- En
- Fr
- عربي
ملف الحرب على العراق
انطلاقة تضليلية
منذ اللحظة الأولى لانطلاق الحرب, تمكّن العراقيون من تضليل المخابرات الأميركية وسرّبوا معلومة مغلوطة عن اجتماع لصدام حسين وأركان قيادته ونجليه في أحد القصور, في الوقت الذي كان فيه العالم يحبس أنفاسه بانتظار ما سيفعله الأميركيون.
وعند وصول هذه المعلومة الى القيادة السياسية والمخابراتية, أعطت الضوء الأخضر لقصف المقر المفترض أن الإجتماع حاصل فيه, فكانت المفاجأة المذهلة بأن الرأس لم يقطع, متزامناً مع توقعات أميركية بأن صدام حسين أصيب وأن بعض أركانه قتل.. فتوالت المفاجآت بظهور كل من قيل أنه انتقل الى العالم الآخر, على شاشات التلفزة الواحد تلو الآخر, وأولهم صدام حسين, ما أوقع الأميركيين وحلفاءهم البريطانيين في خطأ الضربة الأولى بينما كانت قواتهم تندفع نحو جنوب العراق من الكويت, ليفاجأوا ثانية بالمقاومة الشرسة في كل دسكرة أو قرية, ابتداءً من أم قصر حتى أكبر مدينة وهي البصرة, مروراً بالناصرية التي قاتلت طوال أيام بلا كلل وبعدها النجف وكربلاء.
ويعتقد خبراء عسكريــون أن قـوى الحرب في واشنطــن ولنـدن أوقعوا أنفسهم في فخ الأوهام, وبنــوا خطتهم العسكريــة على أمنيــات عززتها لديهم قوى المعارضة العراقية بأن سكان المدن العراقية سيرحبـون بهم, ما يؤدي الى تفكك في القوى العسكرية المقاتلة الأساسية منها والثانوية.
وقال أحد المخططين العسكريين للحرب أن رامسفيلد, وقبل تنفيذ الخطة التي اطلع عليها 6 مرات, كان يتدخل في التفاصيل اللوجستية اليومية وهو المجال المفترض أنه من مهام المخططين العسكريين حصراً, وكان بالتالي صاحب القرار النهائي في أي تفصيل.
استياء وتململ
يؤكد المخطــط العسكري الأميركي أن رامسفيلد ونائبيه دوغلاس فيت وبول ولفوفيتـز, كانوا يشــددون على ضرورة استخدام القصف بالقنابــل عاليــة الدقــة والذكية, مع التأكيد على ضرورة تخفيــض عديـد القوات البرية التي ستشارك في الهجوم قبل نهاية الحشد الرئيسي, أي بالاعتماد على دفق القوات البرية وبالتتالي الى أرض المعارك, بهدف إثبات وجهة نظر رامسفيـلد أن العراقيين “سيتفتتون” مثل “البسكويت”. وهذا الأمر فرض واقعاً على الأرض عكسه استياء الضباط على الأرض, رغم المكابرة بأن الخطة الأساسية تنفـذ علي خير ما يرام, واتهموا رامسفيلد بترك وحدات أساسيـة في الولايات المتحدة وألمانيا, ما جعـل القوى في أرض المعركة تنتـظـر قوى داعمة لن تصل قبــل 4 أسابيع, آخذين على وزير الدفاع تلاعبـه في إعطـاء الأولويـة لارسـال القـوات التي ستشترك في المعارك بشكل تسلسلي لتمريـر اسبقيتــه الخاصة.
ويضاف الى ذلك تحميل وزير الدفاع مسؤولية فقدان عنصر المباغتة الإستراتيجية, رغم عـدم إعـلان ذلك مجاهرة كي لا يؤثر على معنويات الجنود في أرض المعركـة.
