- En
- Fr
- عربي
أسماء لامعة
أنطوان ملتقى مخرجًا وممثلاً ومقتبسًا...
مبدع وضع المسرح الراقي بين يدي الجمهور
من أبرز الروّاد الأوائل في المسرح اللبناني، ومن مؤسّـسي الأصالة المسرحية في لبنان.
إنّه المخرج والممثل أنطوان ملتقى الذي أضاف إلى المسرح نكهة فلسفية جميلة وهادفة. مسيرته الطويلة كانت بمشاركة منافسته الأكاديمية ورفيقة دربه لطيفة شمعون ملتقى، إذ عملا معًا على إرساء قواعد وأسس للمسرح الجاد الذي شهد حركة مباركة، أدّت الى خلق جمهور كبير تفاعل معهما وشاركهما إبداعهما وعشقهما اللامحدود للمسرح الطليعي.
بين بيروت ووادي شحرور
ولد المخرج والممثل أنطوان ملتقى، في بيروت في 9 حزيران 1933، والده زخيا ملتقى، ووالدته السيدة جمال باروكي، تحمّلت مسؤولية العائلة بعد أن تركها الزوج، فلجأت إلى بيع الحليب واللبن الطازج، لتربية أولادها الإثنين وتعليمهم في أفضل المدارس.
أمضى أنطوان ملتقى طفولته بين بيروت وقريته وادي شحرور، حيث الطبيعة الخلابة بأشجارها والتي زيّنها نهر الغدير وعين الزيكان. جماليات هذه الصور شاركت في صنع مخيّلته.
أولى بواكير أعماله كانت مسرحية «الزير» التي اقتبسها عن فولتير وعرضت في ساحة كنيسة مار يوحنا المعمدان، فنالت استحسان أهالي القرية والقرى المجاورة، يومها لعب الطبيب نبيه خير (صديق ملتقى) دور الفتاة في المسرحية.
تلقّى علومه الإبتدائية في مدرسة الخوري يوسف بو راشد في وادي شحرور، ثم انتقل إلى مدرسة الحكمة في بيروت، حيث تابع دروسه التكميلية والثانوية ونال شهادة البكالوريا - القسم الأول.
بسبب ظروفه المادية الصعبة، كان مضطرًا إلى العمل. تقدّم بطلب تعليم إلى وزارة التربية، فعيّن مدرّسًا في مدرسة وادي شحرور العليا الرسمية لجميع المواد، ومن ثمّ عيّن مديرًا لها. طموحه دفعه إلى التقدّم بطلب حرّ للحصول على شهادة البكالوريا - القسم الثاني، بمساعدة رئيس المدرسة الأب غناطيوس مارون. كان يدرّس في النهار وفي الليل، واضعًا رجليه في الماء البارد كي يبقى مستيقظًا.
في العام 1952 نال شهادة الفلسفة، مع العلم أنه كان يرغب في الحصول على شهادة في الرياضيات، ولكنّ ذلك كان مستحيلاً على اعتبار أن الرياضيات تحتاج إلى الحضور والمتابعة.
إنتسب إلى الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (A.L.B.A) ونال إجازة في الفلسفة (1956)، وبعد ذلك نال دبلومًا في المسرح، من جامعة باريس VIII (1972).
بطلب من الهيئة الطلابية كانت له عدة أعمال مسرحية خلال دراسته الجامعية، ومنها «ماكبث» لشكسبير، و«تحت ظلال الزيزفون» للشاعر الياس أبو شبكه.
يروي أنطوان ملتقى، أنه كان يعشق ارتياد السينما ومشاهدة الأفلام برفقة صديقه الدكتور نبيه خير، وقد تأثّر بفيلم «ماكبث»، فاشترى مجموعة أعمال شكسبير، وفي ما بعد بات يعرف بـ«ممثل شكسبير في لبنان»، فنصوص الكاتب الإنكليزي رافقته في معظم أعماله.
عود على بدء
في العام 1958 عيّن استاذًا في ثانوية فرن الشباك الرسمية، وبدأ بتدريس عدّة مواد بينها الفلسفة والرياضيات الأحبّ إلى قلبه، وبات من أشهر أساتذة الرياضيات في لبنان.
استمرّ أنطوان ملتقى في التعليم الثانوي من العام 1957 إلى العام 1966، كما مارس التدريس في الجامعة اللبنانبة منذ إنشاء معهد الفنون الجميلة (1965) ولغاية تقاعده (1996)، وترأّس أمانة سرّ هذا المعهد (1967-1972)، وقسم التمثيل فيه (1965-1996).
في العام 1955التقى مجددًا برفيقة دربه المخرجة والممثلة لطيفة شمعون ملتقى في مدرسة وادي شحرور السفلى، حيث عيّنت للتعليم فيها، بينما كان هو مديرًا لمدرسة وادي شحرور العليا. قبل ذلك كانت المنافسة الأكاديمية قد جمعتهما وهما على مقاعد الدراسة، (هو في مدرسة الحكمة وهي في مدرسة راهبات العائلة المقدسة المارونية- عبرين. وبعد سنوات من الحب الجارف تخلّلتها مغامرات شيّقة، تزوجا في العام 1959 وقرّرا متابعة المسيرة معًا، ورزقا صبيين وبنتًا: جيلبير، حائز دكتوراه في الفيزيا النظرية من جامعة Montpellier؛ زاد، متخصص في العزف الكلاسيكي على البيانو، مؤلف موسيقي، ورسّام، تخرّج من المعهد العالي للموسيقى في باريس؛ جهان، تحمل دكتوراه في الفيزياء الفلكية من جامعة Jussieu.
