- En
- Fr
- عربي
العلاقات الأميركية الصينية من سياسة "الاحتواء" إلى العلاقات الستراتيجية البناءة
إن المصالح الأمنية الأميركية في القارة الآسيوية مرتبطة، بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، باستقرار العلاقات بين الدول الآسيوية. ذاك أن المحافظة على ميزان القوة في آسيا يقلل من إمكانية حدوث أي خطر محتمل قد يهدد المصالح الأمنية الأميركية في المحيط الهادئ. لذلك كان للولايات المتحدة التأثير الكبير على التحالفات الداخلية الآسيوية حتى عندما لم تكن معنية بشكل مباشر بأزمات تلك المنطقة.
ولقد حركت الاهتمام الأميركي بالقارة الآسيوية أهمية الصين التي استطاعت في الخمسينات أن تملك القدرة على تهديد جيرانها من الدول.
ولكن لم يكن للأميركيين في الخمسينات والستينات أي خط سياسي واضح، بل ميل نحو المحافظة على التوازن في آسيا، والتركيز على الصين خدمة للمصالح الأمنية الأميركيـة الأساسية وإبقائها بمعزل عن أي دعم آسيوي أو أوروبي من أي نوع كان... مع تجنّب أي تورط عسكري على الأرض. ولبلوغ هذا الهـدف، قامت الولايات المتحدة بعملية "إحتواء القوى الصينية". ولقد بدأت هذه السياسة في عهد الرئيس ترومان الذي حرّك حالة العنف ضد جمهورية الصين الشعبية، وتبعه في ذلك الرئيس أيزنهاور ووزير الخارجية جون فوستر دالاس بتكثيف العنف من خلال سياسة "الثأر الشامل".
I- سياسة الولايات المتحدة نحو الصين
أ- العنف ضد جمهورية الصين الشعبية
بالرغم من نجاحها الكامل في أوروبا، فقد كانت سياسة احتواء الشيوعية التي طبّقها ترومان أقل تأثيراً في آسيا، ما عدا في اليابان حيث تم بنجاح إنشأ حكومـة ديموقراطية ثابتـة من قبل الاحتلال العسكري الأميركي. فغدت اليابان سنة 1951 أكثر حلفاء أميركا ثباتاً في آسيا، بعد توقيع المعاهدة التي أنهت الاحتلال الأميركي لها.
بالعودة إلى الصين، فإن حكومة تشينغ كي شيك الوطنية المدعومة من الولايات المتحدة لم تتمكن من مقاومة زحف القوات الشيوعية بقيادة ماوتسي تونغ. ففي أواخر سنة 1949، قاد الأول قواته المهزومة إلى المنفى في تايوان، وشكل الثاني جمهورية الصين الشعبية. وهذا التطور خلق اضطراباً كبيراً في الولايات المتحدة عندما ألقى النقاد اللوم على إدارة الرئيس ترومان التي فشلت في مقاومة الشيوعية.
إعتُبرت "سياسة الاحتواء" التي طبقها الرئيس أيزنهاور عديمة الفائدة، فقام جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأميركية، المعادي للشيوعية، بتحويلها سياسة أكثر ديناميكية لتصبح سياسة "الثأر الكامل". وقد توجهت تلك السياسة ضد موسكو وبيكين، واستحقت صفة "السياسة المتهورة" نظراً لإرادة دالاس الواضحة خوض الحرب إذا لزم الأمر لقمع الشيوعية وتحرير أوروبا الشرقية. وكجزء من سياسته، شكل دالاس سنة 1954 منظمة جنوب شرق آسيا التي شملت، إضافة إلى بلاده، بريطانيا العظمى، فرنسا، نيوزيلندا، الفيليبين، تايلندا وباكستان. وكان الهـدف من ذلك الحلف الحؤول دون المزيد من انتشار الشيوعية. لكن رفض الدول الآسيوية الأخرى الانضمام إليه أضعفه وحدّ من تأثيره.
