- En
- Fr
- عربي
نحن والقانون
أركانها وأنواعها وآثارها وكيفية سقوطها
يقتضي اتمام الكثير من المعاملات المالية، تقديم كفالة خطية يتعهد بموجبها الكفيل تنفيذ موجبات المدين تجاه الدائن فيما لو تخلف الأول عن تنفيذها.
ما هي الكفالة وما هي أركانها القانونية ومفاعيلها؟ الكفالة في القانون اللبناني في ما يأتي.
تعريف الكفالة وأركانها
الكفالة هي عقد يلتزم شخص بمقتضاه تجاه الدائن بتنفيذ موجب مدينه إذا لم يقم المدين بتنفيذه (م 1059 م.ع.)، وهذا الشخص هو الكفيل.
يجب أن تتوافر في الكفالة أركان العقد بوجه عام، وهي:
* الرضى في الكفالة: يجب أن يكون الرضى وفقاً للقواعد العامة، خالياً من العيوب التي تشوبه، ويكون غائباً ومعدوماً تماماً إذا أعطي عن خطأ، أو أخذ بالخدعة، أو انتزع بالتخويف. والأصل في التعبير عن الارادة أن يكون صريحاً، أو ضمنياً. لكن الكفالة لا تقدر تقديراً، بل يجب أن تتجلى ارادة التكفل من الصك صراحة (م 1059 م.ع.)، ولا يصح أن تفترض، أي ان رضاء الكفيل بالكفالة يقتضي أن يكون صريحاً. ولكن ليس من الضروري أن يتضمن العقد عبارة الكفالة حرفياً، بل تستفاد من كل عقد يلتزم بموجبه شخص ما تجاه الدائن تنفيذ موجب مدينه. كما وإن مشيئة الكفيل وحدها غير كافية لنشوء عقد الكفالة. إذ يجب أن تقترن بإرادة الدائن على قبول تلك الكفالة صراحة (م 1061 م.ع.). والقبول الصريح لا يعني قبولاً خطياً، أو قبولاً خاضعاً لمراسيم احتفالية، إنما هو القبول الأكيد. وإذا عارض المدين الكفالة على وجه صريح فإنها لا تنشئ رابطة قانونية الزامية بينه وبين الكفيل، إنما يكون الكفيل ملزماً بكفالته تجاه الدائن فقط (م 1062 م.ع.).
* الأهلية في عقد الكفالة: بالنسبة إلى الدائن، يعدّ عقد الكفالة من العقود التبرعية بحسب الأصل حيث يعد الدائن كالمتبرع له، فلا يشترط من جانبه سوى أهلية التعاقد، فيكفي أن يكون مُميِزاً (أي مدركاً لأفعاله) إذا لم يدفع مقابلاً للكفالة، على أن تتوافر فيه أهلية التصرف، إذا كان قد دفع مقابلاً لتلك الكفالة. أما بالنسبة إلى الكفيل، فالكفالة تعد عملاً تبرعياً، ويجب أن تتوافر فيه أهلية التبرع طالما انه يلتزم بدون مقابل ضمان دين لا مصلحة له فيه، فلا يجوز إلا لمن له أهلية التفرغ بدون عوض أن يقيم نفسه كفيلاً. ولا تصح الكفالة من القاصر ولو بإذن أبيه، أو وصيّه إذا لم يكن له مصلحة في القضية التي يكفلها (م 1055 م.ع.). وتعتبر باطلة كل كفالة معطاة من قبل أي شخص لا يتمتع بأهلية الالتزام، بسبب خلل عقلي، مما يجعله غير مدرك لأفعاله، أو مفلساً. لكن الكفالة تجوز باسم الشخص المعنوي من المفوض له قانونياً بذلك.
