- En
- Fr
- عربي
دور المجتمع الدولي في مكافحة الجريمة المنظّمة
أدّى تصاعد التحديات الأمنية، وخصوصًا الصراعات المسلّحة المحلية والإقليمية والدولية، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والجريمة المنظّمة، وظاهرة الإرهاب، إلى زعزعة الاستقرار العالمي وتهديد الأمن والسلم الدوليين. كما أنّ لهذه المخاطر الأمنية تداعيات خطيرة على الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي، لأن هناك ترابطًا وثيقًا بين الأمن والاجتماع والاقتصاد، بحيث لا تنمية من دون أمن ولا أمن من دون تنمية.
في ظلّ هذا الواقع الخطير في سائر أقاليم الأرض، وخصوصًا في آسيا وتحديدًا منطقة الشرق الأوسط، وفي أميركا الجنوبية والقارة السوداء، وفي ظلّ عجز أي دولة منفردة عن مواجهة هذه القضايا الأمنية، برزت قوى عالمية جديدة على الساحة الدوليّة للقيام بذلك. وقد شكّلت المنظّمات الدوليَة الحكومية والمنظّمات الإقليمية، والمجتمع المدني الدولي إلى جانب مؤسسات الدول، نواة الإدارة الجماعية الدولية لمعالجة هذه التحدَيات التي أصبحت تنتشر في جميع دول العالم وتهدّد استقرارها[1].
في هذه الدراسة، سنتناول تفصيليًا دور المجتمع الدولي في مجال مكافحة الجريمة المنظّمة، بحيث سيصار إلى تسليط الضوء على مفهوم الجريمة المنظّمة ومضامينها، ونشاط الإدارة العالمية في القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة.
وإنطلاقًا من هذه المعطيات، تطرح تساؤلات عدة حول دينامية المنظّمات الدوليَة الحكومية والمنظّمات الإقليمية، ومدى فعاليتها في هذا المجال، وإذا ما كانت تدابير المعالجة قد ساهمت في الحد من تداعيات الجريمة المنظّمة على الأمن العالمي.
أولا: ماهية الجريمة المنظّمة
كانت الجريمة المنظّمة، باستثناء بعض عمليات التهريب عبر الحدود، شأنًا محليًا يتناول البلد المعني بكامله. ولكن في الربع الأخير من القرن العشرين، تمكّنت مؤسسات الجريمة المنظّمة من استغلال ما حصل من تحرّر اقتصادي وفتح للحدود بين البلدان. فقد اغتنمت مجموعات الجريمة المنظّمة، التي تمارس أنشطة غير قانونية أو تتاجر بالسلع المحرّمة، فرص العولمة، من خلال الرشوة والابتزاز والتهديد والاستغلال الكامل للمزايا التي تمنحها الأسواق والمجتمعات المفتوحة. "بحيث انطلقت من النطاق الداخلي للدولة إلى النطاق الدولي ولذلك أطلق على هذا النوع من الجريمة مصطلح الجريمة المنظمة العابرة للحدود أو الجريمة المنظمة عبر الدول، و قد أدّى هذا إلى ظهور منظمات إجرامية خطيرة تعمل على المستوى الدولي من خلال الاعتماد على إستراتيجية معيّنة، وهي إستراتيجية التحالفات بين المنظمات الإجرامية الوطنية بهدف فرض هيمنتها وكذلك السيطرة على الدول، مما جعل الجريمة المنظمة من أكبر التحديات التي تواجه الدول من دون تمييز بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة"[2].
وازدادت صعوبة اكتشاف عمل شبكات الجريمة المنظّمة الدولية وتحييدها، لأن هذه المجموعات تميل إلى استخدام شركات مشروعة تعمل في مجال الاستيراد والتصدير، أو في مجال الخدمات، أو حتى المؤسسات المالية متعدّدة الجنسيات، كغطاء لأنشطتها. على سبيل المثال، من شركات الأعمال المرتبطة بالجريمة المنظّمة: شركات تجارية غير مشروعة مثل اتحادات أو كارتيلات المخدرات، شركات قانونية ترتكب جرائم مالية، كالمصارف التي تتخصّص واقعيًا بتسهيل تبييض الأموال والتهرّب من الضرائب، وشركات قانونية تأسّست، بالكامل أو جزئيًا، من أموال الجريمة المنظّمة. إن الخط الفاصل بين الأعمال التي تُشكّل جرائم مالية أو جرائم تتعلّق بإدارة الشركات، والأعمال التي تُشكّل جريمة منظّمة دولية، يكون غالبًا غير واضح المعالم.
كما سهّل عمل هذه الشبكات غياب هيئات فعالة لتطبيق القوانين، وعدم وجود ممارسات سريعة وفعّالة لتبادل تسليم المتهمين في دول عديدة. إن التهرّب من مراقبة أجهزة تطبيق القوانين في البلدان المعنية هو مبدأ أساسي لعمل الجريمة الدولية. فبذلك يصبح بعض البلدان الأجنبية أماكن آمنة، يستعمل الحدود سياجًا للاختباء.
وفي المجال نفسه، لا تقيم شبكات الجريمة المنظّمة روابط مع بعض الشركات التجارية الشرعية ومع بعض القطاعات الحكومية وحسب، بل تسعى أحيانًا لاكتساب الثروات من الإرهاب والحروب الأهلية. في ثلاثين دولة تقريبًا، وتُموَّل المجموعات المشاركة في العصيان المسلّح ضد الحكومة وحملاتها العسكرية أو الإرهابية، جزئيًا، أو بالكامل، من المداخيل التي يولّدها فرض الضرائب على إنتاج المخدرات أو من مداخيل إشتراكها المباشر في تجارة المخدرات.
ولا بد من ذكر ارتباط التذمّر الشعبي في جنوب شرقي أوروبا إبّان التسعينيات، بطريق البلقان الذي تنقل عبره سنويًا أطنان عديدة من الهيرويين إلى أوروبا. وليس من قبيل المصادفات أيضًا أن تكون أفغانستان وكولومبيا ومينمار أهم الدول المنتجة للمخدرات في العالم، وأن تكون أيضًا مسرحًا لأطول الحروب الأهلية التي شهدها العالم[3].
كما يستخدم لاجئون آخرون شبكات النقل الإجرامية لمغادرة أوطانهم لأسباب اقتصادية أو غيرها من الأسباب، الحرب أو الفقر، من أجل إعادة بناء مستقبلهم في دول نائية. بغض النظر عن أسباب النزوح، تساهم هذه الأعداد الهائلة من اللاجئين في اتساع النشاطات الإجرامية في غضون السنوات الأخيرة. ويُنقل سنويًا ما لا يقل عن مليون إمرأة وطفل عبر حدود البلدان من قبل مجموعات إجرامية، ما يزيد كثيرًا من أعداد الأشخاص الذين يعيشون في ظل أشكال حديثة من العبودية، ويُقدّر الخبراء أعدادهم بـ 200 مليون شخص.
