هل هناك سلام غير شامل؟
في أيلول 1993، وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية إتفاق أوسلو الذي قال عنه ياسر عرفات إنه شمل أدق التفاصيل، بما في ذلك ماذا يحصل حين تصطدم سيارة فلسطيني بسيارة إسرائيلية ويصاب أشخاص. وأوحى الإعلام أن هذا الإتفاق هو تاريخي وسوف يعيد السلام إلى المنطقة.
وبعيد إعلان الإتفاق، بدأت الخلافات الإسرائيلية تظهر بحدة حول مفهوم السلام. ونزعت القوى السياسية جميعها إلى رفض إقامة الدولة الفلسطينية ورفض إعادة القدس واستمرار الإستيطان، لكنها اختلفت على بعض التفاصيل: ماذا يبقى من السلام إذا لم تكن هناك دولة تمثل حق تقرير المصير وتشكل المعنى السياسي للإتفاق؟ وهل يحل السلام بدون عودة القدس؟ وهل يحل السلام باستمرار الأعمال العدوانية المتمثلة بالإستيطان؟
هذا الإتفاق المنفرد لنزاع شامل، إحتاج إلى مزيد من الإتفاقات لتنفيذ ما نص عليه أصلاً، من اتفاق " الخليل " إلى إتفاق " واي ريفير " الأخير الذي بدا أيضاً أنه بحاجة إلى مزيد من الإتفاقات. وهكذا دخلنا في نفق إتفاقات تولد الحاجة إلى إتفاقات جديدة.
هذا التخبط هو صورة طبيعية للرؤية الضيقة للنزاع، إذا كانت هذه الرؤية تتطلع نحو السلام، و هو صورة طبيعية لهذه الرؤية التي تريد إغراق المنطقة بمزيد من المشاكل، ليس آخرها ما يجري في العراق، وإيقاظ المشكلة التركية وتحريك المشكلة الكردية. أما الحل فلا يكون إلا بالعودة إلى حقيقة النزاع، واستخراج الحل من تلك الحقيقة بالإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان وجنوب لبنان، وإعطاء الفلسطينيين حقهمفي تقرير مصيرهم، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وفقاً للقرارات الدولية ولأبسط قواعد حقوق الإنسان، وعندها يمكن أن نتحدث عن السلام.
أما ما هو إنفرادي فهو حتماً ليس سلام، وهو، على الأرجح، مشروع حروب وفتن.
من هنا كانت الدعوة اللبنانية والسورية ليس إلى التمسك بتلازم المسارين فقط، بل إلى تلازم المسارات العربية جميعاً الأن في ذلك حفظاً لحقوق العرب وقوة للمفاوض ودفعاً نحو السلام الشامل.
وبالنتيجة لن يكون هناك سلام غير شامل.