيط إذا لم يكن القائد قادرًا على التأثير في جماعته. وقد أورد في كتابه «القيادة الأساسية»، قصة إحدى الشركات العالميّة التي عيّنت في أحد فروعها مديرًا تنفيذيًا يتمتّع بذكاء باهر، فأحدث تغيرات استراتيجيّة مميّزة، لكن، وعلى الرغم من ذلك، إنهالت عليه الشكاوى بغية فصله من العمل، ذلك لأنّه لم يستطع إقناع الموظفين والتأثير فيهم لدفعهم إلى العمل بمقتضى خططه.
إنطلاقًا من هذا المثل، نجد أن أفكار القادة الصائبة واستراتيجياتهم الدقيقة، لا قيمة لها إلاّ إذا استطاعوا تحريك مشاعر الآخرين والتحكّم بها وتوجيهها نحو تنفيذ المهمات المطلوبة.
في هذا المجال أيضًا، وضع غولمان مفهوم «عدوى المشاعر» عبر القاعدة الآتية: Good Mood = Good Work، أي أن المزاج الجيّد يؤدّي إلى عمل جيّد، فحالة القائد العاطفيّة لها الأثر الأكبر على أداء العاملين معه، فإذا كان مثلًا، متفائلًا، منفتحًا، متعاونًا وصريحًا، نقل هذه الأجواء إلى جماعته، والعكس صحيح. فالقائد هو المحور الأساسي للجماعة ومثالها، يعكس عليها صفاته وذكاءه ليحوّلها بالتالي، إلى خليّة متناغمة ومتماسكة، تعمل منسجمة ومجتمعة لتحقيق الأهداف المنشودة، بعيدًا من أجواء القلق والتوتر.
ولقد أكدت نتائج بعض الدراسات أهميّة هذا الذكاء العاطفي وفعاليته في إدراة الأزمات والضغوط النفسيّة وتحسين مناخ العمل، لا سيّما تلك التي اهتمّت بالقيادة وبشخصيّة القائد الذكي عاطفيًا والقادر على التحكم بانفعالاته وتفهّم جماعته وصولًا إلى تحقيق الأهداف. لذلك نشهد اهتمام معظم المؤسسات الإداريّة والعسكريّة... إلخ، في جميع أنحاء العالم، بتدريب القادة على هذا النحو. كذلك هناك العديد من المدارس الخاصّة التى تقوم بتعليم فنّ القيادة وتدريب القادة لاكتساب المهارات العاطفيّة اللازمة للنجاح في المهمات الموكلة إليهم.
خلاصة القول، إن مفهوم الذكاء العاطفي هو من المفاهيم الحديثة والأساسيّة التي شغلت اهتمام العديد من المؤسسات العسكريّة والإداريّة، الساعية إلى تدريب قادتها لاكتساب هذه المهارات والقدرات التي تساهم بدورها في إنجاح المؤسسات وزيادة إنتاجيتها وتميّز أداء القادة لديها.
المراجع:
• العيتي، ياسر، 2007، «الذكاء العاطفي في الإدارة والقيادة»، دار الفكر للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، دمشق.
• أيوب جاكلين، 2009، «ارتفاع تقدير الذات عند الجنود اللبنانيين المشاركين في حرب نهر البارد ضدّ الإرهاب»، دراسة أعدت لنيل شهادة الدبلوم في الجامعة اللبنانية، بيروت.
• Goleman- D.- & Boyatzis- R.- 2002- «Primal Leadership»- Harvard Business School Press- Boston.
• Yvonne Stys& Shelly Brown 2004- «Etude de la documentation sur L’intelligence émotionnelle et ses conséquences en milieu correctionnel»- Direction de la recherche- Service correctionnel au Canada.
• Greenberg- L.S.- 2002- «Emotion- Focused Therapy. Coaching Clients to work through their feelings»- Americain Psychological Association- Washington- DC.
• Le Doux- J.- 2005- «Le cerveau Des Emotions: Les Mystérieux fondements de Notre Vie Emotionnelle» Odile Jacob- Paris.
• Goleman- D.- 1995- «Emotional Intelligence: Why I Can Matter More Than IQ»- NewYork: Bantam Books.
• Leigh- M.& Gordon- O.- 2008- « Conflict resolution and harmonius relations»- International Concil of Unitarians and Universalists leadership school- available on internet explorer @: http://www.couples-counseling.suite101.com.
• Goleman- D.- &Boyatzis- R.- 2002- «Primal Leadership»- Harvard Business School Press- Boston.
• Morrison- J.B.- 2008- The relationship between emotional intelligence competencies and preferred conflict – handling styles»- Journal of Nursing Management- vol 16.
• Olivia Penrod- Mars 2011- «Le rôle de l’intelligence émotionnelle à l’armée éducation de leadership»- Thèse présentée à la faculté des études supérieures- Université Georgia Southern- USA.