كما أن عمليات غسل الأموال التي يتمّ القيام بها على صعيد شخصي، تشمل مبالغ يبلغ مجموعها آلاف الملايين من الدولارات، أي أكثر من الناتج الوطني الإجمالي لدول عديدة. وقد بلغ إيداع الأموال المسروقة في الخارج مستويات لم يسبق لها مثيل. في الوقت نفسه، تؤمِّن الجريمة المنظّمة أيضًا خدمات وسلعًا لا ترغب دولة معيّنة أو مجتمع مُعيّن في توفيرها لأسباب سياسية، أو لأسباب تتعلّق بالصحة العامة، أو الدين، أو الأعراف الثقافية أو الإثنية، والدافع هو الربح. وتصبح المقاضاة أكثر صعوبة عندما يتسم العمل الإجرامي بصفة عبور حدود الأوطان. فعند وقوع أعمال إجرامية ضمن نطاق بلدان مختلفة، لا يمكن إجراء محاكمة ناجحة للمجرمين في ظل غياب التعاون بين أجهزة التحقيقات الدولية، ويتطلّب هذا العمل تعاون الشرطة والقضاء الدوليين. على الرغم من ذلك، تحول عقبات كثيرة دون هذا التعاون، منها أنظمة قانونية مختلفة، الجمود البيروقراطي، إنتشار الفساد في بعض دوائر تطبيق القوانين أو في بعض دوائر السلطة القضائية، عدم توافر الموارد والمهارات، وحتى إختلاف اللغات[4].
وأيضًا، تتضمّن الجريمة المنظمة التجارة غير المشروعة بالأسلحة الخفيفة والمسدّسات والبنادق، التي تدرّ مئات الملايين من الدولارات سنويًا. ويَصعُب حصر عدد ضحايا هذه الأسلحة غير المشروعة، بيد أنَّ هناك ارتباطا قويًا في بعض المناطق (مثل القارة الأميركية)، بين عدد جرائم القتل والنسبة المئوية لجرائم القتل بالأسلحة النارية.
"كما تشمل تلك الجريمة الإتجار بالموارد الطبيعية، من خلال تهريب المواد الخام مثل الماس والفلزات النادرة (غالبًا من مناطق الصراعات). وفي الوقت الحاضر، يَدُرُّ الإتجار بالخشب في جنوب شرق آسيا إيرادات قدرها 3.5 بلايين دولار أميركي. بالإضافة إلى تمويل الجماعات الإجرامية، يُساهم هذا النوع من الأنشطة الإجرامية في إزالة الغابات وتغيير المناخ وإفقار المناطق الريفية في نهاية المطاف.
ناهيك عن التجارة غير المشروعة بالحيوانات والنباتات البرّية: هي نشاط آخر يَدُرُّ على جماعات الجريمة المنظَّمة أرباحًا عاليةً، إذ يستهدف الصيّادون غير الشرعيين جلود الحيوانات وأجزاء من أجسادها لتصديرها إلى الأسواق الأجنبية. فالاتجار بأنياب الفيل العاجية وقرون وحيد القرن وأجزاء من أجساد النمور من أفريقيا وجنوب شرق آسيا يَدُرُّ 75 مليون دولار أميركي من المكاسب الإجرامية سنويًا، ويُهدّد بعض الأنواع بالانقراض. وتُتاجر جماعات الجريمة المنظَّمة أيضًا بالنباتات والحيوانات الحيَّة والنادرة من أجل تلبية طلبات هواةِ جمعها أو المستهلكين الغافلين. وتفيد بيانات الصندوق العالمي للحياة البرية، أنَّ المتّجرين ينقلون كل عام بشكل غير مشروع 100 مليون طن من الأسماك و1.5 مليون طير حي و440.000 طن من النباتات الطبية.
كذلك تجارة الأدوية المزيَّفة: ويُشكّل بيع الأدوية المزيَّفة نشاطًا تجاريًا مثيرًا للقلق، لأنه يمثّل تجارة يمكن أن تفضي إلى موت المستهلكين. إذ يستغلّ المجرمون تزايد التجارة المشروعة بالمستحضرات الصيدلانية من آسيا إلى سائر المناطق النامية لكي يهرِّبوا أدوية مزيَّفة، خصوصًا من آسيا إلى جنوب شرق آسيا وإلى أفريقيا، بقيمة قدرها 1.6 بليون دولار أميركي من هاتين القارتين وحدهما. وبدلاً من شفاء الناس، تؤدّي هذه الأدوية المزيَّفة إلى الوفاة أو تتسبَّب في جعل بعض الأمراض المعدية المميتة، كالملاريا والسل. وإلى جانب طرق الاتجار التقليدية، يواصل المجرمون بناء تجارة مربحة بالأدوية المزيَّفة عن طريق الإنترنت، مستهدفين البلدان المتقدّمة والنامية على السواء، وهو أمر قد تكون له أيضًا تبعات صحية على المستهلكين وأخيرًا تتضمّن الجريمة السيبرانية (الانترنت): وتشمل الجريمة السيبرانية عدّة مجالات، ولكنَّ المجال الذي يحقّق أعلى الأرباح للمجرمين هو سرقة الهوية (بطاقات الإئتمان) التي تَدُرُّ حوالى بليون دولار أميركي سنويًا. ويستخدم المجرمون الإنترنت بشكل متزايد لسرقة البيانات الشخصية والوصول إلى الحسابات المصرفية والحصول بالاحتيال على تفاصيل بطاقات الإئتمان"[5].
وبالتالي، فإن الجريمة المنظّمة عبارة عن نشاط إجرامي تقوم به منظّمة تكرّس جهودها في المقام الأول للكسب بوسائل غير مشروعة. هي تقنية للعنف والرعب والفساد وغسل الأموال، وتجارة الأسلحة الخفيفة غير المشروعة، والموارد الطبيعية، والأدوية المزيَّفة، وبالحيوانات والنباتات البرّية، والإتجار بالمخدرات والبشر، وتتضمّن الجريمة السيبرانية، وباعثها الأساس تحقيق أرباح طائلة. وهي وليدة تخطيط دقيق يتم تنفيذها على نطاق واسع، ويتجاوز تنفيذها المألوف في تنفيذ الجرائم العادية، فتهدم المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية في الدول وتضعفها، وتخلّ بالتنمية وتلحق الضرر بمجموع السكان كله مستهدفة الضعف البشري حيث تستخدم شرائح من المجتمع ولا سيما النساء والأطفال في أعمالها غير المشروعة المتنوّعة والمترابطة. لقد أصبحت هذه الظاهرة تتخطّى حدود البلدان، وموضوع اهتمام دولي لأن خطرها على الاستقرار المحلي والإقليمي، وحتى العالمي، أصبح واقعًا ملموسًا[6].
