- En
- Fr
- عربي
خواطر
يرابط على شرفات الوطن، وفوق كلّ تلّة وسفح وواد، وكأنّه في خصومة دائمة مع الراحة ومباهج الحياة، وانفصال ودّي مع عائلته وأهله وبني قومه.
يتسلّح حينًا بالبندقية ليذود عن لبنان الذي أوصاه به القسم، وائتمنه عليه الأسلاف، وحينًا آخر بالإيمان والصمت، إذا ما نبتت الأشواك في جنبات العقول، وتغرّب ضوء الحقّ، وسقطت القامات والمقامات في وهدات التجارب، وصلب الوطن على أيدي بنيه.
جنديّ لبنان ليس كسائر جنود العالم، لأنه صاحب رسالتين:
الأولى هي الجندية، بطريقها المعبّد بجمر التضحية، المظلّل بغصون الشرف والإباء، والمرسوم بحبر الدمّ القاني.
أمّا الثانية فهي إنسانية شاملة، بحيث يقع عليه العبء الأكبر في منع تصادم رياح الحضارات فوق مساحة وطنه الصغير، الذي قدّر له أن يكون على خطّ الزلازل الجغرافية والثقافية، وإلاّ فقد هذا الوطن معنى وجوده، وفقد شعبه بريق حضوره ولمعان صورته بين شعوب الأرض كافّة.
في زمن الشدائد والمحن، يبقى متماسكًا صلبًا عنيدًا، يحيي الهمم والعزائم، كما تجدّد الشمس طلوعها مع كلّ صباح، إذ لا مكان عنده للإحباط أو التراجع أو التردّد، لأنه ابن عقيدة بنيت على الصخر، وذو إرادة قدّت من جذوع الأرز في أعالي الجبال.
يستشهد في ساحات الوغى، فيزهر ربيع الوطن في عين الجيش، أمّا في عيون مواطنيه، فيجفّ ألف نهر من أنهار العطاء، وييبس ألف موسم من مواسم الزهر، لأنه الأكثر التصاقًا بوجدانهم، والأشدّ دفاعًا عن حقّهم وضمانًا لمستقبل أجيالهم، كيف لا، وقد عرفوه ذاك المتنسّك في محراب الوطن، النقيّ من سموم الطائفية، الزاهد بمتائع الحياة، والقانع بمحبة شعبه وثقته المترعة بالتقدير والشكران.
امضِ إلى العلى جيش لبنان، بعقل يكتنز المواهب والمواقف، فتاريخك مجبول بالأمجاد والبطولات، وأقدامك تبصم كلّ شبر من تراب البلاد، ومآثر شهدائك تقرع آذان الزمان...