- En
- Fr
- عربي
دراسات وأبحاث
مفهوم تطوّر عبر التاريخ وتباين وفق المدارس:
تطور مفهوم وتعريف كلمة «استراتيجيا» عبر مختلف عصور التاريخ العسكري وفقاً لاختلاف وتطور التقنية العسكرية في كل عصر عن الآخر، ووفقاً لتباين المدارس الفكرية والسياسية لكل قائد أو مفكر ممن تعرضوا بالبحث لموضوع الإستراتيجية. ومن هنا تنبع الصعوبة البالغة في تقديم تعريف جامع مانع لكلمة «استراتيجيا»، اذ لا يوجد تعريف موحد متفق عليه حتى الآن لهذه الكلمة، مثلها في ذلك مثل كلمة فلسفة.
الاستراتيجيا:مفاهيم وتعريفات
لقد اشتّقت كلمة استراتيجيا أصلاً من الكلمة اليونانية (strategos) التي كانت تعني فن قيادة القوات، وهو فن مارسه بمهارة بعض القادة العسكريين القدماء مثل الإسكندر الأكبر ويوليوس قيصر من دون أن يدونوا خبرتهم عنه، ولهذا ساد إعتقاد لفترة طويلة من الزمن أن الإستراتيجيا مجرد فن يمارسه القادة الموهوبون عن حدس وعبقرية، وأنه ليس لها قواعد ونظريات علمية. ومع تقدم قوى الإنتاج الصناعي وإزدهار العلوم الطبيعية وسيادة الفلسفة العقلية في أوروبا القرن الثامن عشر، بدأت دراسة الحرب على أسس علمية وبدأت محاولات دراسة الإستراتيجيا بصورة علمية. وقد قدم كلاوزفيتز تعريفاً للإستراتيجيا بأنها «نظرية استخدام المعارك كوسيلة للوصول إلى هدف الحرب. وقد وضع هذا التعريف للإستراتيجيا في ضوء مفهومه الأساسي عن الحرب من حيث أنها «إستمرار للسياسة بوسائل أخرى، أي أنه كان يرى أن الإستراتيجيا هي النظرية التي تدار بها المعارك في صورتها العامة لتحقيق الهدف السياسي للحرب.
أما الكاتب العسكري البريطاني ليدل هارت فقد عاب على تعريف كلاوزفيتز للإستراتيجيا، أنه يدخلها في مجال السياسة وأنه بذلك التعريف يخلط بين الإستراتيجيا العسكرية والإستراتيجيا العليا للدولة، ثم قدم تعريفه الخاص للإستراتيجيا فقال أنها «فن توزيع وإستخدام مختلف الوسائل العسكرية لتحقيق هدف السياسة، وهو يعتقد أن الهدف من الإستراتيجيا ليس البحث عن المعركة «بل البحث عن وضع استراتيجي ملائم لمعركة تأتي بعده وتنتزع النصر حتماً».
ويقدم الجنرال اندريه بوفر الإستراتيجي الفرنسي المعاصر تعريفاً يقول أن الإستراتيجيا هي «فن حوار الإرادات التي تستخدم القوة لحل خلافاتها». وذلك على أساس أنه يعتقد أن هناك وسائل أخرى في ظروف معينة تؤدي إلى تحقيق هدف الإستراتيجيا بدون إستخدام القوة العسكرية بصورة مباشرة. كما يقدم ماو تسي تونغ تعريفه الخاص للإستراتيجيا فيقول «حيثما كانت حرب، يوجد وضع كلي للحرب، وإن دراسة القوانين الموجهة للحرب والتي تحكم في وضعها الكلي، هي مهمة الإستراتيجيا».
أما الفكر العسكري الأميركي فقد قدم بواسطة هيئة أركان حرب القوات المسلحة عام 1959 تعريفاً للإستراتيجيا بأنها «فن وعلم إستخدام القوات المسلحة للدولة بغرض تحقيق أهداف السياسة القومية عن طريق القوة أو التهديد بإستخدامها».