وبما أن الجريمة المنظّمة ظاهرة خطيرة، ما هي إجراءات المكافحة الدولية والإقليمية لتحقـيق أمن المجتمـع والإنسانية؟
ثانيا: دينامية الإدارة العالمية في مكافحة الجريمة المنظّمة
تعمل هيئات عالمية متعدّدة في مجال مكافحة الجريمة المنظّمة الدولية والإقليمية، من أجل حماية المجتمع من مجموعات المنظّمات الإجرامية الخطيرة، وذلك عن طريق محاربتها وإضعافها وتفكيكها ومقاضاة أفرادها وإدانتهم ومصادرة الأموال المكتسبة من أنشطتهم غير المشروعة. وانطلاقًا من هنا، سوف ألقي الضوء في ما يأتي على دور المنظّمات الدولية، ومن ثم جهود المنظّمات الإقليمية في أوروبا وأميركا والدول العربية في مكافحة هذه الظاهرة.
1ـ دور المنظّمات الدولية
لقد كان لجهود منظّمة الأمم المتحدة ومنظّمة الشرطة الدولية (الأنتربول) دورٌ فعّال في مكافحة الجريمة المنظّمة.
أـ دور منظّمة الأمم المتحدة
إهتمت الأمم المتحدة بموضوع الجريمة المنظّمة منذ العام 1975 في مؤتمرها الخامس، ووضعته من بين أولويات نشاطها، وتم عقد العديد من المؤتمرات لمكافحة هذه الظاهرة المستفحلة[7]. وفي العام 1995 عقد في القاهرة المؤتمـر المتعلّق بمنع الجريمة، وظهـرت أشكال وأنواع مختلفة من الجـرائم: القتل، والسرقة، والاتجار بالأسلحة الخفيفة والمخدّرات، وجرائم خطف الأطفال والنساء وتسخيرهم في أعمال غير مشروعة، وجرائم الفساد والرشوة[8]. وفي هذا السياق، ساهمت الأمم المتحدة في إنشاء المعاهدة الدولية لمكافحة الجريمة المنظّمة العابرة للأوطان في شهر كانون الأول/ ديسمبر2000، إذ توافد ممثلون عن 124 دولة، رؤساء دول ورؤساء حكومات من حول العالم إلى صقلية، لتوقيع المعاهدة الدولية. وقد التزمت الحكومات في تصديقها على المعاهدة، بتجريم عمليات غسل الأموال، والفساد، وعرقلة عمل العدالة. وتوفّر المعاهدة الجديدة إطارعمل لمصادرة عائدات الجريمة المنظّمة، والممتلكات أو المعدّات المستعملة في الأعمال الإجرامية وحجزها، وتضم أحكامًا خاصة بالتعاون الدولي على هذا الصعيد.
وتعدّ هذه المعاهدة أداة مهمة لاستعادة الأموال المسروقة من خلال الفساد، والمودعة في الخارج. ويُشكّل ترهيب الشهود المحتملين عائقًا رئيسًا في المقاضاة الناجحة للجريمة المنظّمة، إذ يتعرّض الأشخاص الذين يدلون بشهادات ضدّ مجموعات الجريمة المنظّمة للانتقام أو الترهيب، وأصبح على موقّعي المعاهدة تأمين المساعدة والحماية لهؤلاء عند الضرورة، وتقديم التعويضات وإعادة الممتلكات لهؤلاء حيث يلزم. كما احتلّت مسألة حماية الضحايا موقعًا مركزيًا في بروتوكولين ملحقين بالمعاهدة. يُشكّل البروتوكول الأول، الذي يتضمّن منع التجارة بالبشر وكبحها ومعاقبتها، وخصوصًا النساء والأطفال، أداة إنسانية قوية تُعزّز قضية حقوق الإنسان. أما البروتوكول الثاني، فيتعلّق بمكافحة تهريب المهاجرين، ويعالج أيضًا المشكلات الخاصة بضحايا التهريب. فهذه المعاهدة تمثّل حجر الأساس لاستراتيجية دولية ناشئة لمكافحة الجريمة المنظّمة الدولية[9]، وقد تم إنشاء اللجنة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية في العام 1991 داخل هيكل الأمـم المتحدة. إضافة إلى ذلك، قامت المنظّمة الدولية بدور فعال في مجال مكافحة الجريمة المنظّمة تمثل بالمجالات الآتية:
* مكافحة تجارة المخدرات
تعدّ المخدّرات من أقدم مسبّبات الجرائم المنظّمة العابرة للدول. وقد أصدرت الأمم المتحدة إتفاقية تتعّلق بمكافحة الاتجار غير المشروع بهذه المواد في العام 1988، وقّعتها حتى اليوم 157 دولة، ما يعكس بوضوح إجماع الدول على التعاون في المكافحة على المستوى الدولي. وقد أنشأت الأمم المتحدة في هذا السياق، أجهزة دولية متخصّصة مكلفة وضع نصوص هذه الاتفاقية موضع التنفيذ، ومتابعة الإجراءات المتخذة على الصعيد الدولي والإقليمي والمحلي وهي: برنامج الأمم المتحدة الدولي المعني بالمكافحة الدولية للمخدرات، لجنة المخدرات، اللجنة الدولية لمراقبة المخدرات[10]. إضافة إلى ذلك، هناك العديد من المنظّمات والأنشطة والمبادرات التابعة للأمم المتحدة تهتم بهذا الموضوع.
في المقابل، وعلى الرغم من هذه الجهود الدولية، فقد تخطّت مشكلة تهريب المخدرات وتوزيعها، كل الحواجز، وتواصلت عمليات الإفساد والتخريب للأجيال الشابة. على سبيل المثال، إضافةً إلى انتشار تجارة المخدّرات في أميركا الجنوبية والقارة الأفريقية، أصبحت هذه التجارة رائجة في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، إذ ساهمت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في نمو تجارة المخدرات وتعاطيها. واستنتجت وزارة الداخلية الروسية في تقاريرها الحديثة، أن بعض جماعات الإجرام الروسية قد دخلت في اتحاد مع تجار المخدرات الكبار في العالم وباتت جزءًا من شبكاتهم[11]. وبهدف مواجهة انتشار هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدّد أمن المجتمعات، أشار أنطونيو ماريا كوستا المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، إلى أن عمليات مكافحة المخدرات مسؤولية جماعية عالمية ينبغي أن تشترك فيها جميع دول العالم ومنّظماته الدولية والإقليمية والمجتمع المدني بصورة فعالة. ونتيجة ذلك، ضاعفت مكاتب الأمم المتحدة الإقليمية جهودها في جميع الأقاليم لمراقبة تجارة المخدرات بين الدول وفي داخلها، إضافة إلى تقديم المساعدة التقنية للدول الفقيرة لمكافحة هذه الجريمة. وحثّ الدول على التطبيق الكامل لأحكام الاتفاقية الدولية للعام [12]1988.
