- En
- Fr
- عربي
مواسم وخيرات
ضمانة للأجيال القادمة
ماذا يحصل إذا أدّت حرب أو كارثة ما إلى القضاء على النبات في منطقة، أو مناطق واسعة على كوكب الأرض؟ هذا السؤال دفع بالعلماء إلى إنشاء بنوك للبذور تحفظ فيها عيّنات تستخدم عند الحاجة.
أشهر هذه البنوك «خزانة البذور العالمية» في النروج حيث تحفظ جميع دول العالم بذور نباتاتها، ويمكنها استرجاعها وقت الحاجة، أو لإجراء أبحاث جديدة عليها.
أمّا في لبنان، فثمة بنك للبذور في تل عمارة البقاعية، وهو فريد من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، ويضم أكثر من 1300 صنف من بذور مختلف أنواع النباتات.
لماذا بنوك البذور؟
إذا شئـت أن تحفــظ ممتلكاتــك الثمينــة في مكان آمن، فالبنك هو الخيار الذي ستلجأ إليه. وقد لا تكون البذور من بين الاشياء التي يعتبرها الأفراد ثمينة، لكنها ستكون بالتأكيد ثمينة عند وقوع الكوارث والحروب والمجاعات، أو عند تعرّض أنواع معينة للانقراض بسبب التغير المناخي ومن هنا جاءت فكرة حفظ البذور في بنوك خاصة آمنة حول العالم.
تحفظ البذور بعد معالجتها لتدوم فترة أطول بكثير من مدى حياتها الطبيعي، ويتمّ ذلك بعد تجفيفها ضمن ظروف مناسبة، ثمّ توضع في ثلاجات (على درجة حرارة تقارب العشرين تحت الصفر).
يقع أكبر بنوك البذور في العالم في النروج وهو معروف بـ«قبو سفالباراد»، وتستطيع الدول أن تحفظ بذور نباتاتها في داخله وأن تسترجعها وقت الحاجة.
من الأمثال القريبة على أهمية بنوك البذور في العالم، ما حصل في سوريا. فقد أدّت الحرب إلى تدمير «بنك الجينات» قرب مدينة حلب، مما اضطر الباحثين إلى طلب سحب عينات من القمح والشعير والمحاصيل الأخرى، من «خزانة البذور العالمية» (قبو سفالبارد). وقد تمّ بالفعل سحب هذه العينات إلى قبو في بلدة تربل البقاعية لبنان، حيث خزّنت على حرارة 20 تحت الصفر، وذلك تجنبًا لوقوع كارثة غذائية في سوريا.
تاريخ تأسيس بنوك البذور
بدأ علماء الحدائق النباتية الملكية في كيو – لندن في العام 1974 يدرسون كيفية حفظ بذور النباتات البرية في فرعهم في وايكهيرست بلايس، وقد خزنوا 4 آلاف نوع من مختلف أنحاء العالم، لكنهم أدركوا أنهم بحاجة إلى مؤسسة أكبر بكثير، لذلك شرعوا في العام 1998 ببناء بنك أكبر للبذور على أراضي وايكهيرست بلايس. في العام 2000 حدد البنك هدفه الرئيسي وهو جمع وتخزين واحد من كل 10 أنواع، من أصل 24 ألف نوع من النبات الحامل للبذور في العالم، وخصوصًا في البلدان الحارة. وقد بدأت حملات جمع البذور في بداية العام 1997، وبحلول شباط 2001، كان كيو قد جمع 300 مليون بذرة من 122 بلدًا، والعمل مستمر لجمع بذور نحو 19 ألف نوع.
قبو سفالبارد
يعتبر هذا القبو بنكًا آمنًا للبذور، ويقع في جزيرة سبيتسبيرغن النروجية، على بعد 1300 كيلومتر من القطب الشمالي. يمثّل هذا القبو الاحتياطي اللازم لشبكة بنوك البذور حول العالم في حال كانت مهدّدة بنشوب الحروب أو وقوع الكوارث الطبيعية. افتتح قبو سفالبارد رسميًا في العام 2008، ويعتقد أن فيه نحو 1.5 مليون عيّنة بذور منفصلة من المحاصيل الزراعية. وهو يسمى «قبو يوم القيامة»، ويتميّز بكفاءة عالية وبمواصفات جمالية تجعل منه معلمًا عالميًا. وكانت الحكومة النروجية قد موّلت كليًا بناء هذا القبو الذي كلّف نحو 9 ملايين دولار أميركي، ومهمته إنقاذ البشرية في حال حدوث كوارث وحروب.
