- En
- Fr
- عربي
الأمن المائي في لبنان وبلدان الشرق الأوسط
تمهيد
في مطلع عقد التسعينيات من القرن العشرين، طرح تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة للعام 1990، فكرة الأمن البشري كإطار يتجاوز المنظور الكلاسيكي لفكرة الأمن الوطني، والذي كان محصورًا بالجوانب العسكرية والأمنية وما يتصل بها.
وفي وقت لاحق عرّف عددٌ من التقرير المشار إليه (2006) الأمن البشري بأنه يتمّثل في توافر الحماية ضد ما لا يُمكن التنبؤ به من أحداث تؤدّي إلى اضطراب في حياة البشر وسبل معيشتهم. واعتبر التقرير أمن المياه أو الأمن المائي جزءًا لا يتجزأ من هذا المفهوم الجديد والشامل للأمن (البشري) إلى حد أن عدم توافر الظروف المؤاتية لتحقيق الأمن المائي يحول بالتالي من دون تحقيق الأمن البشري أو انعدامه.
وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية (2008)، وما رافقها من مخاطر اقتصادية واجتماعية وبيئية وغيرها، أطلق تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2009 مفهوم "أمن الإنسان،" واعتبره الركيزة الأساس للتنمية البشرية، كما اعتبر أنّ الأخطار البيئية تأتي في رأس قائمة الأخطار التي تهدّد أمن الإنسان وأنّ مشاكل المياه من ندرة وإجهاد وتلوّث وغيرها، هي في صدارة هذه الأخطار البيئية[1].
فما هو الأمن المائي؟ ولماذا لم يتمّ التطرّق إلى هذا المفهوم للأمن إلاّ في الفترة الأخيرة؟ وما هي أسباب اختلال الأمن المائي خلال العقود الأخيرة في البلدان النامية بشكل عام، ولبنان وبلدان الشرق الأوسط بشكل خاص؟ وكيف يمكن تحقيق الأمن المائي في لبنان؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا البحث الذي سوف يتناول بصورة حصرية موضوع الأمن المائي في بلدان الشرق الأوسط العربية في غرب آسيا وشمال أفريقيا، والكيان الإسرائيلي بسبب وجوده في العالم العربي وتشابه مشكلات المياه فيه، من الناحية الطبيعية، مع مشكلات المنطقة العربية المحيطة.
أولاً: في مفهوم الأمن المائي
لقد تمّ النظر إلى الأمن المائي في الأساس على أنه الحال الذي يكون فيه عند كل شخص فرصة أو إمكان الحصول على مياه نظيفة ومأمونة بالقدر الكافي وبالسعر المناسب، حتى يتمكّن من أن يعيش حياة ينعم فيها بالصحة والكرامة والقدرة على الإنتاج، مع الحفاظ على النظم الإيكولوجية التي توّفّر المياه وتعتمد عليها في الوقت نفسه، بينما يؤدّي انقطاع سبل الحصول على المياه إلى تعرّض البشر لمخاطر كبيرة تتعلّق بالأمن البشري، أبرزها انتشار المرض وانقطاع سبل المعيشة[2].
وتتفق هذه النظرة مع الإعلان الذي أطلقته لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذي نصّ على أن "حق الإنسان في المياه يجب أن يكفل للجميع إمكان الحصول على المياه بشكل كافٍ وآمن ومقبول وبسعر مناسب، مع القدرة على الوصول إليها، ذلك لأغراض الاستخدام الشخصي والمنزلي".
وفي وقت لاحق لم يعد يُنظر إلى انعدام الأمن المائي من زاوية الندرة المادية للمياه، والتي تعرف بعجز الموارد المائية عن تلبية الطلب فحسب، بل كنتاج لسياسات سوء إدارة الموارد المائية أيضًا.
كما أن تغيّر المناخ في العقدين الأخيرين، وما رافقه من تغيّر في أنماط سقوط الأمطار وحدوث مظاهر طقس متطرّفة، وارتفاع مستوى البحر، سلّط الضوء بشكل جليّ على الخصائص التدميرية للمياه، والتي تتجلّى في العواصف والأعاصير والفيضانات، وحتى الجفاف. وهذا ما دفع علماء المياه إلى اعتبار أمن المياه مرتبطًا أيضًا بالقدرة على التنبؤ بالمخاطر، وإمكان الحد من الضرر الناتج عن الإمكانات التدميرية للمياه.
وبهذا المعنى فإن أمن المياه أصبح يتمثّل بالقدرة على الحصول على المياه من أجل الاستهلاك البشري وكمصدر إنتاجي من جهة، وفي الحد من الإمكانات التدميريّة للمياه والحماية من المخاطر المرتبطة بها من جهة أخرى[3].
من ناحية ثانية، فقد أدّت الصرخات المدوية والتي حذّرت في السنوات الأخيرة من حتميّة "نضوب المياه" في العالم إلى توسيع دائرة الاهتمام بأمن المياه، حيث يعتبر العديد من المنظمات الدولية والجمعيات الحقوقية والبيئية أن الحق في الحصول على المياه وتكافؤ الفرص في الحصول عليها ضمن الجيل الحالي، يجب أن لا يعرّض للخطر قدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها من هذا المورد الحيوي. وينسجم هذا الطرح مع إحدى النتائج التي تمخضت عن قمة الأرض الأولى التي عقدت في الريو دي جينيرو العام 1992 والتي اعتبرت "أن كوكب الأرض ليس ملكية خالصة للأجيال الحاضرة، بل هي تشغله على سبيل الاستعارة من الأجيال القادمة"[4].
ثانيًا: لماذا موضوع الامن المائي الآن؟
لقد كان ينظر إلى المياه على أنها أحد الموارد الطبيعية المتجدّدة، إذ إنّ الكميات الموجودة منها على كوكب الارض تمتاز بالثبات النسبي وتكاد تكون هي نفسها منذ آلاف السنين. ولقد عزّزت الدورة الهيدرولوجية للمياه هذا الاعتقاد، إذ يتبخّر يوميًا من السطوح المائية جزء منها بفعل أشعّة الشمس، وتحرّك الرياح الهواء الرطب المشبّع بالبخار إلى مناطق أخرى ذات حرارة منخفضة فيتكثف من جديد ويسقط على شكل أمطار وثلوج معوّضًا بذلك عن الجزء الذي استهلكه الإنسان[5].
إلاّ أن التزايد الكبير في عدد السكان خلال المئة سنة الأخيرة إلى حد أن سكان العالم بلغوا في نهاية المئوية المشار إليها أربعة أضعاف ما كانوا عليه في بدايتها، وارتفعت معدّلات استهلاكهم للمياه بمعدّل سبعة أضعاف في الفترة نفسها، مما أثار شكوكًا كبيرة حول إمكان استمرار اعتبار المياه كمورد متجدّد، ومدى كفايتها لحاجات البشر مستقبلاً[6].
ولقد أتت التغيّرات المناخية الأخيرة لتنشر الجفاف في أجزاء واسعة من الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية، وتدفع حدود الصحراء أكثر من 500 كلم شمالاً نتيجة تصحّر حوالى 90000 كلم2 من الأراضي الزراعية سنويًا، فجعلت بذلك من موضوع الحرمان من المياه واحدًا من أكبر التحديات التي تواجه البشرية في مطلع القرن الحادي والعشرين[7].
في المقابل فإن ما ذكرته تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الامم المتحدة في السنوات السبع الاخيرة شديد الخطورة ويدعو إلى القلق. فقد جاء في التقرير الصادر في العام 2006 أن في العالم 1،1 مليار شخص لا يستطيعون الحصول على الحد الأدنى من المياه النظيفة و2،6 مليار شخص لا تتوافر لديهم مرافق الصرف الصحي الأساسية، ويشّكل هذا الرقم الأخير أكثر من 50 % من سكان البلدان النامية. كما فاق – حسب الترتيب ذاته – عدد الذين يموتون سنويًا بسبب الأمراض الناتجة عن نقص المياه وتلوثها في العالم، عدد الذين يموتون في الحروب والنزاعات المسلّحة. ويزداد سنويًا عدد الاشخاص الذين ينخفض نصيب الفرد منهم إلى ما هو أقل من 20 ليترًا في اليوم، وهو ما يمثّل الحد الأدنى اللازم للوفاء بأكثر احتياجات الانسان ضرورة.
وفي الختام، فإن أزمة المياه باتت تزيد من انتشار المظاهر الصارخة لعدم المساواة في فرص الحياة بين الأمم الغنية والأخرى الفقيرة، كما أنها تحدث تفاوتًا كبيرًا في مستويات الحياة بين مواطني البلد الواحد، خصوصًا في البلدان النامية حيث الأمن المائي أصبح مختلاً أو مفقودًا.
ثالثًا: أسباب اختلال الأمن المائي في البلدان النامية بشكل عام وبلدان الشرق الأوسط بشكل خاص
عوامل وأسباب عديدة تساهم في اختلال الامن المائي أو فقدانه في البلدان النامية، أبرزها:
1- ندرة المياه
يرى بعض الاقتصاديين أن مصدر القلق العالمي حول المياه يعود إلى ندرتها التي تزايدت مع زيادة عدد السكان واتساع الطلب العالمي على استهلاكها. فهل هناك ندرة في المياه حقًا؟
يقوم النظام الهيدرولوجي لكوكب الأرض بضخ حوالى 44000 كيلومتر مكعب من المياه ونقلها إلى اليابسة سنويًا أي ما يعادل 6900 متر مكعب لكل فرد من سكان الكوكب الأرضي. وعلى الرغم من ضياع جزء كبير من هذه المياه في الفيضانات التي لا يمكن التحكّم فيها أو في مواقع بعيدة عن متناول يد الإنسان، إلاّ أنّ ما يتوافر للفرد من المياه في العالم يبقى أكثر من 1700 مترٍ مكعبٍ، وهو المعدّل الوسطي الذي يعتبره علماء المياه الحد الادنى المطلوب للفرد من أجل الوفاء بحاجات الزراعة (الغذاء) ودعم الصناعات والمحافظة على البيئة[8].
ويعتبر العلماء أن توافر المياه في بلد ما بما هو أقل من 1000 متر مكعب للفرد سنويًا هو ندرة، بينما يعتبر توافرها بأقل من 500 متر مكعب للفرد في العام هو ندرة مطلقة[9]..
مع الإشارة إلى أن كمية المياه المتوافرة لا تعدّ المؤشر الوحيد على ندرة المياه، فجودتها تعتبر عاملاً مؤثّرًا، هذا فضلاً عن الحجم المتاح للإستخدام.