* موضوع الكفالة: لكي يكون موضوع موجب الكفيل ممكناً، يجب أن يكون الموجب الأصلي المكفول موجوداً وصحيحاً. كما يشترط لصحة موجب الكفيل، أن يكون موضوعه معيناً، أو قابلاً للتعيين. وأن لا تهدف الكفالة الى غاية غير مشروعة، وإلا أبطلت لعدم المشروعية. فيرتبط موجب الكفيل في قيامه وبقائه بوجود الموجب الأصلي المكفول، لأن الكفالة هي كناية عن عقد تابع، وبدون وجود هذا الموجب لا تنشأ الكفالة. غير انه يجوز أن يكون موضوع الكفالة موجباً مستقبلياً ممكن الحدوث؛ كضمان نزع الملكية بدعوى الاستحقاق، أو موجباً مستقبلاً، أو غير معين، بشرط أن يكون التعيين ممكناً في ما بعد؛ مثل كفالة مبلغ سيحكم به على شخص ما. ففي هذه الحالة يحدد موجب الكفيل بما يجب على المدين الأصلي (م 1057 م.ع.). وتجوز كفالة الدين الناشئ عن فتح اعتماد بمصرف مالي لم يفتح هذا الحساب بعد، فإذا لم يعين الكفيل يفتح الاعتماد المالي قيمة ما، كان مسؤولاً الى الحد المعقول الذي يتفق مع وضع الشخص الذي فتح له الاعتماد. ويصح الرجوع عن الالتزام المنصوص عليه في الفقرة الأولى من هذه المادة، ما دام الشخص الذي كُلف فتح الاعتماد لم يشرع بتنفيذه (م 1054 م.ع.). كما يشترط أن يكون الموجب المكفول تابعاً لموجب أصلي صحيح (م 1056 م.ع.)؛ فإذا كان موضوع الموجب الأصلي دين مقامرة أو مراهنة، أو دين ربا فاحش، أو ديناً موضوعه غير موجود أو مستحيلاً أو غير مشروع، يكون من الديون الباطلة لأن مصدرها عقد باطل، وبالتالي لا يجوز كفالتها، ويكون التزام الكفيل في هذه الحالة باطلاً بطلاناً مطلقاً تبعاً لبطلان الموجب الأصلي المكفول. كما لا يمكن أن تتجاوز الكفالة ما هو واجب على المدين الأصلي، إلا بما يختص بالأجل (م 1064 م.ع.).
* السبب في عقد الكفالة: يلتزم الكفيل مواجهة الدائن ليسمح للمدين بالحصول على الإئتمان من الدائن، أو على أية ميزة أخرى. وهذا يرجع الى الصيغة التبعية للكفالة، وهو سبب موجب الكفيل، ويشترط فيه أن يكون موجوداً لحماية الكفيل حتى لا يلتزم مواجهة الدائن بدون سبب. ولا يمكن أن تعتبر الكفالة مجانية، إلا إذا تنازل الكفيل عن حقه في الرجوع على المدين الأصلي بما يؤديه الى الدائن. فإذا تمخضت الكفالة لمصلحة الدائن، عبر ضمان الكفيل للدائن ديناً سابقاً لم يحلّ أجله، من دون أن يحصل منه مقابل ذلك على أي شيء لمصلحة المدين، تكون الكفالة تبرعية، ويكون سبب موجب الكفيل نية التبرع للدائن، ما يشكل سبباً صحيحاً لموجب الكفيل.
أنواع الكفالة
* كفالة محددة وكفالة غير محددة: إن إرادة طرفي عقد الكفالة هي التي يُمكن فيها تحديد مدى موجب الكفيل. فإذا كان الموجب لا يتعدى الدين الذي كفله الكفيل، ولا الشيء الذي كفله، تسمى الكفالة محددة. أما الكفالة غير المحددة فيكون الكفيل عندها ملتزماً تسديد كامل المبلغ المتوجب على المدين الأصلي من دون أن تتجاوزه، ووفقاً للشروط التي التزم بها هذا المدين. وإذا لم تكن الكفالة محددة صراحة بمبلغ معين، أو بجزء معلوم من الدين، فإن الكفيل يضمن أيضاً بدل العطل والضرر والمصاريف التي حكم بها على المدين الأصلي لعدم تنفيذ الموجب. ولا يكون الكفيل مسؤولاً عن الموجبات الجديدة، التي عقدها المدين الأصلي، بعد إنشاء الإلتزام المكفول، لأن موجب الكفيل يمتد للموجب الأصلي كما كان في الوقت الذي انعقدت فيه الكفالة؛ فإذا كان الكفيل قد كفل صراحة تنفيذ كل ما التزمه المدين بسبب العقد، كان مسؤولاً كالمدين الأصلي عن جميع الموجبات التي يمكن أن يكون هذا المدين مسؤولاً عنها بمقتضى العقد (مادة 1066 م.ع.).
