الحرب على الإرهاب

سدّد الجيش ضرباته في عمق أعماق أوكار الإرهابيين، ونفّذت وحداته بكفاءة عالية وشجاعة نادرة عمليات نوعية جريئة خلف خطوط العدوّ. هذه العمليات البالغة الخطورة كان جنودنا ينفّذونها بدقّة ويعودون من دون خسائر في صفوفهم، أو بأقلّ ما يمكن من خسائر. وقد شهدت الفترة الممتدة بين ربيع 2017 وبداية صيفه تكثيفًا للعمليات النوعية، إلى أن كانت المعركة الحاسمة «فجر الجرود».

باسم لبنان ودماء الشهداء تحقّق النصر
«باسم لبنان، والعسكريين المختطفين، ودماء الشهداء الأبرار، وباسم أبطال الجيش اللبناني العظيم»، أطلق قائد الجيش العماد جوزاف عون صباح التاسع عشر من آب 2017 عملية «فجر الجرود».
حدّدت المهمة بمهاجمة إرهابيي «داعش» في جرود رأس بعلبك – القاع، وتدميرهم لاستعادة الأرض والانتشار على الحدود.
نفّذ الجيش المهمة وفق خطة مُحكَمة وضعتها القيادة وواكبت تنفيذها لحظة بلحظة، من غرفة العمليات ومن ميدان القتال.
قائد الجيش، ابن الميدان الذي يعرف الأرض بقسوة صخورها ولهيب شمسها وصقيع لياليها، كما يعرف عسكرييه بأسمائهم وجهوزيتهم وقدراتهم، كان في قلب الميدان.
قبل المعركة بأيام زار غرفة عمليات الجبهة، عاين التحضيرات، اطّلع على أدقّ التفاصيل، وحين دقّت ساعة الصفر، أوصى قادة القوى: «انتبهوا عَ حالكن»، وانطلقت المعركة.
قادة الوحدات المشاركة وضباطها وعسكريوها، كانوا أنموذجًا في الكفاءة والبسالة. أمّا التنسيق والتناغم في أداء الوحدات المشاركة تجلّى في أفضل صوَره، ووفّر فاعلية قصوى للأسلحة والتجهيزات والعتاد.
القوات الجوية، الوحدات المقاتلة، الدعم الناري، وحدات دعم القتال، اللوجستية والإعلام، عملت جميعها بانسجام ودقة.
انتهى اليوم الأول باجتماع في مكتب قائد الجيش حضره الضباط الأركان وجرى خلاله تقييم الوضع، وكانت النتيجة أنّ الجيش يحقق الأهداف الموضوعة بسرعة.
صباح اليوم التالي (20 آب) كان العماد قائد الجيش في أرض المعركة في غرفة عمليات الجبهة اطّلع من قائدها وقادة الوحدات الكبرى على ما أُحرز من تقدّم.
وفي المراكز التي تمّ تحريرها التقى الضباط والعسكريين وتفقّد أوضاعهم، مطمئنًا إلى معنوياتهم، وزوّدهم التوجيهات. وقبل أن يغادر المنطقة، التقى قائد الجيش القادة الميدانيين، ثم كانت له التفاتة شكر وتقدير للأهالي في وقفتهم إلى جانب جيشهم، فزار «المطبخ العسكري» الذي استُحدث في رأس بعلبك، وحيّا جهود المتطوّعات اللواتي استقبلنه بالزغاريد وبنثر الورود.
مع اقتراب المعركة من نهايتها كانت لرئيس الحكومة سعد الحريري زيارة إلى غرفة عمليات الجبهة، حيث أطلعه قائد الجيش على آخر التطوّرات قبل أن ينتقلا معًا إلى الجرود لمعاينة محاور القتال والمناطق التي حرّرها الجيش. أيضًا كانت لوزير الدفاع الوطني يعقوب رياض الصراف زيارة إلى قيادة الجبهة في وقت لاحق.
الزمن القياسي الذي أُنجزت خلاله المهمــة، كــان نقطــة مضيئــة تُحســَب لجيشنــا الباســل؛ وكذلــك التمسّــك بالمناقبيــة في الميــدان القاســي، الميــدان المزروع بصور الشهــداء ودمائهــم، وبألغـام الإرهـابـيـين وكمائنهــم ووحشيتهــم.
إلى جانب ذلك كله، كان لبنان خلف جيشه: من رئيس الجمهورية الذي واكب المعركة من غرفة عمليات قيادة الجيش منذ انطلاقها، إلى المواطنين في البلدات والقرى الحدودية، وفي كل بقعة من لبنان، وأهالي العسكريين والشهداء والمخطوفين، كان لبنان يتطلع إلى النصر وهو مؤمن بأن الجيش سيحقّقه. وتحقّق النصر...

غار الفرح يعانق غار الشهادة
ارتفعت رايتنا في أعالي الجرود. جنودنا عادوا مكلّلــين بالغــار، فهــدر الفــــرح في ملاقاتهــم، وزغردت الشرفــات والطرقــات لهاماتهــم المرفوعــة.
في ساحة الشرف ارتفع سبعة شهداء إلى جوار ربّهم. مواكب تشييعهم المهيبة عبرت الشوارع وسط احتفالات التكريم التي تليق بالأبطال.
في المستشفيات كان عدد من العسكريين الجرحى يصارعون آلامهم. رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي زارهم متمنّيًا لهم الشفاء العاجل، أعرب عن فخره ببطولتهم وقال: «هذا هو جيشنا وهؤلاء هم أبطالنا».
وزير الدفاع الوطني وقائد الجيش كانا في عيادة الجرحى الذين لقيت أوضاعهم العناية القصوى، شدّا على أياديهم وثمّنا تضحياتهم.
من القصر الجمهوري في بعبدا، أعلن الرئيس ميشال عون انتصار لبنان على الإرهاب عقب لقاء مع وزير الدفاع وقائد الجيش.
أهدى رئيس الجمهورية النصر إلى «اللبنانيين الذين من حقّهم أن يفاخروا بجيشهم وقواهم الأمنية». وإذ هنّأ قيادة الجيش على هذا الإنجاز، حيّا العسكريين صانعي النصر، وقال: «أنحني أمام الشهداء الذين سقطوا في ساحة الشرف، وأولئك الذين كانوا لسنوات خلت طليعة الشهداء الذين سقطوا بغدر الجماعات الإرهابية نفسها...».
قائد الجيش الذي استهلّ كلمته بإعلان انتهاء عملية «فجر الجرود»، تطرّق إلى مسار العملية العسكرية التي نفّذها الجيش من أجل تحقيق هدفين: طرد الإرهابيين من الأراضي التي كانوا موجودين فيها، ومعرفة مصير العسكريين الذين اختطفهم الإرهابيون في آب 2014. العماد عون كشف أنّ خطّة المناورة التي اعتمدها الجيش فاجأت الإرهابيين وهذا ما ساهم في انهيارهـم بسرعة وفرارهـم، وختـم كلمتـه بتوجيـه التحيـة إلى أرواح الشهـداء.