ويقدم الفكر العسكري السوفييتي على لسان المارشال سوكولوفسكي تعريفاً للإستراتيجيا بأنها عبارة عن «نظام المعلومات العلمية حول القواعد القياسية للحرب كصراع مسلح يخدم مصالح طبقية معينة. وعلى أساس دراسة خبرة الحروب والموقف العسكري السياسي، والإمكانات الإقتصادية والمعنوية للدولة، والوسائل الجديدة للصراع المسلح ونظرات العدو المحتلمة، تقوم الإستراتيجيا بدراسة أحوال وطبيعة الحرب المقبلة. وفي الوقت نفسه هي ميدان النشاط العملي للقيادة السياسية - العسكرية العليا، والقيادة العسكرية العليا، الذي يهدف إلى تجهيز الدولة والقوات المسلحة للحرب وإدارة الصراع المسلح في ظروف تاريخية معينة».
ومن الواضح أن القاسم المشترك الأعظم بين التعريفات المختلفة للإستراتيجيا هو انها علم وفن ينصرفان إلى الخطط والوسائل التي تعالج الوضع الكلي للصراع الذي تستخدم فيه القوة بشكل مباشر أو غير مباشر من أجل تحقيق هدف السياسة الذي يتعذر تنفيذه عن غير ذلك السبيل.
وقد كشف إستقراء التاريخ العسكري عن وجود مجموعة من القواعد التي تحكم لعبة الإستراتيجيا يمكن إيجازها في المبادئ التالية:
1 - المحافظة على حرية العمل.
2 - الإقتصاد في القوى.
3 - الحصول على المبادأة.
4 - تحقيق المفاجأة.
5 - قوة الحشد.
6 - خفة الحركة.
7 - بساطة المخطط الإستراتيجي.
8 - تحقيق التعاون والتنسيق.
9 - توحيد القيادة.
وتكتسب القواعد العامة للإستراتيجيا نوعية خاصة وفقاً لظروف التطبيق المختلفة، ووفقاً لإختلاف وتطور طرق إدارة الحرب (وهي وسائل وكيفية إستخدام معدات وتشكيلات القتال المختلفة) التي ترتبط بمستوى التطور الإقتصادي والتقني والعملي السائد، ولهذا كان لكل عصر طريقته الخاصة في إدارة الحرب.
هذا وتختلف طبيعة المخططات الإستراتيجية، رغم وحدة المبادئ الأساسية التي تحكمها، وذلك تبعاً لإختلاف نوعية الوسائل العسكرية المتوافرة، وظروف الزمان والمكان، وأهمية الهدف، وطبيعة الظروف الدولية ومدى إتساع حقل حرية العمل العنيف. ونتيجة لهذا التباين في الظروف المحيطة بتنفيذ أو وضع الإستراتيجيا فقد تكون الإستراتيجيا المطبقة إستراتيجيا إفناء وتدمير سريع، أو تكون إستراتيجيا إنهاك طويل الأمد، إلخ.
وترتبط الإستراتيجيا بالتكتيك وفن العمليات بإعتبار أنهما أداتها في تنفيذ مخططاتها في مختلف ساعات القتال الجزئية، ومن ثم فإن الإستراتيجيا الناجحة لا يمكن أن تكون منفذة عملياً بدون إختيار وإستخدام تكتيكات ملائمة وإتباع فن عمليات سليم. وترتبط الإستراتيجيا أيضاً بالسياسة نظراً لأنها تستهدف أصلاً تحقيق أهداف السياسة وليس العكس. وهي ترتبط بالظروف الإقتصادية التي يجري في ظلها الصراع، ذلك أن طاقات الصناعة وحجم الموارد الإقتصادية والبشرية المختلفة ومصادر الطاقة المحركة وطرق المواصلات وقدرات النقل المختلفة، كلها عوامل تؤثر على طبيعة الإستراتيجيا المطبقة. والخلاصة أن مضمون الإستراتيجيا لا يتحدد فقط بنوع المبادئ الإستراتيجية التي تدخل في عملية إنشاء وتنفيذ المخطط الإستراتيجي، وإنما يتحدد أيضاً بتأثير العوامل السياسية والمعنوية والعوامل الإقتصادية والجغرافية والتاريخية التي تحكم الصراع القائم بين قوتين معينتين، كما يتحدد أيضاً بطبيعة الحرب المتوقعة أو الدائرة فعلاً، ومدى تطور طرق إدارتها وتكتيكاتها، وبطبيعة النظريات الإستراتيجية الخاصة بالعدو، ولذلك لا يظل مضمون الإستراتيجيا الحربية ثابتاً بدون تغيير، ولكنه يتطور ويتغير تبعاً لتغير الظروف المحيطة بالصراع وحجم الإمكانات المادية والمعنوية الموضوعة تحت تصرف الإستراتيجيا.