ويمكن القول إنّ ندرة المياه موجودة، إنما يقتصر ذلك حتّى الآن على بعض البلدان والأقاليم. واللافت هنا أنه في حين تنعم بلدان شمال القارة الامريكية وغرب وأوروبا ووسطها وصولاً إلى اليابان بمعدلات مائية عالية بشكل عام، فإن غالبية البلدان التي تشكو من الندرة أو الاجهاد المائي تنتمي إلى دول الجنوب أو ما اتفق على تسميته بالبلدان النامية.
على العموم يمكن القول: إنّ ندرة المياه الموجودة في العديد من البلدان النامية هي نتاج لبعض العوامل أبرزها:
أ- تسارع الزيادة السكانية
لقد تطوّر سكان كوكب الأرض من مليار نسمة في العام 1800 إلى 3 مليار في العام 1950، وإلى ما يقرُب من 7 مليارات في وقتنا الحاضر. وإذا اعتبرنا أن كمية المياه المتاحة كانت ثابتة فيكون نصيب الفرد العالمي من المياه قد انخفض إلى 7/1 عما كان عليه في العام 1800.
ب- ازدياد سكان المدن وعمليات التحضّر
يزداد سكان المدن قياسًا على إجمالي سكان الدولة بصورة مستمرّة في كل بلدان العالم، وهذا ما يؤدّي إلى زيادة الطلب على المياه وجعل عنصر الندرة أكثر حدة. كما تؤدّي هذه الندرة إلى اعتماد المدن على مصادر مياه أكثر كلفة لأن المصادر المحليّة تصبح إما مستنزفة أو ملوّثة.
ج- ارتفاع مستويات المعيشة
يؤدّي التقدم الحاصل في مجالات التنمية الاقتصاديّة إلى تحسّن مستويات المعيشة حيث تتغيّر أنماط الاستهلاك ويزداد الطلب على المياه.
د- الزراعة الكثيفة
يحتاج بعض الزراعات بطبيعته إلى كميات كبيرة من المياه. ولقد أدى التوسّع الرأسي في الزراعة (الزراعة الكثيفة) الذي أمكن بفضله تحقيق الثورة الخضراء والزيادة المستمرة في إنتاج الاغذية المستندة إلى استخدام واسع للأسمدة، تطلب التوسّع في أعمال الري لضمان رطوبة التربة ولمواجهة عدم كفاية سقوط الأمطار.
لذا كانت الزيادة في معدّل استخدام المياه خلال المئة عام الأخيرة حوالى ضعفي معدّل الزيادة في السكان[10].
هـ- انتشار التصنيع
تستهلك الصناعة كميات كبيرة من المياه. وحاجة الصناعة إلى المياه، لا تقتصر على الصناعات المعدنية الثقيلة بل تشمل فروع الصناعة كلها. فصناعة بذلة رجل واحد كمثال تحتاج إلى 665 ليترًا من المياه[11].
و- أسباب سياسية ومؤسساتية
يرى اقتصاديون عديدون أن السبب الرئيس لندرة المياه في البلدان النامية في الغالبية العظمى من الحالات هو سبب سياسي ومؤسساتي ويكون في الغالب نتاجًا لسياسات سوء إدارة الموارد المائية وليس نتيجة نقص مادي في الإمدادات. فهناك قدر كبير من عدم المساواة في فرص الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي على مستوى الأسر داخل الدولة نفسها.
ويصح الأمر نفسه إلى حد كبير في موضوع استخدام المياه من أجل الإنتاج، إذ تقوم مضخات الري باستخراج المياه من مستودعات المياه الجوفية ومجاري الأنهر على مدى 24 ساعة لصالح المزارعين الأثرياء فيما يعتمد صغار المزارعين على سقوط الأمطار التي تشهد أحيانًا تقلّبات شديدة.
وفي كثير من الحالات أدّى توفير الكهرباء للمزارعين بشكل مجاني أو من خلال بعض الإعانات إلى إلغاء دور الحوافز التي تؤدّي إلى الحفاظ على المياه. فقد أدّت الكهرباء المجانية إلى زيادة تشغيل محطات استخراج المياه وانتشار زراعات كثيفة الاستهلاك للمياه (مثال انتشار زراعة قصب السكر في بعض الأقاليم الهندية).
وفي مثال آخر للنتائج العكسية للإعانات، فقد تمّ استخدام جزء من عائدات النفط في المملكة العربية السعودية في ضخ المياه من أحد المستودعات غير المتجدّدة للمياه الجوفية لزراعة القمح في عقد الثمانينيات من القرن العشرين. إلاّ أن كلفة إنتاج الطن الواحد من القمح الذي استخدم حوالى 3000 متر مكعّب من المياه (أي ثلاثة أضعاف المعدّل العالمي) ارتفعت إلى ما يوازي 4 إلى6 أضعاف السعر العالمي للطن من هذه المادة.
كما يؤدّي تسعير مياه الري بأقل من قيمتها الحقيقية، وأحيانًا بأقل من تكلفتها، إلى تهديد استدامتها وإيجاد عقبات أمام الحفاظ عليها. ولا يقف تأثير إعانات المياه التي تقدّمها البلدان عند حدودها الوطنية. إذ إن الدول عند تصديرها لجزء من منتجاتها الزراعية تكون قد صدّرت أيضًا جزءًا من المياه المستخدمة في عملية الاتناج.
ومن ناحية أخرى تقوم نظم المحاسبة الوطنية بتسجيل عمليات استخراج المياه الجوفية وسحب مياه الأنهر والبحيرات كعناصر نموّ في الدخل، ولكنها تتجاهل ما يصيب المياه من تدهور أو استنفاذ، إذ لا يتمّ تسجيل ذلك كخسارة إهلاك للأصول من الموارد الطبيعية.
-2 التوزيع اللامتكافئ للمياه
إن المياه العذبة المتاحة ليست موزّعة توزيعًا عادلاً في مناطق العالم وأقاليمه المختلفة، فالمناطق الجافة التي تشكّل حوالى %40 من مساحة اليابسة لا تحظى بأكثر من %5 من كمية المياه المتاحة في العالم.
بالمقابل فإن قرابة ربع المعروض عالميًا من المياه العذبة يقع في بحيرة بيكال في منطقة سيبيريا التي تتسم بندرة السكان، وتحظى أميركا اللاتينية وحدها بنسبة %31 من موارد المياه العذبة في العالم، ويقدّر نصيب الفرد من المياه فيها بمقدار 12 ضعفًا مقارنة بنصيب الفرد في جنوب آسيا، ناهيك عن وفرة المياه في قارة أوروبا وفي أميركا الشمالية.
وعلى صعيد الدول، يحظى البعض منها، مثل البرازيل وكندا وإيسلندا، بمعدّلات مائية عالية جدًا للفرد، حيث يصل فائض المياه العذبة في كل من الدولتين الأخيرتين على التوالي إلى 90000م3 و500000م3 للفرد أي، إلى حوالى 53 ضعفًا و300 ضعف للمعدّل العالمي لحاجة الفرد السنوية والذي تمّ تحديده بـ1700م3، بينما ينخفض المعدّل في بلدٍ مجهد مائيًا كاليمن إلى 198 متر مكعب للفرد.
وتبرز الفروقات في حصة الأفراد من المياه داخل الدولة الواحدة أحيانًا، فالفرد في شمال الصين يحصل على أقل من ربع ما هو متاح للفرد في جنوبها. وفي البرازيل التي تسجّل معدلات مائية عالية جدًا للفرد يعيش ملايين من السكان في "مضلّع الجفاف" الضخم، وهو كناية عن منطقة شبه قاحلة تضمّ تسع ولايات على امتداد حوالى 940000 كلم2 في الشمال الشرقي للبلاد.
-3 الهدر
يؤدّي سوء استخدام الموارد المائية وعدم اعتماد الطرق العلمية الصحيحة في الري إلى هدر حوالى %50 من المياه المستهلكة.ولا تقتصر أسباب الهدر على العوامل التقنية وسوء إدارة المياه فحسب، فهي تكون ناتجة أحيانًا عن ظروف توفير المياه ( خصوصًا مياه الري) بشكل مجاني أو بأسعار متهاودة، الأمر الذي يترك المجال للإفراط في استهلاكها وضياع جزء كبير منها[12].
-4 تلوّث المياه
تعتبر مشكلة التلوّث من أبرز مشكلات العصر، حيث أنها باتت تطاول كل المرافق والموارد. ويؤثّر تلوّث المياه على الناس في شتىّ أنحاء العالم، لكن أثره الأكبر على الإنسان يتركّز في البلدان النامية وخصوصًا الأكثر فقرًا منها.
-5 إخفاق طرق إدارة المياه
إن توفير سبل الحصول على المياه يُعدّ واحدًا من أكبر التحديات التي تواجه البشرية في مطلع القرن الحادي والعشرين. فقد دار جدال واسع منذ سبعينيات القرن العشرين حول المزايا النسبية لكل من القطاعين العام والخاص في إدارة المياه، ورأى البعض أن زيادة مشاركة القطاع الخاص تُعدُّ بمثابة وسيلة تلقائية للحصول على خدمات أكثر وأفضل، لأن القطاع الخاص يمكّنه توفير المياه بكفاءة أكبر ويمكنه الحصول على مصادر للتمويل بصورةٍ أفضل مع ضمان قدر أكبر من المساءلة والشفافية. بينما رأى آخرون أن المياه سلعة ضرورية وأن الحقّ الإنساني في الحصول عليها يتناقض بصورة جوهرية مع مبادئ السوق ولا بد من أن يبقى توفير هذه السلعة منوطًا بالقطاع العام على الرغم من أشكال الإخفاق العديدة التي أصابته في هذا المجال.
في المحصّلة كان لبعض برامج الخصخصة في قطاع المياه في البلدان النامية نتائج إيجابية، لكن الحصيلة الإجمالية لم تكن مشجّعة.
وعلى الرغم من ازدياد عدد الأشخاص الذين يتلقون خدمات المياه من شركات مياه خاصة، فإن الجهات العامة مازالت توفّر أكثر من 90 % من المياه في البلدان النامية[13].
ولقد استطاع بعض البلدان النامية إحراز تقدّم سريع في عملية التزوّد بالمياه من خلال توافر قيادة سياسية مواكبة، ووضع أهداف قابلة للتحقيق وضمان الاسترداد المستدام للتكاليف.