من جهة أخرى، قام الرئيس أيزنهاور بتعزيز حالة النزاع بعد نيله، في كانون الثاني من العام 1955، موافقة مجلس النواب للمدافعة عن تايوان وسائر الجزر الصينية. وقد ساهم هذا العمل في تعزيز العلاقات الأميركية التايوانية حتى نهاية عهد أيزنهاور.
وفي 20 و21 آذار 1961، كان تقويم سياسة عشريـن سنة من الاحتواء العسكري للصين الشيوعية محوراً للقاء الوطني الأول حول: "الولايات المتحدة والصين: العقد القادم"، الذي عُقد في نيويورك وشدد فيه عضـو مجلس الشيوخ "السناتور" إدوارد كيندي على حاجة الولايات المتحدة إلى تغيير سياستها من الصين: "مهما بدت تلك السياسة نافعة في الحرب الباردة في الخمسينات، فهي زور ثابت في الستينات ولا ينبغي المضي فيها في السبعينات... إن لكل إدارة جديدة فرصة لتصحيح أخطاء الماضي".
ب- من العداوة إلى الوفاق
في أوائل السبعينات، حدث تغيّر جذري عندما تم انتخاب ريتشارد نيكسون رئيساً للولايات المتحدة، فتحسنت علاقات الصين الخارجية بشكل ملفت، وتم إدخالها في عام 1971 إلى هيئة الأمم المتحدة بدل جمهورية الصين "تايوان". وفي 1972، قام الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون بزيارة رسمية للصين عبّر فيها عن ضرورة وجود اتصالات صينية- أميركية، ووافق على ارتداد الجنود الأميركيين عن تايوان. وهذا التحرك عنى إلغاء معاهدة الدفاع عن تايوان. وكخطوة نحو علاقات ديبلوماسية تامة بين البلدين أنشئ سنة 1972 مكتب اتصال فـي بكين وواشنطن، ليتم التوصل بعد ست سنوات إلى علاقات دبلوماسية كاملة، عندما تم عقد اتفاق تبادل تجاري بين البلدين في تموز من العام نفسه. وهذا التبدل في السياسة الأميركية تجاه الصين، لم يكن يخلو وقتها من المخاطر. إذ كان عملاً من شأنه إثارة ردّات فعل سوفياتية غير ودّية. لكن وجود الصين حليفة للولايات المتحدة جعل العالم أقل عرضة للتهديد والمخاطر.
II- تحديات وفرص جديدة في العلاقات
أ- محيط ستراتيجي مختلف
بعد التوصل إلى الوفاق بين أميركا والصين، وضعت إدارة بوش معادلة سياسية لتحريك العلاقات مع البلد الآسيوي وتحسينها لتتكيّف في التسعينات مع المحيط الستراتيجي الإقليمي الدولي المتغيّر. وقد جاء هذا التعديل في الصورة الستراتيجية في منطقة المحيط الهادي الآسيوي نتيجة عدة أحداث، هي:
- بروز اليابان كقوة اقتصادية عظمى.
- نشوء كوريا الجنوبية وتايوان كقوى إقليمية ذات اقتصاد عالمي.
- إنحسار طموح هانوي للسيطرة على شبه جزيرة الهند الصينية بكاملها.
- إشارات مبكرة لدور هندي أكثر فاعلية في جنوب شرق آسيا.
- نحو الصين المتسارع إقتصادياً وبلوغها الأسواق العالمية.
هذه التطورات في المنطقة، بالإضافة إلى التقدم في العلاقات السوفياتية الأميركية والصينية السوفياتية وخروج السوفيات من أفغانستان، طرحت تساؤلاً حول ما إذا كانت العلاقات الصينية الأميركية قد خسرت مبادئها الستراتيجية. ولكن من المبكر التفكير في أن البلدين لن يتعاونا في العقد القادم كما كانت عليه علاقتهما في السابق، إذ أن جميع الالتزامات والمعاهدات الحالية تثبت أن تلك العلاقة أساسية بينهما، تلتزم بها واشنطن التزامها بالمعقودة بينها وبين اليابان، كوريا الجنوبية والفيليبين، بالإضافة إلى علاقتها المميزة بالدول الآسيوية كافة.