تشكل إستراتيجيا التسلح على مستوى الدولة الواحدة الصورة المجسمة للعلاقة بين الدفاع الوطني والسياسة الخارجية
الإستراتيجيا العليا: حشد الطاقات لدعم القطع المحاربة
هي فن إعداد الحرب وإدارتها لتحقيق نصر لا يتعارض مع بناء سلم مزدهر في المستقبل. وتشمل هذه الإستراتيجيا جميع الأعمال والتدابير والإعدادات الرامية إلى حشد ومضاعفة الإمكانات الإقتصادية والقوى البشرية المادية والمعنوية للدولة بغية دعم القطعات المحاربة، وتنظيم الأدوار والقوى وتوزيعها بين مختلف المرافق والصناعات والفعاليات.
وتعتبر القوة العسكرية عاملاً واحداً من عوامل الإستراتيجيا العليا التي تستخدم قوة الضغط السياسي والدبلوماسي والمعنوي والمالي والتجاري لتحطيم إرادة الخصم وتصميمه على الصمود. وإذا كان مدى الإستراتيجيا محدوداً بربح الحرب نفسها، فإن الإستراتيجيا العليا تنظر إلى السلم الذي يعقب الحرب. وهي لا تكتفي بتحقيق التوافق بين مختلف وسائل الحرب، بل تنظم إستخدامها، آخذة بعين الإعتبار ضرورة تلاقي ما يمكن أن يؤذي السلم المقبل، الذي ينبغي أن يكون ثابتاً، ويؤمن للطرفين المتحاربين حياة أفضل.
إستراتيجيا التسلح: القدرة على مواجهة أي عدوان
تشكل إستراتيجيا التسلح، على مستوى الدولة الواحدة، الصورة المجسمة للعلاقة بين الدفاع الوطني والسياسة الخارجية.
فالتسلح الحديث يعني إستكمال قدرة الدولة على مواجهة أي عدوان، وتأمين حماية مستمرة للأرض والسكان والثروات المادية والمكتسبات المعنوية، فهو من هذه الوجهة حق من حقوق الدول الحديثة، يحميه القانون الدولي، ويمليه مبدأ المساواة بين الدول. وبالتالي فقد أصبح من مقتضيات الدفاع الوطني أن تكرس لصالح قضية التسلح كافة وسائل الإنتاج في الدولة وكافة مواردها الإقتصادية والعلمية والتقنية، وأصبح من مقتضيات السياسة الخارجية للدولة تحديد إرتباطاتها مع الدول الأخرى على أساس ما يتطلبه الدفاع الوطني والخطط الإستراتيجية المرسومة للدولة.
بالمقابل فإن متطلبات الدفاع الوطني والسياسة الخارجية تتشابك وتتعقد بشكل خطير، وقد تتعارض أحياناً بدلاً من أن تتفق، وعلى الدولة أن تختار وأن تفضل متطلبات أحد هذين العاملين على متطلبات العامل الآخر. ولا شك في ان من يمتلك قدرات صناعية كبيرة، وموارد إقتصادية ومالية متنوعة، وكفاءات صناعية وتقنية مناسبة، يستطيع أن يقلص إلى حد بعيد إعتماده على الآخرين، وبالتالي يحقق أفضل الشروط للتوفيق بين السياسة الخارجية والدفاع الوطني.
وعندما يصبح التسلح نشاطاً إقتصادياً متناسباً ومتكاملاً ووطنياً، لا مجرد صفقات تجارية عادية تبرم مع دول أجنبية، تكون الأمة قد ثبتت أقدامها عملياً في مواقع القوة وإمتلاك الحد الأقصى من حرية العمل.
غير أن سعي الدول جميعاً إلى التسلح مع إختلاف أهدافها ووسائلها ومصادرها وعلاقاتها بالدول الأخرى يؤدي إلى خلق تناقضات متنوعة، فتصبح قضية التسلح جزءاً من النشاط السياسي العام بحيث تملي الظروف والتطورات الدولية أشكال التسلح وأحجامه وأساليب الحصول عليه. والواقع أنه بمقدار ما تتركه الدولة لنفسها في هذا المجال من حرية التصرف بمقدار ما يكون التسلح مجدياً وفعالاً وقادراً على أداء مهمته، وإلا فإن التسلح يصبح قيداً محكماً يضغط على حرية العمل ويقضي على روح المبادرة، وعلى الحرية في إتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية وبسياسة الدفاع.