المسرح والاحتراف
في العام 1960 قرر أنطوان ملتقى احتراف المسرح فأنشأ معهد التمثيل الحديث بالاشتراك مع منير أبو دبس، وبالتعاون مع لجنة مهرجانات بعلبك. اقتبس عدّة مسرحيات عالمية وترجمها إلى العربية مثل «أوديب ملكًا»، «أنتيغون»، «ماكبث»، «الذباب»، «ريتشارد الثالث»، «عرس الدم»، «كاليغولا»...
وكانت له تجربة في الإنتاج المسرحي، بحيث أنتج عدّة مسرحيات قامت بتمثيلها فرقة حلقة المسرح اللبناني التي يديرها، وفي هذا الإطار كانت «كوميديا الأخطاء» (شكسبير)، في مهرجان راشانا (إخراج بيرج فازليان)، و«أرتيرو أوي» لـ«بريشت»، على مسرح الأشرفية (إخراج جلال خوري).
أنطوان ولطيفة: دروب الحياة والمسرح
كما في الحياة، تشَارك أنطوان ولطيفة ملتقى في الأعمال المسرحية وكرّسا حياتهما من أجل حركة مسرحية رائدة تضاهي الحركات المسرحية العالمية. عملا معًا على إرساء قواعد وأسس للمسرح الجاد في لبنان، فإذ بالمسرح عندنا يشهد حركة مباركة، وبشهادة النقّاد، ولد جمهور عريض متذوّق للمسرح. هذا الجمهور نشأ وترعرع في ظل أعمال أنطوان ولطيفة ملتقى، فكبر وتفاعل معهما وشاركهما إبداعهما وعشقهما اللامحدود للمسرح الطليعي.
اعتمد أنطوان ولطيفة ملتقى لمسرحهما برنامجين توأمين، مسرح أطفال دائم وآخر للراشدين.
ومن أول النشاطات المسرحية والتلفزيونية المشتركة بينهما وأبرزها تمثيلاً وإخراجًا: مقتطفات من مسرحية «ماكبث» لـشكسبير، عرضت على شاشة تلفزيون لبنان والمشرق إثر انطلاقته في العام 1959، و«ليلة إغريقية» (1960) عرضت على خشبة مسرح تلفزيون لبنان ثم عبر شاشته، وهي من إخراج منير أبو دبس. وفي ثاني مهرجانات راشانا، قدّما مسرحية «جريمة وعقاب» (1963) التي أخرجها أنطوان ملتقى بينما قامت لطيفة بدور سونيا، كما قام ريمون جباره بدور راسكولنيكوف. وقد عرضت هذه المسرحية على شاشة تلفزيون لبنان والمشرق (إخراج انطوان ريمي). في العام نفسه أخرج أنطوان ملتقى «الذباب» (عن نص لـ جان بول سارتر) الذي مثّل فيها إلى جانب زوجته، وتوالت أعمالهما المشتركة حيث عملا مجددًا في «عرس الدم» (نص لـ غارسيا لوركا - 1964).
نشاطات تأسيسـية
عندما بدأ أنطوان ملتقى نشاطه المسرحي، كان لبنان يفتقر إلى معاهد ومحترفات لتدريس مادة المسرح، وكان هاجسه العمل على سدّ هذه الثغرة. وفي ذات يوم من العام 1960، وبدعوة منه، اجتمع في منزله في عين الرمانة، عدد من المثقفين وقرّروا إطلاق حركة مسرحية مبنية على أسس جديدة تأخذ بعين الإعتبار ما توصّل إليه العالم في ممارسة الفن المسرحي، فولدت «حلقة المسرح اللبناني» التي ضمّت أنطوان ملتقى (رئيسًا)، إدوار أ. البستاني، ناظم جبران، فرانسوا خوري، جوزف بو شاهين، ميشال بصبوص ولطيفة ملتقى.
لم يكن عندنا صالات مجهّزة للمسرح في لبنان، يقول، «فرأت الحلقة أن تبدأ أعمالها المسرحية في الهواء الطلق. قدّم ميشال بصبوص الأرض في راشانا، وحوّلته «الحلقة» إلى مسرح تقليدي، معروف في الغرب بـ«المسرح الطلياني».
وهكذا تمّ إنشاء حلقة المسرح اللبناني، مع محترف لتدريب الممثلين، تابع لها في عين الرمانة، ومن ثم (1962) كان مهرجان راشانا (أول مهرجان للمسرح في لبنان) الذي اضطلع بدور بارز في الحركة المسرحية والثقافية اللبنانية. وفي العام 1965 تمّ إنشاء أولى صالات المسرح الدائم في بيروت (مسرح الأشرفية)، وفي العام 1967 تمّ إنشاء أول صالة للمسرح الإختباري (التابع لحلقة المسرح اللبناني)، حيث كانت التدريبات تتمّ في مركز «الحلقة» (عين الرمانة)، لتقــدّم الأعمال ســنويًا في الصيف على مســرح راشــانا.