بنك البذور اللبناني
في 31 تموز من العام 2013 تمّ افتتاح بنك البذور اللبناني رسميًا، ومقرّه في مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في تل عمارة. جاءت هذه الخطوة نتيجة لورشة العمل التي عقدت بين منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ودولة النروج، ووزارة الزراعة اللبنانية، ومصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في لبنان، وذلك بهدف تأمين بنك جيني قادر على حماية الأنواع المحلية من الانقراض في ظل تحديات التغيّر المناخي.
قدّمت النروج 373 ألف دولار بهدف المساعدة على إنشاء المركز في لبنان. والمشروع الذي ترعاه الفاو، وينفذ بالتعاون بين وزارة الزراعة اللبنانية ومصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في لبنان، سيساهم في تحسين قدرة لبنان على مواجهة التغير المناخي وفي تحقيق مشروع غرس 40 مليون شجرة.
ماذا يحتوي بنك البذور في تل عمارة؟
يحتوي بنك البذور في تل عمارة على نحو 1380 «لمّة» تمثل 881 نوعًا من الأنواع النباتية البريّة الموجودة في لبنان، وهي مخزّنة وفق مواصفات التخزين العالمية لفترة طويلة، وقد تمّ حفظ مثيل لها في بنوك الحدائق الملكية البريطانية.
تحتوي هذه «اللمّات» على أنواع مختلفة من بذور النباتات البرية الصالحة للأكل، والطبية والعطرية، والأعلاف البرية، والأنواع المستوطنة. بالإضافة إلى ذلك يحفظ عدد كبير من سلالات وأصناف القمح والشعير والعدس والحمص وغيرها، والتي يعاد زرعها لتجديدها مرّة كـل خمـس سنـوات.
ويؤكد المدير العام لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في لبنان الدكتور ميشال فرام لـ«الجيش» أن إنشاء بنك للبذور في لبنان يتيح جمع بذور جميع النباتات البرية فيه، وبينها بذور الأشجار الحرجية، وإعادة زرعها لتوفير أشجار خالية من الأمراض والآفات.
البذور المؤصلة لمن يطلبها
بدورها، تؤكد سفيرة النروج في لبنان لين ليند أنّ الغابات في لبنان تواجه التحديات، وأنّ خطة توفير مخزون الحبوب وإعادة التشجير في المستقبل ستؤدي إلى الحفاظ على الأنواع المحلية، خصوصًا وأنّ مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية تستعمل أساليب متقدمة للحفاظ على نوعية البذور. وتضيف أنّ هذا العمل سيؤمن بذورًا قادرة على التأقلم بشكل أفضل في وجه التغيير المناخي، ما يسمح بالحفاظ على الأنواع (الوسط، 27/10/2016).
كذلك، يلفت مدير التنمية الريفية في وزارة الزراعة اللبنانية شادي مهنا إلى أن برنامج زراعة 40 مليون شجرة الذي انطلق في العام 2012، ما كان من الممكن أن ينجح لولا حجر الأساس الذي وضع عبر إنشاء بنك البذور. فهذه الخطوة تتيح تجميع البذور بشكل علمي عـن طريـق إنتـاج أغـراس معروفـة الأصـول (Green Area، 25/10/2016).
ويؤكد مهنا أنّ وزارة الزراعة ستوفر البذور اللازمة لأيّ جهة، تطلبها وتهتم بزراعة الأغراس، وذلك سواء كانت رسمية أم خاصة. وأوضح أنّ الأشجار التي تنتج في المشاتل الخاصة أو في مشاتل الدولة ستزرع في النهاية على الأراضي اللبنانية، وما يهمّنا هو أن تكون الشتول المزروعة في لبنان موثوقة ومعروفة الأصل. وخلص مهنا إلى القول: في السابق كان لبنان يحصل على شتول من الخارج من دون معلومات عنها، ومعرفة ما إذا كانت مطابقة للمخزون الجيني اللبناني أم لا. وما تقوم به الوزارة حاليًا عبر عملية تحريج علمية واسعة، سيسمح للبنان بالتأقلم بشكل أفضل مع التغير المناخي، فالبنك لا يهدف فقط إلى زرع 40 مليون شجرة خلال السنوات المقبلة، بل إلى بناء مخزون استراتيجي من بذور النباتات والأشجار الحرجية، مع توفير أكبر تنوّع جيني ممكن لها.