* كفالة بسيطة وكفالة تضامنية: الكفالة في الأصل تكون عادية أو بسيطة؛ إذ إنها لا تتضمن التضامن بدون نص صريح (م 1069 م.ع.). أما الكفالة التضامنية فهي التي يكون الكفيل فيها متضامناً مع المدين بحيث يجوز للدائن أن يطالب أياً منهما بكل الدين، من دون أن يستطيع الكفيل إذا وجهت إليه المطالبة أولاً أن يدفعها بعدم جواز مطالبته قبل مطالبة المدين، أو يدفع إجراءات التنفيذ على أمواله بحق التجريد، أو يطلب تقسيم المطالبة بينه وبين غيره من الكفلاء. ولا تضامن بين الكفلاء إلا إذا نص عليه العقد، أو إذا كان كل منهم قد عقد الكفالة على حدة للدين بكامله، أو عندما تعد الكفالة عملاً تجارياً من الكفلاء (م 1075 م.ع.). ولا يجوز للكفيل أن يتشبث بتقديم مداعاة المدين الأصلي إذا كان قد عدل صراحة عن هذا الحق، ولا سيما إذا كان قد التزم الموجب التضامن مع المدين الأصلي (م 1073 م.ع.). وإذا وجد عدة كفلاء متضامنين، ودفع أحدهم جميع الدين في موعد الاستحقاق، حق له الرجوع على الكفلاء الآخرين بحسب حصة كل منهم ونصيبه، كما يحق له الرجوع عليهم بحصة من فقد الملاءة منهم (م 1082 م.ع.).
* الكفالة لأول طلب: هي إلتزام شخصي يتخذه الكفيل بناء على طلب المكفول تجاه شخص ثالث بأن يدفع لهذا الأخير مبلغاً من المال بناء على أول طلب يصدر عنه، ومن دون أن يحق للكفيل التذرع بالعلاقات القائمة بين المكفول والمستفيد للتمنع عن الدفع، أو التأخير فيه لأي سبب كان. ولا يمكن القول بوجود كفالة لأول طلب، إلا إذا تبين من مضمونها، وبشكل صريح وواضح أنها كفالة مستقلة يتعهد الكفيل بموجبها بأن يدفع مبلغاً من المال عن الدين المكفول بناء على أول طلب من المستفيد من دون قيد أو شرط أو تأخير، من دون امكان التذرع بالدفوع المستمدة من العقد الأساسي.
* كفالة الحضور: هي عقد يلتزم به شخص أن يحضر شخصاً آخر لدى القضاء، أو عند استحقاق الموجب، أو عند الحاجة (م 1098 م.ع.). وإذا تعهد الكفيل بإحضار شخص في وقت معين، فإنه يلزم أداء ذلك الدين إذا لم يحضره في الوقت المعين على الرغم من قدرته على ذلك. ولا تصح هذه الكفالة إلا لمن كان أهلاً للتبرع. ولا تتم بشكل صريح، أي انها لا تؤخذ بالقرائن أو تستنتج بصورة ضمنية. وواجبات الكفيل بالحضور هي بوجوب إحضار المكفول في اليوم والمحل المتفق عليهما في العقد، كما أن إحضار المكفول قبل اليوم المعين لا يبرئ الكفيل. أما إذا كان المكفول يوم الاستحقاق في حوزة السلطة العدلية لأسباب لا تعود إلى الكفالة، فإن الكفيل يبرأ، شرط أن يبلغ ذلك الى الدائن (م 1103 م.ع.).
آثار الكفالة
* العلاقة بين الكفيل والدائن: تتركز هذه الآثار في أن للدائن أن يطالب الكفيل بالوفاء بالموجب المكفول. وله أن ينفذ على أمواله ليحصل على حقه. ولكن يجب على الدائن أن يطالب المدين أولاً، قبل أن يطالب الكفيل، فلا دعوى للدائن على الكفيل، إلا إذا كان المدين الأصلي في حالة التأخر عن تنفيذ الموجب (م 1070 م.ع.). كما انه يجب أن ينفذ على أموال مدينه الأصلي لإستيفاء حقه، قبل أن ينفذ على أموال الكفيل. أما في حالة تعدد الكفلاء لدين واحد، وفي عقد واحد، مع عدم تضامنهم، فليس للدائن أن يرجع على أي منهم، إلا بقدر نصيبه من الدين فقط. وإذا رجع الدائن على الكفيل واستوفى حقه كاملاً، فإنه يجب عليه أن يسلم للكفيل أو الكفلاء المستندات اللازمة لإستعمالها في الرجوع على المدين، كما يلتزم أيضاً نقل التأمينات الضامنة للدين إلى الكفيل أو الكفلاء. لكن ذلك لا يشترط إقامة الدعوى أولاً على المدين أو انذاره بالوفاء؛ إذ بمجرد حلول أجل الوفاء لا يلزم الدائن مقاضاة المدين الأصلي. وله حق الإدعاء على الكفيل مباشرة، وإنما أباح القانون للكفيل حق دفع الدعوى بمقاضاة المدين أولاً؛ أي إلزام الدائن مطالبة مدينه الأصلي أولاً في سبيل الحصول على دينه. ولا شيء يحول دون إمكان أن تتجاوز الكفالة ما هو واجب على المدين الأصلي في ما يختص بالأجل؛ أي أن يتجاوز إستحقاق أجل الكفالة أجل إستحقاق الدين الأصلي. لكن تمديد الأجل الذي عينه الدائن للمدين الأصلي يستفيد منه الكفيل ما لم يكن سببه عسر المدين. أما التمديد الذي يمنحه الدائن للكفيل، فلا يستفيد منه المدين الأصلي، ما لم يصرح الدائن بالعكس (م 1094 م.ع.).
