- En
- Fr
- عربي
متاحف في بلادي
خامس متحف في العالم حول الحرب
روعة التراث في قالب تكنولوجي حديث
ثمرة تعاون بين مؤسسة «مرسي كور» والوكالة الأميركية للتنمية الدولية وبلدية الخيام، وصرح يمتد على مساحة 8750 متراً مربعاً تحت الأرض، ليروي حقبة مهمة من التاريخ، داعياً الى توثيق الماضي وربطه بالحاضر؛ إنه متحف الخيام الحربي، الذي يشكل بأبعاده التاريخية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية، عنصر جذب سياحي، يضاف إلى العناصر الموجودة في المنطقة.
يتضمن «المستشفى الإنكليزي»، كما يطلق عليه سكّان القرى الحدودية، وقد تحوّل متحفاً حربياً وذاكرة للحرب العالمية الثانية، كل الأدوات التي كانت جزءاً من تراثنا الجميل.
أضواء على هذا المعلم التراثي والتاريخي في هذا التحقيق.
قصة مع التاريخ والحرب
برعاية وزارتي السياحة والثقافة، إفتتحت مؤسسة «مرسي كور» بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وبلدية الخيام متحف الحرب العالمية الثانية في الخيام في شهر تشرين الأول الفائت، في حضور السفير الأميركي جيفري فيلتمان، وممثل وزير الثقافة حنا العميل، ومدير بعثة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية رؤوف يوسف، ومديرة «مرسي كور» في لبنان كاترين روزنبرغ، وقائد الكتيبة الهندية الكولونيل تي سامبايا، ورئيس البلدية علي زريق، وعدد من رؤساء البلديات والمخاتير وشخصيات إجتماعية وتربوية وجمع من أبناء البلدة.
«للمستشفى الإنكليزي» - كما يسميه سكّان القرى الحدودية - عند مدخل بلدة الخيام قصة مع التاريخ والحرب: كانت قوات فيشي في القرن الماضي تسيطر على المنطقة. وبإشتعال نار الحرب العالمية الثانية، وظهور قوات فرنسا الحرة المتحالفة مع أميركا وبريطانيا (الحلفاء) ضدّ دول المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان)، وقعت معارك ضارية في سهل مرجعيون، طردت خلالها قوات الحلفاء قوات فيشي المتحالفة مع المحور، وأكملت القوات الإنكليزية بناء المستشفى الذي كانت قد بدأت العمل فيه القوات الفرنسية.
بعد انتهاء البناء تراجعت القوات الإنكليزية إلى فلسطين، وبقي الجيش الفرنسي في لبنان. ومن هنا كان اللغط حول تسميته المزدوجة: المستشفى الإنكليزي - المستشفى الفرنسي. فقد بقي الفرنسيون فيه حتى الإستقلال.
تراث وتكنولوجيا
إبّان فترة إنشائه المستشفى، خطط الجيش الإنكليزي للبناء وكأنه يقيم أبداً في المنطقة بعد معركة «الجلحا» في سهل مرجعيون وطرد قوات فيشي منه.
فالمستشفى يصيب زائره بالذهول عندما يتجوّل في أرجائه تحت الأرض: دقة في العمل، جمالية في التصميم، روعة البناء بالحجر الصلب، تنسيق الممرات، وترابط الغرف والقاعات مع بعضها البعض، فيما يتيح تعدد المداخل والفوهات في أعلاه الإنارة والتهوئة. والجولة داخل المستشفى تتطلب مرافقة دليل وإلا تاه الزائر في جنباته.
ملايين الدولارات صرفت، ولا تزال تصرف في المشروع ليأتي غاية في الأناقة والجمال والإبداع. وتقنية القرن الواحد والعشرين أضفت رونقاً على البناء التراثي. والتكنولوجيا المتطورة التي تزرعها مؤسسة «مرسي كور» فيه جعلت منه آية في الزخرفة والفن والجذب السياحي.
أربعينيات القرن الماضي، انتقلت الى أوائل القرن الحالي، مكللة بالسحر والإبداع اللذين أرادتهما المؤسسة أن يكونا عنوان المتحف الحربي الجديد، بعدما كان المستشفى الإنكليزي القديم!...
أنشئ هذا المستشفى الحربي بطريقة تجعله يتحمّل الغارات الجوية والقصف العنيف. وسماكة الطبقة الإسمنتية فوقه 1.70 متراً من الباطون المسلح، إضافة إلى طبقة فوقها من التراب والصخور.