إلاّ أن الصورة لمرافق المياه العامة في البلدان النامية ليست كذلك، فالكثير من تلك المرافق يخذل السواد الأعظم من السكان حيث يجمع أداؤها بين عدم الكفاءة وعدم الخضوع للمساءلة من جهة، وضعف التمويل وعدم العدالة في التسعير من جهة أخرى، إذ إن المرافق العامة تكون مهتمة بتوفير المياه بسعر زهيد للميسورين أكثر من اهتمامها بتوفير المياه بسعر مقبول للمعوزين.
ومن الواضح أن ضعف الجهات العامة المزوّدة خدمة المياه في البلدان النامية يعتبر جزءًا أساسيًا من المشكلة في مسألة توفيرها. ومصادر هذا الضعف، وإن تباينت، فهي تكشف عن وجود أسباب تتكرّر باستمرار مثل سوء الإدارة وتهالك الهياكل الأساسية من جراء عدم كفاية الاستثمارات، وضعف الصيانة، وقصور نظم إعداد الفواتير. وتؤدّي العائدات المنخفضة بدورها إلى حلقة مفرغة من تدهور الأصول وفقدان المياه وقلّة الاستثمارات، إلى جانب المزيد من التدهور في الهياكل الأساسية.
ويُعدُّ التسعير الذي يحدّده المرفق العام جزءًا مهمًا من مشكلة التمويل، إذ إنه لا يُغطي إلا جزءًا صغيرًا من تكاليف التشغيل.
من ناحية أخرى إذا كانت إدارة المياه داخل حدود الدول على هذه الدرجة من التعقيد، فإن إدارة المياه العابرة للحدود أكثر تعقيدًا لأنّ المياه تُعدّ مصدرًا من مصادر الترابط الإنساني بين الأمم، وأداة نزاع وتوتر بين الشعوب في آنٍ واحد[14].
وطريقة استخدام أي نهر في البلدان المشاطئة لمنبع النهر سوف تؤثّر على كمية المياه وتوقيتها ونوعيتها، والتي تصل إلى المستخدمين عند مصب النهر. وهذا يؤثّر أيضًا على مستودعات المياه الجوفية والبحيرات.
وعلى الرغم من وجود بعض حالات التعاون البنّاء القليلة بين البلدان النامية كتجربة التعاون بين البرازيل والاوروغواي فالإدارة غير المتكافئة للمياه العابرة للحدود أدّت إلى زيادة إنعدام الأمن المائي.
كما أن ضعف التعاون والتنسيق بين البلدان المشاطئة للأنهار الدولية يحول من دون الوصول إلى تفاهمات تخفّف من حدة النزاعات على المياه، أو يزعزع تفاهمات واتفاقات سبق إقرارها.
-6 تغيّر الُمناخ
إن تغيّر المناخ، الذي كان يُعزى في الماضي إلى عوامل طبيعية عديدة مثل الفروقات المداريّة والتقلبات الشمسيّة والنشاط البركاني وبخار الماء والتركيز الجوي لغازات الدفيئة (مثل ثاني أوكسيد الكربون) بات يحدث اليوم بمعدّلات أسرع وبأحجام وأنماط أقوى لا يمكن تفسيرها بالدورات الطبيعية فقط.
وما يختلف في دورة الاحترار الحاليّة هو المعدل السريع الذي تزيد به تركيزات ثاني أكسيد الكربون. الذي زادت كمياته عن عصر ما قبل الصناعة بمعدّل الثلث، وهو معدّل لا سابق له طوال العشرين ألف سنة الأخيرة.
ومع أن دورة الاحترار الحالية ليست فريدة من ناحية الارتفاع في درجة الحرارة، إلاّ أنها متميّزة في جانب واحد مهم وهو أن دور البشر في تركيز ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي في تغيّر المناخ، بات أكبر من الماضي بكثير، وحتى أكبر من دور العوامل الطبيعيّة.
ويؤكّد بعض التقديرات على أن هناك احتمالاً بأكثر من %90 بأن يكون مردّ معظم الاحترار العالمي الحالي إلى غازات الدفيئة الناتجة عن نشاط البشر، ويُستدل على ذلك باستمرار ارتفاع درجة الحرارة على الأرض خلال العقدين الاخيرين، في حين كانت المخرجات والإشعاعات الكونيّة القادمة من الشمس في طور الانخفاض[15].
لقد شكّل بروز الظواهر المناخية المتطرفة في العقدين الأخيرين، وما رافقها من هزّات وزلازل وموجات تسونامي، تحذيرًا قويًا للبشريّة من الخطر المحدق بهم وبأمنهم المائي إن لم يتمكّن العالم من وقف التزايد المتسارع في درجة حرارة الأرض.
-7 عوامل إضافية تجعل إختلال الأمن المائي أكثر حدة في الشرق الأوسط
تواجه منطقة الشرق الأوسط تحديات إضافية متعاظمة ناتجة عن حدّة الضغوط السكانية والديمغرافية، وتسارع التصحّر، وحدوث تأثيرات واسعة للاحتباس الحراري، ونقص المياه الداخلية واستنزاف المياه الجوفية. وسيكون لهذه التحديات بصماتها الواضحة في زيادة النزاعات المترتبة على المنافسة على الموارد الطبيعية المتناقصة، ورفع نسبة التوتّر في العلاقات بين الجماعات والسكّان، وفي زيادة حدة إختلال الأمن المائي، وأهم هذه الضغوط:
أ- حدّة الضغوط السكانية والديمغرافية
ستضم البلدان العربية، حسب تقديرات الأمم المتحدة، نحو 395 مليون نسمة بحلول العام 2015 (مقارنة بـ 317 مليونًا في العام 2007، و180 مليونًا في العام 1980). فمعدّلات النمو السكاني المرتفعة هذه، على الرغم من تناقصها في السنوات الأخيرة تبقى من أعلى المعدلات في العالم، وتفرض ضغوطًا شديدة جدًا على الموارد المائية.
ويفاقم هذه الضغوط فتوة المجتمعات، ما يجعل المنطقة العربية واحدة من أكثر بقاع العالم شبابًا، حيث يبلغ متوسّط معدّل العمر فيها 22 عامًا مقابل متوسط عالمي يبلغ 28 عامًا، والتحوّل الحضاري المتسارع حيث ازداد سكان المدن من العرب من %38 في العام 1970 إلى %55 في العام 2005، ومن المتوقّع وصول هذه النسبة إلى%60 في العام [16]2020.
ب- تسارع التصحّر
تقدّر دراسة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أنّ الصحارى باتت تشكّل ما يربو على (%68،4) من مساحة الأرض الإجمالية في المنطقة العربية، أي ما يصل إلى 9،76 مليون كلم2. ويهدّد التصحّر المتواصل نحو 2،87 مليون كلم2 أخرى أي نحو 5/1 من المساحة الإجمالية للمنطقة العربية[17]، وهذا يعني أن مساحة الأراضي الصحراوية ستصل إلى حوالى %80 من إجمالي مساحة المنطقة العربية خلال عقود قليلة.
ج- تأثيرات واسعة للاحتباس الحراري
على الرغم من ضآلة مساهمة المنطقة العربية في انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون (%4،7وفق تقرير التنمية البشرية 2007/2008 ومؤشرات التنمية العالمية للعام 2007)، فإن بلدان هذه المنطقة توشك أن تقع ضحية مباشرة لتغيّر المناخ الذي سيؤثّر فيها من النواحي التالية: نقص المياه، تراجع الإنتاج الزراعي، انخفاض مستوى النشاط الاقتصادي... وغير ذلك. إلا أن النتيجة الأكثر أهمية للتغيّر المناخي تتمثّل بهجرة جماعات كبيرة من السكان إلى بلدان أجنبية (مثال الهجرة الواسعة من شمال أفريقيا إلى بلدان جنوب أوروبا).
وحسب تقرير التنمية البشرية (2007/2008) ستكون كل من مصر والسودان وبلدان المغرب العربي ولبنان هي الأكثر تأثرًا بتغيّر المناخ في المنطقة، إذ سيؤدّي انحسار الغطاء الجليدي الذي يمكن أن ينتج عن ارتفاع درجة حرارة الأرض بنسبة 3 درجات مئوية أو أربع بفعل الإحتباس الحراري إلى غرق 4500 كلم2 من الأراضي الزراعية في دلتا نهر النيل وتهجير 6 ملايين شخص. وسيؤدي ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 5،1 درجة مئوية في إقليم كردفان في السودان بين 2030 و2060 إلى تناقص المتساقطات بنسبة %5 وانخفاض إنتاج الذرة بنسبة %70. ثم إن إرتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1،2 درجة مئوية بحلول العام 2020 سيؤدّي إلى تناقص المياه المتوافرة في لبنان بنسبة %15 وفي بعض مناطق المغرب بنسبة %10 [18].
د- نقص المياه الداخلية
يقدّر الحجم الإجمالي السنوي لموارد المياه السطحية المتوافرة في البلدان العربية بنحو 277 مليار متر مكعب سنويًا لا ينبع منها سوى %43 من المنطقة العربية (مياه داخلية) بينما تمثّل المياه الوافدة من بلدان مجاورة نسبة %57 [19].
تتشارك في الأنهار الدولية الموجودة في المنطقة بلدان عديدة تقع داخل هذه المنطقة وخارجها: دجلة والفرات تتشاركهما تركيا والعراق وسوريا، ونهر العاصي تتشاركه تركيا وسوريا ولبنان، أما نهر النيل، فتشارك فيه إحدى عشرة دولة من بينها دولتان عربيتان هما مصر والسودان، وهذا ما يجعل البلدان العربية تحت رحمة بلدان المنبع لهذه الأنهر. هذا إضافًة إلى نهر الأردن الذي تتشاركه الأردن وسوريا وإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلت في السنوات الأخيرة لتوقيع إتفاقات رسمية لإدارة الموارد المائية المشتركة (مثل مبادرة حوض النيل). غير أن معظم هذه الإتفاقات يتّسم بالتجزئة وعدم الفعالية وعدم التوازن، ما يؤدّي إلى استمرار التوترات والنزاعات السياسية.
هـ- مياه جوفية غير متجدّدة
تعتبر المياه الجوفية في العديد من الدول العربية السبيل الوحيد للحصول على المياه العذبة، إلا أن جزءًا مهمًا من هذه المياه الجوفية غير متجدّد في الأساس أو يستنفد قبل أن يتم تجدّده. ويؤدّي الإفراط في ضخّ المياه الجوفية إلى تسرّب المياه الملوثة إلى باطن الأرض. كما أن جزءًا من المياه الجوفية المستخرجة يستعمل لغايات غير أساسية مثل ري الحدائق العامة وغيره.