* مكافحة تجارة الأسلحة الخفيفة غير المشروعة
أصبحت تجارة الأسلحة الخفيفة غير المشروعة رائجـة بسبب النزاعات في العـالم، سواء بين دولة وأخرى أو داخل الدولة نفسها، نتيجـة الديكتاتوريات الحاكمة والسياسات العنصرية والقومية والطائفية، بدءًا من أفغـانستان إلى مقـدونيا والبوسنـة والصـرب وروانــدا والدول الأفريقيـة الأخـرى، وصولاً إلى العـراق والسودان واليمن، وباقي الدول التي تعاني ظاهرة الإرهاب. إن انتشار هذه الأسلحة التي تجاوز عددها الـ200 مليون، وحصل عليها المتمّردون والميليشيات والعصابات المنظّمة كشبكات تهريب المخدرات أو الإرهابيين أو غيرهم، جلب الموت والدمار للعديد من المجتمعات، وهدّد الاستقرار في جميع أرجاء العالم. وفي أثناء العقد الأخير من القرن العشرين، قتل نحو 4 ملايين شخص، بينهم 90٪ من المدنيين و80٪ من النساء والأطفال، وتشرّد نحو 10 ملايين شخص في الصراعات التي استخدمت فيها الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، بما في ذلك المسدّسات والبنادق ومدافع الهاون والقنابل اليدوية والأجهزة المحمولة لإطلاق المقذوفات[13].
في ظل هذا الواقع الذي يشكّل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين، من جرّاء انتشار الأسلحة الخفيفة في البلدان والمناطق، ولكي نمنع الإرهابيين من الحصول على الأسلحة، لا بدّ من فرض مراقبة أشدّ صرامة على الأسلحة الصغيرة وذخيرتها، ووضع برامج أكثر فعالية في مجال نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. ومـن أجـل وجـود عـدالة تتصـف بالإنصــاف والمسؤوليــة وأمــن الإنســان، أكّـد مؤتمر الأمم المتحدة العـاشر لمنـع الجـريمة ومعامـلة المجــرمـين الذي انعقـد في فيينا من 10 إلى 17 نيسان/ أبريل 2000، أنـه يجب: "كبـح صنـع الأسلـحة النـارية وأجـزائها ومكـوّناتها والذخـيرة التابعة لها، والاتجـار بها بصـورة غير مشـروعة، وقـرّر أن يكـون العـام 2005 هـو العام المستهدف لتحقيق انخفاض ملحوظ في وقوع تلك الجرائم على نطاق العالم[14]".
وفي إطار عمل الأمم المتحدة على تقليص التجارة غير المشروعة في هذه الأسلحة، وهي الأسلحة المفضّلة لدى الإرهابيين والمجرمين والقوات غير النظامية، وافقت الدول في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالاتجار غير المشروع بالأسلحة الخفيفة من جميع جوانبه في العام 2001، على التدابير الرامية إلى تعزيز التعاون الدولي والإقليمي لمنع الاتجار غير القانوني بالأسلحة. وتشمل هذه الإجراءات، فتح سجل في الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية ونظام الإبلاغ الموحّد عن النفقات العسكرية، ما يشجّع زيادة الوضوح في الشؤون العسكرية، وتوسيع نطاق ذلك السجلّ ليشمل الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة[15].
كما واصلت هذه المنظّمة الدوليّة دعم الجهود التي تبذلها مجموعة كبيرة من العناصر الفاعلة والمبادرات الإقليمية والمجتمع المدني، من أجل تنفيذ برنامج العمل المتعلّق بمنع الاتجار بالأسلحة ومكافحتها والقضاء عليها. وفي هذا الصدد، قامت المنظّمة على وجه الخصوص بتقديم المساعدة إلى الدول الأعضاء في مجال إنشاء هيئات تنسيق وطنية، وتنمية القدرات الوطنية، وإدارة المخزونات أو تدميرها، وسنّ تشريعات وطنية. كما دعمت مراكز الأمم المتحدة الإقليمية عمليات نزع السلاح، التي تعتمد اعتمادًا كاملاً على التمويل الطوعي لتلك المبادرات، في المناطق التي تشهد صراعات داخلية وخصوصًا في القارة الأفريقية. إضافة إلى ذلك، تعمل أنشطة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة على تعزيز الدول ودعمها وتنفيذها وحثّها على التصديق على بروتوكول مكافحة صنع الأسلحة النارية وأجزائها ومكوّناتها والذخيرة والاتجار بها بصورة غير مشروعة، وهو البروتوكول المكمّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة[16].
* منع الاتجار بالنساء والأطفال والمهاجرين
لقد تزايدت عمليات تجارة الأطفال في أفريقيا واستفحلت. وقد تخطت ال200 ألف طفل، وفق تقديرات الأمم المتحدة وإحصاءاتها، التي تعتقد أن معظم هؤلاء من مالي وبنين وبوركينا فاسو وتوغو، وهم يعملون عبيدًا في أفريقيا الغربية. وإن تجّار الرقيق من الدول المجاورة والدول الغربية يبحثون في هذه البلدان عن عائلات فقيرة يقنعون أربابها بالتخلّي عن أولادهم مقابل بعض المال. وفي تايلاندا أصبح بيع الأطفال يمثّل تجارة رائجة. فضلاً عن ذلك، يتعرّض الأطفال للخطف بينما هم يلعبون في الشوارع، ويعمل الكثير منهم في ظروف سيئة في مصانع الهند وباكستان. كما أن الأزمات الاقتصادية والوضع المعيشي في أوروبا الشرقية، بعد انهيار الأنظمة الاشتراكية في هذه الدول، دفع مواطنيها إلى البحث عن لقمة العيش في المهجر. وقد تعرّضت الفتيات المهاجرات من هذه الدول للاستغلال المباشر، إذ وقعن ضحية شبكات الدعارة المنظّمة التابعة لعصابات المافيا الدولية.
بعد استفحال هذه الجرائم ضد الإنسانية التي باتت تقلق المجتمع الدولي، سارعت الأمم المتحدة إلى وضع اتفاقية تحظّر تشغيل الأطفال والرق في العالم. وصدر عن مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمـة ومعـاملة المجرمين في العام 2000، أنه على دول العالم أن تستحدث أنجح السبل للتعاون في ما بينها بهدف منع الاتجار بالأشخاص، ولاسيما النساء والأطفال، وتهريب المهاجرين. وأدركت الأمم المتحدة أن هذا التعاون لن يتم إلا بالتشاور الوثيق مع الدول. كما قرّرت هذه المنظّمة أن يكون 2005 هو العام المستهدف لتحقيق انخفاض ملحوظ في القضاء على الاتجار بالأطفال والنساء[17].