كان المستشفى حتى العام 2001 مهملاً، وكان في ما مضى يستعمل «مقيلاً» للماشية هرباً من الحرّ في السهل، وكانت الكلاب الشاردة تجد فيه ملجأ تقصده أيضاً والحيوانات البرية شتاء هرباً من البرد القارص.
مع بداية العام 2002، صار محط أنظار السياح والزوار والمستشرقين ومتذوقي الفن التراثي، والابداع التكنولوجي، والتطوّر التقني في عالم الديكور والتأهيل والتجميل. كل هذا بفضل مؤسسة «مرسي كور» التي أطلقت بالتعاون مع بلدية الخيام مشروع ترميم الموقع وتحويله معلماً تاريخياً وسياحياً، بدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) وتمويلها، في سياق مشروع تنمية جنوب لبنان الذي تبلغ تكلفته 12.5 مليون دولار. ومن المتوقع أن يصبح الموقع مركزاً سياحياً مهماً في المنطقة، وفي العالم أيضاً.
جولة ميدانية... وتفاصيل
مدير مشروع ترميم الموقع المهندس سامي صليبي أشار في حديثٍ سابق إلى «ان للمستشفى شقيقين في بريطانيا وفرنسا. وقد أثبتت الدراسات أن التقنية نفسها هي المستخدمة في بنائهما، من حيث الهندسة ونوعية الحجر». وشرح تصميمه الداخلي قائلاً: تبلغ مساحة الموقع الداخلية 8750 متراً مربعاً والخارجية 11 ألف متر مربع. ويدل تعدد مداخله (13 مدخلاً) على أن تصميمه يسمح له بالعمل كمستشفى ميداني حتى وإن تعرّض للقصف أو التدمير فله أكثر من مدخل للطوارئ. ولفت إلى أن طريقة تصميم المداخل على شكل مثلث تتيح للموقع التمويه وتبريد المكان.
الدخول إلى أي غرفة يفرض عبور ممرات طويلة (4 ممرات كبيرة يراوح طولها بين 60 و80 متراً، وعرضها بين 1.40 متر ومترين) يمكن الدخول عبرها إلى غرف المستشفى أو إلى ممرات صغيرة تؤدي إلى أقسام أخرى. ويبلغ عدد الغرف 20 غرفة متفاوتة المساحة، فالصغيرة منها قد تكون مكاتب أو غرف عمليات أو ما شابه. وثمّة درج يؤدي إلى غرف صغيرة عدة، تستخدم اليوم مركزاً مؤقتاً لإدارة المشروع. يبلغ إرتفاع سقف المستشفى 2.73 متراً ولا يتغير في كل الغرف. والجدير ذكره أن سماكته تبلغ 60 سنتم، وهو مسلّح بالحديد علماً أن التربة تغطيه بإرتفاع متر على الأقل، وكل ذلك من أجل حمايته من القصف. إضافة إلى ذلك، فإن التراب يفصل بين عدد من الجدران الداخلية، مما يحميها أيضاً.
ولا بدّ من التنويه بطريقة العمل الدقيقة في المستشفى والهندسة المتطورة، ولا سيما لجهة إنشاء شبكة أقنية المياه في داخله لتصريف مياه الأمطار بسبب إنشائه تحت الأرض، حيث توجد أقنية في كل الممرات تتجمع فيها المياه في شكل طبيعي بسبب إنحدار الأرض غير المستوية. كذلك توجد أمكنة إلتقاء وتجمع للمياه وسط الممرات حفرت بطريقة تستوعب أي كمية من الأمطار. حتى إن بعض الجدران الداخلية حفر بغية تصريف المياه في حال فاضت عن التراب.
وتشير بعض الأدلة إلى أن المستشفى لم يتم إستخدامه، مع إنه جهّز بالمعدات والأسرّة باسثتناء بعض التفاصيل الدقيقة.
ماذا يتضمن المتحف؟
يتضمن المتحف معروضات الحرب العالمية الثانية حيث تمّ تجهيز عدد من الغرف بكل ما له صلة بهذه الحرب: مجموعة قديمة من قطع السلاح، تحف، معروضات عسكرية من بزات وغيرها، مكتبة عامة، صالة محاضرات مجهّزة وصالة كومبيوتر وإنترنت وبيروسكوب لمراقبة الموقع، وكافيتيريا...
