- En
- Fr
- عربي
مؤتمر
الجيش: يجب لحظ مساحة لعقل المتلقّي
برعاية وزير الإعلام ملحم رياشي، عقدت الوكالة الوطنية للإعلام مؤتمرًا دوليًا بعنوان «الإعلام ناشر الحضارات وهمزة وصل للحوار» في فندق هيلتون - الحبتور في سن الفيل. حضر المؤتمر العميد مارون مهنّا ممثلاً قائد الجيش العماد جوزاف عون، ممثلة الأمين العام للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ، وعدد كبير من الشخصيات السياسية العربية والمحلية وممثلون عن وكالات أنباء عالمية وعربية...
صناعة الرأي العام
ناقش المؤتمرون على مدى يومين مواضيع تتعلّق بـدور الإعلام في تعزيز الحوار بين الحضارات، والأديان، وصناعة الرأي العام ومواجهة الإرهاب، وتعزيز التواصل الاقتصادي، كما تطرّقوا إلى الإعلام ما بين السبق الصحفي وآداب المهنة، وإلى مستقبل الخريجين من كليات الإعلام في ظل الأزمة الاقتصادية...
وقد شارك في المؤتمر مدير التوجيه في الجيش العميد علي قانصو، الذي كانت له مداخلة في الجلسة الثالثة بعنوان: «دور وسائل الاعلام في صناعة الرأي العام ومواجهة الارهاب».
وألقى العميد قانصو مداخلة عن «دور وسائل الإعلام في صناعة الرأي العام ومواجهة الإرهاب»، فقال: «أن نتناول دور وسائل الإعلام في صناعة الرأي العام، موضوع ليس بالجديد، لا على الممسكين بتلك الوسائل، ولا على المرسل ولا على المتلقي. وقد تم استهلاكه في النقاشات منذ وجدت تلك الوسائل سواء في دراسته أو في مساراته وفي نتائجه، إنما النقاش يصبح مواكبا حين نتناوله منذ سيادة ثورة المعلومات ووسائل الاتصال ومفاعيله على مفاصل مؤثرة في حركة الدول والشعوب، ما يستوقف أي متابع عند التأثيرات التي تحدثها تلك الثورة في اتجاهات الرأي العام».
وممّا قاله العميد قانصو في مداخلته: واضح أن الإعلام المعاصر لم يعد مجرد وسيلة لإيصال المعلومة ونقل الأخبار والأحداث للناس... فهو تحوّل إلى أداة يتفاعل معها المتلقي ويتأثر بها فكريًا وسلوكيًا، كما أنها تشارك في «صناعة الرأي العام»، وتمارس دورًا في صنع القرارات السياسة التي تخلق الواقع...
ورأى أن «الإعلام صناعة تكتسب بعدًا يتخطى في فعاليته المرتبة التي أُعطيت له كسلطة رابعة، فقد قفز إلى صفوف أمامية كـ«كارتيل» يخضع أحيانًا السلطات السياسية إلى مسارات يريدها، نتيجة الضخ الإعلامي والضغوطات الهائلة»...
وأضاف: في عزّ سيادة العولمة وثورة تكنولوجيا المعلومات، كثُرت النظريات المتخوّفة على ثقافات الدول الفقيرة أو النامية أو التي في طور النمو، من أن تطمسها ثقافة الدول الكبرى الغربية بمجملها، وتقضي على خصوصياتها، لجهة ما يرد إلى الأولى من علوم ونظريات وتحليلات وأدبيات وسلوكيات من شأنها أن تبدل مفاهيم المجتمع بصورة جذرية... لكن ما حصل هو أنّ جماعات تعتنق إيديولوجيات متشددة تنحو نحو التطرف والأصولية، ولا سيّما الدينية منها، تلقّفت هذه التكنولوجيا واستخدمتها لنشر أفكارها وبث معتقداتها... وبالتحديد، الدينية الخارجة عن الرسالات السمحاء في المعاني الحقيقية للدين، والمشدودة إلى جذور عنفية، إذ تحوّلت فصائل من جماعاتها نحو العمل الإرهابي، جراء أكثر من عامل مرتبط بأحداث على صلة بالواقع الجيوسياسي والسيكولوجيا الناشئة، ليصبح الإرهاب ظاهرة يعجز العالم عن السيطرة عليها إلا بأكلاف عالية جدًا.