ومن المفترض أن تساعد هذه السياسة الأميركية في المحافظة على أجواء إقليمية سليمة تُعتبر ضرورية لأهداف التوسع الاقتصادي الصيني.
ومن الممكن أن يكون بعض المراقبين قد اعتبروا أن الروابط الصينية الأميركية سوف تتفكك بزوال الخطر السوفياتي المباشر. لكن مع مطلع هذا العقد، بدأ اعتبار العلاقات الصينية الأميركية مفيدة للمنطقة في ترويج الأمن والاستقرار من خلال توازن ستراتيجي عالمي. وبناءً عليه، فإن محيطاً ستراتيجياً متغيراً لا يضع بالضرورة حداً للتعاون الصين الأميركي، بل، على العكس، يعطيه آفاقاً جديدة، وبالتالي يؤدي إلى ازدهاره.
ب- التبادل التجاري
1-الصين والمنظمة العالمية للتجارة (WTO)
يتوقع المراقبون للصين أن تسبق اليابان لتصبح المصدر الأكبر والوحيد للعجز التجاري الأميركي. ويعزو الرسميون الإداريون ذلك إلى تدابير تجارية صينية غير عادلة، ويقترحون ضم الصين إلى المنظمة العالمية للتجارة (World Trade Organization) بغية فرض تغييرات كبيرة في أسلوب التجارة الصيني. والخطر أن تختار الصين، وهي عاشر أكبر منتج للبضائع المصدرة إلى العالم، وأكبر بلد تجاري غير خاضع للنظام التجاري العالمي، البقاء خارج المنظمة العالمية للتجارة هذه.
2- العجز الأميركي مع الصين
يشوب التبادل التجاري الأميركي- الصيني خلل جسيم. فبالرغم من أن الولايات المتحدة تبيع بقيمة ستة بليون دولار للصين عبر وسطاء من هونغ كونغ، تُصرُّ دائرة التجارة على اعتبار صفقات البيع هذه صفقات تتم مع هونغ كونغ، مع أن البضائع تذهب إلى الصين. وبالرغم من أن الدائرة تعتبر جميع السلع الصينية المعاد تصديرها من هونغ كونغ إلى الولايات المتحدة كواردات من الصين فهي تقوم بضم القيمة التي تزيدها المؤسسات في هونغ كونغ كجزء من مجموع قيمة الواردات من الصين. علماً أن قيمة صادرات أميركا إلى الصين، بما فيها البيع عبر هونغ كونغ، ارتفعت من ستة بليـون دولار عام 1990 إلى سبعة عشر بليون دولار هذا العام، متعدية بذلك صادراتها إلى أي أسواق أخرى.
3- منظمة التبادل التجاري: مكاسب الصين وأرباحها
تحصل الصين، بانضمامها إلى المنظمة التجارية العالمية (WTO)، على أرباح متواضعة نسبياً، لكنها تكسب بهذه العضوية منزلة تجارية مميزة في أسواق الدول الأعضاء. وكانت جميع الدول ما عدا الولايات المتحدة قد أجمعت في أواسط الثمانينات على منحها هذا الامتياز سلفاً، نظراً لحجمها وتأثيرها الجغرافي والسياسي.