إن إستراتيجيا التسلح تساعد على تفهم الإعتبارات المتشابكة التي تتوضح فيها نقاط الإلتقاء ونقاط الإبتعاد والنقاط الوسط التي يمكن أن يحدث فيها التوفيق بين متطلبات الدفاع الوطني والسياسة الخارجية لكل من الدولة المصدرة والدولة المستوردة للسلاح.
إستراتيجيا الحرب المحدودة: حرب المعنويات
أدى ظهور السلاح النووي وخطر التدمير الشامل والإنتحار المتبادل في أية حرب نووية، إلى تطور الإستراتيجيا نحو المجابهات المحدودة التي تشكل جوهر المجابهات المسلحة التي إندلعت بعد الحرب العالمية الثانية.
والحقيقة أن الحرب كانت دائماً وعلى مر العصور حرباً شبه محدودة.
إذ كانت الأطراف المتصارعة تسعى دائماً إلى تحديد الجهد، وتخفيضه حتى الحد الأدنى اللازم للحسم.
وكان عملها عبارة عن «رد مرن» حتى قبل أن تصاغ نظرية «الرد المرن» من قبل الجنرال ماكسويل تايلور.
وكانت الحرب تصعد عملها إلى الحدود القصوى عندما تجد أن الحسم بالوسائل المحدودة غير ممكن عملياً. ولكن هذا التصعيد كان يحاول عدم تجاوز «العتبة» التي يغدو العمل العسكري فيها غير متناسب مع الهدف السياسي للصراع، بيد أنه تم تجاوز هذه العتبة خلال الحروب النابليونية، وخلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، الأمر الذي أدى إلى تعرض البشرية لكوارث هائلة، ولكن ظهور الأسلحة النووية جعل هذا التصعيد مستحيلاً وجنونياً. كما أن إرتفاع مستوى التأطير الثوري أفقد ظاهرتي تدمير الجيوش النظامية وإحتلال البلاد قسطاً كبيراً من اهميتها، وصار من الضروري اللجوء إلى إستراتيجيا الحرب المحدودة التي تختلف عن إستراتيجيا الحرب التقليدية في أنها تستهدف تبديل قناعات الخصم وإلحاق الهزيمة به معنوياً بدلاً من الإنتصار عليه عسكرياً وتدميره مادياً، خصوصاً وأن هذا الانتصار العسكري صار بحاجة الى تصعيد الوسائط المستخدمة بشكل كبير وخطير أكثر مما ينبغي.
والمبدأ الأساسي للحرب المحدودة، على الصعيد المادي، هو أنها حرب غير محدودة على الصعيدين النفسي والمعنوي. وتصعيد إلى الحدود القصوى بشكل آخر، وانتقال من المفهوم المادي للحرب الى مفهومها النفسي. ويمكن القول إن الإستراتيجيا السابقة التقليدية كانت إستراتيجيا عسكرية مباشرة تبحث عن الحسم النفسي عن طريق إستخدام الوسائل العسكرية. أما استراتيجيا الحرب المحدودة فهي استراتيجيا عسكرية غير مباشرة، تبحث عن الحسم النفسي عن طريق استخدام الوسائل النفسية، كالدعاية وتسميم السياسة والإقتصاد، والضغط الدولي، والتفتيت الداخلي، واستخدام القوة العسكرية لأغراض الدعاية المسلحة.
وتستهدف استراتيجيا الحرب المحدودة تفتيت معنويات العدو والحفاظ على معنويات الأصدقاء. وهي تستخدم اسلوب الحرب الثورية، وتخضع لثلاث دفعات: تتمثل أولاها في الحفاظ على الأمل وخلق الثقة بالنصر مهما طال الصراع. وتتمثل الثانية في تثبيط همة العدو حتى يتحقق الحسم النفسي. أما الثالثة فتتمثل في ردع العدو ومنعه من استخدام وسائله العسكرية المتفوقة.
ويتم تحقيق الدفعة الأولى عن طريق طرح فكرة سياسة متماسكة مفعمة بالأمل الذي يبرر التضحيات. وتكون هذه الفكرة عادة دينية او وطنية او ايديولوجية اجتماعية. ولا يكفي طرح الفكرة السياسية الجيدة، بل لا بد من الحفاظ على الثقة وتجديدها باستمرار. ويمكن الوصول الى ذلك اذا امكن تحقيق نجاحات جزئية يتم استغلال تأثيراتها النفسية المتراكمة بمهارة.