وأضاف العميد قانصو: لن نقلّل في هذا من شأن الإعلام ووسائله، لكن السؤال يبقى ضروريًا: هل تراجع دوره أمام ثورة التكنولوجيا واستخدامات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي؟ يقودنا السؤال إلى مصدر الأخبار والتحليلات وسواها. لقد اعتاد العالم أن يكون الصحفي هو المصدر الأول للمعلومة... كانت الوسائل الإعلامية على أنواعها...هي الجهة الناقلة أو بالتعبر الإعلامي هي الجهة المرسلة، والرأي العام (المحلي أو العالمي) هو المتلقي، يميّز بين الأخبار ويتفاعل معها وفق اهتماماته. وكان التحليل أو الرأي الذي ينشر ويبث، قادرًا بمضمونه على خلق رأي عام. لذلك، لم تكن كبريات الوسائل الإعلامية تعهد بهذه الأدوار إلّا إلى أقلام موثوقة ومشبّعة بالمعرفة والاطلاع الواسعين، وبالقدرة على إظهار مكامن الانعكاسات الناتجة من أي حدث. وهذا ما يجعلها تتبنى ما تخطه أقلام كتابها، وتتحمل مسؤوليته. أمّا اليوم ومع ثورة التواصل بأدواته المختلفة، فأين نحن من المصدر؟
مواجهة الإرهاب
...لقد بات الصحفي والوسيلة يعتمدان في كثير من الأحداث على ما يتم تناقله عبر وسائل التواصل الموجودة بين أيدي الناس، في كل مكان وفي كل زاوية من زوايا الأرض، بواسطة النقل اللحظوي للمعلومة أو للصوت أو للصورة... وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي الأسرع من لمح البصر، من مصادر المعلومات. لكن من يعطي لتلك المعلومات المصداقية؟ إنها مهمة تقع على عاتق الوسيلة الإعلامية من خلال البحث والتحري وتقاطع المعلومات والمعطيات. أما التحدّي الأقوى، فمن يمنع تأثيرات أي من الأخبار التي تنشرها أو تبثها أو تتداولها هذه الوسائل الذكية في جانبها السلبي أو العنفي، إذا ما كانت لها ارتدادات وتداعيات خطيرة؟ وفي زمن النقل المباشر والمشاهدات المباشرة، يقودنا هذا الواقع إلى صلب موضوعنا، دور وسائل الإعلام في مواجهة الإرهاب.
وتابع قائلًا: إن الإرهاب التكفيري يشكّل خطرًا داهمًا يهدّد حضارات الشعوب، ويتربّص بأمنها واستقرارها، ويدّق إسفينا بين مكوناتها الطائفية والاجتماعية، ولا تبدو أي دولة أو ساحة بمنأى عن مخاطره. ومفهوم الحرب على الإرهاب لا يقتصر على مفهوم القتال الكلاسيكي... فالتكنولوجيا الرقمية، أداة أخرى من أدوات الحرب، وهي باتت تشكل مجال قتال جديد، يضاف إلى المجالات البحرية والجوية والبرية والفضائية، لتصبح شبكة الإنترنت بمنزلة ساحة معركة حقيقية، يتم استخدامها من قبل الجميع.
وأضاف: لقد اكتسب الإرهاب حاليًا، عناصر قوة إضافية وفّرتها له تقنيات العولمة، ومكّنته من التحوّل إلى ظاهرة كونية، وهذا الأمر دفع الحكومات إلى اتباع طرق وأساليب أكثر تطوّرًا لفهم الأبعاد المختلفة لهذه الظاهرة، التي تهدّد الأمن القومي والسيادة الوطنية للدول.
وشدّد على أن مواجهة الإرهاب هي شأن عام وهمّ مشترك ورئيس بين مكوّنات الأوطان والمجتمعات، من نظم سياسية وقدرات عسكرية وأمنية وإعلامية واقتصادية واجتماعية وتربوية وثقافية وقيم دينية وغيرها...
وفي مواجهة الإرهاب، مطلوب من وسائل الإعلام المزيد من الجهد، عبر خلق مناخات تحصن الرأي العام من محاولات ترهيبه، وتجعله قادرًا وواثقًا في مواجهة هذا الخطر، بدل الانزلاق إلى لعبة الترويج غير المقصود للمنتجات الإعلامية التي تصدرها التنظيمات الإرهابية، مع ما تحمله من صور مروّعة ومفجعة ومقززة عن جرائمها... بغية زرع الرعب ونشر الخوف...
وقال: لا شك في أن واقع استخدام الإرهاب وسائل الإعلام المختلفة، خصوصًا شبكة الإنترنت، قد فرض تغيير طرق التفكير والوسائل والأساليب المتبعة في خطة المواجهة الرقمية ضد التنظيمات الإرهابية. فعمل الأجهزة الأمنية الحكومية، محليًا وإقليميًا ودوليًا، يركّز على مراقبة القدرات الإلكترونية والرقمية للإرهاب، وعلى مواجهته عبر حملات وعمليات نفسية مضادة، ومن خلال إجراءات وتقنيات رقمية. وذلك بهدف منع إعلامه من الوصول إلى المجتمعات والأفراد والتأثير فيهم من جهة، ولتحصين عقول المواطنين وتوعيتهم وإعدادهم لمواجهة دائمة وحتمية ضد هذا الخطر من جهة أخرى.