* التعاون في مجال تسليم المجرمين
أدركت الأمم المتحدة أن القضاء على المجرمين والتضييق على مجال عملهم ونشاطهم، لا يتحقّق إلا من خلال التعاون الدولي وتقديم المساعدة للبلدان المحتاجة إليها. ومن دون هذا التعاون فإن القضاء على الجريمة المنظّمة بات مستحيلاً. وقد سارعت المنظّمة الدولية إلى تقديم المساعدة التقنية والاتصالات الإلكترونية. وساهم المجلس الاقتصادي والاجتماعي في إجراءات التعاون على صعيدي الشرطة والقضاء، والتعاون المتبادل في مجال تسليم المجرمين، ومصادرة العائدات غير المشروعة، وحماية الشهود، وتبادل المعلومات والتدريب وغيرها من أشكال المساعدة. وبعد مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في العام 2000، شاركت الأمم المتحدة في بناء قدرات الدول الأعضاء، بما في ذلك الحصول على التدريب، والمساعدة التقنية، وصوغ التشريعات واللوائح التنظيمية، وتنمية الخبرات الفنية، وإبرام المعاهدات من أجل التعاون التقني.
* مكافحة الفساد
بعد زيادة الأنشطة الإجرامية المنظّمة وانتشارها، وممارسات الفساد والرشوة في الصفقات التجارية الدولية في القارة السوداء، نظّم فرع منع الجريمة والعدالة الجنائية للأمم المتحدة في شهر تموز/يوليو 1997 في السنغال المؤتمر الأفريقي للعمل ضد الجريمة المنظّمة والفساد، وتم تبنّي "إعلان داكار" الذي تضمّن التعاون بين ممثلي الدول الإفريقية من أجل مكافحة الفساد والرشوة. وبموجب "إعلان فيينا" في العام 2000 حول الجريمة والعدالة في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، التزمت الأمم المتحدة اتخاذ تدابير دولية مشدَّدة لمكافحة الفساد والرشوة في المعاملات التجارية الدولية، والشرعة الدولية لقواعد سلوك الموظفين العموميين، والاتفاقيات الإقليمية ذات الصلة والمحافل الإقليمية والدولية. "وبعد إعلان" فيينا وضعت منظّمة الأمم المتحدة صكًا قانونيًا دوليًا فعالاً لمكافحة الفساد[18].
ب ـ دور منظّمة الشرطة الجنائية الدولية (الأنتربول)
أنشئت منظّمة الشرطة الجنائية الدولية في العام 1923، ومقرّها مدينة ليون في فرنسا. ولهذه المنظّمة مكاتب وفروع في كل دولة من الدول 177 الأعضاء. وساهمت الأنتربول في مكافحة الجريمة المنظّمة وتزويد الدول الأعضاء بمعلومات مهمة عن المجرمين المطلوبين للعدالة. وقد تركّز اهتمام منظّمة الشرطة الدولية بالجريمة المنظّمة ذات الصلة بغسل الأموال.
تقوم هذه الظاهرة على إعادة تدوير الأموال الناتجة من الأعمال غير المشروعة في مجالات وقنوات شرعية لإخفاء مصدر هذه الأموال الحقيقي، ولكن تبدو كما لو أتت من مصدر مشروع. ومن أمثلة هذه الأموال غير المشروعة (الأموال الناتجة من تجارة المخدرات، الرقيق، الدعـارة، الأسلحة). وفي اجتماع الأنتربول في العام 1995 تم اتفاق الدول الأعضاء على اتخاذ قرار يتعلّق بمكافحة الجرائم المالية عبر الدول وتعزيزها في التعاون الدولي. وقد أوصت الأنتربول الدول الأعضـاء بتبنّي مسائل تضمّنها تشريعاتها الداخلية، وهي تتمثل بـ: اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع استخدام التكنولوجيا في غسل الأموال؛ ضرورة تأكّد الأجهزة المعنية بالرقابة والإشراف على المصارف والمؤسسات المالية، من وجود برامج كافية لدى هذه الجهات لمكافحة غسل الأموال؛ تعاون الأنتربول في الدول العربية والإسلامية مع الأنتربول الدولي في مجال تسليم المجرمين ومصادرة الأموال غير المشروعة؛ تعقّب الأموال ومنح سلطة التحرّي القانوني الكافية لمسؤولي تنفيذ القانون، لتعقّب رؤوس الأموال المحصلة من النشاط الإجرامي الخطير ومتابعتها وتجميدها. وفي العام 1993 أنشأت الأنتربول وحدة تحليل المعلومات الجنائية، التي ترتبط بالأمانة العامة، ومهمّتها استخلاص المعلومات عن المنظّمات الإجرامية. ولدى الأنتربول نظام اتصالات متطوّر يمكّنه من نقل المعلومات بين الدول الأعضاء[19].
2ـ نشاط المنظّمات الإقليمية
لقد ساهم المجلس الأوروبي، والاتحاد الأوروبي، ومجموعة الدول الصناعية الثمانية الكبرى (G8) ومنظّمة الدول الأميركية، ومجلس وزراء الداخلية العرب المنشأ داخل جامعة الدول العربية، في الحد من تداعيات الجريمة المنظمة على الاستقرار المحلي والإقليمي، من جراء إتخاذ مجموعة من الإجراءات والأحكام لمكافحة هذه الظاهرة.
أ- المجلس الأوروبي Le Conseil D’Europe
أنشئ المجلس الأوروبي في العام 1949 ويعدّ من أقدم التنظيمات السياسية الأوروبية، إذ يغطي جميع المجالات السياسية باستثناء الدفاع، ومقرّه في مدينة ستراسبورغ الفرنسية. يمارس هذا المجلس أنشطته المتعدّدة في مكافحة الجريمة المنظّمة من خلال اللجنة الأوروبية الخاصة بمشاكل الجريمة (Comité Européen et les problèmes de crime) في العام 1995، وضع المجلس الأوروبي اتفاقية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات عن طريق البحر، وذلك استنادًا إلى المادة 17 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجارغير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية للعام 1988. وفي العام 1996، وضع المجلس الأوروبي مشروعًا يهدف إلى مكافحة الفساد والجريمة في ست عشرة دولة من وسط أوروبا وشرقها، هذه الدول هي: ألبانيا، بلغاريا، جمهورية تشيكيا، كرواتيا، إستونيا، هنغاريا، لاتفيا، لتوانيا، مولدافيا، بولندا، رومانيا، روسيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، جمهورية مقدونيا وأوكرانيا. وفي العام 1997، أنشئت لجنة مختصة من خبراء بالقانون الجنائي، هدفها توضيح الجريمة المنظّمة واقتراح وسائل التعاون الدولي. كما توصّل المجلس إلى تبنّي توصيات لحماية الشهود من قضايا الإجرام المنظّم، وتم تناول موضوع الأمن ومكافحة الاتجار بالمخدرات ووضع قواعد عامة لحماية الأطفال.