ولا يمكن للدائن، ملاحقة الكفيل، إلا عند حلول الأجل المتفق عليه. ولكن يمكن للدائن، حمايةً. لمصالحه، إتخاذ التدابير الإحتياطية بحق الكفيل شرط أن يبرر وجود ضرورة وحاجة لإتخاذها. ويحق للدائن إجراء الملاحقة قبل حلول الأجل في الحالتين التاليتين: إذا مات الكفيل قبل استحقاق الدين، يحق للدائن ملاحقة ورثة الكفيل بدون انتظار موعد الاستحقاق. أو إذا أعلن عدم ملاءة الكفيل، حيث يصبح الدين مستحق الأداء ويحق للدائن أن يطالب بإدخال دينه في ديون جماعة الدائنين (م 1071 م.ع.). ويحق للكفيل أن يطلب من الدائن، في بدء المحاكمة، وقبل كل دفاع في الأساس، أن يداعي أولاً المدين الأصلي في أمواله المنقولة وغير المنقولة، وأن يعين له ما يصح فيه التنفيذ (م 1072 م.ع.). لكنه لا يجوز للكفيل أن يتشبث بتقديم مداعاة المدين الأصلي، إذا كان قد عدل صراحة عن هذا الحق، أو إذا كان قد التزم الموجب التضامن مع المدين الأصلي (م 1073 م.ع.). ومتى توافرت شروط الدفع بمقاضاة المدين أولاً تعين قبوله، وترتب على ذلك أثران مهمان: أولاً: وقف إجراءات التنفيذ على أموال الكفيل، ثانياً: إلزام الدائن التنفيذ على أموال المدين التي عينها الكفيل. وإذا كفل عدة أشخاص ديناً واحداً بصك واحد، فلا يلزم كل منهم إلا بقدر حصته، ويحق له التشبث تجاه الدائن بتجزئة المداعاة. ولا تضامن بين الكفلاء إلا إذا نص عليه العقد، أو إذا كان كل منهم قد عقد الكفالة على حدة للدين بكامله، أو عندما تعد الكفالة عملاً تجارياً بين الكفلاء (م 1075 م.ع.).
* موجبات الدائن عند إستيفائه الدين: إذا أوفى الدين للدائن، فالدائن هذا يلتزم في مواجهة الكفيل، تسليم المستندات اللازمة لمباشرة حقه في الرجوع على المدين الأصلي، ونقل التأمينات الضامنة إلى الكفيل، إذ لا يحق للكفيل الذي أوفى الدين، أن يرجع على المدين الأصلي، إلا إذا أبرز سند إيصال من الدائن، أو غيره من الوثائق التي تثبت سقوط الدين (م 1081 م.ع.).
* العلاقة بين الكفيل والمدين: للكفيل الذي أوفى الموجب الأصلي أن يرجع على المدين بجميع ما دفعه، ولو كانت الكفالة قد أعطيت عن غير علم من المدين، وله حق الرجوع عليه أيضاً بالمصاريف والأضرار الناشئة بحكم الضرورة عن الكفالة. وكل عمل من الكفيل، غير الإيفاء الحقيقي، من شأنه أن يسقط الموجب الأصلي ويبرئ ذمة المدين. ويعد بمثابة الإيفاء ويفتح للكفيل سبيل الرجوع على المدين بأصل الدين والمصاريف المختصة به (م 1080 م.ع.).
وهناك أربعة شروط يقتضي توافرها ليتمكن الكفيل من إستعمال حق الرجوع على المدين:
- أولاً: أن تكون الكفالة قد عقدت لمصلحة المدين، من دون إعتراض منه.