العراقيون استقبلوا الغزاة بالرصاص بدل البارود ويافطات الترحيب
تتالي المفاجآت
هناك مفاجأة أخرى أوقع العراقيون الجيوش الزاحفة بها, بأن أوهموا استراتيجيي الولايات المتحدة بأنهم لن يقاتلوا إلا في بغداد, وكانوا أن جعلوا من كل بلدة ومدينة حصناً ولجأوا الى تشكيلات عسكرية صغيرة على طريقة حرب العصابات, ما جعل مؤخرة الجيش الغازي مكشوفة أمام هجمات الفدائيين وأبناء العشائر الذين تحركهم الحمية الوطنية, مدعومين بوحدات نظامية مسيطر عليها من بغداد عبر مراكز أساسية في المدن.
وبالرغم من نفي الأميركيين والبريطانيين لتأثير هذه الضربات بشكل أساسي على قواتهم, فإنها فعلت فعلها أكثر من تنفيذ أول عملية “استشهادية” انتحارية بمجموعة جنود اعترفت القيادة العسكرية الأميركية بمقتل 5 منهم, ما شلّ نسبياً حركة التقدم, والإعلان مباشرة بعدها عن وقف التقدم نحو بغداد بانتظار وصول قوى أخرى, لأن خطوط الإمداد أصبحت في خطر مستمر. هذا الأمر زاد الطين بلة في إجهاض نظرية “الصدمة والرعب” التي راهن البيت الأبيض عليها, من خلال الإستسلام النفسي والتشجيع على التمرد على القيادات الأمنية والسياسية والعسكرية وصولاً الى إحداث أعمال شغب, بمعنى انتفاضة تكسر صمود الجنود الموالين للنظام بصورة حادة تسهّل دخول الجيوش الآتية من خلف البحار الى بغداد.
الأتراك يربكون الخطة الأميركية
كل هذه الأمور, يضاف إليها التعثر الكبير على الجبهة الشمالية بسبب الموقف التركي الرافض إعطاء طريق بري بالمجان للحشود قبل التفاهم على مسألة الأكراد, أدى الى إرباك الخطة الأميركية من أساسها, وأظهر تفوقاً ميدانياً عراقياً قوامه تضليل الصواريخ والقنابل الذكية بوسائل بدائية عن طريق إشعال النفط في خنادق على حدود بغداد بشكل رئيسي وبعض المدن الأخرى, مع جر القوات البرية وحصرها في الصحارى.
وتمكنت القيادة السياسية والعسكرية العراقية من توحيد صفوف الشعب المكون في غالبيته من العشائر تحت شعار مقاتلة “الغزاة المحتلين”, وإقناعهم بحتمية النصر استناداً الى التجربة اللبنانية في دحر الإحتلال الإسرائيلي, رغم الفارق الشاسع في التسلح وعديد القوى.
وكانت البداية في كسر الحاجز النفسي في أم قصر, وهي التي فضحت زيف الإدعاءات عن انتصارات أميركية بريطانية في القتال, والإعلام والسياسة.
ولعل ما سبق الحرب عبر التعاطي الإيجابي الذي مارسه العـراق مع المفتشـين الدوليـين, كان حافزاً مهماً للشعب العراقي بأن الأميركيين يريـدون احتلال بلادهم بهدف السيطـرة على ثرواته وأولهـا النفـط, الأمر الذي جعلهم يتسلحون بوطنيتهم, خصوصاً أن غالبية دول العالم لـم تقتنــع بدعوى بوش حول أسلحة الدمار الشامل, ووصفتهــا بأنها نكتة سوداء لتبريــر حرب ظالمة تفــوح منهــا رائحة البترول, وهو الأمر الذي اكتشفه لبنــان وسوريا في البدايــة, ومن ثم فرنسا وروسيا وألمانيا والصين ودول أخرى. هذه المواقف, ضرب بها الرئيـس الأميركي وإدارته عرض الحائط فضـلاً عن تجاهل الرأي العام الدولي والأميركي الذي تم التعبـير عنــه في مظاهــرات اجتاحـت دول العالم رافضة الحرب, ورفض مهلة أخرى للمفتشين الدوليين أرادت الأمم المتحدة إعطاءها لهم, وذهب الى الحرب آخذاً معه بريطانيا وتأييد اسبانيا وأوستراليا.