ب- الاتحاد الأوروبي Union Européenne
بدأ التعاون الأمني بين الدول الأوروبية، بعد توقيع هذه الدول معاهدة الوحدة الأوروبية المعروفة بمعاهدة ماستريخ في العام 1992. وقد سهّلت هذه الاتفاقية تنقل رؤوس الأموال والأشخاص والسلع والخدمات بين حدود هذه الدول، ما دفع المنظّمات الإجرامية إلى توسيع نطاق أنشطتها ليشمل مختلف الدول الأعضاء في المعاهدة. وقد عمد الاتحاد الأوروبي إلى مكافحـة المخدرات، إذ أنشأ في العام 1993 وحدة المخدّرات الأوروبية داخل الهيكل التنظيمي للاتحاد الأوروبي، ومقرّها مدينة لاهاي في هولندا. وتمثلت مهماته بتبادل المعلومات في مجال المخدرات وغسـل الأموال وتبادل المعلومات في مجال الأنشطـة الإجرامية المنظّمة التي تمتد آثارها إلى دولتين فأكثر. والأنشطة الإجرامية الداخلة في نطاق هذه الوحدة هي الاتجار غير المشروع بالمخدرات، شبكات الهجرة غير الشرعية، تهريب السيارات المسروقة، ثم أضيف إليها في العام 1996 جرائم الاتجار بالأشخاص. وفي العام 1999، أسّست اللجنة الأوروبية التابعة للاتحاد الأوروبي وحدة خاصة مسؤولة عن جرائم الاحتيال الواقعة ضد مصالح الاتحاد الأوروبي المالية، ووحدة مكافحة الغش التي تعمل على تطوير الإستراتيجية الرامية إلى مكافحة الجريمة، إلى جانب حماية عملات الاتحاد الأوروبي من التزييف. وقد أبرم الاتحاد الأوروبي عدة اتفاقيات في مجال مكافحة الجريمة المنظّمة منها:
- إتفاقية حول تسهيل إجراءات المجرمين بين الدول الأعضاء، وقد تبنى هذه الاتفاقية المجلس الأوروبي في العام 1995.
- معاهدة الاتحاد الأوروبي حول المساعدة المتبادلة في المسائل الجنائية في العام 1997. وفي مجال مكافحة الفساد، تناول رؤساء دول الاتحاد الأوروبي في العام 1997 مشكلة الفساد بين موظفي الجماعة الأوروبية وطرائق معالجتها[20].
ج- مجموعة الدول الصناعية الكبرى (G8)
إهتمت مجموعة الدول الصناعية الثمانية الكبرى (G8)، التي ضمّت الولايات المتحدة الأميركية، اليابان، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، كندا ومن ثم روسيا، منذ تأسيسها، بمكافحة الجريمة المنظّمة، وذلك عن طريق إنشاء هيئة العمل المعنية بالإجـراءات المالية في قمـة باريس الاقتصادية في العام 1989. وقـد قامـت هذه الهيئة بإصـدار توصيات في 19 نيسان/أبريل 1990 تمثّلت بما يأتي:
- على المؤسسـات المالية أن تحتفظ بأسماء الأشخاص في سجلات، لمدة خمس سنوات على الأقل، عند قيامهم بإبرام معاملات مالية أو تجارية، وأن تطلع عليها السلطات المختصة عند الطلب.
- على كل بلد أن يتخـذ خطـوات للمصـادقة على إتفاقية الأمم المتحدة للمخدرات الصادرة في العام 1988.
- على الدول إتخاذ إجراءات تسليم المجرمين المتّهمين بجريمة غسل الأموال أو ذات الصلة بها.
إضافة إلى ذلك، تم إنشاء مجموعة أخرى إبان إجتماع الحكومات السبع في كندا في 15–17 حزيران/يونيو 1995، وتمثّل هدفها بمكافحة الجريمة المنظّمة عبر الدول. وفي قمة الحكومات السبع التي عقدت في مدينة ليون الفرنسية في 29/6/1996 تبنّت البلدان السبعة توصيات، من أهمها:
- تشجيع الدول على تسليم المجرمين عن طريق المعاهدات والتشريعات.
- على الدول توفير الحماية الكافية للأشخاص الذين قدّموا معلومات أو أدلّة أو شاركوا أو وافقوا على المشاركة في التحري بشأن جريمة مرتكبة.
- على دوائر الهجرة أن تؤدّي دورها في مكافحة الجريمة المنظّمة عبر الدول، ومحاربة تهريب الأجانب. وعلى الدول تبادل المعلومات عن تحرّكات المجرمين عبر الحدود، والنظر في اتخاذ تدابير تشريعية لمصادرة العائدات غير المشروعة المتأتية من الاتجار بالمخدرات وغير ذلك من الجرائم الخطيرة أو ضبطها، ووضع اليد على الأصول حسب الاقتضاء، وتوفير ترتيبات موقتة كتجميد الأصول أو ضبطها[21].
د- منظّمة الدول الأميركية Organisation Des Pays Américains
أنشئت منظّمة الدول الأميركية في العام1980 في الولايات المتحدة الأميركية ومقرّها واشنطن، وهي منظّمة مكرَّسة لعملية السلام والتنمية في البلدان الأميركية. وفي العام 1986 أسّست هذه المنظّمة لجنة لمراقبة استعمال المخدرات أطلقت عليها (لجنة البلدان الأميركية لمكافحة تعاطي العقاقير المخدرة Commission des pays américains pour le contrôle de drogue.) CICAD) وقد ساهمت هذه اللجنة في دفع الدول الأعضاء إلى خفض الطلب على المخدرات غير المشروعة، ومنع استعمالها، ومكافحة الإنتاج والاتجار غير المشروع بها، وتعزيز التعاون بين دول المنظّمة من خلال تبادل المعلومات وتدريب الأشخاص.
وفي العام 1991 أنشأت (سيكاد) مجموعة من الخبراء قدّمت مشروع قانون لمكافحة غسل الأموال، وافقت عليه الدول الأعضاء في آذار/مارس 1992. وقد طلبت (سيكاد) من الدول الأعضاء تبنّي التوصيات التي أصدرتها في مجال مكافحة غسل الأموال. وفي العام 1994 صدر عن منظّمة الدول الأميركية بيان (Santiago) أكّد التزام الدول الأعضاء بدعم لجنة البلدان الأميركية لمكافحة تعاطي العقاقير المخدرة، ومكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات. وفي قمة ميامي التي انعقدت في الولايات المتحدة الأميركية في تشرين الأول/أكتوبر 1994، تبنّت منظّمة الدول الأميركية خطة عمل لمكافحة جرائم المخدرات والجرائم المتصلة بها. وفي بيونس إيرس في الأرجنتين، إتفق وزراء الدول الأعضاء على تقديم خطة عمل إلى حكوماتهم تتعلّق بمكافحة غسل الأموال[22]. وفي العام 1996 إنضمت منظّمة الدول الأميركية إلى إتفاقية مكافحة الفساد والرشوة الصادرة عن الأمم المتحدة. وأدركت الدول الأعضاء في المنظّمة وجوب محاربة الفساد والرشوة وذلك عن طريق ما يأتي: تطوير كل دولة من الدول الأعضاء الآليات اللازمة لمنع الفساد وكشفه، وتطوير التعاون بين الدول الأعضاء في المنظّمة لضمان محاربة الفساد وكشفه، ومعاقبة مرتكبيه[23].
