- En
- Fr
- عربي
كلمات
العميد الركن الياس فرحات - مدير التوجيه
الأسبوع الفائت، استقبل لبنان أسراه المحررين على ارض المطار استقبال أبطال عائدين من أسر طويل ذاقوا خلاله مرارة التعذيب، وحرموا من الشمس والنسيم وكل ما اعطاه الله لبني البشر من مظاهر الحرية. أسرانا هم مقاومون ابطال تصدوا للعدو الإسرائيلي وقارعوه رغم تفاوت القوى مستندين الى إيمان عميق بحقهم، مصممين بملء الإرادة على المضي في المقاومة حتى كان الأسر وكان العذاب... وكانت الحرية في الختام.
الحرية هذه، هي ثمرة تبادل أسرى بين المقاومة والعدو، هذا التبادل جعل تحرير أسرانا شريفاً قوياً من دون منّة أو طلب تنازل أو تراجع عن مبدأ وقضية. هكذا أرغم العدو على القيام بعمله هذا تحت تأثير وجود أسرى له لدى المقاومة، فكانت عملية التبادل الحدث الأبرز في العالم.
لقد أدت العملية الى اهتزاز قوة الردع الإسرائيلية بعد اهتزازات سابقة من جراء اعمال المقاومة اللبنانية، والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في وجه ضربات الاحتلال. المقاومة اللبنانية، بدعم الدولة والشعب، وبدعم سوري شقيق، استطاعت دحر العدو عن أرض الوطن، واستعادة الأسرى. أما اليوم الذي ستستعاد فيه حرية الشعب الفلسطيني فبات قريباً بفضل مقاومته الشعبية للاحتلال. وفي تعليق إسرائيلي على ما يحدث، قال عضو كتلة ميرتس يوسي سريد: "ان قوة الردع الإسرائيلية فشلت واصبحت على كفي عفريت". بينما قال أريه الداد من حزب الاتحاد الوطني المتطرف: "ان قوة الردع الإسرائيلية سُحقت حتى التراب في هذه الصفقة". وهكذا نرى بعض ما يدور داخل الأروقة السياسية الإسرائيلية من تجاذب وجدل حول قوة الردع الإسرائيلية المزعزعة، حتى ان معلّقاً تلفزيونياً إسرائيلياً اعتبر ان اسرائيل لم تصمد امام اضعف اعدائها وهم اللبنانيون والفلسطينيون.
الردع الناشئ من الذراع العسكرية القوية استطاع في وقت من الأوقات ضرب اهداف في البحر الأحمر وتونس وكينيا وبغداد... مستخدماً أحدث الآلات العسكرية، ومستنداً الى معلومات استخبارية باهظة التكاليف. هذا الردع بدأ يهتز تحت ضربات المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية. لم تنفع التهديدات، ولم تنفع اعمال القتل، ولم تنفع اعمال جرف المنازل، ولم ينفع ضرب البنى التحتية، ولم ينفع بناء جدار الفصل العنصري. في وقت اهتزازه، طلب شارون مهلة مائة يوم لإنهاء الإنتفاضة، ومرت المهلة وبعدها مهل ومهل، وما زالت جذور الانتفاضة مشتعلة تنير عقول العالم نحو الحق الضائع للشعب الفلسطيني.
وتأتي قوة الردع الإسرائيلي المذكور ايضاً من قوة المال الصهيوني في العالم، إذ يتدفق على الكيان العنصري العدو ما يربو على عشرة آلاف مليار دولار كل عام من جراء مساعدات وهبات وتبرعات، كما انها تأتي من تحكم الأوساط الصهيونية بمعظم وسائل الإعلام المسموع والمكتوب في العالم التي تمارس الإعلام الإرهابي والمخطط والمنظم على طريقتها، فتظهر الجلاد ضحية، معتمدة الأسلوب النازي الغوبلزي في الإكثار من الكذب في الصحف وعلى الشاشات وفي الأفلام السينمائية والدراسات والإعلانات وغيرها من مؤثرات الرأي العام، حتى تتوصل الى قلب الحقائق رأساً على عقب، فيصبح المقاتلون من اجل الحرية إرهابيين، والإرهابيون مكافحين للإرهاب. لكن الكذب وطمس الحقائق لا يصمدان امام الحقيقة الناصعة، وهي ان إسرائيل تعتدي حين تحتل أراضي بعض الدول العربية المجاورة. هي تعتدي حين تهاجم لبنان وتقتل الاطفال في قانا وتدمّر محطات تحويل الكهرباء في بصاليم والجمهور. وهي تعتدي حين تعتقل آلاف الفلسطينيين. وهي تعتدي حين تحتل الأراضي الفلسطينية وتقمع ابناءها الشرعيين...
ان قوة الردع الإعلامية العسكرية والمالية والاقتصادية في إسرائيل بدأت تهتز. وان كانت المقاومة اللبنانية ارهابية، وحزب الله تحديداً ارهابياً، فكيف يجري التفاوض مع ارهابي، والتفاوض يكون بين المتحاربين؟ لنسلّم جدلاً ان حزب الله ارهابي، فلماذا يفاوضونه؟ انه فريق محارب على الأقل، بغض النظر عن عدالة القضية، والنزاع بين المتحاربين والمتنازعين يحتاج للحل، وأي جمهور وسيط أو محايد عليه ان ينظر بعين واحدة وبمعيار واحد الى كل من الطرفين حتى تكون وساطته مقبولة.
سقط الردع الإعلامي الإسرائيلي باعتبار المقاومة ارهاباً. انها طرف محارب من اجل قضية عادلة، وبصمودها وصمود الشعب الذي يقف وراءها، وثبات الموقف الوطني الداعم لها، سيتم الاعتراف بها وستتم تسمية الاحتلال باسمه.
ان التهديدات والاعتداءات، رغم قساوتهـا وبشاعتها، لم تغير موقف الشعب اللبناني ولا الشعـب الفلسطـيني ولا الشعوب العربية، فإسرائيـل بعين الجميع معتدية غاصبـة ارهابية، والوحش الإسرائيلي لم يعد مخيفاً، صحيح انه كاسر، وصحيح انه قوي، لكنه اليـوم جريح بفعل نيران المقاومة والانتفاضة. هذا الوحـش الجريح قد يقـدم على اعمال غير مسؤولـة، من يدري ما هي؟ لكن، وفي مطلق الاحوال، لا بد وان يخرّ صريعاً امام ضربات الحق والحقيقة.