مسرح مختلف
قام المسرح الإختباري انطلاقًا من عدة أسئلة منها، شكل المسرح ووضعية كل من الممثلين والجمهور فيه. وبالنتيجة تمّ وضع الخشبة في وسط المكان المفتوح حيث يحتل الجمهور جهتين متقابلتين، بينما الجهتان الأخريان كواليس للممثلين.
ويقول ملتقى: «إقتضى ذلك إلغاء الحواجز بين الجمهور والممثل: إلغاء الستارة، إلغاء الديكور والإكتفاء بعناصر إيحائية، إيمانًا منّا بوجوب ترك الحرية للمشاهد بتصوّر المكان الذي يبنيه لنفسه عندما يشاهد الحدث فيشارك في صنعه».
ويضيف: «في البداية، اعتمدنا اللغة الفصحى البسيطة والقريبة من العامية لتسهيل التواصل العفوي والسريع مع الجمهور بمختلف فئاته، كما اعتمدنا لغة الجسد (اليوغا)».
عن هذه التجربة كتب محمود أمين العالم، رئيس المسرح القومي في مصر، في كتابه: «الوجه والقناع، في المسرح اللبناني العربي المعاصر»، قائلاً:
«...وفي الليلة التالية ذهبت إلى مسرح الأشرفية، لأشاهد حلقة المسرح اللبناني. وأعترف منذ البداية أنني وجدت نفسي أمام مدرسة فنية جادة إخراجًا وأداء. كانت الحلقة تقدّم مسرحية مقتبسة عن الكاتب الألماني كلايست هي مسرحية «انكسرت الجرة». اقتبس المسرحية الأستاذ إدوار البستاني اقتباسًا خلاّقًا وسمّاها «ضاعت الطاسة». أحسست كأنما أشاهد نصًّا لبنانيًا مؤلفًا، يرتقي الحوار العامي فيه إلى مستوى الشعر تركيزًا وحرارة ويكاد يوحي إيحاء متصلاً بواقع الحياة اللبنانية. والمسرحية تدور حول كسر جرّة، ومحاكمة للمسؤول عن كسرها، ولكنها في الحقيقة محاكمة للعدالة نفسها، لنظام القضاء، بل للنظام الفاسد كله. ومنذ اللحظة الأولى للمسرحية حتى اللحظة الأخيرة، كانت المسرحية متمــاسكــة، متجــانســــة، يوحدها إيقاع معبّر مدروس وتوزيع دقيق وأداء بارع. كانت المسرحية شحنة حارّة تنصبّ انصبابًا خلاّقًا في الوجدان».
المسرح والجمهور
لقد تميّز المسرح الإختباري بمشاركة الجمهور، والتواصل مع المشاهدين، والوقوف عند رأيهم لمعرفة نسبة التفاعل مع المواضيع التي يطرحها.
فبعد كل عرض كانت تجرى مناقشة، بين المشاهدين وبيننا يقول ملتقى، بهدف توضيح كل عناصر العمل المسرحي الذي شاهدوه. ويضيف: ارتأينا، في سبيل خلق جو حميمي، تقديم كأس من النبيذ، وصحن من البطاطا المقلية لكل مشاهد في أثناء المناقشة. إلى ذلك، عمدنا إلى توزيع إستمارات، يسجّل المشاهد فيها آراءه حول المسرحية، من حيث: الفضاء المسرحي الجديد، الموضوع، الإخراج، الأداء، الإضاءة، الملابس، الموسيقى، الوسـيلة الإعلامية التي قادتــه إلى مشاهدة المسـرحية، والمســرحيات أو المواضيع المسرحية التي يرغب في مشاهدتها لاحقًا...
تكريم وأوسمة
تقديرًا لعطائهما المسرحي، تمّ تكريم أنطوان ولطيفة ملتقى من قبل عدة جمعيات وحركات:
- «جمعية الإعمار والتنمية» في وادي شحرور، حيث قلّدهما وزير الثقافة محمد يوسف بيضون، باسم رئيس الجمهورية، وسامي الأرز برتبة فارس(1999).
- «رابطة أساتذة الجامعة اللبنانية» (2000).
- «جمعية لا جوكوند» في زوق مكايل (2001).
- «الحركة الثقافية-أنطلياس»: «تكريم أعلام الثقافة في لبنان» (2002).
- بلدية ساقية المسك- بحرصاف، ودير مار يوسف (2003).
- تلفزيون الـNBN (2004).
- معهد الفنون الجميلة – الجامعة اللبنانية (2004).
- كرّم أنطوان ملتقى في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح باعتباره رائدًا لحركة المسرح التجريبي (2006).
- Murex d’Or (2006).
- الهيئة العربية للمسرح (2011).
- جامعة الـ NDU (2012).