والدفعة الثانية مهمة للنجاح، ولا يمكن أن يتحقق الحسم بدونها. ويتم الوصول إليها عبر حرمان العدو من كل أمل بالنجاح، وخلق الملل بين صفوفه، وبذر بذور الخلاف داخل معسكره. وأفضل الوسائط المستخدمة لتحقيق هذه الغايات هي الحرب طويلة الأمد التي تجبر العدو على اللهاث فترة طويلة من الزمن.
ويتم الوصول الى الدفعة الثالثة عن طريق ردع العدو ردعاً غير نووي. ويلعب الردع النووي دوره في منع المجابهة بين البلدان النووية. ويعتمد الردع هنا على سلسلة من التهديدات المتناوبة مع العمليات، الأمر الذي يشل ردود فعل العدو. ولا ينجح التهديد في تحقيق أهدافه إلا اذا كان المهدِّد قادراً على تنفيذه، الأمر الذي يكسبه المصداقية الضرورية لشل العدو. ويصل التهديد إلى أقصى درجات تأثيره وأشدها خطورة عندما تتشكل لدى العدو قناعة بقدرة المهدد على القيام بعمليات لا عقلانية. ولكن من المؤكد ان كل تهديد يفقد فاعليته عندما ينتقل الى حيز التنفيذ.
وتقتصر فاعليته في هذه الحالة على قيمته العملية.
ولذا فإن اكثر التهديدات فاعلية هي التهديدات المعنوية (اللجوء الى الرأي العام، اللجوء الى الأمم المتحدة).
أما التهديدات ذات الطابع المادي (القصف، العمليات الإنتقامية.. الخ) فقد أثبتت مجابهات ما بعد الحرب العالمية الثانية خطورتها وعدم فاعليتها، خصوصاً ضد خصوم تمت تعبئتهم سياسياً، ويدافعون عن قضية يؤمنون بعدالتها، ويعملون تحت لواء قيادة تعمل على توقع مبادهات العدو وإحباط نتائجها المادية والمعنوية بشكل مسبق.
الإستراتيجيا الذرية: اربعة طرق
أفادت الإستراتيجيا عموماً من آثار السلاح النووي، فأحدثت إنقلابات هامة في مفهوم استخدام القوى للحرب أو للحفاظ على السلم، وأدى ظهور الأسلحة النووية واحتمال استخدامها في أية حرب مقبلة الى تطبيق الإستراتيجيا الذرية التي تتضمن اربعة طرق:
ط التدمير الوقائي للأسلحة المعادية: هذه الطريقة وسيلة هجومية مباشرة تعني الهجوم على مراكز اسلحة العدو الذرية أو النووية وتدميرها.
ط ملاقاة الأسلحة الذرية أو النووية وتدميرها وهي في طريقها الى أهدافها: ويدخل في هذا المجال الصواريخ المضادة للصواريخ التي اخترعها الاتحاد السوفييتي، ثم اقامها البرنامج الأميركي لإنشاء شبكة من الصواريخ المضادة عابرة القارات، وهذه الطريقة وسيلة دفاعية.
ط الوقاية المادية ضد آثار الإنفجارات الذرية: وهذه الوسيلة وسيلة دفاعية.
ط التهديد بالانتقام: وهذه وسيلة هجومية غير مباشر. وقد استغلت هذه النماذج الأربعة لأغراض مختلفة وانتهت بأن امتزجت مع بعضها ضمن إطار من الصيغ الاستراتيجية الكثيرة التعقيد.
إن لعبة الحرب الحديثة لعبة إستراتيجية أساساً تحكمها السياسة بصورة أوثق من ذي قبل. وقد ابتعد العالم تدريجياً عن النزاع الشامل.
ونظرة إلى حسم ازمة الإستراتيجيا الذرية المباشرة في كوبا تعطي الدليل على أن الأزمات ستحل في مجال الإستراتيجيا غير المباشرة، وفي مجال الحرب المحدودة.
يتبع في العدد القادم:
الاستراتيجيا الأميركية لمحاربة أسلحة الدمار الشامل بعد سقوط الاتحاد السوفياتي العام 1990
وأحداث 11 أيلول 2001