- En
- Fr
- عربي
رحلة في الإنسان
من المعروف أن نسبة الذكاء الموجودة لدى الفرد، تبرز في وضوح في حال التركيز على العمل. لكن يحصل أحيانًا أن معظمنا يفقد هذه المقدرة لأسباب مختلفة في مقدّمها الشرود، أو التلهي بالأفكار الجانبية، وهو ما يحد من نسبة الذكاء، كونه يمنع القدرات الذاتية من تحقيق أهدافها.
كيف نحرّر ذكاءنا من القيود، وما هي الطرق المقترحة من أجل تنمية هذه القدرات، وزيادة حدة الذكاء؟
الأفكار الجانبية والتشويش الذهني
حسب الباحثين في علم النفس، فإن الأفكار الجانبية التي تمنع التركيز، وتعرقل سير العمل، تخلّف تشويشًا داخليًا سببه الإنشغال بأمور حياتية عالقة. وفي حال دخول هذه الدوّامة يصبح من الصعب اكتساب المقدرة على تحقيق الأهداف أو النجاح في العمل، فالشرود الذهني يبدّد التفكير العقلاني ويخلق شخضية قلقة وعاجزة عن خوض معترك الحياة.
ولقد قامت مجموعة من الباحثين بدراسة مفهوم انحدار التفكير العقلاني، وكانت النتيجة استخدام معيار من أجل تقييم المعنيين بالشرود. ومن خلال هذا المعيار يتم الوصول إلى النتائج المنوي تحقيقها، ومن أهمها: تنمية القدرات المعرفية، والإنتباه والمقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، ووضع الخطط المستقبليّة ومقاومة الإغراءات غير السويّة. وفي حال الوصول إلى هذه النتائج، يصبح من البديهي القول إن المعنيين يصبحون قادرين على استخدام أقصى درجات مخزون ذكائهم، وهو ما يمكنهم من التحكم بردات فعلهم الفطرية، ويوصلهم إلى تحقيق أهدافهم. وهذا لا يتم إلّا بعدما يصبحون قادرين على معالجة الحاجات الحياتية الضاغطة التي تفقدهم المقدرة على التركيز.
آلية اسخدام معيار التقييم
في الواقع، إن المعيار المشار إليه يعتمده الباحثون من أجل تغطية بعدين بالغي الأهمية هما، القدرات المعرفية، والرقابة الذاتية على القدرات التنفيذية.
يشمل البعد الأول، حلّ المشاكل العالقة، والحصول على المعلومات، بالإضافة إلى التمكن من التحليل العقلاني.
أما البعد الثاني فيشير إلى الطرق الشخصية المتبعة في استخدام القدرات المعرفيّة ومنها، الإنتباه، ومتابعة سير العمل. وهذا يعني أن المهتمين بهذا الحقل يتابعون عن كثب تقلّبات استخدام المعنيين قدرات ذكائهم الفطري في مختلف الظروف الحياتية.
ولا بد من الإشارة هنا إلى دراسة تناولت مجموعات من الأشخاص الذين خضعوا لاختبارات الذكاء. وكانت النتيجة أن الذين تميّزوا بدرجات مرتفعة، تراجع أداؤهم في مراحل سيطر عليها التشويش الذهني لأسباب نأتي على ذكرها.
ما الذي يسبب التشويش الذهني؟
حسب الدراسة المشار إليها، فإن الأمور الحياتية العالقة التي تشغل الكثيرين، لا تحد من العمل البناء إلا في حالات الضغوط القصوى. وهي تشمل عمومًا الخوف من المرض والموت، والرزوح تحت كاهل الفقر والعوز. هذا بالإضافة إلى الخوف من الوحدة، وخصوصًا على أثر تشرذم العائلة بفعل الموت أو الطلاق.
هذه المؤثرات تعطّل في حال تفاقمها عمل الخلايا العصبية الدماغية في المناطق التي يتم من خلالها التحليل العقلاني، وضبط الأمور الحياتية، ولا ننسى تأثيرها على النوم. فالحرمان من النوم يمنع من إعادة تقييم الأوضاع الضاغطة ويزيد الأمر سوءًا.
من هنا القول إن تفاقم تأثير الشرود على العمل، وخصوصًا في حال وجود المسبّبات الآنف ذكرها، يصبح حالة مرضية تستدعي العلاج، وهنا أهمية تفعيل الرقابة الذاتية. فهذه الرقابة تنمي الوعي، وتهدف إلى حلّ المشكلة من جذورها. وهذا بالطبع يطلق العنان لعمل مناطق التحكم الدماغية، ويحرر الذكاء من ضغوط الواقع.
لنعطِ أنفسنا فسحة للتفكير
إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن الشرود يحصل نتيجة اهتمامات مختلفة، يكون من الضروري معالجة طريقة التركيز على هذه الإهتمامات من أجل منح المعنيين فرصة للتفكير العقلاني.
إن حجم المؤثرات الناجمة عن الشرود، يطاول كما هو معروف مدى الصبر والإحتمال والمداومة على العمل، وهي جميعها مقومات تتموقع في ظل الشخصية الفردية.
فعندما تثور أعصاب الأم المتعبة ماديًا على صغيرتها مثلًا، تبدو وكأنها أمٌ سيئة. وعندما يعجز طالب مرهق عن الإجابة على سؤال سهل، يبدو وكأنه أحمق وغبي.
هذه الصفات التي تبرز للعيان لا تعكس في الواقع شخصية أصحابها الفعلية، بل ظلال المؤثرات الخارجية المتداخلة وطريقة أداء هذه الشخصية.
المهم إذن أن نتعلّم كيف نتعامل مع هذه المؤثرات من أجل تجنّب انعكاساتها على شخصيتنا وعلى سير العمل. وهذا يتطلب فسحة زمنية، أو استراحة يتسنّى لنا من خلالها مراقبة ذواتنا بعيدًا عن الضغوط. والأهم أن نتعمق في دراسة مشكلاتنا وصولًا إلى حلول مرضية لأوضاعنا الحياتية.
تبقى آفة الشرود المزمن من أولويات اهتمامات الباحثين المتطلعين إلى تزويد العقل البشري طاقات فاعلة. وغني عن القول إن النجاح في معالجة هذه الآفة لا يوصل إلى حالة صفاء ذهني فحسب، بل إلى استقرار نفسي، تتبلور من خلاله مقومات الشخصية لتطغى على ما عداها. وهذه الحالة بالذات هي التي نحتاجها من أجل تفعيل قدرات ذكائنا.