- En
- Fr
- عربي
قضايا إقليمية
تحوّلت وزارة الدفاع عن الجبهة الداخلية، التي تأسست في كيان العدو في العام 2011 وتولاها الوزير غلعاد أردان، إلى محور صراع دار لسنوات بين الوزير أردان نفسه ووزير الأمن الأسبق الجنرال موشيه يعلون.
الكارثة القادمة لن تنتظرنا
وصل التنافس وصراع الصلاحيات بين الوزيرين إلى حد طلب أردان من رئيس الحكومة نتنياهو التنحي عن منصبه وإغلاق الوزارة بصورة نهائية. وممّا قاله أردان لرئيس الحكومة في رسالته إنّه «بدافع القلق على المصلحة العامة وأمن الجبهة الداخلية قرّرت القيام بالعمل الصحيح في هذا الوضع. الجبهة الداخلية تحتاج إلى مسؤول واحد، واضح ومركزي، يملك جميع الصلاحيات اللازمة، ولكن تقسيم الصلاحيات لا يسمح بإعداد الجبهة الداخلية بالطريقة الأكثر مهنيّة. كان يمكنني الاستمرار في منصب وزير الدفاع عن الجبهة الداخلية ولكن هذه ليست طريقتي عمومًا»، وأضاف مشيرًا إلى صراعه مع يعلون: «إنّ وضع الجبهة الداخلية يهمني أكثر من لَي الأذرع ومن الاحتفاظ بدائرة حكومية أخرى». وحذّر قائـلًا: «أجد صعوبة كبيرة في تحديد سياسة لتجهيز الجبهة الداخلية لحالات الطوارئ، في حين أن الهيئة التنفيذية الرئيسة في الجبهة، قيادة الجبهة الداخلية، والتي استثمرت فيها موارد الدولة، لا تخضع بحكم القانون لتنفيذ هذه السياسة». وأخيرًا انتقد عدم وجود تعاون مع وزارة الأمن قائلًا: «الكارثة القادمة لن تنتظرنا!».
الكابوس المرعب
على ضوء ما تقدّم يتّضح أنّ الجبهة الداخلية الإسرائيلية باتت تشكّل كابوسًا أمنيًا مرعبًا بالنسبة للقادة الإسرائيليين الذين يتخبّطون ويحتارون في اختيار الكيفية الأفضل للدفاع عنها بوجه المخاطر المتطورة والمتنوعة. وفي هذا السياق، على سبيل المثال، تمّ إقرار قانون يلزم كل مستوطن ببناء غرفة محصّنة داخل كل شقة في أي بناء جديد، كتدبير ملزم لتحسين أوضاع الحماية. وفي العام 2007، بعد ما سمّي «حرب لبنان الثانية»، ازدادت مساحة الغرفة المحصّنة من خمسة أمتار إلى تسعة، بضغط من جمعية الصناعيين، إذ أنّه من المحتمل أن يمكث فيها المستوطن وقتًا طويلاً. وجدير بالذكر أن معظم السكان الإسرائيليين الذين لا يملكون مكانًا محصنًا يأوون إليه، هم من الفقراء، والأبنية التي يسكنون فيها لا تصمد أمام الهزات الأرضية أو عند إصابتها بصواريخ وقذائف صاروخية. وفي هذا المجال اقترحت شركة كبيرة في الاقتصاد الإسرائيلي بناء غرفة محصنة بكلفة 200 ألف شيكل، لكن الجمهور الذي يعاني نقصًا في الغرف المحصنة يجد بمعظمه صعوبة في تمويل نفقات كهذه. وقد وجّه مراقب الدولة يوسف شابيرا، انتقادات لاذعة للمجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) حول سبل تحذير السكان المدنيين وحمايتهم، وقال: «لا توجد في إسرائيل جهة تركّز المعلومات حول أهلية الوسائل الدفاعية المتوافرة لمواجهة مجمل التهديدات على الجبهة الداخلية المدنية». في السياق نفسه أيضًا، وفي مقابلة مع موقع «واللا» الإسرائيلي، قال رئيس أركان الجبهة الداخلية العقيد يورام لاردو «إنّ الجبهة الداخلية ستواجه أوضاعًا صعبة، ولربّما يعتقد الجمهور أنّ الحرب المقبلة ستكون حرب ألعاب نارية، تطلق خلالها الصواريخ، ويتمّ اعتراضها في السماء، وتستمر الحياة العامة بشكل طبيعي تقريبًا من دون إزعاج وتحديدًا في منطقة الوسط، لكن أنا شخصيًا أفهم التهديد بشكل مغاير: القصف سيكون أكثر دقة وأكثر شدّة وأكثر قوة، وهذا لن ينعكس فقط في حجم الذخائر وإنّما أيضًا في نوعيتها، أي وزنها ومدى دقتها».