يقدّر مخزون المياه الجوفية العذبة في الأراضي العربية بـ7734 مليار متر مكعب بينما لا تتجاوز الكمية المتاحة للإستعمال 35 مليار متر مكعب في العام. ويقع المخزون الأكبر والأكثر تجدّدًا في منطقة شمال أفريقيا وشرقها (تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا، مصر، السودان والصومال)[20].
ونشير إلى أن التلوّث لم يُصب المياه الجوفية فحسب بل طال المياه السطحية أيضًا، ما يؤدّي إلى انتشار الأمراض والأوبئة وتهديد إنتاج المواد الغذائية، ويولّد التنافس والنزاع بين السكان على موارد المياه الشحيحة أصلاً، ويغذّي النزاعات الحدودية على المياه.
رابعًا: مظاهر اختلال الأمن المائي في بلدان الشرق الأوسط
تشترك بلدان الشرق الأوسط مع البلدان النامية في وجود العديد من مظاهر اختلال الأمن المائي وأعراضه غير أن هناك بعض المظاهر المميّزة لهذا الإقليم سوف نعرضها على النحو الآتي:
-1 على صعيد الإقليم ككل
- تقع البلدان العربية في المنطقة الأكثر جفافًا في العالم حيث إن أكثر من %70 من الأراضي قاحلة والمطر فيها قليل جدًا وموزّع بشكل غير متوازن.
- المنطقة العربية هي من أكثر مناطق العالم معاناة بفعل ندرة المياه. إذ ينبع ثلثا موارد المياه المتجدّدة فيها من مصادر خارجية حيث توفّر ثلاثة أنهر فيها هي النيل ودجلة والفرات معظم المياه السطحية الجارية في المنطقة. كما يتم استغلال المياه الجوفية، وهي بمعظمها غير متجدّدة بمعدّلات تتجاوز الحدود المأمونة، الأمر الذي يؤدّي إلى انخفاض كبير في مستوى طبقات المياه وتلويث الخزانات الجوفية.
- يشكّل العالم العربي حوالى %5 من سكّان العالم، لكنه لا ينعم سوى بنسبة %1 من مصادر المياه العذبة المتجدّدة العالمية. وتنخفض حصة الفرد من المياه في العالم العربي إلى ما يقرب من 10/1 من حصة الفرد العالمي من المياه والتي تتجاوز 6000 متر مكعب سنويًا[21].
- يضم العالم العربي ثلاث عشرة دولة ستكون في المستقبل القريب من بين البلدان التسعة عشر الأكثر فقرًا في المياه في العالم. وكمية المياه المتوافرة للفرد في ثماني دول عربية هي اليوم أقل من 200 متر مكعب سنويًا، أي أقل من نصف الكمية المعتبرة ندرة حادة في المياه والتي تقدّر بـ 500 متر مكعب من المياه. وينخفض الرقم في ست دول منها إلى ما دون 100 متر مكعب[22].
- تمثّل المياه المحلاّة نسبة صغيرة من المياه المستخدمة في العالم، إلاّ أنها في الكثير من المدن العربية تمثّل كامل إمدادات المياه. ويبلغ المجموع الكلي للقدرة الإنتاجية المتوافرة في معامل التحلية في البلدان العربية (وهي مقتصرة على دول الخليج العربي وليبيا وجزئيًا مصر) ما يزيد عن 24 مليون متر مكعب في اليوم. وهذا ما يوازي نحو %50 من إجمالي قدرة إنتاج التحلية عالميًا. وهذه النسبة مرشحة للارتفاع السريع مستقبلاً في ظل معدّل الزيادة المرتفع في عدد السكان والذي هو من المعدلات الأكثر ارتفاعًا في العالم وفي ظل التوسع الحضاري والتصنيع واستنزاف المصادر المائية غير المتجدّدة[23]. تستخدم بعض البلدان العربية مياه البحر المحلاّة ذات الكلفة العالية لري مزروعات قليلة القيمة وغسل الشوارع وريّ ملاعب الغولف أحيانًا[24].
- تتصدّر الزراعة استعمالات المياه في المنطقة العربية حيث تستخدم نحو %85 من الموارد المائية العذبة، مقابل معدّل عالمي لا يتعدى %70. كما أن كفاءة الري منخفضة جدًا في معظم البلدان العربية حيث لا تتجاوز الـ %30 مقابل معدّل عالمي يصل إلى %45. ولاتزال الإنتاجية الزراعية تقاس بكميات الأطنان المنتجة في كل هكتار من الأرض من دون أي اعتبار لكميات المياه المستخدمة.
- إن معدّل ما تتم جبايته لقاء التزويد بالمياه في منطقة الشرق الأوسط لا يتجاوز %35 من كلفة الإنتاج والتوزيع. وينخفض هذا المعدل إلى %10 بالنسبة لمياه التحلية وهذا يبتعد كثيرًا عن مبدأ التسعير العادل للمياه.
- يشكّل إنتاج النفط والغاز الطبيعي عنصر ضغط على موارد المياه في البلدان العربية النفطية إذ إن التنمية السريعة التي تشهدها هذه البلدان وارتفاع مستويات المعيشة فرضا ارتفاعًا كبيرًا في معدلات استهلاك المياه خصوصًا في المدن.
- على الرغم من التحسن الحاصل في العلاقات التركية العربية في الفترة الأخيرة، غير أن استمرار تركيا في بناء السدود على نهري دجلة والفرات سيؤدّي إلى خفض حصة كل من العراق وسوريا من مياه النهرين المذكورين. كما أن مطالبة دول المنبع الأفريقية التسع لنهر النيل بتعديل اتفاقية 1929 الموقّعة بين دول حوض النيل ستقلّص حتمًا من حصة كل من مصر والسودان مع ما يمكن أن يترتّب عن انفصال جنوب السودان، وربما غربه، من اتفاقات جديدة تعيد توزيع حصص المياه وتراعي حقوق الدول الوليدة.
- يقتطع الكيان الأسرائيلي الجزء الأكبر من مياه الأرض الفلسطينية السطحية والجوفية اضافةً إلى جزء كبير من مياه نهر الأردن، على حساب حصة كل من الأردن ولبنان وسوريا. كما لا يخفى دور إسرائيل في مساعدة دول منبع نهر النيل وبخاصة أثيوبيا، بإقامة السدود على هذا النهر، بعد أن كان لها اليد الطولى في إقامة السدود على مجرى نهري دجلة والفرات داخل الأراضي التركية.
- إن المنطقة العربية ستكون من أكثر مناطق العالم عرضة للتأثيرات المحتملة لتغيّرالمناخ وأخطارها وتفاعلاتها المختلفة، من جفاف وتصحّر وزيادة في ملوحة المياه الجوفية وانتشار الأوبئة والأمراض. كما أن غياب الجهود الكبيرة لتحسين إدارة المياه ومؤسساتها يؤكّد أن العالم العربي يسير نحو كارثة مائية فعلية إن لم يسارع من دون إبطاء إلى وقفها.
- يعاني معظم الدول العربية عجزًا مائيًا كبيرًا، فقد أكّدت الأكاديمية العربية للمياه، ومقرّها أبو ظبي، في تقرير أعدّته للمنتدى العالمي السادس للمياه الذي انعقد في مرسيليا في آذار/مارس 2012، أن النقص الحاصل في المياه في 17 دولة عربية كان يقدّر حينذاك بـ30 مليار متر مكعب من المياه، وتوقّعت ارتفاع هذا العجز إلى ثلاثة أضعاف هذا الرقم بحدود العام 2030، ووصوله إلى 150 مليار متر مكعب في العام 2050.
- انخفضت حصة المواطن العربي من المياه من 3500 متر مكعب من المياه سنويًا في العام 1960، إلى أقل من 1000 متر مكعب في الوقت الحاضر وهو رقم يتساوى مع خط الفقر مائيًا[25].
- يعتبر متوسط نصيب الفرد من المياه من الموارد المائية الداخلية المتجدّدة من أدنى المتوسطات عالميًا.
- من ناحية أخرى تضمّن تقرير "السلام الأزرق للنيل" الذي أعدّته مجموعة من الباحثين الهنود تحت إسم "Strategic Foresight Group" والذي تم تقديمه إلى مؤتمر المياه في اسطنبول، أن تدفقات الأنهار في تركيا وسوريا ولبنان والعراق والأردن استنزفت بنسبة لامست %95 بين عامي 1960 و2010، إذ انخفض تدفّق نهر اليرموك (في الأردن) من 600 مليون متر مكعب إلى قرابة 250 مليون متر مكعب سنويًا، وانخفض تدفّق نهر الأردن من 1300 مليون متر مكعب إلى 100 مليون متر مكعب سنويًا. وانخفض تدفق نهر الفرات في العراق من 27 مليار متر مكعب إلى 5 مليارات متر مكعب سنويًا، وكذلك تقلّصت منطقة الأهوار في العراق بنسبة %90 [26].
ويضيف التقرير أن منسوب المياه في البحر الميت انخفض من 390 مترًا تحت مستوى سطح البحر في ستينيات القرن العشرين إلى 420 مترًا تحت مستوى سطح البحر حاليًا مع توقّع انخفاضه إلى 450 مترًا تحت مستوى سطح البحر بحلول العام 2040. وقد تقلّصت المساحة السطحية للمياه فيه من 950 كيلومترًا مربعًا إلى 637 كيلومترًا مربعًا، ويرجّح التقرير أن يتحوّل البحر الميت إلى بحيرة خلال 50 عامًا ثم الاختفاء في نهاية المطاف. كما وصلت بحيرة طبريا إلى الخط الأحمر وهو 212 مترًا تحت مستوى سطح البحر في السنوات الأخيرة.
ونبّه التقرير إلى أن تغيّرات المناخ تزيد من خطورة أوضاع المياه في الشرق الأوسط، وذكر بأن ارتفاع درجة حرارة الأرض لما بين 3 و4 درجات مئوية في العقود المقبلة سيؤدّي إلى تصحّر %60 من أراضي سوريا كما أن حوض قونيا التركي سيتصحّر أيضًا بحدود العام 2030 كما تعاني أراضي العراق من خطر التصحّر بمعدل %0،5 سنويًا[27].
-2 على صعيد الأقاليم الصغرى والبلدان
لقد قدّمنا في الصفحات الأخيرة فكرة عامة عن أمن المياه في العالم العربي. إلا أن الصورة قد تصبح أكثر مأساوية إذا تطرّقنا ببعض التفاصيل لأحوال الأقاليم الصغرى والبلدان.
أ- الجزيرة العربية
تعيش بلدان الجزيرة العربية في ظل الندرة المطلقة للمياه (أقل من 500 متر مكعب للفرد) فالموارد المائية السطحية فيها محدودة والمياه الجوفية غير متجدّدة ومياه البحر الأحمر والخليج العربي تكاد أن تنضب من فرط الضخ منها لولا اتصالها بمحيطات وبحار أكبر.