هـ- جامعة الدول العربية
تمارس جامعة الدول العربية مهمّات تحقيق الأمن الداخلي للدول الأعضاء فيها، من خلال مجلس وزراء الداخلية العرب الذي أنشئ في العام 1982 داخل هيكلها التنظيمي. وقد حقّق المجلس منذ إنشائه خطوات كبيرة في مجال التعاون الأمني العربي المشترك، ودعم جهود مكافحة الجريمة المنظّمة. وقد نسّقت الدول العربية جهودها في ما يتعلّق بوضع تشريعات وقوانين بهدف التصدّي لظاهرة المخدرات. وطالبت الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب بتنمية التعاون بين الدول الأعضاء في مكافحة المخدرات، بحيث أُعِدَّ أول قانون عربي موحّد نموذجي للمخدرات، إعتمده وزراء الداخلية العرب في العام 1986.
كما ناشد المؤتمر الإسلامي العالمي الثاني لمكافحة المخدرات والمسكرات، الذي عقد في إسلام آباد في تموز/يوليو 1989 الدول الإسلامية، توقيع عقوبة الإعدام على منتجي المخدرات ومروّجيها ومستورديها والمتاجرين بها، وتدريب العاملين في أجهزة الأمن العربية لترشيد سبل المكافحة والمعالجة. ويسعى العـالم العربي إلى إنشــاء هياكـل لمكافحـة الجريمـة المنظّمة، كإنشـاء مركـز الشرطـة العربية لمكافحة الإجرام. ويعمل في هذا المـركز موظفون ذوو خـبرة وكفـاءة لمكافـحة الجريمة عبر العالم العــربي، بالتعـاون مع الأجهـزة الإقليمـية والدوليـة الأخـرى. وتعمل حكومات الدول العـربية على زيـادة التعـاون في ما بينـها، وتبـادل الوثائـق والمستنـدات والمجرمين. ويهدف هذا التعاون إلى منـع ازديـاد الجريمة المنظّمة وتوســّعها عـن طريـق إنشاء فـرق عمل مشتـركـة، للحيلـولة دون تراكـم رؤوس أمـوال لـدى الجمـاعات الإجـراميـة المنظّمة، ومصادرة عائـداتها غير المشـروعـة عـن طـريق الأجهـــزة القضــائية، والمتأتيـة خـصوصًا من المخـدرات، والاتجـار بالنسـاء، وتـزييف العمــلة والتهـرّب الجــمركي[24].
وعلى الرغم من هذا التعاون الإقليمي والدولي لمكافحة الجريمة المنظّمة، أشار مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة الجريمة والمخدرات إلى أن عوائد الجريمة المنظّمة تقدّر بمئة وعشرين مليار دولار سنويًا في العالم. وأن تجارة الهيرويين والكوكايين تدرّ مئة وخمسة مليارات دولار سنويًا، يتم استغلالها في الأنشطة الإجرامية وتأجيج الإرهاب. وحذّر يوري فيدوتوف المدير العام للمكتب، من تفاقم الجريمة المنظّمة وأبعادها الدولية، وقال في أثناء انعقاد مؤتمر الدول الأعضاء في معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة الدولية المنظّمة الذي استضافته فيينا في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2010: "بعد عشر سنوات على باليرمو، نحتاج إلى أن نكون صريحين، فالتهديدات التي تمثّلها الجريمة المنظّمة للأمن والتنمية الدوليين لم تتقلّص في الدول الفقيرة. ويهدّد المجرمون اليوم العالم بأسره، ويعتبرونه سوقًا، فتنشأ البضائع المهرّبة في قارة وتعبر أخرى وتُسوَّق في ثالثة". وذكر فيدوتوف أن المعاهدة الدولية تعدّ أداة قوية لمحاربة الجريمة المنظّمة، لكنه أشار إلى عدم الاستفادة بالشكل الكافي من المعاهدة التي تم تبنّيها قبل عشر سنوات في باليرمو. كما شدّد على ضرورة فعل المزيد لنشر الوعي في شأن كيفية استفادة الدول من المعاهدة على نحو أكثر فعالية من خلال تنسيق الجهود بين مؤسسات تنفيذ القانون[25].
أمام هذه المعطيات، على الرغم من أن الجهود العالمية ساهمت، وخصوصًا في الدول المتقدّمة، في الحد من تداعيات الجريمة المنظّمة على استقرار هذه الدول، إلا أنها لم تؤدّ في المقابل إلى القضاء على هذه الظاهرة في الدول الفقيرة. فما تزال حتى يومنا الحاضر أمور مثل إنتشار الفساد وغسل الأموال، وتجارة الأسلحة الخفيفة غير المشروعة، وتجارة الموارد الطبيعية، وتجارة الأدوية المزيَّفة، والاتجار بالمخدرات والبشر والحيوانات والنباتات البرّية، في منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية وأميركا اللاتينية تقلق المجتمع الدولي وتهدّد الأمن والسلم الدوليين على الرغم من الاتفاقيات وما تتضمن من أحكام وتدابير وإجراءات لمكافحة هذه الجرائم. ألا يتطلّب الحدّ من هذه الظاهرة الخطيرة، إعطاء الأولوية من قبل المجتمع الدولي لمعالجة القضايا الاجتماعية بصورة جدَية ولاسيما الفقر والمجاعة والبطالة، وتحقيق الديمقراطية في الدول الفقيرة، ووقف الصراع الدولي على الموارد الأولية في هذه البلدان، وفي دول الشرق الأوسط؟
[1]1- ريمون حداد، "العلاقات الدوليّة"، دار الحقيقة، بيروت، الطبعة الأولى، 2000، ص. 287.
[2] - الشتوي محمد حسن، "بحث في الجريمة المنظمة"، منتديات ستار تايمز، 16/7/2012.
[3]- بينو أرلاتشي، "دور المجتمع الدولي في مكافحة الجريمة المنظّمة"، مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات ومنع الجريمة، الأمم المتحدة، نيويورك، 2010.
[4]- بينو أرلاتشي، مرجع سابق.
[5]- حنا عيسى، "الجريمة المنظمة عبر الوطنية"، وكالة فلسطين الإخبارية، 6/5/2013.