واعتبر العميد احتياط مئير إيلران، من معهد دراسات الأمن القومي، أنّ الرد الإسرائيلي على التهديد الصاروخي، ما زال بعيدًا عن التقدّم الذي أحرزته منظّمات المقاومة في لبنان وفلسطين في هذا المجال، وتوقّع أنّه في أي حرب مقبلة قد تستغرق شهرًا، يمكن إطلاق نحو 1500 صاروخٍ قصير ومتوسط المدى في كل يوم. وأكّد على هذا الصعيد أنّ «إسرائيل لم تتمكن من إغلاق الفجوات بين قدرات إطلاق الصواريخ، وقدرات التصدّي لها».
القبة الحديدية لن تنجح
يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك لدى المستوى السياسي وداخل المؤسسة الأمنية، حيث يخشى المسؤولون منذ الآن، إمكان عدم نجاح بطاريات «القبة الحديدية» بالدفاع في المرحلة الأولـى عـن السكـان، خصوصًـا أنّـه مـع أوضـاع الجبهـة الداخليّـة الحاليـة نجـد أنّ ثلـث سكـان إسرائيـل لا يملكـون ملاجـئ، وهنـاك ثلـثٌ آخـرٌ يوجـد بالقـرب مـن منطقـة سكنهـم ملجـأ خـاص بالمبنـى أو ملجـأ عـام في المنطقـة، وقـد بـدأت إدارة الجبهـة الداخليـة حملـة توعيـة هدفهـا التركيـز علـى أهميـة تحديـد المكـان الآمـن والصحيـح في الوقـت الدقيـق والمناسـب. ومـن جانبهـا، نقلـت صحيفـة «يديعـوت أحرنـوت» عـن المستوطنين في شمـال إسرائيـل قولهـم: «إنّ الملاجـئ غير جاهزة وخزان الأمونيا ما زال باقيًا في حيفـا، والسيـاج الفاصـل مـع لبنـان فيـه ثغـرات عديـدة، وشبكـات الكهربـاء والماء معرّضة للانهيار».
إسرائيل تدرك أنّ حروبها لم تعد نزهة
في الخلاصة، لم تعد إسرائيل ترتكب المجازر وتشنّ الحروب في أرض الآخرين على هواها كما كانت تفعل في السابق، بل هي تدرك الآن أن حروبها لم تعد نزهة، وأن جيشها يلاقي مقاومة صلبة قادرة على إفشاله، وتدرك أيضًا أنّ نظريتها الأمنية التقليدية القائمة على الاستباقية ونقل المعركة إلى أرض الخصم لم تعد صالحة للتطبيق. ولهذا يتحدّث الجنرال آيزنبرغ، الذي كان قائدًا للواء غزة خلال عملية «الرصاص المصبوب» في 2008-2009 وشعبة المظليين رقم 98 خلال حرب لبنان الثانية، فيقول: «لا يمكنك التصرف كنعامة، تدفن رأسك في الرمل ثم تقول إن شيئًا قط لم يتغير». وتابع، «نعم لقد تغيّر شيء. عنصرٌ أساسيٌ جدًا في تقييمك للوضع تغير. وعليك استيعابه». وشبّه إسرائيل بديناصور مرشّح للانقراض قائلًا: «طوال تاريخ البشرية كلّه نتج عن التغييرات الهائلة انقراض للمخلوقات الأكبر والأقوى ظاهريًا، بينما نجحت أنواع أصغر حجمًا وأكثر قدرةً على التكيّف بالبقاء». وشدّد آيزنبرغ على القول:» نحن بحاجة إلى أن نكون صغارًا وسريعين وليس كبارًا وثقيلين. نحن قوة إقليمية ونعمل كالديناصورات في الزمن الغابر، وسننقرض إذا استمرّينا على هذا المعدّل».