هذا الأمــر أكده كبيـر المفتشين هانز بليكس الذي أعلن في اليوم التاسع من الحرب, أن عمل الخبراء الدوليين كان “يزعج” الولايات المتحـدة التي كانت تسعى الى التوصل الى قرار في مجلس الأمن يشرّع الحرب على بغداد. وشدد بليكس على أن نتائــج أعمــال البحث التي قام بها المفتشون في المواقع العراقية بناء على نصائــح أجهــزة الإستخبــارات الأميركية كانت “بائسة” والنتائـج ضعيفة, وأن الأميركيين لم يكونوا موضوعيــين في الأيــام الأخيرة لعمليات التفتيــش, معرباً عن خيبة أمله لعدم إتاحة الوقت الكافي للمفتشـين لاستكمـال مهمتهـم.
القادة السياسيون في واشنطن فقدوا تماسكهم وأطلقوا الإتهامات جزفاً
إطلاق الإتهامات والشائعات
الفشل الميداني المدوي في الأسبوعين الأولين من الحرب التي قدرت بدايةً الولايات المتحدة انتهاءها ببضعة أيام, أفقد القادة السياسيين في واشنطن تماسكهم وبدأوا يطلقون الإتهامات جزافاً؛ مرة أن روسيا زودت العراق بوسائل متطوّرة أفقدت الصواريخ صوابها وانحرفت عن أهدافها. والهدف من هذا الإتهام مزدوج, يندرج الشق الأول في الضغط على روسيا لتغيير موقفها الرافض “للحرب العدوانية”, والثاني الإيحاء أن القدرات المقاتلة العراقية ليست على هذا المستوى الرفيع, على اعتبار أن العرب لا يمكنهم القتال. لكن الحقائق التي اتضحت, جعلت الإدارة الأميركية تسحب الإتهام الموجه الى روسيا, والإعتراف بتمرس القوات العراقية والروح القتالية العالية التي تتمتع بها.
ولم تقف الولايات المتحدة عند هذا الحد, فانتقلت الى إتهام سوريا بأنها زودت العراقيين بمناظير ليلية, وكأن المناظير تتحكم في ساحات القتال. والمفارقة أن الإتهام الذي أطلقه وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد في هذا الإطار, تبعه فيه وزير الخارجية كولن باول الذي وضع سوريا أمام خيارين في كلمة له أمام لجنة الصداقة الأميركية الإسرائيلية بالتحديد: إما خيار مساعدة العراق ورعاية المنظمات الإرهابية (الفلسطينيون حزب الله), وإما السير في الركب الذي تريده واشنطن. فما كان من سوريا إلا إعلان موقف واضح بأنها ستقف الى جانب الشعب العراقي, وتصريح وزير الخارجية السورية فاروق الشرع بأن اندحار العدوان الأميركي البريطاني فيه مصلحة وطنية وقومية لسوريا. وفي هذا الإطار أكد رئيس الجمهورية العماد إميل لحود أن مثل هذه الحملات والإتهامات الباطلة تعكس حالة تخبط وضياع ولن تبدل من مواقف الشعبين اللبناني والسوري وقياداتهما الرسمية والروحية.
بأي حال, فإن المعارك لا تزال رحاها تدور والشعب العراقي يتعاطى مع القوى الغازية على أنها قوات احتلال, وهو اتعظ من القضية الفلسطينية بأنّ ترك الأرض يعني تكرار نكبة فلسطين, ويستدل على ذلك من تاريخه الطويل في قتال الإستعمار البريطاني ونيله الإستقلال كأول بلد عربي.
أهداف الحرب الحقيقية
أجمع العالم على أن أهداف الولايات المتحدة الأميركية من الحرب تتلخص بنقطتين, وهو ما اعترف بجزء منها المسؤولون الأميركيون, وكي تتحققا لا بد من إزاحة صدام حسين ونظامه عن السلطة في العراق:
1- تشديد قبضة الولايات المتحدة على العالم, والتحكم باقتصادياته عن طريق الإسراع بوضع اليد على النفط بسبب الحاجة الملحة والدائمة لهذه السلعة الثمينة, وتزايد هذه الحاجة خصوصاً وأن نفط بحر قزوين لم تحسم قضيته بعد رغم السيطرة السياسية على أفغانستان ولو بشكل غير نهائي.