- ثانياً: أن يقوم الكفيل بوفاء الدين.
- ثالثاً: أن يقوم الكفيل بإعلام المدين قبل الوفاء.
- رابعاً: أن يكون أجل الدين قد حلّ.
فالكفيل الذي أوفى الدين على وجه صحيح يحل محل الدائن في جميع حقوقه وإمتيازاته على المدين الأصلي بقدر المبلغ الذي دفعه، وعلى سائر الكفلاء بقدر حصصهم وأنصبتهم. على أن ذلك الحلول محل الدائن ليس من شأنه أن يعدل الإتفاقات الخصوصية المعقودة بين المدين الأصلي والكفيل (م 1084 م.ع.).
* العلاقة بين الكفيل وبين غيره من الكفلاء: إذا تعدد الكفلاء لدين واحد وبعقد واحد، أو بعقود متتالية، واحتفظ كل منهم بحق التقسيم، فالأصل أن الدين ينقسم عليهم. ولا يلزم كل منهم إلا بقدر نصيبه من الدين (م 1075 م.ع.). وإن تعثر أحدهم لا يتحمله غيره من الكفلاء. وإنما الدائن هو الذي يتحمل حصة الكفيل المتعثر منهم. فإذا أوفى أحد هؤلاء الكفلاء بنصيبه، فإنه لا يجوز له الرجوع على غيره من الكفلاء بشيء. ولكن إذا أوفى الدين كله على الرغم من عدم التزامه ذلك، فلا يحق له الرجوع على غيره من الكفلاء، إلا بدعوى الإثراء بلا سبب طبقاً للقواعد العامة. وإذا وجد عدة كفلاء متضامنين ودفع أحدهم جميع الدين في موعد الإستحقاق، حق له الرجوع على الكفلاء الآخرين بحسب حصة كل منهم ونصيبه. كما يحق له الرجوع عليهم بحصة من فقد الملاءة منهم (م 1082 م.ع.).
سقوط الكفالة
* سقوط الكفالة بطريق تبعي:
إن جميع أسباب البطلان أو السقوط المختصة بالموجب الأصلي تسقط الكفالة (م 1087 م.ع.)، ومن هذه الأسباب:
- سقوط الموجب الأصلي بالوفاء: إذا قام المدين بوفاء الدين، سقط موجبه، وانقضى بالتبعية موجب الكفيل. أما إذا كان الوفاء جزئياً، كانت براءة ذمة الكفيل بقدر هذا الوفاء. ويشترط لصحة براءة ذمة الكفيل، أن يكون وفاء الدين صحيحاً. فإذا كان الوفاء باطلاً، فيعود الدين بضماناته، ولا تبرأ ذمة الكفيل.
- سقوط الموجب الأصلي بالوفاء بمقابل: عندما يقبل الدائن مختاراً شيئاً غير الشيء الواجب إيفاءً لدينه، فإن الكفيل، وإن كان متضامناً مع المدين، تبرأ ذمته، ولو نزع ذلك الشيء من الدائن بدعوى الإستحقاق، أو رده الدائن بسبب عيوبه الخفية (م 1096 م.ع.).
- سقوط الموجب الأصلي بتجديد الدين: إن تجديد الدين بين الدائن والمدين الأصلي يبرئ الكفلاء، ما لم يكونوا قد قبلوا بكفالة الدين الجديد. على أنه إذا إشترط الدائن ضم الكفلاء إلى الموجب الجديد، ولم يقبل هؤلاء فالموجب السابق لا يسقط (مادة 1092 م.ع.).
- سقوط الموجب الأصلي بالمقاصة: إن المقاصة تسقط ملحقات الموجب (كرهن العقار، والمنقول، والكفالة) على نسبة إسقاطها للموجب نفسه (م 333 م.ع.). فالمقاصة تفعل عند الإدلاء بها فعل الإيفاء، ولكن بقدر الدين الأقل. فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بها من تلقاء نفسها. ولكن يجوز للكفيل أن يطلب المقاصة، بما يجب على الدائن للمدين الأصلي (م 334 م.ع.).
- سقوط الموجب الأصلي بإتحاد الذمة: إن إجتماع صفتي الدائن والمدين الأصلي في شخص واحد يبرئ ذمة الكفيل. وإذا حصل هذا الإجتماع في شخص المدين الأصلي بسبب وفاة الدائن، وكان المدين الأصلي وارثاً مع آخرين، برئت ذمة الكفيل بقدر حصة المدين (م 1093 م.ع.).