لقد أدخل النظام العالمي الجديد شكلاً جديداً من العلاقات بين الدول التي كانت مرغمـة على التخلي عن أي صدام عسكري واللجوء إلى التعاون الاقتصادي والمنافسة التجارية. وبالرغم من سلبية هذه الصورة في الجمهوريات المنشقة عن الاتحاد السوفياتي سابقاً والمعسكر السوفياتي، الغارقة في التفكك، وقيام الحركات القومية المطالبة بالاستقلال، فقد أكدت هذه المعطيات على أن الولايات المتحدة هي القوة العالمية العظمى الوحيدة المحركة لسياسة العالم. فزال بانهيار الاتحاد السوفياتي اهتمام واشنطـن بالإنذار الشيوعي وبأي تحديات وأخطار أخرى، وبالتالي بلجوء الصين إلى صدام عسكري مع تايوان لبلوغ أهداف ستراتيجية تفضي إلى توحّد البلدين. وهذا ما دفع تايوان إلى التركيز على هويتها عبر إدارة الأعمال مع الصين. ولإظهار الوجه العالمي لتايوان على أنه كيان مستقل عن الصين، سعت تايبي جاهدة لإنشاء سفارات في العواصم الكبرى، واقترحت على الأمم المتحدة مبلغ بليون دولار مقابل مقعد لها في الجمعية العمومية. لكن بكين صرحت مراراً أنها لن تتحمّل جهود تايبي لتكون عاصمة لدولة منفصلة، وتأمل من تايوان الكف عما من شأنه تغيير الوضع الراهن أو الإساءة إلى محاولة التوحد. من هنا نستنتج أن العلاقة بين الصين وتايوان هي ظلّ لعلاقة البلديـن مع الولايات المتحدة، ومن هنا التشديد على العلاقة الثلاثية. فقد تميّزت علاقات الصيـن بتايوان حتى أوائل الستينات بالصدامات الحدودية والسياسية المعادية، لكنها بدأت بالتحسن في أواخر السبعينات عاكسة بذلك موقف الولايات المتحدة من الصين. وقد تحسنت العلاقات بين الصين وتايوان، وسيطر الاحترام المتبادل عليها بالرغم من أن كلاًًّ من البلدين يضرب على أوتار مختلفة ولأهداف ستراتيجية خاصة. والبرهان الواضح على ضرورة وجود تلك العلاقة الثلاثية، إحجام العملاق الصيني حتى الآن عن ضرب تايوان والاستيلاء عليها.
ترتدي المسائل الاقتصادية أهمية خاصة في العلاقات الأميركية الصينية، إذ تحتاج بيكين إلى تقوية اقتصادها لتتمكـن من إعالة سكانها "1.2 بليون نسمة"، وتريد الشركات الأميركية الحصول على استثمارات في اقتصاد الصين المتقدم. لكن هذه المصالح تحول دون التضحية بأرباح اقتصادية لأهداف سياسية خصوصاً وأن الولايات المتحدة غالباً ما استعملت التهديدات الاقتصادية لبلوغ أهداف سياسية في علاقاتها مع الصين.
أخيراً، سيُشكل السوق الصيني الضخم هدفاً مستقبلياً للمؤسسات الأميركية المتعددة، لكن الصين تبقى حتى اليوم المستفيد الأكبر من العلاقة بواشنطن.
المراجع
- Encarta Encyclopedia, "China", 1996.
- Encarta Encyclopedia, "John Footer Dulles", 1996.
- Encarta Encyclopedia, "United States", 1996.
- Encarta Encyclopedia, "Relations between the United States and China on a bumpy road", 1995.
- Green, Fred. "US policy and the security of Asia", McGraw-Hill book company, 1998.
- Oksenberg, Michel, "US foreign policy in the 1990's", edited by Greg Schmergel, MacMillan academic and professional lmt., 1991.
- "The United States and China", edited by Barnett and Reischauer, New York city university, 1970, p.146.
- Deng, Yong. "Chinese relations with Japan: implications for Asia-Pacific regionalism". Pacific affairs No.3, 20 (Fall, 1997): 373-391.
- Chai, Martin-Lee. "Hopes and fears of Hong Kong students under China". Pacific affairs No.3, 20 (Fall 1997): 54-61.
-Epp. Ruth. "Life under the Bauhinia flag". New perspective quarterly. No.2, 15 (Spring 1998): 47-54.
- Wright, Elizabeth. "The Chinese people stand up". BBC enterprises ltd., Woodland, 1989 p.6-52, 112-200.
- Almond, Gabriel Al. & Bingham Powell. "Comparative politics today". New York: Harper & Collins publishers, 1996.
- Fruman, Chas. "Sino-American relations: back to basics". Foreign policy. 104 (Fall 1996): 4-26.
- Kissinger, Henry. "Diplomacy". New York: Simon & Schuster, 1994.
- Rodee, Carlton Clymer. "Introduction to political science". 3rd edition. London: McGraw-Hill Kogkusha, ltd, 1976.