- En
- Fr
- عربي
عبارة
قبل أن تشرق الشمس من خلف الجبال، وتلقي ابتسامتها العريضة فوق مساحة السهل الفسيح, كان أمر عمليات القيادة يعلن موعد اللقاء مع «فجر الجرود»، فانطلق الجنود صاعدين مسرعين، بخفّة الانحدار والنزول، رافعين سلاحًا يشقّ الغبار، ويُبقي على الرؤية واضحة جليّة، في الليل كما في النهار، فالرسالة واضحة والعقيدة ثابتة راسخة في الوحدات.
لم يبدأ الهجوم من الصّفر، ولم يأت بعد استراحة مفتوحة ولا بعد انتظار مملّ، بل بدأ وأتى وأطلّ، بعد تحضير متواصل، واستعدادٍ ضامن، وعِلم وافر، وقصفٍ ثقيل بالغ الوزن والتأثير فوق رؤوس الإرهابيين، الذين تراءى لهم في ساعات عنجهيتهم الجوفاء، أنَّ لبنان ما هو إلّا مجموعة أشطار مهيأة للتجاوز والاجتياح.
شكّل الجيش في البداية السدّ المنيع أمام توسّع الإرهابيين نحو الداخل. حاصرهم وحصرهم، وواصل دكّ مواقعهم، ومراقبة تحرّكاتهم، ودراسة ما يمكن أن يخطّطوا له في ظلام مخابئهم، إلى أن قرّر في الوقت المناسب، أن يواجههم ويخوض حربه المباشرة ضدّهم، ويكسر شوكتهم، ويطردهم من البقعة الحدودية التي عاثوا فيها الفساد وإثم الاحتلال. تحرير الأرض هو في أعلى العناوين، ومعرفة مصير رفاق السلاح المختطفين هو في أولى الأولويّات. يكتب الجنود أسماء رفاقهم على صفحات القذائف الكبيرة، ويطلقونها نحو الأهداف. «لن ننساهم أبدًا»، يقولونها للشهداء ويقولونها للمختطفين.
انتهت المعركة في أيام معدودات بالانتصار الساحق على الإرهاب، وهو انتصار لكلّ اللبنانيين على اختلاف مكوّناتهم وأطيافهم، بعد أن سبقوا الجيش إلى الميدان بقلوبهم المفعمة بمشاعر الالتفاف والدعم والتأييد، والدعاء له بالنصر الأكيد.
سيبقى هذا الإنجاز التاريخي الذي حقّقه الجيش بسرعة قياسيّة وبأقلّ الخسائر، علامةً فارقة في تاريخه، وسيشكّل من دون أدنى شكّ نموذجًا تستلهم منه جيوش العالم دروسًا في الكفاءة العسكرية وإرادة القتال.
هذا كلّه جرى من دون إهمال ولا تفريط بما نشأت عليه وحداتنا من التزام مبادىء القانون الدولي الإنساني، حتى وإن أدّى ذلك إلى إلحاق الأذى بسلامة العسكريين، وهذه تضحية لا يتحلّى بها إلّا أصحاب الشهامة والشّرف.