إضافة إلى ذلك، ومن أجل إضفاء حيوية على المكان، سيتم تخصيص غرف لألعاب التسلية لها علاقة بالحرب، كما سيستقبل المتحف معارض مؤقتة لمتاحف عالمية في سياق عملية تبادل ثقافية، كما تجدر الإشارة إلى أن المتحف مجهّز لاستقبال المعوقين عن طريق تخصيص مدخل وممرات خاصة بهم إضافة إلى الحمامات أيضاً. هذا من دون أن ننسى أجنحة الفنانين من نحاتين ورسامين ومصورين، وجناحاً للتراثيات الريفية...
وستنطلق من المتحف أشعة لايزر تحدد مكانه على بُعد 25 كلم، مع منظار مكبّر من الداخل يرى عبره الزائر كل المنطقة.
على صعيد آخر، تعمل المؤسسة على تجهيز الباحة الخارجية للمتحف في شكل لائق لاستقبال السيّاح، ويكون بذلك خامس متحف في العالم حول الحرب. ومن المتوقع أن تتصل مؤسسة «مرسي كور» بالدول التي شاركت في الحرب العالمية الثانية مع قوات الحلفاء مثل فرنسا وبريطانيا وأوستراليا للمساعدة في تمويل المشروع وتجهيز المتحف.
الخيام «مشهد العصر» سياحياً
رئيس بلدية الخيام الحاج علي زريق، وفي مقابلة معه، تحدّث عن الأهداف المرجوة من المشروع ومنها: «إعادة إحياء الموقع الأثري التراثي، وتفعيل الدورة الإقتصادية، وتوفير فرص عمل في المشاريع السياحية، لما في ذلك من إفادة سياحية ومادية للمنطقة». وأكد أن مؤسسة «مرسي كور» سوف تدير المشروع طوال سنة بعد إنتهاء الأعمال في نهاية السنة الحالية ليتم تسليمه في ما بعد إلى بلدية الخيام، بعد أن يتم تدريب فريق عمل متخصص، وتأليف لجنة مشتركة مع السكّان لرعايته وإدارته. وأضاف رئيس البلدية: «إن تحويل المستشفى إلى متحف حربي يضم جميع صور ومعدات وأسلحة ومعلومات الحرب في القرن الماضي وما سبقه، سيجعل من بلدة الخيام «مشهد العصر» سياحياً وتراثياً وإنمائياً». وكان رئيس البلدية وجّه نداءات عديدة الى كل الطبقات والشرائح والجمعيات والأفراد في منطقتي حاصبيا ومرجعيون، وفي الجنوب ومناطق لبنان كافة، الذين يملكون ويقتنون أسلحة قديمة تراثية، أو معدات حربية، أو صوراً من الماضي، للإعلان عنها لتقديمها إلى المتحف أو عرضها للبيع، أو عرضها مجاناً في المتحف ثم إعادتها لأصحابها.
وتابع رئيس البلدية الحاج زريق: «إن البلدية في صدد تنفيذ عدد من المشروعات الإنمائية في البلدة تحضيراً لاستقبال هذا المشروع الضخم. ومن بين هذه المشاريع جعل تلة الخيام جنوبي المتحف منتجعاً حديثاً متطوراً يضم ما يلي: «موتيل»، مسبح شتوي، مسبح صيفي، مطاعم، ملاعب، إستراحة، محلات لعرض المنتجات المحلية، مزرعة حديثة، قرية نموذجية، شوارع أنيقة تؤمن إنارتها طاقة كهربائية تولدها مروحة خاصة ثمنها 40 ألف دولار».
تحويل الخيام إلى بلدة عصرية، سيجعل من المعتقل المشهور فيها بانوراما ومعرضاً ثقافياً، وقاعات للمؤتمرات الدولية، ومن طرقات البلدة الداخلية وزواريبها شوارع واسعة، وساحات عامة، ومن محلة «عين بو منصور» منتجعاً واستراحة، وشلالات مياه، وبركة وجلسات هادئة، ورومانسية تذهل الزوار.
وختم رئيس البلدية اللقاء بالقول: «لقد تمّ تأليف فريق من البلدية ومؤسسة «مرسي كور» للإتصال بقيادة الجيش اللبناني للمساهمة في تجهيز المتحف وتزويده ببعض اللوازم والمعدات الحربية التراثية، وتقديم النصح والتوجيهات والملاحظات اللازمة بصفتها المعنية في الشؤون العسكرية حول المتحف الحربي''.
هذا وستواصل البلدية من خلال المتحف الحربي التنسيق مع القيمين على المعالم الأثرية الأخرى والأماكن السياحية في المنطقة، ليكتمل مشهد التحرير، بتحرير الأماكن المطمورة وإظهارها.
الصور: من أرشيف المتحف