- سقوط الموجب الأصلي بالإبراء: إن إبراء المدين من الدين يبرئ ذمة الكفيل. ولكن إبراء الكفيل لا يبرئ ذمة المدين. وإبراء أحد الكفلاء بدون رضى الآخرين يبرئ هؤلاء بقدر حصة الكفيل الذي أبرئت ذمته (م 1091 م.ع.).
- سقوط الموجب الأصلي بمرور الزمن: تسقط الموجبات بتقاعس الدائن الذي يتخلف عن التذرع بحقوقه، سحابة مدة من الزمن (م 344 م.ع.). فمرور الزمن الذي تم لمصلحة المدين يستفيد منه الكفيل (م 1095م.ع.)، فإذا إنقضى الدين المكفول بمرور الزمن، إنقضت الكفالة بإنقضائه.
- سقوط الموجب الأصلي ببطلانه: إن جميع أسباب البطلان، أو السقوط المختصة بالموجب الأصلي تسقط الكفالة، فإذا كان هذا الموجب باطلاً أصبح موجب الكفيل باطلاً؛ لأن كفالة الموجب الباطل تكون هي أيضاً باطلة (م 1087 م.ع.).
* سقوط الكفالة بطريق أصلي:
- سقوط الكفالة بإتحاد الذمة: قد ينقضي موجب الكفيل بإتحاد الذمة بين الدائن والكفيل، من دون أن ينقضي الدين المكفول؛ كأن يموت الدائن ويرثه الكفيل. فينقضي موجب الكفيل بصفة أصلية لأنه ورث الدائن، فأصبح دائناً لنفسه. ولكن الدين المكفول لا ينقضي. فيستطيع الذي أصبح دائناً بإتحاد الذمة أن يرجع على المدين بالدين ذاته، كما كان يحق للدائن أن يرجع على المدين قبل موته (م 1093 م.ع.). أما إذا إتحدت الذمة بين الكفيل والمدين بأن ورث الكفيل المدين، فالكفالة تنقضي أيضاً من دون أن ينقضي الدين المكفول.
- سقوط الكفالة بالابراء: إذا أبرأ الدائن ذمة الكفيل من الكفالة، برئت ذمة هذا الأخير، من دون أن يؤثر ذلك في بقاء الموجب الأصلي. والعكس غير صحيح، بمعنى أنه إذا أبرأ الدائن المدين الأصلي، فالكفالة تسقط حتماً بالتبعية لسقوط الموجب الأصلي. ولا يستطيع الدائن أن يستبقي الكفالة بعد إبرائه للمدين الأصلي من الموجب المكفول (م 1091 م.ع.).
- سقوط الموجب الأصلي بتحقق شرط الالغاء أو بحلول أجلها: تسقط الكفالة بتحقق شرط الإلغاء من دون أن يكون لها أي تأثير على الموجب المكفول. كما أنه من الممكن أن تكون محددة المدة ما يجعلها تنتهي بإنتهاء هذه المدة في عقد الكفالة من دون أن يؤثر ذلك على الموجب الأصلي. أما إذا كان عقد الكفالة غير محدد المدة فيمكن فسخه من قبل الكفيل (م 245 م.ع.). إلا أن لهذا الفسخ نتائجه الخطيرة على الدائن في حالة الإئتمان المعطى من قبل المصارف.
- سقوط الكفالة بفعل الدائن: تبرأ ذمة الكفيل إذا أصبح حلوله محل الدائن في الحقوق غير ممكن بسبب فعل من الدائن (م 1089 م.ع.)؛ كإضاعة الدائن للتأمينات الضامنة لدينه، والتي كانت مقررة وقت إنعقاد العقد، وهي التي إعتمد الكفيل عليها في كفالته للمدين.
المراجع:
- الأستاذ زهدي يكن: شرح قانون الموجبات والعقود، ج 16.
- د. محمد عبده: الكفالة، المؤسسة الحديثة للكتاب ومنشورات زين الحقوقية، لبنان، 2005.
- تمييز مدني، تاريخ 1969/11/11، ن.ق.، 1970.
- استئناف بيروت المدنية، رقم 63/219، تاريخ 1962/2/6، حاتم، جزء 50.
- د. رمضان محمد أبو السعود ود. همام محمد محمود زهران: التأمينات الشخصية والعينية، دار المطبوعات الجامعية، بيروت، 1998.
- تمييز مدني، غ5، رقم 97/46، تاريخ 1997/3/25، ن.ق.، 1997، عدد 6.