ب- المغرب العربي والأردن وفلسطين والكيان الإسرائيلي
كما تعيش بلدان المغرب العربي، باستثناء المغرب، في ظل الندرة المطلقة للمياه أيضًا وكذلك هو حال الأردن وفلسطين والكيان الإسرائيلي.
ج- العراق والسودان
البلدان العربية الأكثر غنى بالمياه هما العراق والسودان حيث تتراوح حصة الفرد فيهما بين 1000 و1500 متر مكعب للفرد، وهذان البلدان مهدّدان بالتفتيت وبتقلّص حصتيهما من المياه الجارية ذات المنشأ الخارجي.
فلقد حذّر تقرير أصدرته منظّمة اليونيسف من احتمال جفاف نهري دجلة والفرات في العام 2040 نظرًا إلى التغيّرات المناخية، وانخفاض الكميات الوافدة من مصادر المياه بسبب السدود التي تقيمها كلّ من تركيا وسوريا وإيران، والاستخدام الكثيف لمياه هذين النهرين لأغراض الصناعة والاستهلاك المنزلي[28].
وتفيد بعض التقارير نقلاً عن مدير مياه الفرات في محافظة ذي قار (علي اسماعيل قاسم) أن مياه الفرات قد انخفضت إلى مستويات متدنية جدًا وصلت إلى مترين ونصف المتر في مدينة الناصرية.
وأفاد تقرير للرابطة الأوروبية أن %50 من المياه المنتجة تفقد بسبب الشرب والهدر وعدم كفاءة أنظمة التوزيع، إضافةً إلى الهدر المنزلي واستعمال المياه العذبة لأغراض الري الزراعي.
من جهة أخرى تعاني محافظات جنوب العراق، بخاصةٍ البصرة، من كارثة بيئية تتفاقم يومًا بعد يوم ناتجة عن تدفّق كميات هائلة من المياه المبتذلة من الأراضي الإيرانية التي بدأت تصل إلى محافظة ميسان[29].
د- مصر
وتكافح مصر لضمان استمرار حصتها من مياه نهر النيل والتي تمثّل حصة الأسد إذ تبلغ 55،5 مليار متر مكعب سنويًا من أصل 84 مليار متر مكعب هي مجمل مياه نهر النيل السنوية، وهو ما يجعل حصة الفرد فيها بحدود الـ700 متر مكعب سنويًا. إلاّ أن هذه الحصة يمكن أن تنخفض إلى حدود الـ 350 متر مكعب للفرد عام 2050 بسبب الزيادة السكانية المفرطة.
وكشفت مصر مؤخرًا عن استراتيجيتها المائية للسنوات الأربعين المقبلة (حتى العام 2050)، وترتكز في معظمها على تنمية الموارد المائية المحلية لمواجهة ضغوط تتعرّض لها من دول حوض النيل لإعادة النظر في حصتها من مياه النهر.
وتتضمّن هذه الإستراتيجية التوسّع في استثمار مياه الأمطار والسيول وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصحي المعالجة، والتوسع في إنشاء محطات التحلية لمياه البحر والمياه الجوفية إضافةً إلى ترشيد الاستخدامات المائية في مجال الزراعة بخاصة لجهة الحد من زراعة المحاصيل المستهلكة للمياه.
أما بعد استكمال إنشاء سد النهضة في أثيوبيا، والمتوقّع إنجازه بعد ستة أعوام والذي تقدّر سعته التخزينية بـ74 مليار متر مكعب من المياه، فإن هذا السدّ سينقل السعة التخزينية لبحيرة ناصر في أسوان التي يمكن أن تتحوّل إلى بركة في أثيوبيا. وهذا يؤدّي عمليًا إلى تحكّم أثيوبيا بحصة مصر من النيل والتي تقدّر بـ55،5 مليار متر مكعب (من أصل 84 مليار متر مكعب)، إضافةً إلى توقّف مولّدات كهرباء السدّ العالي عن العمل وبوار مليوني فدان من أجود الأراضي الزراعية (حوالى خمس رقعة مصر الزراعية) [30]. كما سيؤدّي إلى تشريد مليوني أسرة وفقدان %12 من الإنتاج الزراعي وزيادة الفجوة الغذائية بمقدار خمسة مليارات جنيه وزيادة نسبة الملوحة في الجزء الشمالي من الدلتا وتلف محطات مياه الشرب وانهيار الترع ومصارف المياه. كما يمكن أن يؤدّي انهيار سد النهضة إلى غرق مناطق واسعة في السودان وفي مصر أيضًا[31].
هـ- سوريا
أما في سوريا فعلى الرغم من أن الموارد المائية تقدّر بما بين 20 و25 مليار متر مكعبن فقد أدت الزيادة السكانية المرتفعة جدًا (بحدود 3 % سنويًا)، وعدم تناسب توزيع السكان على الأحواض المائية، وتغيّر الظروف المناخية، إلى تراجع نصيب الفرد من المياه إلى ما بين 500 و1000 متر مكعب في العام. وتواجه سوريا حاليًا ظاهرة مناخية لم تشهدها من قبل تتمثّل بانحباس الأمطار والجفاف والتصحّر وحرائق الغابات والعواصف الرملية وجفاف بعض الأنهار وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق.
وتوقّعت دراسة حديثة أن تؤدّي التغيّرات المناخية إلى زيادة احتياجات سوريا من المياه، حيث بلغ العجز المائي في السنوات الأخيرة ما يقارب ثلاثة مليارات متر مكعب في العام (2،75 مليار م3) بسبب استنزاف المياه الجوفية وانحباس الأمطار وضعف تدفّق المياه السطحية[32].
وأشار تقرير أعدّه "المعهد الدولي للتنمية المستدامة" أن الجفاف أدّى إلى هجرة سكان 160 قرية شمال شرقي سوريا إلى المدن الداخلية، أي ما يزيد عن 30 ألف أسرة تضم حوالى 300 ألف شخص، وتراجع أعداد الأغنام من 22،8 مليون رأس إلى 12 مليونًا، والماعز من 1،6 مليون رأس إلى 630 ألف وتراجع إنتاج القمح من أربعة ملايين طن في العام 2007 إلى 2،7 مليون طن في العام [33]2010.
و- الكيان الإسرائيلي والأراضي الفلسطينية المحتلة
وتعاني أسرائيل منذ نشأتها شحًا شديدًا في المياه بسبب وقوعها في منطقة شبه صحراوية، وندرة المصادر المتجددّة فيها، وتزايد سكانها نتيجة الهجرة إليها، وزيادة استهلاكها من المياه نظراً لارتفاع مستوى معيشة سكانها، إضافةً إلى أن حوالى %65 من مياهها المتجدّدة يأتي من خارج الأراضي التي تسيطر عليها.
وتستهلك إسرائيل حاليًا ما يقارب 2700 مليون متر مكعب من المياه، بينما لا تتجاوز كمية المياه المتجدّدة فيها الـ1700 مليون متر مكعب أي أنها تعاني عجزًا مائيًا يقدّر بـ مليار متر مكعب سنويًا. وكان يمكن أن يصل هذا العجز إلى 2 مليار متر مكعب لولا استنزاف إسرائيل للمياه الفلسطينية في الضفة الغربية حيث وصلت نسبة ما يستهلكه الفلسطينيون من المياه هناك إلى ما بين 10 و%15 مما يستهلكه المستوطنون الاسرائيليون وهم أقل عددًا بكثير، وبمعنى آخر فإن المستوطن الإسرائيلي يستهلك ما يقارب تسعة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني[34].
ويصل الاستهلاك اليومي للفرد في إسرائيل حسب وثيقة غير منشورة في وزارة الطاقة والمياه اللبنانية إلى حوالى 200 ليتر، بينما لا يتعدّى معدّل الاستهلاك الفردي الحالي في لبنان الأربعين ليترًا.
وقد ذكرت دراسة للكاتب المصري عبد الناصر عبد العال في جريدة الحياة بتاريخ 23/10/2010 استنادًا إلى منظمة "بتسليم" الإسرائيلية، أن معدّل استهلاك الفرد الإسرائيلي من المياه وصل في الـعام 2008 إلى 242 ليترًا في اليوم، بينما كان استهلاك الفرد الفلسطيني في الضفة الغربية 73 ليترًا، وفي منطقة جنين 44 ليترًا.
وتقع فلسطين بحدودها التاريخية ضمن منطقة الندرة المطلقة للمياه. ويعاني الكيان الإسرائيلي الذي أنشئ على %75 من أرضها من عجز مائي يتزايد باستمرار. لكن إسرائيل تغطي حاجتها من المياه بالضغط على موارد المياه المحدودة في مناطق السلطة الفلسطينية، وبالاستئثار بمياه نهر الأردن على حساب دول المنبع الثلاث الأردن ولبنان وسوريا.
ز- لبنان
أما في لبنان فالفكرة التي كانت سائدة حتى الأمس القريب بأن لبنان يملك فائضًا كبيرًا من المياه يبدو أنها أصبحت من حكايات أيام زمان.
فقد كان مدير عام التجهيز المائي والكهربائي المهندس محمد فواز قد قدّر في كتابه سياسة لبنان المائية في العام 1969 الموارد المائية في لبنان من أمطار وثلوج وندى وضباب بـ9700 مليون م3 سنويًا. واعتمد وزير الموارد المائية والكهربائية في العام 1971 المهندس جعفر شرف الدين الرقم نفسه في مؤلّفه "الوضع المائي في لبنان والسياسة الواجب اتباعها في استثمار المرافق المائية". إلاّ أن الأب بلاسار اليسوعي، وهو الذي وضع آخر خريطة مطرية في لبنان في العام 1970، قدّر كمية الموارد المائية في لبنان استنادًا إلى كيول حقيقية لعشرات السنوات بـ8600 مليون م3 في المتوسط.
وفي وقت لاحق قدّر بعض الدراسات، ومنها دراسة أعدّها مجلس الإنماء والإعمار في العام 1980 الموارد المائية السنوية في لبنان بـ9200 مليون م3.