عدم الترويج لأعداء الوطن
في ما يتعلّق بمواجهة الإرهاب في لبنان، دعا العميد قانصو إلى التزام قانوني الإعلام المرئي والمسموع والمطبوعات، وسائر القوانين المرعية الإجراء، خصوصًا لجهة مراعاة المصلحة الوطنية، وعدم الترويج لأعداء الوطن، عن قصد أو غير قصد، وعدم عرض أي مشاهد أو تقديم أي معلومات من شأنها التأثير في مهمات الجيش، لا سيما خلال العمليات القتالية. وحثّ وسائل الإعلام على توخي الدقة في بث أو نشر أي معلومات ترتبط بالجيش أو بالحالة الأمنية العامة، وعلى العودة إلى قيادة الجيش للتثبت من حقيقة هذه المعلومات. كما لفت إلى ضرورة مواكبة وسائل الإعلام لمعارك الجيش ضد الإرهاب بصورة إيجابية، وعدم بثّ مشاهد أو نشر صور لجرائم الإرهابيين وفظاعاتهم، وإعداد برامج تكشف حقيقة التنظيمات الإرهابية وتسهم في توعية المواطنين وحثّهم على عدم الإصغاء إلى الشائعات المغرضة والملفقة التي تهدف إلى النيل من معنويات الجيش وإرباك الحالة الوطنية، وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية في البلاد...
ورأى العميد قانصو أن أصحاب الرأي المنادي بالموضوعية قد يعتبرون، أنّ نقل الصورة من على ضفتي المعركة (المجتمعات والدول المقاومة للإرهاب، والإرهاب نفسه)، هو من صلب العمل الإعلامي الاحترافي. وهذا يصحّ لو أن الخطر غير متأت عن أعمال إرهابية تسعى إلى تدمير الإنسان والمجتمعات والحضارات والرسالات. فالخطر لن يستثني أحدًا، وأبرز تجلياته تدمير ما بنته البشرية من حضارات على مرّ العصور وما حملته الديانات السماوية، وجرّ الخليقة إلى أزمان التخلف الخارج من التاريخ. وفي هذه الحالة تصبح الموضوعية أقرب إلى الترويج للجريمة....ولقد وعت الجماعات والتنظيمات الإرهابية أهمية الجانب الإعلامي في معركتها منذ البداية، فاتقنت استخدام وسائله، مستعينة بالمقتدرين على رسم الصورة التي تخدم أهدافها... ونجحت في نشر أفكارها وفي خلق بيئات مؤيدة لها في أماكن بعيدة عن نقاط منشئها، وفي إيقاظ مناخات شجعت أفرادًا من بلدان ومجتمعات بعيدة على الالتحاق بها. كما نجحت في إقامة التواصل بين مجموعاتها أينما وجدت. من هنا، فإن المسؤولية الإنسانية والوطنية لدى وسائل الإعلام الراغبة في نقل الحقائق، يجب أن تتقدم بشكل فاعل من خلال الطرق الفضلى في التعاطي مع الوقائع، وبالشكل الذي يطوّع الإنتاجات والمواد الإعلامية للإرهابيين، بما يخدم المعركة في مواجهتهم، لا بتشريع طريق الخوف أمام جحافلهم الإجرامية. وينبغي ذلك بموازاة رفع مستوى المواد الإعلامية التي تعزز صمود المجموعات المهدّدَة، وتقوّي في نفوسها القدرة على المواجهة والانتصار. ولفت إلى أنه قد تكون إمكانات العديد من الوسائل الإعلامية المادية متواضعة إلى الحدّ الذي لا يساعدها على الاضطلاع بهذا الدور منفردة، وهذا في الغالب هو الواقع الذي نعيشه. لذلك، بات على القيمين على قيادة المواجهة ضد الإرهاب، اعتبار الجانب الإعلامي بأدواته المختلفة جزءًا لا يتجزّأ من المعركة، وبالتالي رصد ما يستلزم من إمكانات لمساعدة وسائل الإعلام على تخطي أزماتها، لتستطيع القيام بدورها في إطار المعركة العالمية المفتوحة ضد الإرهاب، وذلك باعتبارها جزءًا من السيادة الوطنية والقومية، لا بوقًا يتمّ تطويعه للتطبيل والتزمير... وأيًا تكن الطريقة التي سيتم اعتمادها في المسارات الإعلامية لمواجهة الإرهاب، سواء في الدول التي تتبع الإعلام الحرّ، أو تلك التي تتبع الإعلام الموجه، يفترض لحظ مساحة لعقل المتابع (المتلقي) في المواد التي تقدم له، خصوصًا وأن التلقين لم يعد قادرًا على تطويع الناس، والثورة العلمية والمعلوماتية والتكنولوجية تخطّت المفاهيم البائدة. ودرجة الوعي والمعرفة أوسع بالتأكيد مما تقدمه بعض البرامج الإعلامية، نظرًا إلى إمكان الوصول بسهولة وسرعة إلى أي معلومة أو حدث أو تحليل أو ابتكار. وبالتالي، باتت صناعه الرأي العام بأدوات خارجة عن مفاهيم الحداثة أمرًا متعذّرًا...
وشدّد العميد قانصو أخيرًا على أنه لتعزيز الثقافة والانتماء الدور الأعمق والأبرز في مواجهة الإرهاب، وهو دور لا يمكن لوسائل الإعلام أن تستقيل منه.