فالولايات المتحدة غير القادرة على إشباع شهواتها النفطية من دول الخليج, ترى أن نفط العراق باعتباره ثاني أعلى احتياط في العالم يمكن أن يزود السوق الأميركية (مصانع استهلاك محروقات الطائرات والآليات السيارة على اختلافها) بحاجاتها على مدى 50 سنة مقبلة على الأقل, خصوصاً أن حاجاتها الإستهلاكية من النفط تزداد باضطراد بينما ينخفض إنتاجها المحلي بوتيرة تنازلية في المدى الطويل, وهو الأمر الذي لحظه نائب الرئيس ديك تشيني في تقرير رفعه في أيار 2001 أي قبل 4 أشهر من مهاجمة برج التجارة العالمي في نيويورك وتدميره, وإلحاق أضرار في جناح من مبنى البنتاغون في واشنطن.
ويتضمن التقرير إبداء القلق إزاء موارد الطاقة, والواقع أن استهلاك الولايات المتحدة بلغ في العام 2000 ما يربو على 20 مليون برميل يومياً, وهو ما يساوي صادرات دول أوبك من النفط. وبلغت واردات الولايات المتحدة ما يقارب عشرة ملايين برميل يومياً, وهو الحجم الذي يوازي 30 بالمئة من النفط الذي يتم الإتجار به في الكرة الأرضية بكاملها.
ومن هنا نرى استعجال القادة الميدانيين في الحرب الدائرة التأكيد يومياً بأن السيطرة تأمنت على آبار النفط.
2- لدى الولايات المتحدة رغبة في إعادة رسم خريطة لدول المنطقة تطاول دول الخليج وإيران والدول المحيطة بإسرائيل, فضلاً عن العراق باعتباره أول الأهداف. وهذا ما يضمن أمن إسرائيل, يواكبها ويليها ترويض قوى المعارضة وحل القضية الفلسطينية بما يتلاءم مع الأهداف الإسرائيلية.
وما يؤكد هذه الأهداف بمعزل عن وجود أسلحة الدمار الشامل أو نظام صدام, ما أعلنه قائد القوات “الحليفة” تومي فرانكس بأن الخطة الحربية وضعت قبل سنة للسيطرة على العراق.
700 صاروخ كروز وتوماهوك انصبت على العراق في عشرة أيام
حرب “الصدمة والرعب”!
إن سقوط مشروع “الحرب الخاطفة” كما أرادته الولايات المتحدة وبريطانيا, والتخبط الذي تعيشه القوات العسكرية بانتظار وصول الفرق الخمس لتأمين خطوط المواصلات والإمداد للقوات التي ستندفع نحو بغداد, طرح أمام الدوائر المخططة في البنتاغون والبيت الأبيض خيارات صعبة, خصوصاً أن التأثيرات النفسية التي كانت متوخاة في الجانب العراقي لم تحصل رغم اسقاط أكثر من 700 صاروخ توما هوك وكروز في الأيام العشرة الأولى من الحرب, فضلاً عن القصف الجوي. ويتخوف العراقيون من لجوء القوات الأميركية البريطانية الى استخدام “أسلحة قذرة” ليس أقلها القذائف المستخدم في صناعتها اليورانيوم المنضب (المستنفذ), وهذا استخدم فعلياً, ولكن بصورة محدودة وصلت الى 250 طناً. وكذلك, القنابل العنقودية وهي محرمة دولياً مثل سابقتها, سيما أن لا ضمانات في امتناع القوى الغازية عن استخدام مثل هذه الأسلحة وغيرها مثل استخدام القنابل النووية المحدودة ضد الأهداف العراقية, الأمر الذي ينذر بكارثة بيئية وإنسانية ليس في العراق وحده, بل على الكرة الأرضية, فالهواء يؤثر ويساعد الإشعاع الذري على الإنتشار بسرعة فائقة.