وفي بحث قدّمه المدير العام للتجهيز المائي والكهربائي في وزارة الموارد المائية والكهربائية في لبنان المهندس بسام جابر (في ندوة نظّمها مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتدقيق في العام 1994 تحت عنوان: مشكلة المياه في الشرق الأوسط) تم اعتماد الرقم الذي أطلقه الأب بلاسار، والذي قدّر الموارد المائية في لبنان بـ8600 مليون متر مكعب. وقدّر أن ما ينقص من الموارد المائية عن طريق التبخر الفيزيولوجي (Evopotrospiration) من خلال النبات والكائنات الحية إضافةً إلى التبخّر الفيزيائي المتأثّر بعوامل الحرارة والرياح ودرجة رطوبة الجو... وغيرها، بـ4500 مليون متر مكعب في العام، فيبقى مقدار 4200 مليون متر مكعب تمثّل المجموع السنوي للمياه السطحية في لبنان[35]. وقدّر المهندس جابر، استنادًا إلى دراسة المياه الجوفية التي وضعها برنامج الأمم المتحدة للتنمية في العام 1970 وإلى تقديرات الأب بلاسار اليسوعي، كمية المياه السطحية التي تذهب خارج لبنان على النحو الآتي:
- 510 مليون م3 من المياه تذهب إلى سوريا: 415 مليون م3 منها عن طريق نهر العاصي (من أصل 512،46 م3 هي إجمالي مياه النهر المذكور سنويًا)، و95 مليون م3 عن طريق النهر الكبير الجنوبي في شمال لبنان.
- 160 مليون م3 من المياه السطحية تذهب باتجاه فلسطين عن طريق نهر الحاصباني ونبع الوزاني.
- 700 مليون متر مكعب من المياه الجوفية تتسرّب إلى البحر وإلى الأراضي الفلسطينية (الحولة) والأراضي السورية، حيث تتفجر أحيانًا ينابيع مياه عذبة وسط البحر (ينابيع شكا والصرفند وعدلون والناقورة)، أو على شاطئ البحر (ينابيع رأس العين وصور والرشيدية وأنفة).
ووفق المصادر ذاتها فقد تم تقدير ما يتبقى للبنان من ثروته المائية بعد حسم كمية المياه المتبخرة والمياه السطحية والجوفية المتسرّبة إلى البحر والدول المجاورة بحوالى 2700 مليون م3 سنويًا. إلاّ أن هذه الكمية تنخفض في أشهر الجفاف إلى حدود 800 مليون م3، يضاف إليها 500 مليون م3 يتمّ تخزينها بواسطة السدود والبحيرات الجبلية (منها 220 مليون م3 في بحيرة القرعون) و400 مليون م3 من المياه الجوفية الداخلية، فتصل الكميّة إلى حوالى 1700 مليون م3 خلال أشهر الجفاف[36].
غير أن تقريرًا قدّمه وزير الطاقة والمياه جبران باسيل في المؤتمر السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (2010)، أكد أن ثروة لبنان المائية تقدر بـ2700 مليون متر مكعب، إلا أن مقدار 1500 مليون متر مكعب يذهب إلى البحر من دون أي إستفادة، فتصبح ثروة لبنان المائية الفعلية الصافية حوالى 1200 مليون متر مكعب سنويًا.
أما على صعيد الحاجات فقد تم تقديرها في مطلع التسعينيات من القرن العشرين بـ1087 مليون م3 موزّعة كما يأتي: 368 مليون م3 للشرب والحاجات المنزلية و50 مليون م3 للصناعة و669 مليون م3 للري. وهي تفوق إمكانات سنة جافة إذا أخذنا في الحسبان كميات المياه المهدورة، ولكنها تقل عن 2700 مليون م3 وهو مجموع ثروة لبنان المائية في سنة عادية، بل أقل من 2000 مليون م3 تمثّل كمية المياه التي يمكن السيطرة عليها.
وكانت التقديرات حينها (في العام 1990) قد أشارت إلى أنه بعد حوالى 25 سنة فإن الحاجات ستبلغ 2340 مليون م3 موزعة كما يلي: 300 مليون متر مكعب للشرب وللحاجات المنزلية و240 مليون م3 للصناعة و1200 مليون م3 للزراعة. وهي تفوق إمكانات سنة عادية من المياه إذا أضفنا نسبة هدر قدرها %20 على أساس الاعتبار أنه لا يمكن السيطرة على كامل المياه الجارية. أي أن حاجات لبنان وفق تلك التقديرات ستصل في العام 2015 إلى حوالى 2800 مليون م3، وهي تفوق كل ما هو متوافر في المياه إذا استطعنا السيطرة عليها.
نلفت هنا إلى أن الميزانية المائية التي تم عرضها قد تمت صياغتها على أساس معدّلات استهلاك المياه التي كانت مرتفعة آنذاك، وعلى أساس توقّع ارتفاع حاجات لبنان المائية بفعل الزيادة السكانية وتحسّن مستوى المعيشة وثبات أو عدم تناقص حجم الموارد المائية، فهل بقيت تلك الموارد على حالها؟
لقد أدى الاحترار العالمي المتزايد خلال العقدين الأخيرين إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، وحدوث تغيّرات مناخية مرشحة إلى مزيد من التصاعد.
فدرجة الحرارة مرشحة للارتفاع بين درجتين وأربع درجات مئوية خلال النصف الأول من القرن الحادي والعشرين، وهذا يعني انتقال لبنان من المناخ المتوسطي الذي كان معروفًا قبل عقد الثمانينيات من القرن العشرين إلى مناخ نصف قاحل. أما بالنسبة لبعض المناطق التي كانت تعتبر نصف قاحلة (بعلبك الهرمل) فإنها ستصبح قاحلة تمامًا بل شبه صحراوية فكأن موقع لبنان قد انزاح ما بين 200 و400 كلم باتجاه الجنوب (أي باتجاه خط الإستواء)، وهذا يفقده حوالى %30 من المتساقطات التي كان يتلقاها. كما أن هذه المتساقطات التي كانت تتوزّع على 80 أو 90 يومًا خلال فصل الشتاء سوف تنحصر في 50 أو 60 يومًا تزداد فيها حدة الأمطار في بعض الساعات خلال أيام تلك الفترة.
وقد اعتبر مدير عام الموارد المائية والكهربائية الدكتور فادي قمير في دراسة قدّمها في 30 آذار/مارس 2010 في مؤتمر نظمته جامعة الروح القدس (USEK)، أن الخسارة الأكبر التي سيتعرّض لها لبنان ستنتج عن ذوبان الثلوج إذ إن كميات الثلج ستصبح أقل وستأتي متأخّرة، وتذوب بسرعة بفعل ارتفاع درجة حرارة الأرض، الأمر الذي يحول دون تسرّب المياه إلى باطن طبقات الأرض. وهذا يؤدّي إلى تقلّص مخزون المياه الناتج عن الثلج من 1200 مليون م3 إلى 700 مليون م3 عند ارتفاع درجة الحرارة بمعدّل درجتين، وإلى 350 مليون م3 عند ارتفاع درجة الحرارة بمعدّل 4 درجات.
كلّ ذلك يؤدّي إلى تناقص كمية المياه تباعًا من 2700 مليون م3 إلى 2200 مليون م3 إلى 1850 مليون م3.
إذًا سوف يؤدّي هذا التناقص في الموارد المائية (العرض) المترافق مع زيادة الحاجات (الطلب) إلى مزيد من العجز في الميزانية المائية في لبنان، والذي كان من المتوقّع أن يبلغ في العام 2010 حوالى 600 مليون م3 من المياه، وهذا سيؤدي إلى نتائج بالغة السلبية أبرزها:
- نقص كبير في كميات المياه المخصّصة للشرب والري.
- جفاف مجاري العديد من الأنهر.
- تأثّر محطات توليد الكهرباء.
- تأثّر قطاع السياحة (رياضة الـ Ski).
- تراجع المساحات الزراعية المروية.
- اشتداد النزاعات المحلية والإقليمية على المياه.
- تزايد المخاطر الصحية.
خامسًا: كيف يمكن أن نخفّف من اختلال الأمن المائي في لبنان وبلدان الشرق الأوسط؟
-1على مستوى التعاون الإقليمي
إنطلاقًا من القناعة بأن حق البشر في المياه هو حق ثابت أقرّه جميع الشرائع والأديان والمواثيق الدولية (شرعة حقوق الإنسان عام 1948) فإنه من الضروري للبلدان التي تتشارك في ملكية الأنهار الدولية التوصّل إلى قدر معقول من التعاون البنّاء الذي يؤمّن الفوائد المشتركة للجميع.
كما أن ظروف البلدان نفسها، كنقص التمويل وضعف الموارد، وارتفاع تكاليف الإنتاج... وغير ذلك، يُحتّم عليها التعاون لتحقيق ما ليس بالإمكان أن تحقّقه الدول إفراديًا.
ولقد بذلت الحكومات العربية، كمثال، جهودًا كبيرة لتوفير مياه الشرب للاستخدامات الاقتصادية لمواطنيها، ونتيجة لهذه الجهود اتسعت تغطية احتياجات العرب من المياه من %83 في العام 1990 إلى %85 في العام 2004، إلاّ أن عدد السكان قد ازداد خلال الفترة نفسها من 180،1 مليون نسمة إلى 8،231 مليون نسمة[37].
يمكن للبلدان التي تتشارك في المياه السطحية أو حتى في أحواض المياه الجوفية (المياه الزرقاء) التعاون عن طريق:
أ- اعتماد الإدارة التعاونية المتكاملة للمياه الدولية المشتركة.
ب- اعتماد التمويل المشترك في إقامة مشاريع المياه المشتركة في الأنهار الدولية، والاستغناء قدر الإمكان عن الاقتراض من البنك الدولي أو من الدول.
ج- بناء عنصر الثقة بين البلدان المتعاونة المرتكز في الأساس على المنافع المشتركة، ومواجهة الأخطار المشتركة.
د- اعتماد الحلول الوسطية في حلّ المشاكل التي قد تنشأ، ورفض التحكيم الدولي طالما كان ذلك ممكنًا (اعتماد الدبلوماسية الخضراء).
هـ- تعزيز روح التعاون الإقليمي، لأن المشاكل التي تطاول موضوع المياه: ندرة، جفاف، تصحّر، تلوّث هي أكبر من حدود الدول والأقاليم، وتتطلّب تعاونًا صادقًا وبنّاءً.
و- اعتبار موضوع الاستدامة البيئية موضوعًا إنسانيًا أكثر مما هو وطني يوجب على الدول المتجاورة أو المتشاركة في الثروات المائية الابتعاد عن كل ما يهدّد سلامة البيئة، واستدامة الموارد فيها، وبخاصة الموارد المائية.
ز- نشر التوعية حول مخاطر التغيّرات المناخية والآثار التدميرية للمياه وكل ما يؤدّي إلى زيادة هذه المخاطر.
