- En
- Fr
- عربي
متاحف في بلادي
يعتبر موقع جبيل متحفاً للحضارات فريداً من نوعه, إذ يختصر في جنباته وشواهده الأثرية نحو 8 آلاف عام من التاريخ.
فجبيل من أقدم المدن في العالم, وهي واحدة من المواقع الأثرية القليلة جداً التي تتمثل فيها الحقبات التاريخية المختلفة, منذ ما قبل التاريخ وحتى اليوم.
دخلت بيبلوس لائحة التراث العالمي, وهي كانت وما تزال مركز اهتمام المؤرخين والباحثين والمنقبين عن الآثار.
في العام الماضي ولمناسبة انعقاد القمة الفرنكوفونية في لبنان, نفّذ مشروع “جبيل 2002”, لإعادة تأهيل الموقع الأثري في المدينة, وذلك بمساهمة من حكومة كيبك. وقد تضمن المشروع إنشاء متحف يعرّف الزائرين بالموقع وبتاريخه وما شهده من حفريات, ويلقي الضوء على حياة سكانه القدامى وعاداتهم وتقاليدهم.
“الجيش” زارت موقـع جبـيل الأثـري والمتحـف الخاص به, فكان هذا التحقيق.
تعددت التسميات والمدينة واحدة
تقع مدينة جبيل الأثرية على مسافة 37 كلم شمالي بيروت, حيث تحتل جزءاً من مرتفع صخري يحده غرباً جرف ساحلي من الحجر الرملي, وشمالاً وجنوباً, منخفضان يفضي كل منهما الى خليج طبيعي. ويشكّل هذا المرتفع منفذاً لمنطقة زراعية ضيّقة, تحدها شرقاً سلسلة جبال لبنان التي أعطت جبيل فرصة تجارية مهمة. تمثلت هذه الفرصة بتصدير خشب الأرز نحو الشواطئ البعيدة, وخصوصاً شواطئ مصر التي كانت تستهلك هذه المادة بكميات هائلة, وقد اعتبر المصريون جبيل بوابة “بلاد الآلهة”.
سكن الإنسان جبيل منذ نحو 6000 سنة قبل الميلاد, وتراكمت في الموقع المعالم السكنية بصورة متواصلة حتى بداية القرن العشرين. أولى التسميات المعروفة للموقع (منذ النصف الأول للألف الثالث) هي “جِبَلْ” أو “جُبَلُ”
(Kbmy أو Kpmy في المصادر المصرية), ومنها التسمية الحديثة, جبيل. أما الإغريق, فقد أطلقوا على الموقع إسم “بيبلوس” نسبة الى ورق البردى الذي كانت تزودهم به جبيل لصناعة كتبهم (Byblia).
أدخل موقع جبيل الأثري على لائحة التراث العالمي سنة 1984 وهو يعتبر من أقدم المدن في العالم, ومن بين المواقع القليلة جداً التي تمثلت فيها جميع الفترات التاريخية.
تاريخ التنقيبات الأثرية
رغـم أن عـدداً من الرحالة قد أتوا على ذكر مدينة جبيل منذ القرن الثاني عشر ميلادي, لم يفضِ الموقع بأسرار كنوزه إلا عند مجيء الباحث أرنست رينان. قام رينان سنة 1860 باستكشاف بلاد فيـنيقيا خلال حمـلة نابوليون الثـالث, وعثر على آثـار قديمة دفعت به الى القيام بحفريتين أتاحـتـا التـعـرّف على الموقـع بدقـة أكثـر.
بين سنة 1921 وسنة 1924, قام الباحث المتخصص في الآثار الفرعونية, بيار مونتيه (18851996), بحفريات أثرية في الجزء الشمالي الغربي للموقع وتمكّن من العثور على المقبرة الملكية التي احتوت على لقى ثمينة تشهد على غنى ملوك جبيل. وكان من بين
هذه اللقى ناووس أحيرام الذي شكّلت الكتابة التي يحملها حلقة مهمة في تاريخ الأبجدية.
بين سنة 1926 و1973, قاد الأثري موريس دونان 42 حملة تنقيبات أجريت أولها أيام الانتداب الفرنسي, أما الباقية منها فكانت لحساب المديرية العامة للآثار في لبنان التي استملكت الموقع.
وعلى الرغـم من أن دونـان كان أنجز أعمـال الحفريات في موقع جبيل الأثري, غير أن دراسة آلاف القطع والعناصر الهندسية تأخرت لأسباب عدة, من بينها أحداث لبـنان ووفاة دونان. وما أنجز حتى الـيوم لا يغطي سوى الحقبات الأولى من تاريـخ الموقـع, بينما ينتـظر القسم الأكـبر تحاليـل الباحثـين ودراساتهم.
متحف الموقع
يقع المتحف عند مدخل قلعة جبيل حيث يحتل عدداً من الغرف الموزعة على طابقين, والتي يعود تاريخها الى العهدين المملوكي والعثماني.
في الطابق الأرضي, تقدم ثلاث لوحات, الموقع وتاريخ الحفريات الأثرية التي جرت فيه, إضافة الى ثمان لوحات أخرى تشرح تاريخ جبيل منذ فترة ما قبل التاريخ حتى الفترات العربية وفترة القرون الوسطى. والى جانب اللوحات عرضت قطع أثرية تمثل الفترات التاريخية ذاتها.
في الطابق الأول, تعطي ثلاث عشرة لوحة شرحاً عن حياة سكان الموقع ونشاطاتهم ودياناتهم وتقاليدهم, بدءاً بالأبجدية مروراً بالتجارة, وصولاً الى العادات المدفنية والتنظيم المدني للموقع. ويبرز عدد من القطع المعروضة مضمون تلك اللوحات.
وقد تمّ تجهيز هذا الطابق بصالة عرض سمعي وبصري.
إنـشاء المتحـف اقتضى إجراء أعمال ترميم لبعض أجـزاء الطابـق العـلوي, كما جهّزت ممـرات الزيارة داخل القلعة بحواجز لتأمين سلامة الزوار خلال تنقلهم, الى ترميـم الجزء السفلي لدرج المدخل الرئيسي.
تصوير:المجند إدي ضو