تبلغ قوة هذه القنابل من واحد كيلوطن الى 6 كيلوطن متفجرات, باعتبار أنها تؤثر على منطقة الهدف المراد تدميره, وهي تختلف عن القنابل الإستراتيجية التي ضربت فيها الولايات المتحدة مدينتي هيروشيما وناغازاكي خلال الحرب الكونية الثانية, والتي بلغت قوة الأولى 20 كيلوطن متفجرات.
وما يجعل الخبراء العسكريين يعتقدون أن الولايات المتحدة قد تلجأ فعلاً لاستخدام القنابل الصغيرة المذكورة, استمرار الترويج بأن العراق يملك أسلحة الدمار الشامل, وربما هي موضوعة في “مخابئ سحيقة القعر”, ما يبرر استخدام قنابل ذات قوة تفجيرية عالية من جهة, ويبرر التلوث الناتج عبر إطلاق معلومات بأن العراق كان يمتلك فعلياً تلك الأسلحة, والدليل التلوث الحاصل, بينما الحقيقة بأن التلوث نجم عن القنابل التي استخدمتها القوات المهاجمة.
ويفسر خبراء استراتيجيون تلويح الولايات المتحدة باستخدام مثل هذه الأسلحة عبر تحليلات صحفية نشرت قبيل شن الحرب, بأن الأهداف كانت للتأثير النفسي, أما الآن فهي قضية مطروحة جدياً.
اليورانيوم المنضبّ يستخدم والكارثة البيئية ستطال الجمييع
الأسلحة القذرة
إن تأثير استخدام هذا النوع من الأسلحة ليس محصوراً بالبشر ومظاهر البيئة الفوقية في المكان المستهدف, بل يتجاوز ذلك الى المياه الجوفية, يضاف الى ذلك اشتعال آبار نفطية والخنادق المملوءة بالنفط, الأمر الذي يُنتج مادة بينزابيرين BENSAPEREN))C2OH12)) التي تتحول الى رذاذ ذات سموم عالية تؤثر على الحياة البشرية والطبيعية لأزمنة طويلة, عبر إنتاج أنواع مختلفة من السرطانات غير القابلة للعلاج حتى الآن, ويصاب بتلك السرطانات الأجنّة في بطون أمهاتهم.
ويؤدي تناثر الغبار الناجم عن الإشتعالات النفطـية, مضافــاً إليهـا انتشار الرذاذ الناجم عن القنابل, الى انخفاض درجات الحرارة بمعدل درجتين وهو الأمر الكافي لحصول “شتاء ذري” ستكون نتائج كارثيـة على العالم أجمع. هذا إذا تجاهلنا الأمر الأكيد وهو تـلـوث مياه نهري دجلة والفرات فضـلاً عن مياه البحر.
ويقول رئيس فريق الإدارة المستدامة للبيئة في اللجنــة الإقتصادية والإجتماعية لغرب آسيـا حسين الخردجي استناداً الى حربي الخليج السابقتــين, أن إتجـاه الرياح الشمالي الغربي في المنطقــة سوف يحمل الملوثات المنبعثة من الجنـوب والجنوب الشرقي مروراً بالسعودية وقطــر والبحرين والإمــارات مشيراً الى أنه تم تسجيــل سـقــوط أمطار حمضيــة في كل المنطقة المجاورة, وصولاً الى الهند والصين وإيران خصوصـاً بعد حرب الخليج الثانية.
أما بالنسبة لاستخدام اليورانيوم المنضب فهو عنصر هام بالنسبة للصناعات في قنابل الولايات المتحدة والذي استخدم بوفرة في حرب الخليج الثانية, حسبما أعلنت الناطقة بلسان وزارة الدفاع الأميركية حينذاك بربارة غودنو.
وهذا السلاح مصنف من فصيلة أسلحة الدمار الشامل, وقد تسبب بموت عشرات آلاف العراقيين في العام 1991 وما بعده, لأن تداعياته تبقى الى فترات زمنية طويلة, وقد ارتفعت مؤشرات الإصابة بسرطان الأطفال وسرطان الدم والتشوهات الخلقية بشكل مريع, نتيجة استخدام اليورانيوم المنضب.