ح- إشراك هيئات المجتمع المدني وجميع المؤسسات (نقابات، أحزاب... وغير ذلك) في تفعيل النقاش حول الحفاظ على الموارد المائية، والتعاون الإقليمي في الحفاظ عليها.
ط- إنشاء مراكز أبحاث إقليمية متخصصة بأمن المياه وأمن الغذاء أيضًا، لأن الأمن الغذائي يرتبط بالأمن المائي أولاً، فالزراعة في المنطقة العربية تستهلك أكثر من ثلثي المياه العذبة.
ي- اعتماد سياسة الربط الكهربائي بين الدول المتشاركة في الأنهار الدولية، لأن الطاقة الكهربائية ترتبط أيضًا بموضوع أمن المياه، والتعاون في مجال تلك الطاقة يعزّز التعاون في مجال المياه.
ونشير هنا إلى تجربتين مهمتين في إدارة الأنهار الكبرى وهما: اللجنة الدولية لحماية نهر الدانوب، واللجنة الدولية لحماية نهر الراين. فالدول المشاطئة للدانوب تتعاون بشكل كامل لحماية النهر عبر التركيز على أربعة مجالات رئيسة هي: التكيّف مع تغيّرات المناخ، طاقة المياه، الزراعة والنقل النهري. وتتميّز التجربة بالحرص على مشاركة الجمعيات الأهلية ورجال الأعمال في مشاريع إدارة النهر، إذ جرى تأسيس "جمعية الأعمال الصديقة للدانوب"، لنشر أفكار الإدارة البيئية المستدامة، وإنشاء مشاريع تساعد على استثمار النهر وموارده وحوضه بأفضل الطرق، ونشر التوعية الجماهيرية للاهتمام به على غرار تنظيم نشاطات شعبية واسعة في يوم نهر الدانوب، الذي يوافق سنويًا في 29 حزيران/يونيو.
أما اللجنة الدولية لمياه الراين فقد بذلت منذ عقد الستينيات من القرن الماضي (العشرين)، جهودًا كبيرة لإدارة مياه النهر وحمايته من التلوّث، إضافة إلى الإهتمام بموارده وبيئته الطبيعية وحوضه وفروعه. وتتميّز اللجنة بالمراقبة مع جهات متنوّعة ومؤسسات علمية مختلفة، إضافة إلى مجموعة عمل دولية وهيئات تنسيق مع مؤسسات حكومية وجامعات ومعاهد بحوث[38].
-2 على المستوى الوطني (لبنان بشكل خاص)
حيث أن الآثار التدميرية التي يمكن أن تنتج عن فائض المياه (فيضانات، أعاصير وغيرها)، نادرة إجمالاً في المنطقة العربية، فإننا سوف نركّز على الآثار الناتجة عن الندرة والشحائح، وعلى تأمين المياه لأغراض الاستعمال المنزلي والزراعة وغير ذلك.
على الرغم من الصورة المتشائمة التي قدّمها البحث، إلاّ أننا نرى أنه مازال بالإمكان عمل الكثير للحؤول دون تفاقم الاختلال المائي في لبنان.
وهذا يفترض اعتماد حلول وإجراءات آنية مستعجلة وأخرى مستقبلية على المديين المتوسط والبعيد.
-3 الحلول والإجراءات على المدى القريب
تتمثّل نقطة البداية في الحد من الاختلال المائي في لبنان بمعالجة مشكلة الهدر الكبير في المياه، من خلال بعض الإجراءات، ومنها:
- الاستهلاك الرشيد للمياه من خلال الحوافز والتوعية، نشير هنا إلى أن استهلاك الفرد السنوي في دول عربية كالسعودية ولبنان ومصر والعراق والكويت يراوح بين 70 و100 متر مكعب من المياه في السنة، بينما لا يصل استهلاك الشخص في ألمانيا إلى 60 متر مكعب[39].
- استخدام الحنفية الذكية.
- إعادة تأهيل محطات ضخ المياه وخطوط الجر والتوزيع والخزانات وشبكات الري.
- إعادة النظر في سياسة تسعير المياه، والكف عن اعتبار المياه سلعة مجانية أو شبه مجانية، واعتماد نظام العدادات بهدف تأمين العدالة في دفع المتوجبات المالية من المواطنين وتحفيزهم على تخفيف استهلاكهم من هذه المادة التي أصبحت محدودة، بل نادرة.
- مراقبة توزيع المياه بشكل يمنع تمكّن بعض المنتفعين من التلاعب والسرقة.
- الحد من تلوّث المياه وإجبار الملوثين على "إزالة ما أحدثوه في البيئة من تلوّث وتغريم من يقوم بتلويثها. ومن شأن اعتماد سياسة حكومية صارمة في هذا الشأن الحد من استهلاك المياه ودفع الشركات إلى البحث عن تكنولوجيا تحدّ من تلوّث المصادر المائية.
- الحد من إعطاء رخص استخراج المياه الجوفية خصوصًا على الساحل. فاستمرار الضخ المفرط للمياه من الآبار الجوفية في بيروت مثلاً (10 آلاف بئر) أدّى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية الحلوة وتسرّب مياه البحر إلى الآبار. وهذا أدى إلى تلويث المياه بمادتي الكلوريد والكبريت في مدينة بيروت والضاحية الجنوبية، إذ أظهرت دراسة بعض العيّنات المائية وصول معدّل الأملاح ومجمل الموارد الذائبة إلى 5000 مليغرام في الليتر، بينما المعدّل المسموح به هو 500 ملغ من هذه المواد و250 مليغرام فقط بالنسبة لمادتي الكلوريد والكبريت[40].
- إطلاق حملة توعية تشرح التغيّرات المناخية والمائية الحاصلة وتعويد الناس التعاطي مع هذه التغيّرات بوعي ومسؤولية.
- خفض الهدر المخيف للغذاء، مع الإشارة إلى أن 30 % من الغذاء المنتج عالميًا لا يؤكل على الإطلاق، وكميات المياه الهائلة المستهلكة في إنتاجه تفقد بشكل نهائي.
- ضرورة اتباع البشر نظمًا غذائية أكثر صحة واستدامة.
- استهلاك كميات أقل من المنتجات المستنفذة للمياه.
-4 على المديين المتوسط والبعيد
- حماية الموارد المائية والحفاظ على النظم الإيكولوجية التي تعزّز وفرتها، ومنها الغابات.
- تعزيز عرض المياه سواء بأساليب تقليدية مثل تحويل بعض الأنهار واستحداث بعض الأقنية والسدود، أو باعتماد أساليب غير تقليدية مثل تحلية مياه البحر وإعادة تدوير المياه المستعملة ومنها مياه الصرف.
- التوسّع في إنشاء السدود والبحيرات الجبلية الأمر الذي يعزّز كمية المياه السطحية المتجدّدة.
- إعادة تأهيل محطات قياس المطر وكيل الأنهار حيث أن أكثرها لا يعمل بسبب الإهمال والتعديات.
- اعتماد استراتيجية وطنية تنظّم استخدام المياه بما يتناسب مع مدى توافرها ومع حاجات الاستدامة البيئية.
- دعم المزارعين بتقديم تقنيات الري الحديثة بأسعار زهيدة أو بقروض ميسرة إضافة إلى تقديم الاستشارة المجانية في الفترة الأولى.
- تشجيع الزراعات البعلية وتلك التي لا تتطلّب استهلاكًا مكثفًا للمياه كالزيتون، الحبوب، البقول والنخيل، على حساب زراعة الخضر والفواكه المخصصة للتصدير والتي تستهلك المياه بكثافة.
- تطوير نباتات جديدة أكثر قدرة على تحمّل الجفاف.
- تكييف سياسات إدارة المياه وممارساتها مع التغيّر المناخي للمساهمة في الحد من مخاطر الكوارث الطبيعية المتصلة بالمياه.
- اعتماد طرق حديثة في الري كطرق الرش والتنقيط التي تحقّق وفرًا في المياه المستخدمة في الري.
- تنظيم نموّ السكان والحد من النزوح الريفي إلى المدن.
- استكمال تنفيذ دمج مصالح المياه المتعددة.
خاتمة
تقع بلدان الشرق الأوسط ضمن المناطق الجافة أو شبه الجافة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، وطالما عانى عدد كبير من هذه الدول شح المياه، غير أن حصة الفرد سنويًا تراجعت من 3500 متر مكعب في العام 1960 إلى أقل من 1000 متر مكعب في العام 2010، وذلك بفعل الزيادة السكانية المفرطة والتغيّرات المناخية وفرط الاستهلاك.
وقد شكل إنتاج النفط والغاز عنصر ضغط على موارد المياه في هذه المنطقة، إذ إن التنمية السريعة وارتفاع معدّلات التحضّر وارتفاع مستويات المعيشة، فرضت ارتفاعًا كبيرًا في معدلات استهلاك المياه خصوصًا في المدن.
كما أن شح المياه لم يعد محصورًا ببلدان الشرق الأوسط الفقيرة بمصادر المياه، بل أصبح يطاول حاليًا بلدانًا كانت تنعم بمعدّلات مهمة لنصيب الفرد من المياه مثل السودان، مصر، العراق وإلى حد ما سوريا. حتى أن لبنان الذي طالما اعتبر بأنه قصر للمياه لم يعد آمنًا مائيًا بسبب تناقص موارده المائية، والإفراط في الاستهلاك والهدر والتلوّث لديه، وتسرّب جزء مهم من مياهه إلى الدول المجاورة.
ومن المتوقع استفحال أزمة المياه في المنطقة العربية إلى حدّ انعدام الأمن المائي فيها في حال استمرار ارتفاع حرارة الأرض واستمرار الإفراط في الاستهلاك الأمر الذي يؤثّر سلبًا على الأمن الغذائي أيضًا في منطقة تشهد واحدًا من أعلى معدّلات الزيادة السكانية في العالم.
إنه لمن الصعوبة بمكان التّصدي لظاهرة اختلال الأمن المائي في بلدان الشرق الأوسط في المدى القريب، إنما يمكن لبعض السياسات والتدابير والإجراءات أن توقف زيادة هذا الاختلال وتخفيفه، من خلال اعتماد سياسات مائية جديدة تعزّز التعاون الإقليمي بين الدول التي تتشارك في المياه السطحية وحتى الجوفية، وأخرى وطنية تنطلق من إجراء رصد دقيق للموارد المائية للدولة، وتكييف عملية استهلاك المياه بما يتناسب مع حجم هذه الموارد وطبيعتها ومع التغيّرات المناخية المتوقّعة.