[6]- عبد الفتاح مصطفى الصيفي، مصطفى عبد المجيد كاره، أحمد محمد التكلاوي، "الجريمة المنظّمة"، التعريف والأنماط والاتجاهات، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 1999، ص. 30ـ 40.
[7]- راجع المؤتمر الوزاري العالمي الذي عقد في مدينة نابولي بين 21 ـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1994، المتعلّق "بمنع الجريمة المنظّمة ومكافحتها" تحت إشراف الأمم المتحدة - وثيقة الأمم المتحدة رقم 5/88 في 19 حزيران/يونيو 1994.
[8]- راجع مؤتمر الأمم المتحدة التاسع "لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين"، القاهرة 29 نيسان/أبريل ـ 8 أيار/مايو 1995.
[9]- للمزيد من المعلومات راجع إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 الدورة الخامسة والخمسون، المؤرّخ في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر2000.
[10]- ـ للمزيد من المعلومات راجع إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثّرات العقلية لعام 1988. صدرت هذه الاتفاقية في العام 1990، و بلغ عدد أعضائها 157 دولة في العام 2006.
[11]- ماجدة محمد علي، "التعاون الأمني الدولي لمكافحة الجريمة المنظّمة عبر الدول"، جريدة التآخي، 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2010.
[12]- .Sophie Clairet, Magazine Diplomatie hors-série N°.11, Avril-Mai 2010
[13]Voir La Conférence des Nations Unies sur “Le Commerce illicite des Armes Légères sous tous ses Aspects» 13-
qui a eu lieu à New York au Siège de l'Organisation des Nations Unies du 9 au 20Juillet 2001, p. 15- 17.
[14]- Voir le Dixième Congrès des Nations Unies pour «La Prévention du Crime et le Traitement des Délinquants», Vienne (Autriche), 10-17 Avril 2000
[15]- Quatrième Réunion biennale des États pour l’examen de la mise en œuvre du Programme d’action en vue de «Prévenir, Combattre et Eliminer le Commerce illicite des Armes Légères sous tous ses Aspects», Assemblée Générale CD/3249, Nations Unies, New York, 16 Juin 2010
[16]- راجع تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن أعمال المنظّمة 2002، مرجع سابق، ص 23-25.
[17]- Pour plus d’information, Voir le Dixième Congrès des Nations Unies pour “La Prévention du Crime et le Traitement des Délinquants», Op.cit
[18]- حسين فريجة، "الجهود الإقليمية والدولية في مكافحـة الجريمة المنظّمة"، مجلة علوم إنسانية، الجزائر، العدد 29، تموز/يوليو 2006، ص. 12ـ 15.
[19]- توركنيس يوسف داود، "الجريمة المنظّمة"، الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2001، ص. 110 ـ 118.
[20]- Union Européenne, “La Revue Défense Nationale et Sécurité Collective», Collège Interarmées de Défense, Paris Cedex, 2007, p. 8-9
[21]- توركنيس يوسف داود، "الجريمة المنظّمة"، مرجع سابق، ص. 120.
[22]- حسين فريجة، "الجهود الإقليمية والدولية في مكافحـة الجريمة المنظّمة"، مرجع سابق، ص. 32ـ 35.
[23]- ـ راجع وثيقة الأمم المتحدة، "إجراءات مكافحة الفساد والرشوة"، رقم 3/1997 في 5 آذار/مارس 1997 الفقرة 64.
[24]- ـ عبد الفتاح مصطفى الصيفي، مصطفى عبد المجيد كاره، أحمد محمد التكلاوي، "الجريمة المنظّمة، التعريف والأنماط والاتجاهات"، مرجع سابق، ص. 45ـ 50.
[25]- راجع تقرير مدير مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة الجريمة والمخدرات بعنوان "دعوة للاستفادة بشكل أكبر من معاهدة مكافحة الجريمة المنظّمة"، الأمم المتحدة، نيويورك، 20/ 10/ 2010.
The role of the International Community in the fight against organized crime
The rise of security challenges, and especially international, regional and local armed conflicts, the spread of weapons of mass destruction and the terrorism phenomenon have all caused the destabilization of international stability and the threat of international peace and security. Furthermore, these security dangers have acute repercussions over social and economic security since a strong correlation exists between security, society and economy for development cannot exist without security and vice versa.
In light of this dangerous reality in all corners of the word, especially in Asia and more specifically in the Middle East region, South America and the Black continent, and in light of any Nation’s disability to confront these security issues on its own, new International Forces have emerged on the international scene to perform these actions. International governmental organizations and regional organizations have formed along with the International Community and State organizations the core of International communal administration to tackle these challenges which started spreading throughout the world and threatening world stability.
In this study, we will elaborately discuss the role of the International Community in fighting organized crime by shedding light over the concept of organized crime and its contents and the actions taken by the international administration in eradicating this dangerous phenomenon.
Based on these facts, many questions were raised about the dynamism and efficiency of International governmental organizations and regional organizations in this area and whether the measures have contributed to limit the consequences of organized crime over world security.
Le rôle de la communauté internationale dans la lutte contre le crime organisé
L'accroissement des défis sécuritaires, surtout les conflits armés locaux, régionaux et internationaux, le déploiement des armes de destruction massive, le crime organisé, le terrorisme, tous ces facteurs ont porté atteinte à la stabilité mondiale et ont menacé la sécurité et la paix internationales. Ces dangers sécuritaires ont des répercussions dangereuses sur la sécurité sociale et la sécurité économique, vu le lien étroit entre la sécurité, l'état social et l'économie: le développement n'existe sans sécurité et la sécurité n'existe pas sans le développement.
A l'ombre de cette réalité dangereuse dans les quatre coins du monde, surtout en Asie et plus spécifiquement dans la région du Moyen Orient, en Amérique du Sud et dans le continent noir, et à l'ombre de l'incapacité de tout pays de faire face, sur le plan individuel, à ces causes sécuritaires, de nouvelles forces mondiales ont émergé sur la scène internationale pour accomplir cette mission. Les organisations internationales gouvernementales, les organisations régionales, la société civile internationale ainsi que les institutions des pays, ont tous constitué le noyau de la gestion collective internationale pour traiter ces défis qui se répandent de plus en plus dans tous les pays du monde et menacent par la suite leur stabilité.
Dans cette étude, nous évoquerons en détail le rôle de la communauté internationale dans le domaine de la lutte contre le crime organisé, surtout le concept du crime organisé et l'activité de la gestion mondiale pour battre ce phénomène dangereux.
Allant de ces données, plusieurs questions se posent sur le dynamisme des organisations internationales gouvernementales et les organisations régionales, à quel point sont-elles efficaces dans ce domaine, et les mesures de traitement ont-elles contribué à limiter les répercussions du crime organisé sur la sécurité internationale.