لعنة حرب الخليج
مما لا شك فيه, أن الجنود الموجودين في أرض المعركة من القوى المهاجمة سيتأثرون بنسبة عالية باليورانيوم المنضب, على الرغم من استخدام الأقنعة الواقية, هذا الأمر تؤكده الأبحاث التي أجراها الدكتور شوت من معهد البحوث العلمية الكيماوية في ألمانيا, والذي عالج جنديين أصيبا في الخليج.
عُرف المرض لاحقاً بـ”لعنة حرب الخليج”, فالدكتور شوت لاحظ تغييراً جينياً على الجنديين انعكس في لون بشرتهما والمسام الجلدية, ولاحظ أيضاً أن 50% من الأطفال الذين ولدوا بعد حرب الخليج الثانية لديهم “تغيرات خطرة في الصحة” حتى في الكويت والسعودية وليس فقط في العراق.
وهذا الأمر دفع الكويت الى إجراء عملية تنظيف شاملة ومكلفة جداً لمختلف الذخائر المستهلكة ومخلفات المعركة على أرضها.. وقال المايجور الأميركي المسؤول السابق عن مشروع تنظيف الخليج من اليورانيوم المنضب, أن 16 ألف جندي أميركي من الذين قاتلوا في حرب 1991 معاقون تماماً جراء اليورانيوم و8 آلاف جندي توفوا. أما الجنرال البريطاني جونس لينغ, فأوضح أن 560 جندياً بريطانياً ماتوا و5 آلاف يتلقون العلاج.
ومن المفارقات التي تطرح نفسها في هذا المجال أن الأسلحة الكيماوية استخدمت في الشرق للمرة الأولى ضد العراقيين وعلى يد القوات البريطانية في العشرينات.
ففي عام 1919 قال العميد آرثر هاريس أن “العرب والأكراد يعرفون الآن ما يعنيه قصف حقيقي, فخلال 45 دقيقة نستطيع تدمير قرية وقتل أو جرح ثلث سكانها”, ففي تلك الفترة طلبت قيادة سلاح الجو الملكي في الشرق الأوسط التي كانت مصممة على سحق حركات التمرد الرافضة لاحتلال بلادهم من قبل بريطانيا, استخدام أسلحة كيماوية “لاختبارها على العرب الذين يقاومون بعناد”.
وعبّر وزير الدفاع آنذاك ونستون تشرشل عن تأييده “لاستخدام غازات سامة
ضد العشائر الهمجية”, لكنه أوضح أنه “ليس من الضروري استخدام الغازات الأشد فتكاً, فغازات تسبب اضطرابات أو تثير الذعر, لكن من دون آثار دائمة, يمكن أن تفي بالغرض”, وقد استمر استخدام الغازات القاتلة في العام 1920.
وتحدث مؤرخون عن لجوء الطيران البريطاني اليها تحديداً في العام 1925 في السليمانية شرق كردستان أو شمال العراق.
جريمة بحق الإنسانية
إذا انبرى الأميركيون الآن ومعهم البريطانيون الى استخدام الأسلحة المذكورة, فإنهم يرتكبون جريمة بحق الإنسانية من دون أدنى شك.
ومهما يكن, فإن نتيجة الحرب ستحدد دور الولايات المتحدة مستقبلاً, لكن الرياح حتى الآن لم تجر في صالح خطط البنتاغون. وقد أكد الشعب العراقي أنه يرفض القوات الغازية ويعاملها كقوات احتلال, وربما هذا الأمر بالذات جعل القوات الأميركية والبريطانية تلجأ الى قصف القرى والمدن وإطلاق النار على المدنيين والبنى التحتية, بهدف الترويع ومحاولة الإقناع أن لا فائدة من المقاومة.
فأميركا التي تريد العالم أحادي القطب بإشهاد الأمم المتحدة عليه, لن تتمكن بعد الحرب الدائرة من ضبط حركات التمرد في الدول التي تدور في فلكها, الأمر الذي سيعيد الى الكون توازنه عبر نشوء قوة أوروبية قوامها فرنسا وألمانيا وربما روسيا, تتمكن من خلق عصبوية أوروبية تطالب بالإستقلال عن الـقوة العالمية المتمثلة بأميركا.