يتمثّل التعاون الإقليمي المنشود في المجال المائي ببناء عنصر الثقة بين الدول المتشاركة في المياه، تعزيز روح التعاون الإقليمي، اعتماد الحوار في حلّ المشكلات المائية، اعتماد التمويل المشترك للمشاريع القائمة على الأنهر الدولية، اعتماد الإدارة التعاونية المتكاملة للمياه الدولية المشتركة وإشراك مؤسسات المجتمع المدني فيها، نشر التوعية حول أخطار التغيّرات المناخية على المياه، وعلى الاستدامة البيئية، واعتماد سياسة الربط الكهربائي بين البلدان المتشاركة في الأنهار الدولية وإنشاء مراكز أبحاث إقليمية متخصصة بأمن المياه وأمن الغذاء.
أما على المستوى الوطني فنقترح اعتماد سياسات قريبة الأمد وأخرى متوسطة وبعيدة الأمد.
تتمثل السياسات قريبة الأمد بـ: تشجيع الاستهلاك الرشيد للمياه، استخدام الحنفية الذكية، خفض هدر الغذاء واستهلاك كميات أقل من المنتجات المستنفذة للمياه، واتباع نظم غذائية أكثر صحة واستدامة، إعادة النظر في تسعير المياه لجهة عدم اعتبارها سلعة مجانية أو شبه مجانية، الحدّ من تلوّث المياه، الحدّ من إعطاء رخص استخراج المياه الجوفية، مراقبة توزيع المياه وإعادة تأهيل محطات الضخ والخزانات وخطوط الجر، وإطلاق حملة توعية حول التغيّرات المناخية وتأثيرها على الموارد المائية.
وتتمثّل السياسات متوسطة وبعيدة الأمد بـ: حماية الموارد المائية، حماية النظم الإيكولوجية وبخاصة الغابات، تكييف سياسة إدارة المياه مع التغيّرات المناخية، تعزيز عرض المياه من خلال تحويل مجاري بعض الأنهار وإنشاء السدود والبحيرات، اعتماد طرق حديثة في الري (الري بالتنقيط مثلاً)، اعتماد استراتيجية وطنية تنظّم استخدام المياه مع حاجات البيئة المستدامة، دعم المزارعين بتقديم تقنيات الريّ الحديثة، تشجيع الزراعات البعلية وتطوير نباتات جديدة أكثر قدرة على الجفاف، تنظيم نمو السكان والحد من النزوح الرّيفي.
[1]- تقرير التنمية الإنسانية العربية صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي¡ 2009¡ ص 2 و3.
[2]- تقرير التنمية البشرية للعام 2006 – صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP.
[3]- في الواقع كان تقدّم البشرية منذ أقدم العصور وحتى اليوم يتحدّد على ضوء نجاح المجتمعات أو فشلها في تطويع مصادر المياه، مع الحد من طاقاتها التدميرية (إشارة من الباحث).
[4]- التقرير الأهلي اللبناني حول التنمية المستدامة تحضيرًا لقمة الأرض الثانية في جوهانسبرغ، ص9، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة ومنظمة اليونيسف، آب/أغسطس 2002.
[5]- سامر مخيمر وخالد حجازي، "أزمة المياه في المنطقة العربية"، كتاب عالم المعرفة العدد 209، أيار/مايو1996، المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب، الكويت، ص 7.
[6]- تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص. 134 .
[7]- محمد رضوان الخولي، "التصحر في الوطن العربي"، ص 21 و29، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت لبنان، الطبعة الثانية 1990.
[8]- تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 137.
[9]- المصدر نفسه، ص 135.
[10]- تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 10،
[11]- إيان. ج سيمونز، "البيئة والإنسان عبر العصور"، ترجمة السيد محمد عثمان، عالم المعرفة، العدد 222، حزيران/1997، ص 199، المركز الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
[12]- الإقتصاد العربي، "التطورات والإتجاهات والمرامي"، التقرير السنوي العام للإتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية لعام 1998 ص 68 – 69 .
[13]- تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 10، 89.
[14]- تقرير التنمية البشرية للعام 2006، مصدر سابق، ص 19.
[15]- تقرير التنمية البشرية للعامين 2008/2007 ص 26، صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP.
[16]- تقرير التنمية الإنسانية العربية العام 2009، مصدر سابق، ص 2 و3.
[17]- المصدر نفسه ص 3.
[18]- تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009، مصدر سابق، ص 4.
[19]- المصدر نفسه، ص 37.
[20]- المصدر نفسه، نفس الصفحة.
[21]- من ملخص عن تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية "أفد" 2010 نشرته جريدة الحياة في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2010.
[22]- المصدر نفسه.
[23]- عادل بشناق (مؤسس ورئيس المنتدى السعودي للمياه والطاقة وأول رئيس عربي لجمعية التحلية الدولية)، مقالة في جريدة الحياة بعنوان "العرب يشربون البحر"، كانون الأول/ديسمبر 2010.
[24]- تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية، مصدر سابق.
[25]- جريدة الحياة 1/4/2012.
[26]- جريدة الحياة، 28/4/2013.
[27]- جريدة الحياة، 7/4/2011.
[28]- جريدة الحياة، 7/4/2011.
[29]- جريدة الحياة، 1/4/2011.
[30]- مقالة محمد شومان بعنوان "أمن مصر المائي، فشل الحكم والمعارضة"، جريدة الحياة في 9/6/2013.
[31]- مقالة مصطفى سعد بعنوان "مصر وأثيوبيا ماذا بعد تحويل النهر"، جريدة الحياة في 17/6/2013.
[32]- جريدة الحياة 30/9/2010 استنادًا إلى بيانات تم تقديمها في مؤتمر دولي في دمشق لمواجهة العجز المتزايد في المياه.
[33]- جريدة الحياة، 22/9/2010.
[34]- جريدة الحياة، 23/10/2010.
[35]- المهندس بسام جابر، "مشكلة المياه في لبنان"، ورقة عمل مقدمة في ندوة نظمها مركز الدراسات والبحوث والتوثيق تحت عنوان "مشكلة المياه في الشرق والأوسط"، الجزء الأول، ص 31 و32، مطبوعات المركز نفسه، كانون الأول/دسمبر 1994.
[36]- المهندس بسام جابر، مصدر سابق، ص 36 و37.
[37]- تقرير التنمية الإنسانية العربية، مصدر سابق، ص 39.
[38]- مقتطفات من تقريرين قدمهما المدير التنفيذي للجنة الدولية لحماية نهر الدانوب فيليب ويلر، والرئيس السابق للجنة مياه الراين مانغريد سبريفكو، إلى المؤتمر الدولي حول المياه في إسطنبول ونشرت ملخّصًا عنهما جريدة الحياة في عدد 28 نيسان/أبريل 2013.
[39]- إبراهيم محمد، "الإدارة المتوازنة للثورة المائية العربية تعزّز التنمية العربية"، مقالة منشورة في جريدة الحياة في 28/6/2013.
[40]- تحقيق لمارك سعادة منشور في جريدة الحياة، في 5/1/2011.
Water security in Lebanon and the Middle East countries
In the early nineties of the 20th Century, the Humanitarian Development report issued by the United Nations for the year 1990 put forth the idea of humanitarian security as a framework which surpasses the classic perspective for the idea of national security which was restricted to the military and security sides.
Later on, the mentioned report defined humanitarian security (2006) as being represented by the availability of security against any unpredicted events leading into turmoil and instability threatening the livelihood of men.
The report considered that water security makes an indivisible part of this new and comprehensive concept of humanitarian security to the extent that the unavailability of favorable conditions to ensure water security obstructs the consummation or non-consummation of humanitarian security.
Following the World Financial Crisis in 2008 and what accompanied this crisis such as the economic, social and environmental dangers, the Arab Humanitarian Development report issued by the United Nations Development Program for the year 2009 launched the “human security” concept and considered it as the pivotal pillar of humanitarian development. The report also considered that the environmental dangers come at the top of the dangers threatening humanitarian security and put forth that water problems such as its rarity, exhaustion and pollution come at the forefront of these environmental dangers.
Hence, what is water security? Why wasn’t this security concept tackled until recently? What are the reasons behind the instability of water security during the past decades in developing nations in general and specifically in Lebanon and the Middle East Nations? How can water security be accomplished in Lebanon?
This is what we will attempt to answer in this study which will exclusively tackle the issue of Water Security in the Arab Middle East Nations, in West Asia and in the Israeli entity due to its existence in the Arab world and the resemblance between water problems facing the Israeli entity and with the problems of the surrounding Arabic region.
La sécurité hydraulique au Liban et dans les pays du Moyen Orient
Au début des années 90 du 20ème siècle, le rapport sur le développement humanitaire émis en 1990 par les Nations Unie, évoque l’idée de la sécurité humanitaire comme étant le cadre qui dépasse la vision classique de l’idée de la sécurité nationale, qui était limitée aux aspects militaires et sécuritaires.
Ultérieurement, un autre numéro du rapport cité (2006) identifia la sécurité humanitaire comme étant la protection contre tout incident imprévisible susceptible de perturber la vie des êtres humains. Le rapport a considéré que la sécurité de l’eau ou la sécurité hydraulique constitue une partie intégrante de ce concept tout nouveau et compréhensif de la sécurité (humaine) à un tel point que l’absence des circonstances favorables pour assurer la sécurité hydraulique empêche par la suite la réalisation de la sécurité humaine, même annule sa présence.
A l’issu de la crise financière mondiale (2008), avec les risques économiques, sociaux et environnementaux qui l’ont accompagné, le rapport du développement humanitaire arabe émis par le programme de développement des Nations Unies en 2009, a lancé le concept de la “sécurité de l’être”, et il fut considéré le pilier du développement humanitaire. Le rapport a également considéré que les dangers écologiques s’inscrivent à la tête des dangers menaçant la sécurité de l’être humain, et que les problèmes de l’eau, comme rareté et pollution proviennent de ces dangers écologiques.
Quelle est donc la sécurité hydraulique? Pourquoi ce concept de sécurité n’a été évoqué que récemment? Quelles sont les raisons de la déstabilisation de la sécurité hydraulique lors des derniers décennies dans les pays en voie de développement en général, et au Liban et les pays du Moyen Orient en particulier? Comment peut-on assurer la sécurité hydraulique au Liban?
On va essayer de trouver des réponses à ces questions dans cette recherche qui évoquera surtout le sujet de la sécurité hydraulique dans les pays arabes du Moyen Orient, à l’Ouest de l’Asie, au Nord de l’Afrique et dans l’entité israélienne en raison de sa présence dans le monde arabe et des similitudes au niveau des problèmes de l’eau se trouvant dans cette entité avec les conflits de la région arabe qui l’entoure